الفن أو الفنون هي نتاج إبداعي إنساني، وتعتبر لونا من الثقافة الإنسانية، لأنها تعبيرٌ عن الذاتية، وليس تعبيرا عن حاجة الإنسان لمتطلبات حياته رغم أن بعض العلماء يعتبرون الفن ضرورة حياتية للإنسان كالماء والطعام.
ويُعتبرُ الفنُّ نتاجٌا إبداعيّاٌ للإنسان حيث يشكّل فيه الموادَّ لتعبّـر عن فكره، أو يترجم أحاسيسه، أو ما يراه من صور، وأشكال يجسدها في أعماله.
المعنى الدلالي لكلمة(فن)
وحاليا تستخدم كلمة (فن) لتدلّ على أعمال إبداعيةٍ تخضع للحاسة العامة كفن الرقص، أو الموسيقى، أو الغناء، أو الكتابة،أو التأليف، أو التلحين وهذه تعبيرٌ عن الموهبة الإبداعية في العديد من المهارات الفنية، والبشر بدؤوا في ممارسة الفنون منذ 30 ألف سنة. وكان الرسم يتكون من أشكال الحيوانات، وعلامات تجريدية رمزية فوق جدران الكهوف.ومنذ آلاف السنين كان البشر يتحلّون بالزينة، والمجوهرات، والأصباغ.
“الفن” هو التّعبير الجماليّ عن فكرة أو ذوق معيّن، و هو ميدان جدّ واسع و ثريّ مثل الرّسم، المسرح، الطّبخ،السّينما، الموسيقى، فن العمارة، فنون التلوين، التصميم… إلخ، فكلّ هذه فنون لها ميادينها الخاصّة بها، و هناك من يعرّف الفنّ بكونه النّشاط الإنسانيّ الذي يحمل دلالات الوجدان والإحساس والشّعور. (بصمة النّفس الإنسانيّة)..
ولعلّ الوظيفة الرئيسة للفن هي تهذيب النّفس البشريّة، و الارتقاء بها إلى أعلى مراتب التعبير الجماليّ.
من قديم عبّر ويعبّر الفن عن الهُويّة
وفي معظم المجتمعات القديمة الكبرى كانت تُـعرف هوية الإنسان من خلال الأشكال الفنية التعبيرية التي تدلّ عليه كما في نماذج ملابسه, وطُـرُزها، وزخرفة الجسم، وتزيينه، وعادات الرقص، أو من الاحتفالية، أو الرمزية الجماعية الإشاراتية التي كانت تتمثل في التوتم (مادة) الذي يدل علي قبيلته أو عشيرته. وكان التوتم يُـزخرف بالنقش ليرويَ قصة أسلافه، أو تاريخهم. وفي المجتمعات الصغيرة كانت الفنون تعبر عن حياتها، أو ثقافتها.. فكانت الاحتفالات، والرقص يعبران عن سير أجدادهم،وأساطيرهم حول الخلْـق، أو مواعظَ، ودروس تثقيفية.
الكثير من الشعوب كانت تتخذ من الفن وسيلة لنيْـل العون من العالم الروحاني في حياتهم. وفي المجتمعات الكبرى كان الحكام يستأجرون الفنانين للقيام بأعمال تخدم اتّجاههم السياسي، كما كان في بلاد الأنكا بأمريكا اللاّتينية؛ فلقد كانت الطبقة الراقية تُـقبل على الملابس،والمجوهرات، والمشغولات المعدنية الخاصة بزينتهم إبان القرنين 15م. و16 م. لتدل على وضعهم الاجتماعي، بينما كانت الطبقة الدنيا تلبس الملابس الخشنة والرثة.
الفنون في نسيج حياتنا المعاصرة
وحاليا نجد أن الفنون تُوظّف في المجتمعات الكبرى لغرض تجاري، أو سياسي، أو ديني، أو ثقافي، أو إشهاري، وتخضع للحماية الفكرية..وإنْ كان هذا نسبيا، حيث عملية القرصنة انتشرت بشكْلٍ واسعٍ لعدّة عوامل موضوعية، وأخرى غير موضوعية، لا يتّسع مجال هذا الكتاب لعرْضها، وتحليلها.
تعدّدت أنـــــــواع الفنون
الفنون، منها ما ساير التاريخ منذ القِدم، ومنها ما ظهر حديثا. اليوم هناك فنون جميلة مثل التصوير، والنحت، والحفر، والعمارة،والرسم. وهناك فنون كالموسيقى،والأدب، والرقص، والمسرح. كما ظهر في السبعينيات مصطلح الفنون الإعلامية، وهي تشمل فن السينما،وفن الفيديو، وفنون إلكترونية، وفنون الأنترنت. وكذلك فن الإشهار المعاصر.
كما أنّ هناك فنونا مادية كالرسم،والنحت،والزخرفة،وصُنْع الفخار،والنسيج،والطبخ، والفنون الغير مادية نجدها في الموسيقي، والرقص، والدراما المسرحية، والإبداع القصصي والروائي.
وهناك فنون بصرية كالرسم، والنحت،والعمارة،والتصوير، وفنون زخرفية، وأعمال يدوية وغيرها من الأعمال المرئية.
المعنى العام للفن
إن الفنّ بالمعنى العام هو جملة القواعد المُتّبعة لتحصيل غاية معيّنة: جمالا كانت، أو خيرا، أو منفعة. فإذا كانت هذه الغاية هي تحقيقَ الجمالِ، سُمّي بالفنّ الجميل، وإذا كانت تحقيق الخير سُمّي الفنّ بفنّ الأخلاق، وإذا كانت تحقيق المنفعة سُمّي الفنُّ بفنّ الصناعة.
قديما.. تزاوج الفن بالصناعة
لئن كان المصطلح القديم في العربية يعني بكلمة “الفن” “صناعة” فكل ما اقترن بكلمة “فن” وبخاصة ما له علاقة بالفنون الجميلة كالخط،والشعر مثلا عرّفه المسلمون والعرب “بالصناعة”، حيث كانوا يقولون “صناعة الأدب”، “صناعة الشعر “.وفي صدد الحديث عن الألحان جاء في كتاب “العقد الفريد ” لابن عبد ربّه قوله في الصفحة السابعة من الجزء الثاني:
«وكرهنا أن يكون كتابنا هذا بعد اشتماله على فنون الآداب، والحِكَم والنوادر، والأمثال عطْلا من هذه الصناعة التي هي مُراد النفس…»
كما أن العلاّمة ابن خلدون أكّد هذا الاستعمال حينما تحدّث عن الصنائع وعدّ من جملتها صناعة ” الغناء والبناء “…وكذلك ما يُرجع إليه من التزيين والأشكال المجسّمة من الجصّ..
ممّا سبق يتبيّن لنا أن كلمة” صناعة” كانت هي المصطلح المتداول في الحديث والكتابة عن الشعر، والغناء، والموسيقى والرسم، والخط، والزخرفة، والتزويق، والبناء، والعمارة..التي أُطلق عليها في عصرنا هذا اسم “الفــن”.
في العصر الحديث، نجد للفن معنيين كما يشير إلى ذلك معجم لالاند الفلسفي:
ـــ معنى عام يشير إلى مجموع العمليات التي تُستخدم عادة للوصول إلى نتيجة معينة.
ـــ ومعنى جمالي أو استيطيقي يجعل من الفن كلَّ إنتاج للجمال يتحقق في أعمال يقوم بها موجودٌ واعٍ، أو متصفٌ ” بالشعور” هو الفنان، فالفن بالمعنى الأول كما قال «راموس» هو مجموعةٌ من المبادئ العامة الحقيقية، النافعة، المتوافقة، التي تؤدي في جملتها إلى تحقيق غاية واحدة بعينها.
معانيى الفن لدى بعض المفكرين
والفن بهذا المعنى، هو ما يقوم في مقابل «العلم» من جهة، بوصفه معرفة خالصة ومستقلة عن سائر التطبيقات العلمية، وما يقوم في مقابل «الطبيعة» من جهة أخرى، بوصفها قدرة فاعلة تنتج من دون وعي أو تفكير. وأما الفن بالمعنى الثاني، فهو عملية إبداعية تـنْحو نحو غايات جمالية (استيطيقية)، في حين يستند العلم إلى غائية منطقية، على حد تعبير لالاند.
الفن تعبير إنساني تنتفي منه النفعية
إن الفن في رأي العديد من الفلاسفة وعلماء الفن والجمال هو نشاطٌ يجعل للمتعة صفة «النزاهة الخالصة» التي لا تشوبها شائبة من أغراض، أو نفعية، أو مصلحة. وربما كان هذا أيضا هو المعني الذي قصد إليه المفكر الألماني «Lange» حينما عرف الفن بقوله:
«إنه مقدرة الإنسان على إمداد نفسه، وغيره بلذة قائمة على الوهم (illusion) من دون أن يكون له أي غرض شعوري يرمي إليه سوى المتعة المباشرة».
وشبيه بهذا التعريف أيضا ما ذهب إليه الفيلسوف الإنكليزي شلّي (Sully) حينما يقول:
«إن الفن هو إنتاجُ موضوعٍ له صفة البقاء، أو إحداث فعل عابر سريع الزوال، يكون من شانه توليد لذة ايجابية لدى صاحبه من جهة، وإثارة انطباعات ملائمة لدى عدد معين من النظارة، أو المستمعين من جهة أخرى، بغض النظر عن أيّ اعتبار آخر قد يقوم على المنفعة العملية، أو الفائدة الشخصية».
قال عبّاس محمود العقّاد رحمه الله:
«إن الفن في أصل اللغة: هو الخطّ واللون، ومنه التفنين بمعنى التزيين، والتزويق، والأفانين بمعنى الفروع أو الضروب، وهكذا كلّ ما تعدّد فيه الأشكال والأوصاف مما يُنظر بالأعـين أو يُدرك بالأفكار.»
الفنّ الحقّ ما ربط بين الجمال والحقّ
والفن الصحيح هو الذي يهيئ اللقاء الكامل بين الجمال والحق، فالجمال حقيقة في هذا الكون، والحق هو ذروة الجمال، ومن هنا يلتقيان في القمة التي تلتقي عندها كل حقائق الوجود.
ويعرّفه الأستاذ محمد قطب بما يلي:
«الفنّ ــ في أشكاله المختلفة ــ هو محاولةُ البشر لتصوير الإيقاع الذي يتلقّونه في حسّهم من حقائق الوجود، أو من تصوّرهم لحقائق الوجود في صُورة جميلة مُؤثّرة.»
وهذا الإمام عبد الحميد بن باديس يقرّب إلى أذهاننا مفهوم الفن وهو يتحدّث عن الفن الأدبي.
«…الفن هو إدراك صفات الشيء على ما هي عليه من حُسْنٍ، وقُبْحٍ إدراكا صحيحا، والشعور بها كذلك شعورا صادقا، والتصوير لها تصويرا مطابقا بالتعبير عنها بعبارات بليغة في الإبانة، والمطابقة للحال، ذلك هو الفن الأدبي.»
الفن يعبّر عن الواقع بلمسات الجمال
من ذلك يتّضح أن الفنّ هو تحويلٌ للواقع بواسطة أساليب تعبيرية، وأدائية من نوع خاص، وسواء أكان الفن عملية تحويل، أو عملية رمزٍ، أو هروب من الواقع، أو تسامٍ عليه، فلا يهمّ ذلك..إنما المهمّ أنه انتقالٌ من حقيقة عادية شائعة إلى عالم يفوق الواقع يتّصف بالجمالية، وحُسْن الذّوق.
الفنون في حياتنا
إن الفنون نتاجاتٌ إنسانية ضرورية تفرضها ضرورات غريزية في النفس البشرية، وهي وسيلة أساسية للتعبير والتواصل بين البشر، كما أنها أداة لصناعة الجمال والتزيين لشتّى مناحي الحياة الإنسانية.
إن الفنون تحمل خبرات وتجارب الحياة،وذلك فهي وسيلة راقية لتنوير وتعليم الإنسان، وتربية ذوقه، وحسّه الجمالي..إن الشعب الذي تنمو فيه الفنون والآداب هو شعبٌ متطوّرٌ.
إن قيمة الفنون في حياتنا ليست موضع شكٍّ، أو خلاف..فكلّ إنسان مفطورٌ بطبْعه على محبّة الفنون، فهو يحسّ في أعماقه بالانجذاب إليها، على أساس أنها مجلبةٌ للذّة والسّرور، والنفس ميّالةٌ بفطرتها إلى الخير،والجمال، والحقّ، والفضيلة.. والفن هو محاكاة الجمال الطبيعي وصناعته.
الفن أداة السّموّ والإمْتاع..ووسيلة لحفْظ الهويّة
ومن هنا فإن الفن أداة للسموّ بالمجتمع، وإمتاعه، وإقناعه وخدمته، حيث يمثل الفن جزءاً من ثقافة أي أمة من الأمم. وقد عرفت الثقافة الإسلامية فنوناً قولية وشعبية انتشرت في البلاد العربية والإسلامية وخاصة فنون الشعر الغنائي، والنثر الفني، والسير الشعبية، والقصص الخيالية، والتاريخية، فضلاً عن فنون الهندسة المعمارية، والرسم، والخط، والزخرفة سواء على الورق، أو الجدران، أو المحاريب، أو مداخل القصور والمساجد.. وغير ذلك.
بيد أن الاحتكاك مع حركات الاستعمار الأوروبي وطلائع التنصير والثقافة الغربية مهّدت لازدهار فنون جديدة كانت معرفةُ المسلمين بها محدودة، أو غير واضحة مثل المسرح، والسينما والأوبرا، ومؤخرًا دراما التليفزيون، وكلها تقوم على العنصر الدرامي: (الحكاية والصراع في داخلها، أو الحوار بين شخوصها).
تعددت تصانيف الفنون تعدد رؤى المفكرين
في رأينا أقرب التصانيف إلى الفهم والتحديد هي كالتالي:
1 ــ الفنون السمعية أسْبق الفنون وتضمّ:
• فن الترتيل
• فن الموسيقى
• فن الغناء.
* فنّ الإنشاد
• فنّ الموشّحات..شعرٌ جميل يحلّق بأجنحة الغناء
2 ــ الفنون البصرية.. بصمة الهويّة..وسرّ الإبداع، وتضمّ:
• فنّ العمارة
• فنّ النّحت
• فنّ النقش
• فنّ الفسيفساء
• فنّ الخزف
• فنّ الخطّ
• فن الزخرفة
• فن المنمنمات
• فنّ الرّسم
• الكاريكاتير فنّ الجميع
3 ــ الفنون السمعية البصرية:
• فن الرسوم المتحركة
• فن المسرح
• فن السينما
• فن الموسيقا
• فن الغناء
• فن الإنشاد
4 ــ الفنون القولية..أداتها الكلمة، وتضمّ:
• الكلمة الطيّبة
• فنّ الشعر
• فنّ القصّة
• فنّ القصّة الطويلة (الرواية)
• فنّ الخطابة
المراجع:
[1]أ.أحمد محمد عوف.موسوعة حضارة العالم/فنون.
[2] ــ مدخل إلى فنّ الإنشاد. سلسلة: شرفات على بحور المعرفة.إنتاج: جهاز أنسام الصباح للتربية الفنية بالاشتراك مع شبكة المجرة الإخبارية.جانفي 2011.
[3]ــ د.رمضان الصباغ.العلاقة بين الجمال والأخلاق في مجال الفن.عالم الفكرــ الكويت/المجلد السابع والعشرون.العدد الأول.سبتمبر1988
[4] ــ ابن عبد ربّه. العقد الفريد الجزء الثاني.
[5]ــ العلامة ابن خلدون.المقدمة.ط4 دار القلم.بيروت.
[6]ــ أ.عباس محمود العقاد. ساعات بين الكتب(الفنان أو معاني الكلمات)
[7] ــ أ.محمد قطب.منهج الفن الإسلامي.دار الشروق/بيروت
[8] ــ د.عمار طالبي.النزعة الإنسانية والجمالية عند ابن باديس.مجلة الأصالة العدد السابع.السنة الثانية.ماي/أفريل 1972
[9]ــ د.عبد العزيز عتيق.في النقد الأدبي.ط2 1972 دار النهضة العربية بيروت.