أثار خبراء وباحثون أزمة المياه في مدينة فلينت بولاية ميشيغان منذ نيسان/أبريل 2014، ليحتدم الجدل مع السلطات التي تنفي وجود أي أزمة.
ففي مقابل عدم اكتراث ممثلي السلطات في ميشيغان لفترة طويلة لشكاوى السكان حول تلوث المياه في فلينت، عمد العديد من الباحثين والناشطين لفضح المشكلة وعرضها، من بينهم طبيبة الأطفال المهاجرة العراقية إلى الولايات المتحدة منى حنا عتيشا.
لم ترض عتيشا بالاستسلام لهذا الواقع، فكرست عملها في سبيل إيجاد حل للمشكلة ومساعدة سكان المدينة. وأعدت في هذا الإطار دراسة توصلت فيها إلى نسب تؤكد تلوث المياه في فلينت، وأحاطت المسؤولين علما بذلك.
وخلافا للتوقعات، قالت الطبيبة إن بحثها وُصف بأنه “غير مناسب”، واتهمت بالتسبب في هستيريا بعد نشر نتائج بحثها في أيلول/سبتمبر الماضي، فيما تعتزم حاليا إكمال قضيتها وإعداد برامج خاصة لتوعية سكان المدينة ومساعدتهم.
تآكل الأنابيب وتلوث المياه
تشير المعلومات التي أوردتها بحوث الخبراء إلى أن المياه في فلينت أصبحت ملوثة بالرصاص منذ تحويل إمدادات المياه في المدينة من بحيرة هورون إلى نهر فلينت في نيسان/أبريل 2014، فيما لم تجر أي علاجات للمياه بمضادات التآكل.
وشهدت المياه تلوثا بفعل اختلاط الرصاص بها إثر تآكل الأنابيب والتجهيزات، وبالتالي أصبحت المياه غير صالحة للشرب.
التأهب للحل
لهذه الطبيبة صديقة كانت تعمل في وكالة حماية البيئة وخبيرة بالمياه عندما واجهت واشنطن أزمة مماثلة في المياه منذ أكثر من عقد.
فأخبرت هذه السيدة صديقتها العراقية بأنه يتردد أن مدينة فلينت لا تقوم “بمكافحة التآكل” لمنع تسرب الرصاص إلى إمدادات المياه.
إثر ذلك، لم تحتج عتيشا إلى وقت طويل لإدراك مدى خطورة العواقب المحتملة، فقد سمعت بالفعل خلال عملها شكاوى من سكان فلينت حول المياه.
إذ أفاد السكان بأن المياه بنية اللون وذات رائحة وطعم سيئ، بالإضافة إلى بروز طفح جلدي وتهيج في العيون لدى البعض، فيما تم توجيه نصائح للسكان بغلي المياه بسبب وجود بكتيريا “إي كولاي”.
نتائج ‘صادمة’
وبعد توافر معطيات تشير إلى احتمال تلوث المياه بالرصاص، أدركت عتيشا أن هناك حاجة لاتخاذ إجراءات عاجلة.
واعتمدت الخبيرة الشابة في بحثها على إجراء مقارنة بين مستوى الرصاص في عينات أخذت قبل وبعد التبديل في إمدادات المياه، كما أنها اعتمدت على سجلات الأطفال الطبية. وتوصلت إلى أن نسبة الأطفال الذين تعرضوا للتسمم بالرصاص في فلينت “تضاعفت”.
وبعد كشف البيانات، أعلنت الطبيبة النتائج في مؤتمر صحافي في أيلول/سبتمبر 2015، محاطة بزملاء لها في المهنة.
وتقول الطبيبة: “نفى المسؤولون لمدة سنتين تقريبا هذه القضية. ولكن بعد نشر نتائج الدراسة في مؤتمر صحافي، تعرضنا للهجوم”.
وتضيف: “قالوا إن النتائج غير صحيحة، وبياناتنا لا تتفق مع الأرقام التي توصلت إليها الدراسة”.
تعمل الطبيبة حاليا على مساعدة السكان لفهم مشاكل التسمم بالرصاص، وتحضر برامج خاصة لأولئك الذين يعانون من آثاره.
وتنسق عقد ندوات لتفسير مدى الخطر المحتمل، وأخرى لتعليم الأسر كيفية طبخ الوجبات الغذائية بنسبة عالية من الحديد والكالسيوم و”فيتامين سي”.
كل هذه التدخلات العملية تهدف لمنح العائلات ما يمكن القيام بها لحماية أنفسها، تقول الطبيبة.