بما يتّسق وشخصيته الجدلية، أعلن رئيس الوزراء المكلّف، عادل عبد المهدي، أمس، قراراً مثيراً للجدل، يحمل في طيّاته رسالتين: الأولى التشديد على التجرّد من أي انتماء حزبي، والثانية تعزيز فكرة التماس المباشر مع مختلف الشرائح الاجتماعية. بيان صادر عن مكتب عبد المهدي رسم خريطة طريق الرجل على مدى الأيام المقبلة، وبدت لافتة فيه الدعوة «لِمَن يجد في نفسه الكفاءة من أهل الخبرة والاختصاص والتجربة العملية، ويرغب في ترشيح نفسه لمنصب وزاري»، إلى أن «يفعل ذلك من طريق الموقع الإلكتروني»، بـ«إرسال السيرة الذاتية، وما يبرهن استيفاء الشروط الوارد ذكرها في الدستور والقوانين النافذة». وأكد البيان أن عبد المهدي «مستمر في مشاوراته بشتى الطرق، وبكلّ من له علاقة بهذه العملية، ولا سيما مسؤولو الكتل المُمثَّلة في مجلس النواب»، لافتاً إلى أن رئيس الوزراء المكلّف «لم يخوّل أي شخص أو جهة التصريح والتفاوض باسمه مهما كانت درجة القرابة أو العلاقة الشخصية، أو السياسية، أو المسلكية».
يرى البعض في مواقف الصدر دقاً مبكراً لـ«ناقوس المشاكسة»
خطوة عبد المهدي في فتح باب الترشّح أمام «العامّة» لم يألفها العراقيون من قبل. وهي تبدو شكلية أكثر منها جدية، هدفها على ما يبدو الهروب من أي ابتزاز أو شروط قد تعرقل عملية التأليف، والانتقال من موقع المفاوض الضعيف إلى موقع المفاوض القوي. حتى الآن، لم يفتح عبد المهدي بورصة الأسماء، وهو لا يزال يحصر النقاش في إطار رسم ملامح الحكومة، لجهتَي برنامج عملها ومعايير اختيار وزرائها؛ إذ يريد «وزراء مستقلين، أكفياء، نزهاء، ومن أصحاب الخبرة»، وفق قيادي في «ائتلاف النصر» (حيدر العبادي). مواصفات حازت قبول القوى المختلفة، التي أعربت بدورها عن دعمها المطلق للرجل، مُشدّدة على تشكيل الحكومة في أسرع وقت ممكن، ومُبدِيةً استعدادها لتجاوز الإخفاقات السابقة. وتشير مصادر متعددة، في حديثها إلى «الأخبار»، إلى أن عملية التأليف لم تَرْق حتى الآن إلى مستوى توزيع الحقائب وطرح الأسماء، على اعتبار أن خطوة كهذه من المبكر الحديث عنها، خصوصاً أن عبد المهدي يبحث عن آليات جديدة تدمج في انتقاء المرشحين بين الحزبية والتكنوقراطية.
حال عبد المهدي، المنتقل من اجتماع إلى آخر (التقى أمس بنحو منفصل رئيس الجمهورية برهم صالح، ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي)، مشابه لحال معظم القوى السياسية الغارقة في اجتماعاتها لتحديد رؤيتها للحكومة المقبلة، وتحديد مطالبها التي تبقيها حتى الآن «بعيدةً عن الضوء»، باستثناء «التيار الصدري»، بزعامة مقتدى الصدر، الذي أصدر أمس قراراً بـ«حلّ اللجنة التفاوضية مع الكتل السياسية، التي تضمّ كُلّاً من وليد الكريماوي، رافع عبد الجبّار، ونصّار الربيعي». إجراء يرجّح البعض أن يكون مقدمة لعدم ترشيح أي شخصية لأي وزارة في الحكومة المقبلة. وأشاد عدد من قادة تحالف «الإصلاح» (الصدر – العبادي) بهذه الخطوة، على اعتبار أنها «تؤسّس لمنهج جديد من شأنه تسهيل عمل الحكومة المقبلة»، فيما يرفض عدد من قياديي «البناء» (هادي العامري – نوري المالكي) حراك الصدر «المتذبذب» في هذه الأيام، بوصفه دقاً لـ«ناقوس المشاكسة، ومحاولة لعرقلة عبد المهدي في إتمام مهمته»، معتبرين أن الصدر يريد «رفع سقفه التفاوضي، محاولاً بذلك إقصاء ما يمكن إقصاؤه من خصوم عبر رئيس الوزراء».