لن يسلم محمد بن سلمان، ومن ورائه داعموه في البيت الأبيض، من انتقادات الصحف الأميركية لكيفية تعاطي نظامه مع قضية اختفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي. كل الانتقادات التي تداولتها الصحف، أخيراً، تستند إلى نظرية مفادها أن النظام السعودي يقف وراء اغتيال خاشقجي. وانطلاقاً من هذه الفرضية، يواظب بعض المحلّلين على الدعوة إلى ضرورة وضع السعودية أمام مسؤوليتها، فيما وصلت صحيفة «واشنطن بوست» إلى خلاصة أنه يجب فرض عقوبات على السعودية.
يرى البعض في واشنطن، أنه يجب وضع النظام السعودي في موقع المسؤولية عمّا حدث، وهو ما نقلته «واشنطن بوست» عن السناتور الديموقراطي تيم كاين، أمس، الذي أكد أن «عبء الإثبات يقع الآن على السعوديين» لإظهار أنهم غير مسؤولين عن اختفاء خاشقجي. «يجب أن نحلّل كل شيء يتعلّق بالعلاقة الأميركية ــ السعودية»، بما فيها مبيعات الأسلحة والتعاون في هذا المجال، قال كاين.
وفيما أشارت الصحيفة إلى أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب ما زال يدرس الأدلة والظروف المحيطة باختفاء خاشقجي، فقد أكدت أنه يجب عليه أن يقبل واقع أن «نظاماً شريراً ومتهوّراً بما يكفي ليقوم بقتل صحافي في موقع دبلوماسي، ثم يكذب بشكل فاضح بشأن الأمر، ليس شريكاً للولايات المتحدة يمكن الوثوق به». وذهبت الصحيفة إلى أبعد من ذلك، إذ رأت أنه «إذا لم تشرح حكومة ولي العهد ما جرى لخاشقجي، وإن لم تقم بمعاقبة المسؤولين، يجب عندها محاسبتها بعقوبات ــ وذلك من قبل الكونغرس، إذا لم يقم ترامب بشيء».
رهان كوشنر على ابن سلمان… في خطر!
من جهة أخرى، رأت صحيفة «نيويورك تايمز»، أنه بالنسبة إلى دونالد ترامب، الذي جعل من السعودية نقطة ارتكاز سياسته في الشرق الأوسط، يبدو أن الاغتيال المحتمل لخاشقجي في تركيا «ينذر بأزمة سياسية تلوح في الأفق». الصحيفة تطرّقت إلى العلاقة بين ابن سلمان وصهر ترامب، جارد كوشنر. واعتبرت أنه بالنسبة إلى كوشنر، فإن «الأمر عبارة عن شأن شخصي».
«أكثر من أي شخص آخر في إدارة ترامب، صقل (كوشنر) الأمير السعودي محمد بن سلمان، رافعاً إياه إلى حليف أساسي في العالم العربي، فضلاً عن كونه المخاطب الأساسي للبيت الأبيض في المملكة»، ذكرت الصحيفة، مضيفة أن «كوشنر ناصرَ الأمير محمد (33 عاماً)، عندما كان يناور ليكون وريث والده؛ قابله على العشاء في واشنطن والرياض، وسهّل مبيع أسلحة بـ110 مليارات دولار لجيشه». كذلك، أمِل في أن «يبدي الملك المستقبلي موافقته على خطة السلام الإسرائيلية ــ الفلسطينية».
بالتالي، وبحسب «نيويورك تايمز»، «في الوقت الذي يبقى فيه مصير خاشقجي غير واضح، وضعت الادعاءات بأنه قُتِل بأمر ملكي رهانَ كوشنر الكبير على الأمير محمد في موضع شك».
من جهة أخرى، وفيما ترى الصحيفة أنه «بات من الواضح أن الأمير محمد بن سلمان أمر باغتيال خاشقجي، أو حتى لديه صلة بالأمر بأي طريقة»، فقد اعتبرت أن هذا الأمر «سيثير ضجّة في مبنى الكابيتول؛ وسيُحرج المدراء التنفيذيين في الولايات المتحدة، الذين سيسافر عدد كبير منهم إلى الرياض للمشاركة في مؤتمر الأسبوع المقبل، حيث من المقرر أن يتحدث ولي العهد».
الأسبوع المقبل، من المتوقع أن تستضيف السعودية «حدثاً مهماً في الرياض» حيث سيجتمع عمالقة التكنولوجيا والمال، والذي سيحضره ولي العهد. من المتوقع أن يمثل ترامب، وزير الخزانة ستيفن مانوشن، وذلك في فندق الـ«ريتز» الذي شهد احتجاز مئات السعوديين الأغنياء. أحد العاملين مع المدراء التنفيذيين الأميركيين قال إنه في حال ظهر دليل على أن السعودية أمرت بقتل خاشقجي، فإن العديد منهم لن يحضر. أما صحيفة «نيويورك تايمز»، التي تعد من أبرز وسائل الإعلام الراعية للمؤتمر، فقد قرّرت الانسحاب من الحدث.
السعوديون لا يهتمون لرأي واشنطن
أما سياسياً، فقد ساهمت «التقارير عن مصير خاشقجي الغامض، في تغذية الانتقادات من قبل الجمهوريين والديموقراطيين في الكابيتول، خصوصاً هؤلاء الذين طالما كانوا قلقين من التطرّف الديني السعودي والعلاقات مع الإرهاب»، تقول الصحيفة.
وتشرح «نيويورك تايمز» أن «صنّاع السياسة في واشنطن يُعربون عن قلق من أن نقص الشفافية ورفض الحكومة السعودية إعطاء معلومات بشأن خاشقجي، يعكس واقعاً أكثر قتامة عن علاقة المملكة بالبيت الأبيض».إذ «يبدو بالنسبة إلى هؤلاء، أن السعوديين أقل قلقاً بالنسبة لرأي واشنطن، لأنهم يعتقدون بأن ترامب لن يهتم ولأنهم يظنّون بأنهم ليسوا بحاجة إلى موافقة الولايات المتحدة»، بحسب ما أشار إليه السفير السابق في اليمن جيرارد فييرستين.