يرفض النائب الأول لرئيس البرلمان العراقي، حسن الكعبي، وضع مجيئه إلى المنصب في إطار «التسوية السياسية» أو التأثيرات الإقليمية والدولية. يرى عضو تحالف «سائرون»، المحسوب على «التيار الصدري»، أن انتخابات الرئاسات الثلاث أتت في سياق تنافس مغاير لمسار «السلة الواحدة»، كسابقة أكدت أن القرار «أصبح عراقياً». وعلى هامش مؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي، المنعقد في جنيف، يقول الكعبي، لـ«الأخبار»، إن العراق بات قادراً على الرد على تهديدات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة، رافضاً «سياسة تجويع الشعوب»، في إشارة إلى العقوبات على إيران، ومُبدياً تأييده مشروع كتلة «الفتح» المتعلق بإخراج القوات الأميركية من العراق. يُظهر الرجل تفاؤلاً بتسمية رئيس الوزراء المكلف عادل عبد المهدي، الذي يحظى بتوافق سياسي ودعم البرلمان، متوقعاً تأليف الحكومة في الوقت المقرر، وأنها «ستكون حكومة قوية وقادرة».
هل ترون أن «التسوية» التي تمّت بموجبها عملية انتخاب الرئاسات الثلاث كفيلة بتحصين الساحة العراقية من ارتدادات الاضطرابات الإقليمية، خصوصاً في ظلّ سعي الإدارة الأميركية إلى تسخير الساحات كافة لصالح معركتها ضد إيران؟
يختلف مسار تشكيل الرئاسات الثلاث في 2018 عن مشهده خلال الأعوام الماضية. لطالما كانت تأتي في سلّة واحدة، لكن في الدورة الانتخابية الأخيرة أتت مغايرة. في انتخابات هيئة رئاسة مجلس النواب، كان هناك أكثر من مرشّح ينتمون إلى مكوّن واحد، وفيهم من كان مدعوماً من كتل سياسية أخرى. حصل التنافس في مجلس النواب، فأتت الفوارق بين مرشّح وآخر بسيطة جداً. في ما يتعلّق برئاسة الجمهورية، فقد حصلت على جولتين، وكان عدد المرشّحين 24 في الجولة الأولى، وانحصرت المنافسة في الجولة الثانية والحاسمة بين مرشّحَين فقط. أما الرئيس المكلّف بتأليف الحكومة فهو مدعوم من كتلتَين كبيرتَين في مجلس النواب («البناء» و«الإصلاح»)، وبالتالي يحتاج إلى أصوات قليلة لتمرير قائمته الوزارية، ووضعه أفضل من الرئاسات الأخرى. ونحن نعتبر أن ما ذكرناه هو سابقة في العراق منذ التأسيس الديمقراطي فيه، ويدلّ على أن القرار أصبح عراقياً، وأن التأثيرات الإقليمية أو الدولية على الرئاسات كانت خافية تماماً.
لا يبدو إلى الآن أن مخاض التأليف الحكومي سيكون أيسر من مخاض الرئاسات الثلاث، كيف تقيّمون مسار عملية التأليف؟ وهل تترقّبون ولادة قريبة للحكومة؟
مسار تشكيل الحكومة يبدو مُيسّراً. لقد تجاوزنا النقطة الأهم، ألا وهي الاتفاق على تسمية مرشح واحد، وحسم الصراعات بين المكونات، ويُعتبر هذا الأمر إشارة جيدة للمرحلة المقبلة. أما في ما يخصّ طبيعة الحكومة وطريقة تأليفها، فلا يزال هناك رأيان: إما تأليف حكومة تكنوقراط ومستقلين، أو حكومة حزبيين من مختلف الكتل. أنا أعتقد بأن الحكومة سوف تُؤلف في الوقت المقرّر لها، وستكون حكومة قوية وقادرة، لأنها مدعومة بشكل كبير من مجلس النواب.
مؤتمر قريب في الأردن حول إعادة إعمار المناطق المحررة
قبل أيام، زار رئيس الوزراء المكلّف، عادل عبد المهدي، مقرّ البرلمان، حيث قدّم مجموعة اقتراحات بخصوص تعزيز التنسيق بين السلطتين التشريعية والتنفيذية. كيف تنظرون إلى تلك الاقتراحات؟ وكيف ستتجاوبون معها؟
هي مبادرة طيبة جداً من رئيس الوزراء المكلّف للاطلاع عن قرب على الكُتل… ودليل على أن لديه الرغبة في التنسيق الكامل مع هذه المؤسسة. وقد رحّبنا بذلك كثيراً، وأيّدنا الكثير من المقترحات التي قدّمها، لأنها تختصر الزمن، وتختزل عدم معرفة بعض الآراء، وتطرح حصول اجتماعات بين اللجان النيابية والوزراء، أو رئيس الوزراء شخصياً، لبحث الكثير من الأمور وإيجاد حلّ سريع لها. هناك جملة مشاكل لدينا في العراق، وهي مُشخَّصة من قِبَل مجلس الوزراء، وكذلك السيد عادل عبد المهدي باعتباره قريباً جدّاً من الأوضاع، ولم يبتعد عن موقع المسؤولية إلا لفترة بسيطة. هناك بعض القضايا التي يحتاج فيها إلى استشارة من مجلس النواب، ومن هيئة الرئاسة، وبالذات من اللجان المختصّة، وهناك قضايا أخرى يحتاج فيها المجلس إلى تطمينات. ولذا، يجري التداول في فكرة تعيين ممثّل لمجلس النواب على درجة أمين عام للمجلس، يكون حاضراً في جلسات الحكومة.
هل سنرى دورة برلمانية مختلفة عمّا شهده العراق خلال السنوات الماضية؟
لا يزال الوقت مبكراً لقول هذا، لكن كل الإشارات تشي بأن هذه الدورة تسير في الاتجاه الصحيح حتى الآن. هناك مسؤولية مُلقاة على عاتِق هيئة الرئاسة، وهي كبيرة جدّاً، وعليها أن تضع برامج قريبة من الواقع.
ثمة مشروع قانون يجري العمل عليه من أجل التصويت داخل البرلمان على إخراج القوات الأميركية من العراق، هل تؤيدون هذا الحراك الذي يقوده تحالف «الفتح»؟ وهل تتوقعون أن يسلك المشروع المنتظر سبيله إلى الإقرار؟
هناك اتفاقية سابقة أقرّها مجلس النواب في ما خصّ وجود القوات الأميركية، وقد أكدت أن هذا الوجود يجب أن يكون مقتصراً على التدريب وبعض الأمور اللوجستية، وليس وجود عديد كبير لهذه القوات. نعتقد بأن هذا الوجود حالياً ليس لديه غطاء قانوني. الكلمة الفصل ستكون لمجلس النواب. أنا كعضو هيئة رئاسة، أؤيد أن يأخذ مجلس النواب طرح هذا القرار على عاتقه، وشخصياً أؤيد التصويت بالموافقة عليه، وأتوقع إقراره.
تزايدت، في الآونة الأخيرة، الاتهامات الأميركية لإيران بتهديد مصالح واشنطن في العراق، وكذلك التهديدات الإسرائيلية بضرب أهداف في بلاد الرافدين. ما موقفكم من تلك التهديدات والاتهامات؟
بالنسبة إلى إيران، فإن أي وسيلة تُستخدم لتجويع الشعوب وتركيعها، أو أي قرار يُتخذ لإذلالها هو مرفوض مئة في المئة من قِبَلنا. أما في شأن التهديدات الإسرائيلية، فموقف العراق معروف وواضح من الكيان. لكن العراق اليوم قوي، ويستطيع أن يردّ سياسياً ودولياً وقانونياً على مثل هذه الممارسات القبيحة.
رئيس الوزراء المنتهية ولايته، حيدر العبادي، كان أعلن أن العراق سيلتزم بالعقوبات الأميركية على إيران، لكننا شهدنا مواقف أخرى أكثر اعتدالاً عقب انتخابات الرئاسات الثلاث. كيف سيتعامل العراق مع هذا الملف؟
سبق أن ذكرت أن سياسة تجويع الشعوب أمرٌ مرفوض. وأعتقد أن الحكومة العراقية سيكون لها رأي في هذا المجال. وهي مسؤولة عن رسم السياسة الخارجية وعلاقاتها ومدى التزامها ببعض القرارات التي نعتقد بأنها مجحفة وغير إنسانية. ولرئيس الوزراء والحكومة كل الحرية في اتخاذ القرار ضمن الأطر القانونية.
هناك بوادر للانفتاح على البصرة، من إيقاف التظاهرات إلى تعليق الاعتقالات
أول تحرك سُجّل لهيئة رئاسة البرلمان كان في محافظة البصرة، التي تشهد منذ أشهر حراكاً شعبياً احتجاجاً على الأوضاع المعيشية، ما الذي وُعد به أهالي البصرة من قِبَلكم؟ وهل سنشهد في الفترة المقبلة ترجمة لتلك الوعود؟
هناك بوادر كثيرة للانفتاح على البصرة، من إيقاف التظاهرات، وصولاً إلى تعليق الاعتقالات، وإطلاق سراح عدد كبير من المتظاهرين بعد مناشدة من مجلس النواب. زد على ذلك إيصال بعض الأموال التي طالب بها المجلس وزارة المالية لتخصيص مبالغ لمشاريع كبيرة ومهمة، بعدما وضع مجلس النواب يده على الجرح، وتبيّن أن المشكلة في البصرة هي مشكلة مخصصات مالية، وعدم توافر الأموال الكافية لإنشاء مشاريع مهمة أو الاستمرار في مشاريع قائمة، ومنها القنوات المائية. لذا، عمد مجلس النواب إلى إدراج بند يتعلّق بتدوير المبالغ، لأن مجلس محافظة البصرة لا يستطيع أن يُعدّ كل البرامج والخطط للخروج من هذه الكارثة في وقت قصير.
تحديات واستحقاقات كثيرة تنتظر العراقيين في المرحلة المقبلة، لا سيما تلك المتعلقة بإعادة الإعمار وحلّ أزمة المياه وتوفير فرص العمل وغيرها، هل أنتم متفائلون بمعالجات جذرية ومستديمة في هذا الإطار؟
نتيجة الجولات الميدانية التي يقوم بها مجلس النواب والرئاسات، وجدنا استجابة من قِبَل الدول الصديقة والمجاورة، خصوصاً تركيا، حول موضوع المياه، الذي يشكّل أزمة وتحدّياً كبيرين للحكومة العراقية وعموم السلطات في العراق، وقد وعدنا الأتراك بإعطاء الحصّة المخصّصة من المياه للعراق من سدود تركيا. لقد اجتزنا أهم أزمة وهي أزمة الحرب و«داعش». أما في ما يتعلق بإعادة إعمار المناطق المحررة، فهناك مؤتمر قريب سيُعقد في الأردن برعاية السفارة العراقية، وإدارة هيئة استثمار الأنبار، إلى جانب لجنة عليا وشركات كانت قد خصّصت سابقاً صندوقاً لإعادة الإعمار.
ما الذي يضيفه وجود عادل عبد المهدي على رأس المنصب التنفيذي الأول لمسار معالجة الأزمات المستفحلة في العراق؟
يمتلك عبد المهدي مواصفات جيدة. هو سياسي قديم وصاحِب خبرة. لديه من الحرية والوسطية ما يجعله قريباً من أغلب مكوّنات الشعب العراقي. فهو لم يُحسب لمصلحة طرف ضدّ آخر. لديه علاقة قوية مع الإخوة في «كردستان» ومع «السنّة». وهو خرج من رحم «المكوّن الشيعي»، ومقرّب من مكوّنين أساسيين هما «البناء» و«الإصلاح والإعمار»، كما أنه مرشّح «سائرون» و«الفتح» للفترة المقبلة، وهناك توافق على وجوده ويتمتع بدعم سياسي وشعبي.