منحت الولايات المتحدة دفعة جديدة للجولة التفاوضية المقبلة، بتشديدها لحلفائها على أن لا إمكانية لنصر عسكري في اليمن. رسالة تنضمّ إلى الدعوات السابقة لوقف إطلاق النار والعودة إلى التفاوض، والتي يبدو أن «التحالف» يعدّ أوراقه لها بخطوات سياسية عدة ـــ آخرها قرارات مضادة لـ«الإصلاحيين» ـــ لا تمنع استمرار التصعيد العسكري
وبعدما تحدثت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية، ومعها وكالات أنباء عالمية، عن دخول المدينة من جهتَي الجنوب والشرق، إلى حدّ أن قيادياً في القوات الموالية لـ«التحالف» قال لـ«فرانس برس» إن «التقدم جارٍ الآن إلى عمق الحديدة»، عاد الحديث ليدور حول سيطرة نارية على مداخل المدينة. ووفقاً لمصادر مطلعة في صنعاء، فإن «الإنجاز» الذي تروّج له تلك الوسائل في شرق المدينة إنما هو «السيطرة على مطاحن البحر الأحمر ومصنع يماني»، وهما موقعان ارتأى الجيش واللجان أصلاً الانسحاب منهما حتى لا يمنحا «التحالف» ذريعة لتدميرهما، مع ما يعنيه الأمر من خسائر وتأثيرات على إمدادات السوق المحلية بمادّتي القمح والدقيق. أما على جبهة جامعة الحديدة، فتؤكد المصادر نفسها أنها «تحت السيطرة الكاملة، وأي تقدم فيها لا يلبث ساعات حتى يتمّ التراجع»، لافتةً إلى أن المهاجمين «سبق أن اقتربوا من حيّ الربصة ومن دوار الجامعة، لكنهم سرعان ما تراجعوا إلى غرب قرية المنظر في مديرية الدريهمي».
وأصدر هادي، ليل الأربعاء ـــ الخميس، قراراً بتعيين الفريق الركن محمد علي المقدشي وزيراً للدفاع، وعبد الله النخعي رئيساً لهيئة الأركان العامة. كما أصدر قراراً آخر بتعيين اللواء الركن طاهر العقيلي (رئيس الأركان سابقاً) مستشاراً للقائد الأعلى للقوات المسلحة. ويُقرأ في القرارين المذكورين نزوع نحو إعادة تسخين جبهة نهم (باتجاه العاصمة صنعاء)؛ على اعتبار أن «الإصلاحيين» (إخوان مسلمون)، الذين يُعدّ العقيلي محسوباً عليهم، يمانعون التحرك في تلك الجبهة بفعل الخلافات بينهم وبين «التحالف»، وأن المقدشي ـــ خلافاً لـ«الإخوان» ـــ متحمّس لإعادة تجريب الحظّ في معركة صنعاء.
وعلى رغم الطابع العملياتي لقرارات هادي، إلا أنها لا تبدو معزولة من السياق السياسي. إذ إن إطاحة العقيلي، الذي كان يُنظر إليه على أنه حارس مصالح «الإصلاح» في القوات الموالية لهادي، تعتبر بمثابة ضربة لـ«الإصلاحيين». ضربة يقابلها تصعيد شخصية على خلاف مع «الإصلاح»، ومتهمة من قِبَل قيادات في الأخير بتدبير محاولة اغتيال للعقيلي مطلع العام الحالي. يضاف إلى ذلك، أن المقدشي ـــ وعلى عكس معظم قيادات «الشرعية» المرتبطة باللجنة السعودية الخاصة ـــ يعتبر مُقرّباً من الإدارة السعودية الجديدة، وهو ما ينيله رضىً إماراتياً على اعتبار أن أبو ظبي لا تؤمن بـ«اللجنة الخاصة» وتعدّها «تجربة فاشلة بامتياز». بناءً على ما تقدم، تبدو خطوة هادي الأخيرة متصلة بدفع سعودي ـــ إماراتي نحو إضعاف «الإصلاح» في معاقله الرئيسة (مأرب والجوف)، على أمل أن يترجَم ذلك على مائدة التفاوض. إضعاف يُراد له أن يصبّ في صالح تركة الرئيس السابق علي عبد الله صالح، خصوصاً أن المقدشي تربطه علاقة طيبة بأحمد علي صالح، وأن تسليمه وزارة الدفاع ترافق مع ظهور متجدد لطارق صالح ادعى فيه أن «قواتنا تقترب من الحديدة».
وما يعزّز الطابع السياسي لقرارات هادي، فضلاً عن أنها تترافق مع محاولات لقلب المعادلة الميدانية، هو تجديد الولايات المتحدة دعوتها إلى وقف إطلاق النار، والعودة إلى الحوار. إذ طالب نائب الناطق باسم وزارة الخارجية الأميركية، روبرت بالادينو، جميع الأطراف بأن تدرك أنه «لا وجود للنصر العسكري الذي يمكن تحقيقه في اليمن»، مكرراً دعوة بلاده إلى «وقف الأعمال العدائية، ودعم عمل المبعوث الأممي مارتن غريفيث».