عزّز برهم صالح، أمس، الاتجاه الذي كان بدأ بالتبلور عقب انتخاب محمد الحلبوسي رئيساً للبرلمان، لناحية عدم التجاوب مع الضغوط الأميركية الهادفة إلى اجتذاب بغداد نحو معسكر العقوبات على طهران. وهو اتجاه يُتوقّع استمراره وتصاعده انطلاقاً من قاعدة «المصالح المشتركة»، على رغم سعي واشنطن إلى تكبيل العراق بقيود زمنية
بعد أيام من تأكيد رئيس الحكومة العراقية، عادل عبد المهدي، أن بلاده ليست جزءاً من منظومة العقوبات الأميركية المفروضة على إيران، جاء موقف رئيس الجمهورية، برهم صالح، ليصبّ في الاتجاه نفسه، باعثاً إشارات تطمينية إضافية إلى طهران، ومؤكداً أن بغداد لن تُؤْثر مصالح واشنطن على مصالحها. ودعا صالح، أمس، خلال مؤتمر صحافي في الكويت التي يزورها في مستهلّ جولة خليجية، الولايات المتحدة إلى «مراعاة خصوصية» العراق في ما يتصل بملفّ العقوبات على إيران، مُجدّداً القول «(إننا) لا نريد أي أذى يقع على الشعب الإيراني»، مضيفاً «(أننا) لا نريد أن يكون العراق مُحمّلاً بأعباء تلك العقوبات. نريد أن ننطلق إلى مرحلة استحقاق إعادة الإعمار، وتوفير البنى التحتية المطلوبة، وهذا يتحقّق باعتماد المصلحة العراقية أولاً منطلقاً للتعامل مع هذا الملف».
ويأتي موقف صالح بعدما أعلنت الولايات المتحدة منح العراق «إعفاءً مؤقتاً من العقوبات مدته 45 يوماً، للسماح لبغداد بالاستمرار في شراء الغاز الطبيعي والكهرباء من إيران»، ما دامت لن تُسدّد ثمن تلك الواردات بالدولار الأميركي. إعلان يمكن أن تُقرَأ فيه محاولة للضغط على العراق، بهدف حمله على اتخاذ خطوات مضادة لإيران، على رغم أن الخطة الأميركية برمّتها القائمة على هدف تصفير صادرات النفط الإيراني واجهت عثرات متعددة، ورفضاً من قِبَل دول مختلفة، حتى من داخل المعسكر الغربي. وفي هذا الإطار، تؤكد مصادر مطلعة على المفاوضات الجارية بين بغداد وواشنطن أن «الرؤساء الثلاثة لن يخضعوا لضغوط الولايات المتحدة ومحاولاتها ابتزاز العراقيين، وموقفهم داعم لإيران»، مضيفة في حديث إلى الأخبار أن «صالح وعبد المهدي ومحمد الحلبوسي لن يذعنوا للتهديدات الأميركية، والموقف محسوم: نحن مع طهران ضد واشنطن». وحول خلفيات هذا الموقف الصلب، توضح المصادر أنه ليس «ردّ جميل» للدعم الإيراني، إنّما لاقتناع بأن «الساحة واحدة والتحدّي واحد، والعقوبات بنتائجها مضرّة بالعراق واقتصاده وحكومته وشعبه». والجدير ذكره، هنا، أن مسؤولي البنك المركزي العراقي كانوا أكدوا، في آب/ أغسطس الماضي، أن اقتصاد بلادهم مرتبط بشكل وثيق بإيران.
تسعى واشنطن إلى احتكار عقود إصلاح الشبكة الكهربائية
اللافت أن إعلان السفارة الأميركية في العراق منح الأخير إعفاءً مؤقتاً من العقوبات، ترافق مع التشديد على أن «هذا الإعفاء يقدّم الوقت للعراق للبدء بأخذ خطوات نحو الاستقلالية في مجال الطاقة». وهو تقدير يمكن ربطه ـــ فضلاً عن الضغوط المتصلة بسعي واشنطن للتحشيد ضد طهران ـــ بمحاولاتها كذلك احتكار عقود إصلاح محطات توليد الطاقة الكهربائية في العراق، عبر الاشتغال الدؤوب على إطاحة شركة «سيمنس» الألمانية لصالح شركة «جنرال إلكتريك» الأميركية. وكانت «جنرال إلكتريك» أعلنت، في أيلول سبتمبر الماضي، عن عرض قدّمته للسلطات العراقية «يشمل صيانة محطات الطاقة الموجودة وتحسينها، وإضافة قدرات جديدة لإنتاج الطاقة، وتعزيز شبكات النقل والتوزيع للاستجابة للحاجات المتنامية إلى الطاقة في العراق». وعقب ذلك بحوالى شهر، ذكرت صحيفة «فايننشال تايمز» البريطانية أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، مارست ضغوطاً على بغداد من أجل إشراك «جنرال إلكتريك» في العقود المشار إليها آنفاً.
وإلى جانب المساعي المرتبطة بمحاولة التحكّم في اقتصاد بلدٍ في طور إعادة إعماره، يبدو أن الأميركيين يتجهون، كذلك، إلى إعادة إحياء قدرتهم على التأثير في اللعبة السياسية العراقية، بعدما أظهر المخاض الذي أعقب الانتخابات النيابية (أيار/ مايو الماضي) أن تلك القدرة لم تعد بالأهلية اللازمة. في هذا الإطار، يُنظر إلى تعيين ماثيو تولر، المعروف بعدائه الشديد لإيران وحلفائها، سفيراً جديداً لدى بغداد، خلفاً للحالي دوغلاس سيليمان، على أنه جزء من الجهود الجارية لإعادة تأهيل عدّة المواجهة، خصوصاً أن المبعوث الأميركي لدى «التحالف الدولي»، بريت ماكغورك، الذي كان يلعب سيليمان إلى جانبه دور المرافق لا أكثر، عجز على رغم كل الجولات والمفاوضات المكوكية التي خاضها عن اجتذاب الكتلتين «السنية» و«الكردية» إلى جانب معسكر كان الأميركيون يأملون تشكّله في مواجهة طهران. وأول من أمس، بدت لافتة بعض ردود الفعل العراقية، التي أعربت عن «تخوف كبير من السفير الأميركي الجديد في العراق»، مشددة على وجوب «الحذر منه».