المقالات

هادي العامري، تاجر البندقية

لا أقصد بالعنوان مسرحية شكسبير الشهيرة، وإن كانت المسرحية فيها تشابه غير قليل بين سلوك ودوافع شيلوك، وبين العامري.

لا أقصد ذلك، ولكني أريد بالعامري الشخص الذي تاجر بالبندقية تجارة المرابي، فجنى النفوذ السياسي ومليارات الدولارات مقابل أجساد الشهداء وتضحيات الابطال في خطوط النار.

ذاق العامري طعم الدولار عندما دخل العملية السياسية، فقد سحرته لمسته الناعمة على لسانه مثلما سحرت العشرات غيره. واكتشف أن سنواته الماضية في الجهاد والنضال، يمكن أن يقايضها بذهب الحاضر، ففعل دون تردد.

جرّب صفقة فساد مع وزارة التجارة على عهد عبد الفلاح السوداني الذي ترك الرهبنة بمنصب وزير، وحصل من خلال صفقة الزيوت الفاسدة ملايين الدولارات. وأطمأن بأن العراق دولة تتكسر في مؤسساتها أرجل الرقابة والنزاهة، فسلك الطريق مسرعاً يضاعف الأرقام ورزم المال. وصار المجال مفتوحاً أمامه حين تولى وزارة النقل، فحوّلها الى مملكة لأبنائه.

مع سنوات القتال ضد الداعش، وضع العامري على صدره وسام (شيخ المجاهدين) وبدل أن يقابل الفقراء الذين أهدوه هذا الوسام، إخلاصاً وصدقاً، فانه حوّله الى سلعة تجارية رابحة. فبينما كان الجياع يأتون من جنوب العراق يقاتلون ارهابيي داعش فيقتلون ويقتلون، ويتركون عوائلهم أكثر جوعاً وأشد ضنكاً، كان العامري وغيره يقبضون الملايين عن آلاف الفضائيين. وكان العامري وغيره في غاية الاطمئنان بأن الحسابات لن تكشف، فمن يطالب بالرقابة والمراجعة سيتم إسقاطه أمام عنوان الجهاد، أو برصاصة تخترق رأسه.

اشتعل هوس السلطة في رأس العامري حين باع آخر بندقية من بنادقه، وصار همه رئاسة وزراء العراق، فصافح الإرهابي خميس الخنجر، وعانق غيره من هم مثله في الجريمة والسوء، ومارس لعبة الكذب والخداع والمماطلة، فوضع رجلاً هنا، وأخرى هناك، بين سفارتي إيران وأمريكا.

كان العامري أحد الأدوات المهمة في حذف الكتلة الأكبر واستحقاقها الأهم بالنسبة للشيعة، فساهم بذلك في خطوة كارثية ستظهر نتائجها مستقبلاً وسيخسر الشيعة رئاسة الوزراء ويعودون الى التهميش التاريخي.

هادي العامري تاجر البندقية الذي أطلق بنفسه رصاصته القاتلة على تاريخه ووجّه الثانية نحو مستقبل الشيعة، لقد قايض الدم العراقي بالمصلحة الذاتية.

ربما يكسب العامري شيئاً من ذهب الدنيا وهو في شيخوخته، وربما لا يهنأ به طويلاً، كما هي السنن الإلهية. وقد ينتهي به الحال مثلما انتهى بتاجر البندقية شيلوك في مسرحية شكسبير.

سليم الحسني

لاستلام مقالاتي على قناة تليغرام: 
https://telegram.me/saleemalhasani