أخيراً عثـر ما تبقى من عناصر تنظيم داعش في العراق على كنزهم المفقود منذ أشهر في صحراء نينوى، إذ استطاعوا بعد عقد تسويه مع سراق موجودات الخزنة التي هي في الأساس أموال الأتاوات والمصارف العراقية، أن يعودوا لتمويل إرهابيين آخرين يواجهون صعوبات مالية منذ إعلان بغداد النصر على التنظيم نهاية العام الماضي.
ويهدد وصول التمويل الى فلول التنظيم المتطرف، بإعادة نشاطه في الموصل والمناطق القريبة منها، خصوصا مع تداول معلومات عن عودة عوائل قريبة من “داعش” الى أطراف المدينة، وزيادة حالات الرشاوى بين القوات الامنية.
ويقول علي الزوبعي، أحد أبرز شيوخ العشائر في نينوى : خلال الأسابيع الماضية، اتفق “داعش” مع بعض رعاة الغنم الذين سرقوا أمواله المدفونة في الصحراء، بأن يتقاسم الاموال معهم ويتعهد بحمايتهم.
ويتعرّض رعاة الغنم (المستولون على أموال التنظيم)، بحسب ما يقوله الزوبعي، الى “ابتزاز من متنفذين وقيادات أمنية في الحشود للحصول على جزء من خزينة داعش التي كانت تضم أموالاً كبيرة وذهباً أيضا”.
وفي آب العام الماضي، كشف عن ملاحقة “داعش” أفراداً من الرعاة يعودون لعشيرة معروفة في الموصل، بتهمة سرقة أكثر من 17 مليار دولار كان قد دفنها التنظيم في عمق الصحراء عام 2016، مع بدء القوات العراقية إعداد خطة لاقتحام الموصل.
وتعود الأموال المدفونة في غرفة مجهزة بمواد عازلة، الى المصارف الحكومية التي سرقها “داعش” إبّان احتلاله المدينة وعوائد الجباية، قبل أن يتمكن رعاة الغنم من العثور على الخزنة في عمق الصحراء.
وخطفَ وقتل عناصرُ داعش خلال الأشهر الماضية مايقارب 30 شخصا على الاقل من أبناء العشيرة المتهمة للضغط عليهم من أجل إعادة المبلغ.
وبحسب بيانات سابقة للبنك المركزي العراقي صدرت عام 2017، فإن داعش سيطر بعد عام 2014 على نحو 700 مليون دولار لفروع المصارف الحكومية والخاصة بما فيها الفرع التابع للبنك المركزي العراقي.
كذلك قال البنك المركزي حينها، إن دخل “داعش” يبلغ ملياري دولار سنوياً من تهريب النفط، مما جعله من أغنى التنظيمات في ذلك الوقت
وفي 2016 قالت صحيفة “ديلي تليغراف” البريطانية إن “داعش” يربح أكثر من 20 مليون دولار شهريا في المضاربة على أسعار العملات.
دعوة إلى عبد المهدي لزيارة الموصل
مؤخراً، حذر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من عودة نشاط داعش في الموصل، ودعا في تغريدة على توتير، قبل أسبوع، الى إنقاذها من “الإرهاب والفاسدين”
وعلى إثر تلك التحذيرات ذهب وفد من تحالف سائرون المدعوم من الصدر الى الموصل. وقال النائب عن التحالف محمد رضا الحيدري، في مؤتمر صحفي بمشاركة نواب الكتلة عقده السبت الماضي في الموصل، إن “الوضع الامني في الموصل حالياً كما شاهدناه في جولة الوفد النيابي مع القادة الامنيين يعد مطمئناً للوهلة الاولى”.
ولفت الحيدري الى أن “هناك احتياجات وضرورات أمنية ولوجستية ونقصاً في القطعات ينذر بخطورة الايام المقبلة مالم يتم تلافيها”.
وعلى الرغم من تلك التطمينات دعا رئيس تحالف سائرون في البرلمان حسن العاقولي، أمس الإثنين، رئيس الوزراء عادل عبد المهدي لزيارة الموصل. ونص كتاب رسمي موجه الى عبد المهدي، على أن “كتلة تحالف سائرون تدعوكم (رئيس الوزراء) لزيارة مدينة الموصل والاطلاع على واقعها الأمني والاقتصادي وذلك لما تعانيه من خطر محدق”.
عوائل داعش
ويقول علي الزوبعي، وهو مرشح سابق في الانتخابات التشريعية عن تحالف القرار بزعامة أسامة النجيفي، إن هناك مخاطر حقيقية في الموصل، حيث ينتشر الفساد لدى بعض الجهات الامنية، ويمكن الحصول على تصريح أمني للدخول الى المدينة أو الانخراط في الاجهزة الامنية مقابل مبالع مالية.
ويؤكد الزبعي ان “هناك متورطين مع داعش انضموا الى الحشود الشعبية”. وقال إن “بعض العشائر تعمل على طريقة قدم مع الحشد والقدم الاخرى مع المسلحين”، مؤكدا ان “70% من عشائر نينوى كانت قد بايعت التنظيم في فترة من الفترات”.
وفي الاسبوع الماضي كشف مسؤولون في الموصل، عن قيام جماعات تدعي الانتساب الى “الحشد” بالسيطرة على سوق العقارات والمزادات والسكراب، وتهريب المسلحين والنفط الى خارج الحدود، وهو كلام أيد جزء منه القيادي في التيار الصدري ورئيس لجنة الامن السابق في البرلمان حاكم الزاملي.
كذلك كشف الزوبعي، عن وصول عوائل “داعش” مؤخرا، الى مناطق حي التنك والانتصار الواقعة في أطراف مدينة الموصل، وهم كانوا ضمن سكان مخيم الهول في سوريا.
وقال الزوبعي ان “50 باصا نقلت تلك العوائل على مراحل الى نينوى”. وبيّن المرشح السابق أن هناك “فوضى في مخيمات النازحين التي تضم عوائل التنظيم الإرهابي، ودائما يتسربون للعيش في مدينة الموصل حيث يصعب تعقبهم”.
ولا توجد إحصائيات دقيقة عن عدد العوائل التي ينتمي أفرادها إلى تنظيم داعش، لكنّ العدد بحسب مسؤولين لا يقلّ عن 20 ألف عائلة، بما يساوي نحو 100 ألف شخص، نصفهم على الاقل في نينوى. وينقسم تواجد هذه العوائل بين أفراد معزولين ومبعدين في مخيمات خاصة قريبة من المدن المحررة، وآخرين يعيشون ضمن تجمعات سكانية تنظّمها أعراف عشائرية، وفريق ثالث قرر عدم مغادرة مناطقه الأصلية لكنه يواجه تهديدات مستمرة وعمليات انتقامية من السكان.
وقال المحافظ السابق أثيل النجيفي، قبل يومين، إن إحدى مناطق التجاوز والعشوائيات في أطراف الموصل تحولت الى حاضنة لداعش.
وأكد النجيفي في منشور على “فيسبوك” أن في تلك المناطق “تعود يومياً ٢٠ -٣٠ عائلة معروفة بميولها الداعشية بحجة عودة النازحين ولكنها تستوطن قرب بعضها لتشكل من جديد بيئتها الداعمة في ظل غياب برنامج حكومي لإعادة تأهيل عوائل الدواعش قبل اندماجهم بالمجتمع”.
وردّ قائد عمليات نينوى اللواء نجم الجبوري، الاحد الماضي، على تصريحات النجيفي، وقال إن قيادة العمليات والشرطة المحلية وجميع القطعات الامنية ماسكة المناطق كافة في محافظة نينوى”.
وأكد الجبوري أن “المحافظة آمنة ومن يتحدث عن عدم وجود الامان فإن تصريحاته تصب في مصلحة عصابات داعش الإجرامية”.
بدوره حذر رئيس تجمع البناء والعدالة في نينوى ديلدار زيباري في تصريح لـه، من تحول ملف “عوائل الدواعش” الى ما يشبه اجتثاث البعث، واستخدامه كسلاح للانتقام في أوقات الازمات السياسية.
ودعا زيباري الذي يملك مقعدين في مجلس محافظة نينوى، الى إيجاد حل نهائي لتك العوائل ووضع برنامج لدمجهم مع المجتمع ومراقبتهم. وقال ان “سكان الموصل صارت لديهم مناعة ذاتية من تقبل الدواعش، لكن المجتمع يعاني من مشاكل ، منها البطالة والفقر يجب الانتباه لها”.
كما أكد أن هناك بؤراً مازالت تضم مسلحين تابعين لداعش لم تتم معالجتها. وقال زيباري: “قرب مخمور وبادوش هناك دواعش ولانعرف لماذا لايتم القضاء عليهم”.
بغداد/ وائل نعمة