أكثر من 100 في المئة نسبة الزيادة في حالات الطلاق في لبنان بين 2006 و2017، في مقابل 41 في المئة في نسبة الزيجات في الفترة نفسها. الأوضاع الاقتصادية والبطالة من الأسباب الرئيسية لهذه النسبة المرتفعة، إلى جانب عامل أساسي يتمثل بتحول المرأة إلى عنصر فاعل ومنتج في الأسرة، بعيداً عن التصوّر الذكوري التقليدي للزواج الذي يرى في المرأة مجرد ملحق بالرجل.
بين 2006 و2017، تضاعف عدد حالات الطلاق المسجّلة في لبنان بنسبة 101في المئة. 8850 عقد طلاق سُجّلت عام 2017 في المديرية العامة للأحوال الشخصية التابعة لوزارة الداخلية، في مقابل 4388 عقد طلاق عام 2006، علماً بأن هذه أرقام غير نهائية. إذ إن طلبات طلاق كثيرة تنتظر في المحاكم الشرعية التي غالباً ما تماطل في بتّها، ما يرفع النسبة تلقائياً. كما أنها لا تشمل حالات الهجر، وخصوصاً لدى الطوائف المسيحية.
وقد سجّلت محافظة لبنان الشمالي أعلى نسبة طلاق بين المحافظات بلغت 1840 عقداً عام 2017، تليها بيروت (1486)، فالبقاع (1405) وجبل لبنان (1348) والنبطية (1270) والجنوب (1231). ورغم أن الأرقام لا تفصّل التوزع الطائفي للزيادة في نسبة الطلاق، إلا أن التوزّع المناطقي يشير بوضوح إلى أن معظم عقود الطلاق المسجلة تعود الى أتباع الديانة الإسلامية، وهذا متوقّع نظراً إلى صعوبة الطلاق لدى الطوائف المسيحية.
النسبة المرتفعة لحالات الطلاق لا تنسجم والزيادة المسجّلة في نسبة الزيجات في الفترة نفسها (41 في المئة)، علماً بأن محافظة لبنان الشمالي حلت أولى أيضاً بين المحافظات في عدد عقود الزواج المسجّلة (8289)، يليها البقاع (5816)، فجبل لبنان (5059) وبيروت (4417) والجنوب (3737) والنبطية (3616).
65 في المئة من عقود الطلاق تتركز في محافظات الأطراف حيث الظروف الاقتصادية أكثر صعوبة
معظم حالات الطلاق تقع بين حديثي الزواج، وتتكثّف في العامين الأولين من الارتباط، بحسب ما يؤكد لـ«الأخبار» القاضي الشرعي في المحكمة الجعفرية الشيخ أسد الله الحرشي. والأسباب عديدة، «منها الأوضاع الاقتصادية السيئة التي تحمّل الشريكين أعباء فوق طاقتهما، وعدم التكافؤ في المنزلة الاجتماعية، وعدم التكافؤ بالوعي والثقافة»، فضلاً عن «عدم قيام أحد الزوجين بواجباته الزوجية وسوء الخلق واستغلال الزوج لمال زوجته العاملة والعقم وتعاطي القمار والمخدرات».
تردي الأوضاع الاقتصادية وزيادة معدلات الفقر وارتفاع نسبة البطالة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالأسباب التي تؤدي إلى هذا الارتفاع الملحوظ في حالات الطلاق، بحسب السيد حسن فضل الله (باحث اجتماعي وعالم دين). وهو ما يمكن استنتاجه من الإحصاءات. إذ إن عدد عقود الطلاق مجتمعة في محافظات الأطراف، حيث تقل فرص العمل والظروف الاقتصادية أكثر صعوبة (الشمال والبقاع والجنوب والنبطية)، يشكّل نحو 65 في المئة من عقود الطلاق المسجّلة. ويوضح فضل الله أن «كثيراً من الأزواج يجدون أنفسهم، بعد الزواج، أمام أعباء مادية ضخمة، بدءاً من تأمين المسكن في ظل ارتفاع حاد في أسعار العقارات وبدل الإيجارات، فضلاً عن تأمين احتياجات البيت من أثاث ومصاريف وأقساط مدرسية واستشفاء، وما يواكب ذلك من ارتفاع هائل في أسعار السلع الضرورية وغير الضرورية، وكل ذلك من دون وجود أي أفق واضح للحل». كما أن «تغير منظومة القيم في المجتمع اللبناني وتبدل سلّم الأولويات لدى الفرد يسهمان في ارتفاع الطلاق. إذ تغلغلت الثقافة الفردانية التي تتمظهر باهتمام كل فرد بحريته وبعيش حياته واستمتاعه بها على حساب ثقافة تغلّب الجانب الأسري».
وتندرج في خانة الأسباب المؤدية إلى الطلاق «الزيجات المدبّرة»، وخصوصاً بين الشباب المغترب، والاندفاع إلى الزواج تحت ضغوط اجتماعية أو إلحاح الرغبة بالارتباط أو تأثير المشاعر العاطفية من دون وعي لمسؤوليات الزواج ومتطلباته، فضلاً عن الزيجات التي تنشأ بعد التعارف عبر وسائل التواصل الاجتماعي: «ينجذب طرفان أحدهما إلى الآخر من خلال ما يقدم كل منهما نفسه بطريقة مثالية. وعندما يتزوجان يكتشف كل منهما أن الطرف الثاني ليس كما كان يتصوّره». أضف الى ذلك التفاوت في المستوى الاجتماعي والتعليمي «حيث يخفق كثيرون في التكيّف وتجاوز الفروقات في الثقافة والعادات والتقاليد».
وعي المرأة لحقوقها وتحوّلها إلى عنصر منتج في الأسرة جعلا الطلاق أكثر سهولة لها عندما تُنتقص حقوقها
فضل الله يلفت أيضاً إلى «تغيّر طرأ على مفهوم الزواج نفسه كثيراً، ما يؤدي الى الطلاق» وخصوصاً بفعل تطور أوضاع المرأة جراء التعليم وانفتاحها على سوق العمل «فلم تعد كثير من النساء ترتضي بالتصوّر الذكوري للزواج الذي يرى في المرأة مجرد ملحق بالرجل وآلة للمتعة».
«تغيّر دور المرأة في المجتمع غيّر بصمت، وسيغيّر، الكثير من الأمور»، بحسب الأب جوزف بو رعد، وهو من الأسباب الأساسية لارتفاع نسبة الطلاق. إذ إن «المرأة اليوم لها دور اقتصادي في الأسرة، وفي كثير من الأحيان قد يفوق إنتاجها إنتاج الرجل. هذا الاستقلال المادي ولّد لديها بطبيعة الحال استقلالية معنوية وعاطفية ونفسية وزاد من وعيها بحقوقها واحترامها لذاتها، وجعل متطلباتها في العلاقة مع الرجل مختلفة عما كانت عليه سابقاً وتفترض نوعاً لائقاً من التعامل، وإلا فإن فكرة الطلاق بالنسبة إلى المرأة باتت واردة عندما يعاملها الرجل بما ينتقص من إنسانيتها وكرامتها وتجد أن لا شيء يدعوها إلى الاستمرار معه». من هنا «بات الزواج يتطلب جهداً وعناية أكبر ليستمر ويبقى صلباً». وهو ما تؤكده الباحثة القانونية ماري روز زلزل، مشيرة الى أن «القواعد الاجتماعية والقانونية التي ترعى العلاقات الزوجية لم تعد صالحة ولا تأتلف مع طبيعة الثقافة الرائجة ومع حاجات الناس في المشاركة والتعاون والتي تقف على طرف نقيض مع البنية الهرمية التقليدية. لذلك تولد علاقات مأزومة تنتهي بالطلاق». فإذا كانت العلاقة الهرمية «تفترض أن يُخضع الرجل زوجته، غير أن هذا الأمر صعب التحقق كونها اليوم عنصرا فعالاً ومنتجاً، ومشاركتها في المسؤوليات تستتبع مشاركتها في القرار. وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرجل الذي يفرض على زوجته ألا تعمل، وعمله وحده لا يكفي أسرته في ظل أزمة اقتصادية خانقة، ما ينعكس مشاكل في الأسرة». في رأي زلزل: «بدنا نمشّي الناس على قواعد قديمة، بس هيك مش رح يقلّعوا»!