إثر زعم الجيش الإسرائيلي أنه اكتشف «أنفاقاً هجوميّة» حفرها حزب الله، تمتد من جنوب لبنان إلى داخل المستوطنات، ثم إعلانه بدء «حملة عسكريّة» لتدميرها، كانت بعض الأنباء تُشير إلى «عمل ما يُحضّر ضد لبنان». في المقابل، كانت نبرة القلق واضحة في ما تنقله وسائل الإعلام العبرية، كالقول إنّ ما يحصل «إنما هو مجرد نشاط داخلي، وأنه لن يحصل ما قد يجرّ إلى تصعيد أمني خطير». بدا ذلك واضحاً أيضاً في الرسائل التي طلبت الخارجية الإسرائيلية، من سفرائها حول العالم، توجيهها إلى رؤساء الدول التي يقيمون فيها.
العملية التي «نُفخت» إعلامياً، انفجرت في اللحظة التي طلب فيها خصوم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إجابات حول ما إذا كانت عملية عسكرية وقائية، أم هي مجرد «درع لنتنياهو» إزاء ملفات الفساد التي تلاحقه وزوجته سارة. مراسلون عسكريّون، على تماس مع الضبّاط الذين يقودون العمليّة الإسرائيليّة، أشاروا إلى عدم رضى أولئك الضبّاط عمّا يجري، مع تجنّبهم تسمية ما يحصل بـ«عمليّة عسكرية» أصلاً. في المقابل، كان أولئك المراسلون حذرين أيضاً لناحية نقلهم أنه «ما من ضامن لعدم تطوّر الأمور وذهابها باتجاه حرب مع حزب الله». ينقل ناحوم برنياع، وهو المراسل العسكري في «يديعوت أحرونوت»، أن هناك محاولة «دراماتيكية لتسويق العملية، لكنها في حقيقة الأمر هي ليست عملية عسكرية مثل السيطرة على سفينة كارين أيه، أو عمليات قام بها الموساد في أراضٍ بعيدة». هي عملية «ضرورية ومبررة» بحسب برنياع، وذلك بغية «حفظ أمن مستوطني الشمال، لكن أحداً، ومن ضمنهم رئيس هيئة الأركان (غادي آيزنكوت) لا يعرف كيف ستنتهي». لم يفت المراسل نفسه التذكير أنّه «عندما اشتكت إسرائيل أمام قوات الطوارئ الموجودة في جنوب لبنان، قبل مدّة، حول مخازن صواريخ ومنصات في بيوت في جنوب لبنان، ردّ هؤلاء (قوات اليونيفيل) أنه ليست هناك أدلّة على كلامكم، ثم إن فحص الادعاءات يتطلب منّا دخول أملاك خاصّة، فيما القانون يحظّر علينا ذلك».
زميلاه في الصحيفة نفسها، أليكس فيشمان ويوسي يهوشواع، أشارا إلى «وجود شكوك حول توقيت العملية وجدواها». اللافت أن كلامهما هذا منقول عن ضباط في الجيش الإسرائيلي، وتحديداً من الذين يشاركون في «عملية درع شمالي» (بحسب التسميّة التي جاءت في إعلان الجيش الإسرائيلي). كشف يهوشواع أن «بعض الضباط في الجيش نصحوا رئيس هيئة الأركان، أول من أمس، تأجيل العملية عدّة أشهر، ولكن بعد اكتشاف النفق الأول اعتبر هؤلاء أن معجزة الحانوكا (عيد يحتفل به اليهود في هذه الأيام) قد حصلت».
وبدلاً من أن تبدو إسرائيل في موقع الإنجاز والقوة، كشف أداء إسرائيل السياسي والإعلامي عن مستوى من الارتداع متغلغل في وعي المؤسستين السياسية والعسكرية. وهذا تحديداً ما لفت إليه فيشمان (المعلق العسكري في «يديعوت أحرونوت»)، بالقول إن المهندسين الذي يعملون على سد النفق «احتسبوا بدقة كمية المواد اللازمة لذلك، كي لا ينزلق – لا سمح الله – متر مكعب واحد لا لزوم له من الإسمنت إلى الأرض اللبنانية ويُشعل الشرق الأوسط». ووصف الحرص الإسرائيلي على ذلك بالمهزلة، قائلاً: «حزب الله يحفر أنفاقاً إلى داخل الأراضي الإسرائيلية كي يسيطر في يوم الأمر على أراضٍ في الجليل، وعندنا يسيرون على أطراف الأصابع – فقط لعدم إثارة غضبه. هذا حصل أيضاً عندما هدَّد حزب الله بالمهاجمة في حال واصلت إسرائيل إقامة السور والجدار في منطقة رأس الناقورة ومسغاف عام. المسار لم يناسب حزب الله، وإسرائيل علّقت الأشغال».
تساءل بن دافيد عن سبب خوف الجيش الإسرائيلي من معالجة الأنفاق في لبنان
من جانبه، رأى بن كسبيت، وهو المحلل العسكري في صحيفة «معاريف»، أن الخلافات في إسرائيل «قزّمت الدرع الشمالي». تحدث عن «انتقادات ليبرمان لآيزنكوت، والعكس صحيح، وكذلك انتقادات الأول ضد نتنياهو، إضافة إلى تعليقات المعلقين العسكريين ومعهم وزراء من اليمين ضد الجيش». وعلى رغم أنّ بن كسبيت لم ينفِ استغلال نتنياهو للحدث سياسياً، سواء في الداخل لناحية التغطية على ملفات الفساد، أو على المستوى الدولي لجهة بعث رسائل ضد لبنان وحكومته وحزب الله، فقد اعتبر أنه «لا يمكن إنكار أن ما يحصل عبارة عن عملية عسكرية بكل ما للكلمة من معنى». أما آلون بن دافيد، المراسل العسكري للقناة العاشرة، فتساءل: «لماذا يخاف الجيش من معالجة الأنفاق في الجهة الأخرى (لبنان)؟». سؤال يلخص الكثير من المشهد. بن دافيد، وفي حوار إذاعي، قال: «إن آيزنكوت قال بنفسه إن لدى الجيش خطة الأنفاق التابعة لحزب الله منذ سنوات، وقد حفرت هذه الأنفاق قبل سنوات، وبالتالي نحن نمشي كل يوم مع إحساس يرافقنا بأن الصواريخ الدقيقة موجهة نحونا من لبنان. نحن نعرف هذه التهديدات، ولكن ماذا نفعل حيالها؟ لقد تعاظمت القدرات الاستخبارية والتكنولوجية بهذا الشأن، وهذا ما يفسر بدء العملية في هذا التوقيت، لكن ماذا نفعل بشأن مصانع السلاح التي هي التهديد الحقيقي؟».
هل هي عملية عسكرية وقائية أم مجرد «درع لنتنياهو» إزاء ملفات فساده؟
وبعيداً عما ينقله المراسلون العسكريّون، فإنّ بلديّة مستوطنة «كريات شمونة» ما زالت تنشر، على صفحة «فيسبوك» الخاصة بها، ملصقات إعلانية تدعو فيها المستوطنين لحفلات «عيد الحانوكا». وقد غرّد رئيس البلدية، أفيخاي شطراين، كاتباً: «منذ ساعات الصباح، أعمل مع المسؤولين الأمنيين من أجل التحضير لكل التطورات. لقد التقيت رئيس الأركان وتحدثنا حول التطورات في البلدة. المسؤولون في البلدية مجهزون لكل السيناريوات، وكما هو معلوم فإن بعض السكان يشعرون بالقلق. أطمئنكم، لا شيء يدعو لذلك. تعالوا احتفلوا بالحانوكا والمهرجان». وردّاً على هذه التغريدة، غرّد مستوطن «خائف» كاتباً: «ماذا يعني أن ننام بصمت وألا نقلق؟ قبل عدّة أشهر دخل لبناني إلى كريات شمونة. ما تقوله كلاماً غير مسؤول، نحن أبعد ما نكون عن الجاهزية سواء لناحية الملاجئ أو حتى توافر الأدوية والعلاجات. نحن بعيدون سنة ضوئية عن الاستعداد لكل سيناريو».
وزير «زحمة سير»!
نشر موقع «واي نت» التابع لصحيفة «يديعوت أحرونوت» مقابلة مع وزير الاستخبارات والمواصلات الإسرائيلي، يسرائل كاتس، حول عملية «درع شمالي». عنون الموقع «كاتس: نصر الله في حالة ذهول». وبصرف النظر عن حديث الوزير، فقد علّق عشرات القرّاء من المستوطنين تحت المقابلة منتقدين، فكتب أحدهم: «نصرالله في حالة ذهول من ملفات الفساد التي تلاحق نتنياهو»، فيما كتب آخر: «نحن في حالة ذهول من عجز وزارة المواصلات وقلة حيلتها». التعليق الأكثر سخرية كان: «هل أنت وزير استخبارات أم وزير زحمة سير؟».