تشهد الساحة العراقية، منذ الثلث الأخير من الشهر الماضي، حراكاً بحرينياً نشطاً تجلّى في حدثين بارزين: استقرار عيسى قاسم في النجف، وافتتاح مكتب سياسي لأحد التيارات «الثورية» في بغداد. حدثان تعدّهما أوساط معارضة مؤشراً إيجابياً إلى مستقبل العلاقات، مبدية تفاؤلها بانطلاقة جديدة من بلاد الرافدينبغداد | بين إعلان «ائتلاف 14 فبراير» البحريني المعارض عن تأسيس مكتب سياسي له في العاصمة العراقية بغداد، ووصول المرجع الديني آية الله عيسى قاسم إلى مدينة النجف، خمسة أيام فقط. تعاقبٌ تنفي عنه أوساط معارضة أي دلالة سياسية، في حين لا يستبعد مراقبون ومحللون وجودها. وما بين الطرفين يقول مسؤول بارز في «المكتب السياسي للائتلاف»، إنه «ما من علاقة مباشرة بين الإعلان ووصول الشيخ قاسم إلى العراق، لكن تواصلنا معه أمر حتمي لدوره وموقعيته على مستويَي البحرين والمنطقة».
المؤتمر الذي انعقد في 22 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، حظي باهتمام عراقي وخليجي واسع، وخصوصاً أن المواقف التي أطلقها رئيس «ائتلاف دولة القانون» نوري المالكي خلاله، والتي اتهم فيها النظام البحريني بالاستعانة بـ«فدائيي صدام لقمع معارضيه، واللجوء الى العنف والتهميش مع مواطنيه»، دفعت بالمنامة إلى استدعاء القائم بالأعمال العراقي لديها، واعتبار تلك المواقف «تدخلاً في شؤون البحرين الداخلية»، فضلاً عن المطالبة المتجددة بـ«التصدي لاحتضان تنظيمات مصنفة إرهابية». بدوره، استنكر وزير الشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، تنظيم الحدث على الأراضي العراقية، معتبراً أنه «يمثل سابقة خطيرة في التدخل في شؤون البحرين الداخلية».
على الضفة المقابلة، يرى القيادي في «ائتلاف 14 فبراير»، والذي رفض الكشف عن اسمه، أن «المؤتمر يمثل نقلة نوعية لعمل المعارضة، لأنه تدشين للعمل السياسي لنا ولكل المعارضة البحرينية»، عادّاً إياه ــــ رغم بعض «الاختلافات الشكلية» بين القوى المعارضة ــــ «إنجازاً لها جميعاً، لأنها متوحدة في عمقها الاستراتيجي». وعن سبب وقوع الاختيار على العاصمة العراقية، يلفت إلى «(أننا) نعتقد بأن العراق هو أكثر البلدان العربية تفاعلاً مع المعارضة، وقد تزامن الحدث مع مؤتمر آخر عُقد في العاصمة اللبنانية بيروت»، من دون أن يستبعد في حديثه إلى «الأخبار» خيار العاصمة البريطانية لندن كمقر لمزاولة بعض الأنشطة السياسية، على غرار قوى معارضة أخرى، «لكننا لا نجد في بريطانيا حليفاً لنا». ويطرح إعلان تأسيس «المكتب السياسي» سؤالاً حول إمكانية انتقال مقارّ «الائتلاف» إلى العراق، وهو أمر لا ينفيه القيادي، قائلاً: «نعم، لدينا وجود هنا، ونسعى الى توسعة علاقاتنا وتحالفاتنا مع الشعب والحكومة ومختلف التيارات والأحزاب والفصائل»، مشيراً إلى أن «المؤتمر هدفه الانتقال بالعمل نحو العلن، وهذا سيأخذ أبعاداً وامتدادات طبيعية، في ظل الدعم العراقي الممنوح، بما يوفر أرضية صالحة لعمل كبير جداً في قادم الأيام».
على خط مواز، وفي 27 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وصل قاسم إلى مدينة النجف، العاصمة الروحية للمرجعية الشيعية. مرّ الحدث هادئاً من دون أي ضجيج. حتى اللحظة، لم تسجّل السلطات البحرينية اعتراضاً على انتقاله للإقامة الدائمة هناك، لكن مقربين منه يؤكّدون عزمه على مواصلة نشاطه السياسي من منفاه الجديد، إنماً بعيداً عن أضواء الإعلام المحلي العراقي. عزم لا يبدو ــــ إلى الآن ــــ أن ثمة حساسية لدى مرجعية النجف إزاءه؛ إذ إن قاسم افتتح نشاطه الاجتماعي بزيارة آية الله علي السيستاني، وبقية المراجع في مكاتبهم، وهو عرف نجفي يُعتبر ترحيباً بنشاط الضيف الاجتماعي والعلمي وحتى السياسي.
إلا أن ما لا يمكن إغفاله، في هذا الإطار، أن السيستاني امتنع، طوال الأزمة الممتدة منذ شباط/ فبراير 2011، عن إصدار أي موقف يطاول النظام الحاكم في البحرين بشكل مباشر، مكتفياً ببيانات التعزية والتضامن، حتى إنه لم يعلّق على قرار السلطات البحرينية سحب الجنسية من وكيله المطلق هناك، حسين النجاتي، في عام 2014، بتهمة «جمع الحقوق الشرعية». وهو إحجام تبرّره أوساط «المرجعية» بأن الأخيرة «نأت بنفسها عن التدخل المباشر في الأزمة البحرينية»، لافتة في حديث إلى «الأخبار» إلى أن «المرجعية اكتفت بإبداء ملاحظاتها عبر قنوات رسمية وغير رسمية مع نظام الحكم البحريني قبل الأزمة وكذلك بعدها»، في سلسلة رسائل؛ لعلّ أبرزها رسالة السيستاني في كانون الثاني/ يناير 2015 إلى الحكومة البحرينية (سلّمها نائب رئيس البرلمان العراقي، همام حمودي، إلى سفير البحرين في بغداد)، والتي وُصفت بأنها «شديدة اللهجة»، إذ تضمّنت تحذيراً من اعتقال زعيم «جمعية الوفاق» علي سلمان، وتحذيراً من تداعيات ذلك.
«14 فبراير»: نحن جزء من محور المقاومة
يلفت القيادي في «المكتب السياسي لائتلاف 14 فبراير» إلى أن «مؤتمر إعلان المكتب السياسي انعقد في أهم موقع تنعقد فيه المؤتمرات الرسمية في العراق (فندق الرشيد)، وبعلم طيف واسع من الحكومة العراقية، وبالتنسيق مع عدد من الأحزاب والفصائل والشخصيات الرسمية»، مشيراً في حديثه إلى «الأخبار» إلى أن «الائتلاف أرسل دعوات إلى عدد من الشخصيات العراقية، حيث كان مفترضاً حضور زعيم تحالف الفتح هادي العامري، وزعيم ائتلاف النصر حيدر العبادي، وزعيم عصائب أهل الحق قيس الخزعلي، إلا أن الفعالية تزامنت مع جلسة برلمانية، فلم يحضر سوى 39 نائباً، إضافة إلى عدد كبير من شيوخ العشائر وآخرين». ولا يخفي القيادي نفسه علاقة تياره بـ«محور المقاومة»، قائلاً إن التموضع السياسي لـ«الائتلاف» هو «في عمق هذا المحور، وعلاقتنا مع كل المحور علاقة استراتيجية عميقة».