في أكثر الأحياء الدمشقية كثافة، تلمّس دريد لحّام (1934) خطواته الأولى. تحديداً في «حيّ الأمين» أو «شارع اليهود» كما يسمّى شعبياً، نظراً إلى أنّ العائلات اليهودية الشامية كانت تسكنه. هناك، تشكّل البرلمان السوري المصغّر والنموذج الحقيقي لتعايش الأديان والطوائف. من هذا الحيّ الشعبي، تنقّل الطفل في مهن عدة ليعول أسرته أو يصرف على نفسه فيخفف عنها الأعباء. عمل حداداً وخياطياً ومكوجياً قبل أن يصبح أستاذ الكيمياء في جامعة دمشق، ومن ثم يقبض على شيفرة تجعله «صانع الدهشة» من دون منازع. سيحيل خبرته في الكيمياء لينسج خيوطها مع الجمهور العربي. منذ لقائه بمعلّم السيناريو الأوّل في سوريا نهاد قلعي، وبروز شخصيتيهما الشهيرتين «غوار الطوشة» و«حسني البورظان» في مسلسل «صح النوم» وما تلاه، والرجل يحتل مساحة شاسعة في الوجدان الجمعي العربي. لقاؤه مع الراحل عمر حجو صاحب فكرة «مسر ح الشوك»، كان الشرارة التي صنعت مجده المسرحي، عندما قدّما عرضاً افتتح «مهرجان دمشق المسرحي» في الستينيات زلزلا فيه أركان المدينة وأقلقا الرقيب الأمني. ثم كان الرعب الأكبر عندما التقى بالكاتب والشاعر الكبير محمد الماغوط وقدّما عروضاً خالدة كـ «ضيعة تشرين» و«كاسك يا وطن» و «غربة». عموماً، يصحّ القول نقدياً إن مجد دريد لحّام خبا نوعاً ما مع رحيل شريكيه نهاد قلعي تلفزيونياً، ومحمد الماغوط مسرحياً وسينمائياً، وليس في ذلك انتقاص، ما دام الفن أشبه بلعبة كرة قدم يحتاج تمريرات موزونة لتسجيل أهداف مستحقة. أما التبرير الثاني والأكثر منطقية، أن جمهور التلفزيون حبس لحّام في قفص «غوّار» وأقفل عليه بمفتاح وابتلعه. لم يقبل منه «أبو الهنا» ولا «عودة غوّار» ولا حتى «بواب الريح» ولا «الخربة»، لأنه ببساطة كان يريد من ينتقم لهزائمه وينتصر لخيباته. يبحث عن بطل شعبي مسحوق قفز ببراعة وخفّة، فأحال بعصا سحرية ومزاج «حربوق» كلّ هذا العوز والضعف إلى حبال يمشي عليها، فينسج وراءه مكائد لخصومه مهما كان شكلهم. لا يريد الجمهور أن يرى قلّة حيلته في «أبو الهنا» الزوج المغلوب على أمره، ولا في «غوّار الجديد» المسكين الذي فقد كل ظرافته، ولا حتى «بو نمر» الذي يخسر تحدياته أمام خصمه «بو نايف». غوّار حالة استثنائية لم يسبق أن حققها فنان عربي. مع ذلك، تحوّل الرجل منذ اندلاع الأحداث في سوريا إلى مطية هجوم جهات لم تصل جميعها إلى واحدة من عتبات إبداعه وشعبيته. ورغم خيارات السفر الواسعة بالنسبة إليه، ظلّ صامداً في بلده. لم يبرح دمشق إلا سريعاً من أجل إنجاز عمل والعودة فوراً. حالياً أنهى تصوير فيلمه «دمشق حلب» (باسل الخطيب ـ ينطلق الأسبوع المقبل في الصالات اللبنانية)، بينما تحتفي «الميادين» الليلة بالمبدع السوري في «المشهدية»، وتحديداً في «المشهدية خاص». يحلّ الكوميديان الكبير ضيفاً على الحلقة التي تستوحي من اعتصام الرجل ببلده عنوان «غوّار ما زال هنا» (إعداد وتقديم لانا مدوّر ــ إنتاج ريتا وهبي ــ مونتاج وفكرة إخراجية تيدي حبيب ــ تصوير أحمد دغيم)، لتكون بمثابة تحية إلى كل من بقي في سوريا رغم الموت المنتشر كالطاعون، وفق ما تقول مقدّمة البرنامج في اتصال مع «الأخبار». وتضيف أن «الحلقة تضم مسألتين: الأولى جولة مع ضيفنا على المناطق التي يحبها في الشام وسرّ اعتصامه بها، والثانية التزامه مبادئه الوطنية التي جاهر بها في فنه، منها الحرية والمساواة والعدالة الاجتماعية، رغم حملات التخوين. على أن يدور الحديث عن حياته الشخصية وفنّه وأصدقائه الراحلين، وسوريا التي عاشت تحت وطأة الفتنة، وملامح عن السياسة والدين… في الختام نعود بالرجل إلى بيته الأوّل في «حيّ الأمين» لنترك المفاجأة بنهاية مؤثرة»!
«نينار» عند دريد لحّام
يبدأ اليوم راديو «نينار» ببث حلقات برنامجه الجديد «حلقة خاصة» (ماروت الصوفي- كل خميس الساعة 17:00). يحمل البرنامج هذا الاسم بسبب مغادرة فريق العمل الاستديوهات وإنجاز زيارة خاصة للضيف يكون قوامها دردشة وديّة وعفوية تمتاز بالتلقائية والصدق والمصارحة الحرّة من دون تحضير مسبق أو ورق مكتوب، أو على الأقل هذا ما يتم إقناع المشاهد به على اعتبار أن الحلقة ستبث مباشرة على السوشال ميديا عبر حسابات الإذاعة وتطرح عبر أثيرها في الوقت نفسه. الملفت أن الحلقة الأولى اختارت نجم الكوميديا السوري دريد لحّام. «العرّاب» الذي لم تنل منه السنون رغم قسوتها، سيكون نجم «حلقة خاصة» في حلقته الأولى، بينما سيكون ضيف الحلقة الثانية سياسي أو مسؤول سوري يفصح عن اسمه لاحقاً. على أن يتناوب الضيوف بشكل موزّع مناصفة، حلقة لفنان والثانية لسياسي، أو مسؤول نجم! أما فقرات البرنامج فتتوزع بين مقدمة تستهل الحديث على فنجان قهوة أو كأس شاي كما يختار الضيف، ثم تنطلق الأسئلة من راديو موجود في المكان الذي يتم التصوير فيه، على أن يعكس هذا المذياع صوت الناس ورغبتهم مهما كانت قاسية أو نقدية أو حادة ويجب على الضيف أن يتلقاها بحب ويصغي إليها بهدوء ومن ثم يجيب عليها بصدق. «لا مكان هنا للألقاب أو التسميات أو الامتيازات» يقول ماروت الصوفي مقدّم البرنامج في حديثه مع «الأخبار». ويضيف: «البرنامج يحمل من اسمه نصيباً وخصوصيته في مغادرة الاستديو، ونمط الأسئلة، وطريقة طرحها، بدون أي مجاملات. نحاول أن نكون صوت الناس سواء بنظرتهم النقدية تجاه الفنان، أو مطالبهم الملحّة نحو المسؤول… هناك دائماً قاسم مشترك في هذه الأشياء ونحن نحاول تسليط الضوء عليها واللعب على هذا الخط الواضح في دردشة عفوية وحالة تلقائية لا يشوبها الاستفزاز أو الانفعال بقدر ما يحكمها الصدق». هكذا، سيكون «غوّار الطوشة» ضيف الحلقة الأولى في حوارية استثنائية تنعقد من بيت جدّته القديم يستعيد فيها مع ضيوفه أي فريق البرنامج ذكريات طويلة ويحكي معهم مزيجاً من فن وتفاصيل شخصية وسياسة ومواقف حياتية! على أن يستفيد البرنامج من رشاقة مقدمّه وحيويته وخبرته في إجراء الحوارات الدافئة مع أبرز الأسماء السورية على الساحة الفنية!.
وسام كنعان