وسط انقسام في المؤسسات الأميركية حول القرار المرتقب اليوم بشأن تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، والتشكيك في جدوى الخطوة، توحّدت المؤسسات الإيرانية على التحذير من أن الإجراء الأميركي لن يمر بلا ردّ
وأكد بيان وقّعت عليه أكثرية أعضاء البرلمان (255 نائباً) أن طهران سترد بالمثل على الإجراء الأميركي «غير الملائم والأخرق». وكشف رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في البرلمان، حشمت الله فلاحت بيشه، عن صياغة «اقتراح قانون عاجل بموجبه ستدرج إيران القوات الأميركية ضمن قائمة الجماعات الإرهابية، مثل داعش، فور إدراج الأميركيين للحرس الثوري». يذكر أن قائد «الحرس، محمد علي جعفري كان هدّد في 2017 بأنه إذا صنّفت واشنطن القوة الإيرانية إرهابية «فسيعتبر الحرس الثوري الجيش الأميركي مثله مثل تنظيم داعش في جميع أنحاء العالم». وظلّت فكرة تصنيف الحرس الثوري الإيراني منظمة إرهابية محطّ جدل في الولايات المتحدة وبين مؤسسات صنع القرار، ولا يزال يعدّها مسؤولون في البنتاغون خطوة غير ذات جدوى، فيما كان حذّر في السابق رافضون للفكرة من أنها تفتح الباب أمام تعريض مسؤولين في الجيش والمخابرات الأميركية لإجراءات مماثلة قد تقوم بها دول غير صديقة لواشنطن. ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» عن مسؤولين أميركيين أن واشنطن ستعلن اليوم قرارها بشأن تصنيف الحرس الثوري، مشيرة إلى أن الـ«بنتاغون» والـ«سي آي إيه» يخشيان من أن تتسبب الخطوة في زيادة المخاطر على القوات الأميركية أكثر من إضرارها بالاقتصاد الإيراني.
ترامب يصعّد ضد إيران: خيار الحرب يتقدّم
حاول الرئيس الأميركي ربط قراره تصنيف الحرس الثوري «إرهابياً»، باستراتيجية «العقوبات القصوى»، عبر إشارته في تصريحاته إلى أن إدارته ستواصل زيادة الضغط المالي على إيران «لدعمها أنشطة إرهابية». أنصار استراتيجية العقوبات القصوى يستلهمون تجربة إدارة الرئيس السابق، رونالد ريغان، مع الاتحاد السوفياتي، والتي دمجت بين حروب بالوكالة كحرب أفغانستان، وعقوبات مشددة اقتصادية ومالية، وحرب إعلامية ونفسية أفضت، بحسب رأيهم، إلى تسريع انهياره.
خيار الحرب يتقدّم
حاول الرئيس الأميركي ربط قراره تصنيف الحرس الثوري «إرهابياً»، باستراتيجية «العقوبات القصوى»، عبر إشارته في تصريحاته إلى أن إدارته ستواصل زيادة الضغط المالي على إيران «لدعمها أنشطة إرهابية». أنصار استراتيجية العقوبات القصوى يستلهمون تجربة إدارة الرئيس السابق، رونالد ريغان، مع الاتحاد السوفياتي، والتي دمجت بين حروب بالوكالة كحرب أفغانستان، وعقوبات مشددة اقتصادية ومالية، وحرب إعلامية ونفسية أفضت، بحسب رأيهم، إلى تسريع انهياره. ويعتقد هؤلاء أن اعتماد هذه الاستراتيجية تجاه إيران سيؤدي إلى نتائج مشابهة، أو على الأقل إلى استسلام إيران للشروط الأميركية الـ12 التي أعاد وزير الخارجية مايك بومبيو التذكير بها البارحة. إنها استراتيجية النصر بلا حرب مباشرة.
إلا أن تياراً آخر، شديد العقائدية والتطرف والارتباط بإسرائيل، ومن أبرز رموزه نائب الرئيس مايك بنس، ومستشار الأمن القومي جون بولتون، يعتقد بضرورة الحرب. يرى أقطاب هذا التيار أن السياق الدولي الحالي يختلف جذرياً عن ذلك الذي كان سائداً أيام المواجهة مع الاتحاد السوفياتي، وأن قدرات الولايات المتحدة متراجعة، وأن عدد التحديات التي تواجهها في أكثر من منطقة من العالم إلى تزايد. وهو لا يخرج عن الإجماع الذي تشكّل في أوساط النخب الأميركية على ضرورة إيلاء الأولوية للمواجهة مع الصين وللحدّ من طموحات روسيا العائدة وللتطورات في آسيا ولاستعادة السيطرة على أميركا اللاتينية. يعني ذلك، بين أمور أخرى، تراجعاً نسبياً في التركيز الأميركي على الشرق الأوسط. ولكن هل يعقل، من منظور هؤلاء، الذين يمثلون تحالف الإنجيليين الصهاينة وبقايا المحافظين الجدد، أن يسمح لإيران بملء الفراغ الناجم عن انسحاب أميركي ولو جزئي؟
إذا نظرنا إلى خارطة المنطقة، من منظور هذا التحالف العقائدي، فسنجد أن الولايات المتحدة قامت ـــ بدفع كبير منه ـــ بتدمير دول، كالعراق وليبيا وسوريا، كانت ضمن لائحة البلدان المستهدفة في إطار ما سُمّي الحرب على الإرهاب وداعميه. دولة واحدة بقيت سالمة وتعاظم نفوذها وأصبح يُنظر إليها على أنها مصدر أغلب الشرور في العالم وهي إيران. يرى هؤلاء أن القوة العسكرية وحدها تستطيع إضعافها إلى درجة منعها من استغلال انسحاب جزئي أميركي عن المنطقة لتهديد حلفاء واشنطن. وصول ترامب إلى السلطة ارتبط بصعود نمط جديد من الفاشية البيضاء. خلال القرن العشرين، تبعت صعودَ الفاشية الحربُ التي يعرف الجميع اليوم حجم أهوالها. هل تغامر إدارة ترامب بالحرب؟ المؤكد هو أنها إذا فعلت فستتسبّب بأهوال قد لا تقدّر بدقة حجمها ومداها.
طهران تردّ بالمثل وترحيب خليجي وإسرائيلي
نقل دونالد ترامب، أمس، الصراع الأميركي مع إيران إلى مستوى غير مسبوق، أدخل معه الحرس الثوري، «العمود الفقري» للدولة الإيرانية، في تصنيف «المنظمات الإرهابية»، بعدما كان النظام الإيراني يُصنّف في التقليد الأميركي بأنه «راعٍ للإرهاب». واختارت الإدارة الأميركية مناسبة «يوم الحرس الثوري» («روز پاسدار» الواقع في الثالث من شهر شعبان)، لتمضي في قرار كان محطّ خلاف داخل المؤسسات في واشنطن. إدارة الرئيس دونالد ترامب قررت الأخذ بالإجراء، رغم المعارضة داخل البنتاغون، كما أكدت «وول ستريت جورنال» قبل يومين، بشأن جدوى الخطوة مقابل الأخطار التي يمكن أن تعرّض لها الجنود والمصالح الأميركية في المنطقة. خطوة ترامب المتأخرة أشهراً عن إعادة العقوبات والانسحاب من الاتفاق النووي وفرض 25 سلسلة من الحظر، لا تحتمل أن تكون عملية استهداف مباشر لقوات «حرس الثورة الإسلامية» الإيرانية، المنتشرة خارج حدود إيران، لا سيما في سوريا والعراق. ففضلاً عن المعادلات الأمنية في الإقليم، فإن الولايات المتحدة تدرج قادة «الحرس» ومؤسساته على لوائح الإرهاب أو العقوبات الاقتصادية، كقائد «قوة القدس» الجنرال قاسم سليماني، وشركات تُتّهم بارتباطها إدارياً بالقوة الإيرانية.
ومع ذلك، فإن الإعلان ــ السابقة، لناحية تصنيف قوات نظامية (تعتمد الخدمة العسكرية) تابعة لدولة، على أنها «منظمة إرهابية أجنبية»، ينطوي على مستوى من المواجهة تريدها إدارة ترامب، ورسائل تؤكد أن هذه الإدارة ستأخذ بكل الوسائل التي يمكن أن تواجه بها الجمهورية الإسلامية. إضافة إلى الاستهداف «المعنوي» للقوات الإيرانية، بإمكان القرار أن يؤمن مظلة «قانونية» للسلطات الأميركية للضغط على الدول الصديقة لإيران، والتي تتعامل معها بشكل طبيعي، ويشمل هذا التعاون مؤسسة الحرس الثوري (أفغانستان، باكستان، تركيا، سوريا، العراق، قطر، سلطنة عمان،…)، أو «فضحه (الحرس) أمام شركائه الأجانب المحتملين» وفق المنسّق الأميركي من أجل «مكافحة الإرهاب» نثان سيلز. كذلك يصعّب القرار على الكيانات في الداخل الإيراني والخارج، والمرتبطة بعلاقة مع «الحرس»، ومنها الشركات التجارية، أن تقوم بمهامها بشكل مريح. لكن يبقى الأخطر أن الإجراء الأميركي، الذي يأتي على مسافة أسابيع من انتهاء الإعفاءات الممنوحة لثماني دول من العقوبات على النفط الإيراني، يضع طهران عرضة لاتهام أي كيانات أو مؤسسات تجارية أو مصرفية تقوم بالالتفاف على العقوبات وبيع النفط بأنها تابعة للحرس الثوري، علماً بأن الفصل بين القوات الإيرانية وباقي مؤسسات الدولة أمر معقد. وعقب البيان الصادر عن ترامب، أمس، حذّر وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو كل الشركات والمصارف حول العالم من أنها «أمام مسؤولية واضحة تقضي بالتأكّد من أن كل المؤسسات التي يتعاملون معها مالياً ليست على أي علاقة مادية بالحرس الثوري»، معتبراً أن نظام طهران «لا يدعم الإرهاب فحسب… بل هو نفسه متورط بأعمال إرهابية».
القرار يؤمن مظلة للسلطات الأميركية للضغط على أصدقاء إيران
المؤسسة الإيرانية «العقائدية» التي هي جزء من القوات المسلحة النظامية، باتت تشكل اليوم قوة داخلية وإقليمية وازنة، في جعبتها الترسانة الصاروخية الأضخم في المنطقة، ومعظمها من تصنيع مؤسسات تابعة للحرس الثوري ذاته. ولدى «الحرس» في الإقليم حلفاء يتوزعون من لبنان إلى غزة، مروراً بالعراق وسوريا، يشكّل لهم قاعدة دعم خلفية في الصراع مع إسرائيل والاحتلال الأميركي منذ عقود، بما يجعل هذه المؤسسة بمثابة «العمود الفقري» لنظام طهران ومشروعها الإقليمي. وهو ما يفسّر ردّ الفعل الغاضب إيرانياً من الخطوة الأميركية ودلالاتها، خصوصاً أنها تنتقل بالتعامل الأميركي من تصنيف إيران تقليدياً كدولة «راعية أو داعمة أو ممولة للإرهاب» إلى اعتبار جزء أساسي من هذه الدولة «منظمة إرهابية» منخرطة في «أعمال إرهابية». لكن القرار المتزامن مع تصاعد التجاذب بين الطرفين على الوجود العسكري والنفوذ في العراق وسوريا، ورغم تضمّنه تأكيداً لشمول «قوة القدس» بالإجراء، إلا أنه حرص على اعتبار الحرس الثوري ككل «إرهابياً» لا أذرعه الخارجية فقط.
وفي حين تلقّى حلفاء واشنطن في المنطقة الخبر بغبطة وترحاب، قابلت طهران القرار بقرارات مماثلة صدرت عن المجلس الأعلى للأمن القومي، صنّفت عبرها القيادة المركزية الأميركية (سنتكوم) ضمن «الجماعات الإرهابية»، والحكومة الأميركية بـ«الداعمة للإرهاب». ورحّبت البحرين التي سبق أن صنّفت مع السعودية الحرس الثوري «إرهابياً» بالقرار، إلى جانب حكومة عبد ربه منصور هادي الموجودة في الرياض. وحاول رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، الاستفادة منه انتخابياً بواسطة الإيحاء بأنه صاحب المشروع والترحيب بـ«الاستجابة لطلبه» من جانب «صديقه العزيز» ترامب. ووضع وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف القرار في إطار «الهدية المضللة» من ترامب لنتنياهو عشية الانتخابات الإسرائيلية و«مغامرة أخرى خطيرة للولايات المتحدة في المنطقة». أما دمشق، فكانت أول المندّدين بالخطوة الـ«لا مسؤولة»، عادّة إياها «وسام شرف» على صدر حلفائها.