كنا دوما نأخذ بمقولة “تآكل صلاحية الأدوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط “وتقيحها لتصل أعلى مراحل الانهيار الداخلي ليصيب الصدأ مستلزمات ارتباطها وجوديا و أمنيا تبعا لحاجة الولايات المتحدة وذلك من خلال ما أفرزته هذه الدول من صديد تراكم منذ عشرات السنين من سياسات خاطئة حملتها الدولة المدنية في دول الخليج العربي ليتم إغراقها من خلال دوائر الإنسلاخ الثقافي والسياسي والاقتصادي التي أحاطت نفسها بها سواء محليا أو عربيا أو إقليميا أو حتى عالميا .
في السابق دأبت دول الخليج عامة والمملكة العربية السعودية و الامارات العربية المتحدة خاصة على مشاركة تطبيق نظرية الالعاب والسلوك الاقتصادي الأمريكية لعالم الرياضيات جون فون نيومان وعالم الاقتصاد اوسكار مورغتستر في عام 1944 وهي نظرية تصلح للاستخدام من خلال كل قضية ونظامها الخاص وقواعدها الخاصة في التعبيرعن حالة صراع وتصادم المصالح بين الطرفين وعلى ضوئها تعتبرهذه الدول أحد الاذرع في هذه النظرية تمارس فيه دور الملك ومرت بإطوار مضغوطة من دور النشوء ثم دور الحضانة ثم التربية والتحديد ثم الوجود له لتتمخض الكيانات في إطار دولة تمارس دور فاعل تشارك فيه مع المحيط العربي في إيجاد حلول كسيحة لقضايا شائكة تحت ذريعة “خدمة الحرمين” ومن هذه الخدمة انطلقت مباركة مجاميع جهادية في أفغانستان إلى مؤتمر الطائف بعد الحرب الأهلية اللبنانية إلى التشجيع على الحرب العراقية الإيرانية .
وتتوالى تضييق الدوائر مع كل رؤية أمريكية إسرائيلية في مجال الجغرافيا السياسية لينعكس دور دول الخليج ليصل إلى مرحلة أكثر انكماش بعد 2003 والاحتلال الأمريكي للعراق لتمارس هذه الدول دورا سياسيا مذهبيا بحتا وتحشيدا دمويا أسفر عن سقوط دول عربية عدة لإجبارها على الدخول في دائرة التطويع الأمريكية وعند فشل عملية التطويع اختزلت دول الخليج في نفسها صراع المنطقة فيما بينها ،بين الإمارات والسعودية من جهة وبين قطر من جهة ثانية هذا الأنزواء انعكس بسوء تفاهم مع دول عربية عديدة مع ما تبقى من دول الخليج وهذا من القواعد الحتمية في إدارة صراع متعدد وشاءك ومتناقض فلم يبقى أمام الدول الأداة في المنطقة إلا طريقين :اما الأنكفاء تحت السوط الأمريكي وما خطاب الرئيس الأمريكي بحق الفئة الحاكمة في السعودية إلا دليل على ضرورة الانصياع للأوامر. أو السقوط في داءرة التخبط المكثف الذي أخذ يتصاعد لغرض التهرب من إشكالات العلاقة العقيمة بين ثنائي الولايات المتحدة وأنظمة الدول التابعة من جهة وبين الأنظمة التابعة للإمبريالية الامريكية وشعوب المنطقة من جهة ثانية حتم على هذه الأنظمة اتباع سياسات الخطف لبعض رؤساء الوزراء العرب والإقامة الجبرية لبعض الأمراء العرب والتعدي على دول عربية بريءة تعتبر من أكثر الدول سلامة وامنا من ناحية نقاءها في عدم التدخل في شؤون شعوب المنطقة إلا وهي اليمن .
تساقطت الواحد تلو الاخراساليب الخروج من هذا الانكماش الذي حصرت به الأدوات الأمريكية التي قد يكون قد حان وقت تفكيك حقيقتها لخدمة المصلحة الأمريكية العليا في الإبقاء على التواجد الاستراتيجي في الخليج وبما أن المصلحة واحدة وجود أمريكي يتبعه ضمان بقاء أنظمة الأدوات الأمريكية والعكس وباستمرار تحقيق ذلك يكون مسألة استخدام “كيان الدولة الأداة “لصالح التهدئة والحوار والوجود الأمريكي امر غير مستبعد بل إن كم الإهانات التي يقدمها ترامب مجانا للملك سلمان هي جزء من الضغط على قبول هذه المعادلة والمسألة لا تخلو من التراكمية فمثلما انحصر الصراع بين محور المقاومة وبين محور الولايات المتحدة الأمريكية إلى درجة بروز الاصلاء في الصراع . برز التناقض بين الإصلاء المتحالفين من حيث الأداة ومستغلها حتم واقعا أنكفاء لدور الإمارات هذه المرة والسعودية عن طريق استخدام الإصلاء المتحالفين في الصراع بعضهم البعض لانعدام البدائل منطلقين من تناقض الأدوار تحتمها الجغرافيا السياسية بأن تضحي الإمارات بموانءها والسعودية بسفنها والكيان الصهيوني بابواقه الإمبريالية وتم اختيار الفجيرة كميناء خارج مضيق هرمز لحرف أي نوايا طيبة في العالم تجاه إيران اذا ما اندلعت الحرب من ناحية ووجود البديل عن هذا الميناء في حالات الإنذار حيث تتوجه الأنظار نحو ميناء الدقم العماني .. وهذا كله رافقه تصريحات لسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية في مصر التي أعلنت أن العالم أصبح اكثر قربا -حسب ما اسمته-بدولة الكيان الصهيوني الكبرى هذه المشاريع للدول الكبرى التي بدأت تطرق أبواب المصطلحات المتداولة تشبه إلى حد بعيد بدايات تكوين الدول القومية ومن ثم الاتجاه نحو القطرية . من كل ذلك نستنتج أن دول الخليج تعاني من الضغط من قبل إدارة ترامب التي تترافق مع زيارات لمسؤولين صهاينة لبعض دول الخليج .. حرب نفسية بالكامل لمعظم الدول المطلة على الخليج عابرة لمقتضيات الواقع الجغرافي والعسكري والمعنوي لدول المعسكر المقابل.
لكن الإشكالية الاكبرتتلخص حول انقسام العالم الرأسمالي اليوم في مسألة إقامة الحرب ضد إيران ؟فمثلا في الماضي القريب تحالف الجميع ضد العراق ومن دون موافقة الامم المتحدة اصلا وتحالف العالم اليوم ضد سوريا وليبيا ! لماذا لم يستطيع العالم من الاتحاد ضد ايران؟ ما هي طبيعة الانقسام في الرؤى الغربية ؟هل طال الانقسام هذا أعلى المراتب ما بين نفوذ اقتصادي مهدد ونفوذ اقتصادي ينتعش نموذج حسابي تفشل فيه عالم الشركات من النمو فتضمحل لانها لا تستطيع الصمود أمام سياسة عالم المال . وها هو النزاع الاقتصادي بين الولايات المتحدة والصين قد أخذ بالتصاعد مجددا.
الدكتور عامر الربيعي
مدير مركز الدراسات الاستراتيجية العربية الأوربية/ باريس