بعدما فارق السعوديون والإماراتيون سياسة الإنكار والمكابرة، لحق بهم الأميركيون، مقرّين بإسقاط طائرة تابعة لهم في اليمن. ولئن كان هذا الإعلان يندرج في إطار تصعيد اللهجة ضد إيران، فهو يؤشر إلى حجم التطور الذي بلغته القدرات اليمنية، وإمكانية ترجمتها سياسياً في مقبل الأيام
وجاءت هذه التطورات في ظلّ إعلان الجيش الأميركي، رسمياً، أمس، تمكّن «أنصار الله» من إسقاط طائرة تجسّس تابعة له قبل قرابة عشرة أيام في اليمن. وقال الجيش الأميركي، في بيان، إن مقاتلي الحركة «أسقطوا في الآونة الأخيرة ـــ وبمساعدة إيران ـــ طائرة مسيّرة تابعة للحكومة الأميركية». وبيّن اللفتنانت كولونيل إيرل براون، وهو متحدث باسم القيادة المركزية الأميركية، أن الارتفاع الذي أُسقطت منه الطائرة المسيّرة «إم.كيو-9» في السادس من حزيران/ يونيو «مثّل تحسّناً في قدرات الحوثيين عن السابق»، مستنتجاً من ذلك «حصول الحوثيين على دعم من إيران». كما أشار المسؤول العسكري الأميركي إلى «واقعة منفصلة»، بحسب زعمه، حاول فيها الإيرانيون «استهداف طائرة أميركية مسيّرة فوق بحر عمان» الأسبوع الماضي، من دون أن يفلحوا في ذلك. وتعدّ هذه هي المرة الأولى التي يقرّ فيها الأميركيون بمشاركتهم المباشرة في العدوان، ويعلنون تعرّض طائرات تابعة لهم للاستهداف من قِبَل القوات اليمنية. وفي هذا الإطار، رأى المتحدث باسم «أنصار الله»، رئيس وفدها التفاوضي محمد عبد السلام، أن «إقرار الجيش الأميركي بتبعية طائرة الاستطلاع التي تم إسقاطها في الساحل الغربي له، إثبات عملي على أن العدوان يحمل أجندة أميركية صهيونية، والبقية مجرد أدوات فشلوا أمام صمود اليمن، فاضطر الأميركي إلى الانخراط بنفسه، وهو متورّط في مختلف الجرائم المرتكبة للعام الخامس بحق شعبنا اليمني».
تحدثت «أنصار الله» عن «مساعٍ ووساطات دولية كبيرة» لوقف هجمات المسيّرات
وفي مقابل إعلان «أنصار الله» استهداف مطارَي أبها وجيزان، تحدثت قناة «العربية» عن تمكن القوات السعودية من اعتراض صاروخ باليستي استهدف مدينة أبها الواقعة في جنوب غرب المملكة، في حين شنّت طائرات «التحالف» غارات عنيفة على مواقع ومناطق مختلفة في العاصمة صنعاء فجر أمس. وكانت قناة «المسيرة» التابعة لـ«أنصار الله» ذكرت أن الهجوم الذي شاركت فيه عدة طائرات مسيرة «استهدف غرف التحكم في مطار جيزان ومحطة الوقود في مطار أبها»، فيما أكد المتحدث باسم القوات اليمنية أن «عمليات سلاح الجو المسيّر أصابت أهدافها بدقة عالية (…) ما أدى إلى خروج المطارين عن الخدمة»، مضيفاً بالقول: «نَعِد النظام السعودي بأيام أشدّ إيلاماً طالما استمر العدوان والحصار على بلدنا».
من جهته، دعا وزير الإعلام في حكومة صنعاء، ضيف الله الشامي، الدول المشاركة في العدوان إلى إعادة حساباتها «لأنها ستكون ضمن مرمى الأهداف التي حدّدتها القوات اليمنية للمرحلة المقبلة»، مؤكداً أن «كل الاحتمالات العسكرية مفتوحة، فالأهداف أمامنا، وقدراتنا تزداد، والأسلحة التي يمتلكها الجيش واللجان الشعبية تتميز بالمدى البعيد والدقة والقدرة». وشدد، في حديث تلفزيوني، على «(أننا) اليوم في إطار معادلة وموازنة لا يمكن أن يتوقف فيها ضرب المطارات داخل الأراضي السعودية والإماراتية، إلا بتوقف ضرب الطائرات في اليمن، ورفع الحصار عن مطار صنعاء». وكان الشامي تحدث، في تغريدة لافتة، عن «مساعٍ ووساطات دولية كبيرة» لتحقيق هذين المطلبين.
استقالة خالد اليماني: عَرَض الملل من التبعية
لا يزال الغموض يلفّ مصير وزير الخارجية في حكومة الرئيس اليمني المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، خالد اليماني، في ظلّ امتناع حكومته عن تأكيد خبر استقالته الذي تم تسريبه إلى وسائل إعلام سعودية قبل أيام. تأخير يبدو متعمّداً بهدف البحث عن خليفة لليماني، الذي شغل منصبه في 23 أيار/ مايو من العام الماضي، خَلَفاً لعبد الملك المخلافي.
بحسب مصادر سياسية وأخرى ديبلوماسية داخل «الشرعية»، فإن استقالة اليماني باتت مؤكدة، لكن ثمة اختلاف حول أسبابها. تتفق المصادر على أن الاستقالة إنما هي خطوة استباقية لإقالة كانت متوقعة، إلا أنها تختلف في تقدير خلفياتها. تذهب المصادر السياسية إلى أن اليماني عُدّ مسؤولاً عن اتفاقات استوكهولم التي تنظر إليها «الشرعية» على أنها «انتصار سياسي لأنصار الله»، وهو ما يبدو مثيراً للاستهجان، إذ إن اليماني إنما كان مفاوِضاً باسم «الشرعية» ومن ورائها السعودية، وعليه فإن الأخيرتين هما من تتحمّلان مسؤولية تفاهمات السويد. كذلك، تتحدث المصادر عن أن «اليماني لم يتخذ موقفاً واضحاً وصارماً من المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث»، بعدما حمّل الأخير بشكل مبطّن حكومة هادي المسؤولية عن تأخير تنفيذ اتفاق الحديدة، بقوله في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن الدولي إن «الانسحاب تم من قِبَل طرف واحد فقط، هو جماعة أنصار الله».
في الاتجاه نفسه، تذهب المصادر الديبلوماسية إلى القول إن اليماني «كان عادة، وبعد تبنّيه مواقف التحالف، يتبنّى مواقف مغايرة لاحقاً»، الأمر الذي خلق حالة من الاستياء لدى الأخير، سرعان ما استشعرها الوزير، وقرر على إثرها الاستقالة قبل أن تتمّ إقالته «بطريقة غير لائقة»، خصوصاً أنه «في منصب دبلوماسي لا قرار له فيه، ولا سلطة». وفي هذا الإطار، تلفت المصادر إلى أن «اليماني لم يُمنح أيّ صلاحيات في مهمته، والتحالف هو من يتحكّم فيه ويستخدمه ويوجّه له التعليمات، حتى في تصريحاته والمواقف التي يراد لها أن تُتخذ». ولكن، حتى في نطاق تلك التوجيهات، كان الرجل يلمس مفارقات كثيرة من قبيل أن «التحالف الذي يطلب إليه اتخاذ مواقف معادية للمبعوث الأممي، يقوم هو بإعلان مواقف مناقضة، من قبيل تأييد استمرار غريفيث في مهمته».
تتابع المصادر، في سياق حديثها إلى «الأخبار»، أن اليماني شعر «بأن هذا الاستخدام سيقوده نحو إحراق مستقبله وعلاقاته التي لطالما بناها طوال الفترات الماضية مع الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي، وأثناء عمله كمندوب دائم لليمن لدى مجلس الأمن»، مضيفة أن «قرار الاستقالة كان طوق النجاة للحفاظ على موقعه ومكانته لدى الأوروبيين والأميركيين»، معتبرة «تقديمه طلب لجوء لدى الولايات المتحدة الأميركية مؤشراً واضحاً على حقيقة الخطوة التي اتخذها، وأنه لا يريد أن يصطدم بالأمم المتحدة، حتى لا تتأثر حظوظه المستقبلية لدى المنظمة الدولية سلباً، خصوصاً أنه يعرف أن منصبه الحالي مؤقت وليس دائماً، بل يرى أنه لن يخدمه مستقبلاً».
وإذ تخلص المصادر إلى القول إن «اليماني، مثله مثل الذين سبقوه سواء في هذا المنصب أم مناصب أخرى، فشلوا في مهمتهم أو بالأحرى أُفشلوا من قِبَل سلطة هي في الواقع فاشلة ولا قرار لها»، يسود الترقب الموقف الرسمي لحكومة هادي في هذا الشأن، في ظلّ تأكيد معلومات أن البحث جارٍ حالياً عن بديل للرجل، ولكن لا مؤشرات واضحة إلى هويته.