لعله جمال سيرين عبد النور، أو نيكول سابا، أو نادين نجيم، أو ترسانة أسلحة «جبل» تاجر الممنوعات، أو ربما لأن الأحداث تدور ببساطة في لبنان… هذا البلد الذي يتصوّره الأحياء في الخارج من خلال ثنائيات متناقضة، ويُعرّف بالنسبة إليهم على أنه «بار الدول العربية وأكثرها انفتاحاً» و«ديمقراطية»(!). والإسرائيليون، المعنيون من هذه القصة، غير بعيدين عما قد يُروّج من مغالطات ومبالغات. هكذا، قفز «الهيبة» في ثلاثة أشهر، ليكون السلسلة الأكثر بحثاً ومتابعةً بالنسبة إليهم!
لكن لمَ كل هذه الجلبة؟ والانبهار؟ ومن أين سمع الإسرائيليون بـ«جبل شيخ الجبل» (يؤدي دوره الممثل السوري تيم حسن)؟ ولماذا تعنيهم إلى هذا الحد قصة تدور أحداثها في بلدٍ يصنفونه معادياً لهم في قرية على الحدود السورية ــ اللبنانية؟ في الواقع، تعالوا لا ننسى أن مسلسل «الهيبة» هو من أكثر المسلسلات العربية انتشاراً، وأنّ قبل ذلك، مجرد كأس ماء في لبنان يصبح في عقل الإسرائيليّ موضوعاً سياسيّاً!
وتعالوا لا ننسى حقيقة أن الإسرائيليين يريدون اكتشاف ليس فقط «العالم السفلي» من لبنان؛ حيث يظنون أن «حزب الله» يقيم شبكة تبييض أموال عن طريق تجارة المخدرات وتهريب السلاح. هم يريدون ببساطة اكتشاف ومعرفة كل شيء يحصل هُنا مثل: كيف يفكر الناس؟ كيف يتحملون انقطاع التيار الكهربائي بعد كل هذه السنين، والأهم صوت محولات الكهرباء وما تسببها من تلوث سمعيّ؟ كيف لا يقتلون بعضهم البعض في ظل زحمة السير؟ وكيف أكملوا حياتهم بصورة طبيعية بعد أزمة النفايات التي كُنِّست تحت سجادة، فيما الهواء لا تحتملُ رائحته؟ وكيف يتحملون هذه البيروقراطية القاتلة لمجرد حاجتهم لاستخراج شيء اسمه إخراج قيد، أو هويّة؟ كيف لم يهدموا المستشفيات بعد على رؤوس مالكيها بعدما مات بعضهم على أبوابها؟ وأيّ معجزة هذه التي أبقت هؤلاء «البشر الخارقين»؟!
لأسباب كثيرة، أصبح المسلسل الذي يدمج ما بين الدراما والأكشن هو الأول بالنسبة إلى الإسرائيليين، الذين لديهم أيضاً حياة قريبة من أحداث «الهيبة»؛ حيث مئات العائلات والشبكات المافياوية (من جميع الأصول الشرقيّة والغربية) قسّمت تل أبيب إلى أحياء بالمحاصصة، وراحت تجمع الخوات من أصحاب المحلات، مقابل عدم التعرض للأخيرة… وحيث الخطف، وسرقة السلاح، والمتاجرة فيه، وترويج المخدرات، وتجارة البشر والأطفال، وتبييض الأموال، والقتل مقابل المال (هذه مهنة مشهورة هناك تدعى «روتسيخ سخير» أي قاتل مستأجر) وكل شيء يندرج ضمن السوق السوداء. يُضاف إلى ذلك، أن «الهيبة» يعرض الجانب الإنساني لمن يفترض أنهم مجرمون، فـ«جبل» هو تاجر سلاح ومخدرات، لكنّه يوفر الحماية والعيش الكريم لأبناء بلدته، ويعطف على والدته ويبحث عن رضاها، ويعيش قصة حب مثل جميع البشر غير المنخرطين في هذه «الألعاب القذرة».
سجّل البحث عن المسلسل هناك ارتفاعاً بنسبة 1100% في غضون ثلاثة أشهر!
«فليرفع إصبعه من سمع بمسلسل «الهيبة» وليقل لنا ما سبب كل هذه الجلبة؟» السؤال وجهته Mako (القناة الـ12 الإسرائيلية) في بداية تقرير نشرته على موقعها قبل أيام حول النتائج التي أظهرها Google Trends، بشأن اهتمام الإسرائيليين بالمسلسل. وقد سُجّل في الأشهر الثلاثة الأخيرة ارتفاع بنسبة 1100 في المئة بما يخصّ الكلمات المفتاحيّة التي تحوم في فلك «الهيبة» وفق ما أظهرته النتائج. في القائمة التي تُدرج المصطلحات التي كان البحث عنها في تصاعد خلال الفترة الأخيرة، حلّ «الهيبة» أولاً متقدّماً على«صراع العروش»، و«يوم الاستقلال»، و«عيد الأسابيع».
الموقع الإسرائيلي، يُعرف قُرّاؤه «الهيبة» على أنه «مسلسل سوري ــــ لبناني ظهر على الشاشة عام 2017، وعُرض للمرة الأولى على قناة «إم. بي. سي» العربية». أمّا بالنسبة إلى الأحداث فهي كما يُعرفها: «في قرية صغيرة تُدعى «الهيبة»، وهي قرية غير موجودة في الواقع، يقف في مركز القصة، البطل الذي يلعب دور رأس عشيرة تهرّب السلاح، وهو في الوقت نفسه عليه التعامل مع صراعات حمائلية وعائلية، ويعيش قصة حب معقدة». يتساءل الموقع: «هذا يحصل معنا فقط كإسرائيليين؟ أم ثمة ما يُذكّر بمسلسل «فوضى؟»» في إشارة إلى المسلسل الصهيوني الذي يسرد قصة مجموعة من وحدة المستعربين في محاولة واضحة لأنسنتهم أمام المشاهدين، لا سيما العرب؟
على أيّ حال، اهتمام الإسرائيليين بـ«الهيبة» بصفته عيّنة مصغّرة تُجسد في مخيالهم حياة اللبنانيين أو فئة منهم، يعكس في واقع الحال مدى الاهتمام بالشأن اللبناني عامةً. وقد أظهرت خارطة الباحثين أن ثمة علاقة طردية بين قربهم جغرافياً من لبنان وارتفاع أعداد الباحثين عن قصة «جبل»… فكان مستوطنو الجليل الأعلى هم الأكثر بحثاً تلاهم مستوطنو منطقة حيفا، ثم تل أبيب، مروراً بالقدس ونهايةً بصحراء النقب.