العصر البرونزي هو الذي توصل فيه الإنسان القديم إلى صناعة السبائك المعدنية بمزج أملاح النحاس بالفحم النباتي، ثم يُخلَط النحاس الخام بالقصدير. لم يبدأ هذا العصر بداية واحدة في مختلف القارات، فهو إذا كان قد بدأ – وفق أغلب التقديرات – في «الشرق الأوسط» الآسيوي منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد وحتى عام 1200 ق.م، فإنه لم يبدأ في أوروبا عموماً إلا بعد ذلك بخمسة قرون تقريباً.
وقد شهدت نهاية العصر البرونزي ظهور أولى الحضارات الإنسانية في آسيا وإفريقيا؛ فخلال هذا العصر ظهرت أقدم حضارتين إنسانيتين في بلاد الرافدين بآسيا ووادي النيل بإفريقيا. وقبل الميلاد بثلاثة آلاف سنة، ظهرت الكتابة المسمارية في جنوب بلاد الرافدين – العراق القديم – وبعدها بعدة قرون ظهرت الكتابة الهيروغليفية في وادي النيل.
في العصر البرونزي، كانت البلاد التي نسمّيها اليوم «فلسطين»، تشهد نهايات عصر نمط حياة الصيد والالتقاط والترحال، فيما يعود ظهور الإنسان على أرضها إلى عهود سحيقة أقدم. وشهِد هذا العصر في عهده الأقدم بدايات مرحلة التمركز السكاني ونشوء التجمعات البشرية الثابتة نسبياً، والانتقال إلى نمط حياة القرى المحصنة، ثم «دول المدن». وتشذُّ مدينة أريحا عن هذا التزمين، فقد عاشت هذا الطور قبل العصر البرونزي بعدة آلاف من السنوات، ثم اندثرت، ثم عادت إلى الوجود مجدداً. وكان أغلب الخبراء والباحثين يرجحون أن أولى الهجرات الجزيرية «السامية» إلى هذه البلاد هي الهجرة الكنعانية التي حدثت بحدود القرن الخامس والعشرين ق.م.، غير أنَّ هناك باحثين بدأوا بمراجعة فكرة الهجرات الجزيرية هذه، وتوصل بعضهم إلى إنكار حدوثها أو التحفظ عليها؛ كما سنبيّن بعد قليل.
إنَّ المعطيات التي ظلت متداولة طوال القرن الماضي، تقول إنَّ العصر البرونزي القديم يمتد من 3300 وحتى 2000 ق.م، وخلال الألف الثالث قبل الميلاد، هاجر العموريون «الأموريون» والكنعانيون، وكذلك اليبوسيون والفينيقيون، إلى فلسطين وعموم الإقليم الذي نطلق عليه اليوم «بلاد الشام»، حيث استقرّ الكنعانيون في سهول فلسطين، وتركز العموريون في الجبال، واستقرّ اليبوسيون في القدس وما حولها، وهم الذين أنشأوا مدينة القدس وسمّوها في البداية «يبوس»، ثم «أورسالم – أورساليم». أما الفينيقيون، فاستقروا في الساحل الشمالي لفلسطين، صعوداً إلى الساحل في ما نسيمه اليوم «لبنان».
إن فكرة وجود أقوام في فلسطين قبل الهجرة الجزيرية «السامية» أمر يؤكده باحثون كثيرون
غير أن هذه المعطيات التي اكتسبت نوعاً من الشيوع والاستقرار الأكاديمي النسبي لزمن طويل أثارت في السنوات الماضية العديد من التحفظات، وأجريت عليها العديد من التعديلات الجوهرية في اتجاهين رئيسين:
الاتجاه الأول ينحو منحى التقليل من أهمية اليبوسيين في بناء القدس أو نفيها تماماً. فالباحثان الآثاريان الفلسطينيان عيسى الصريع وهاني نور الدين، يذهبان إلى أن المصدر الوحيد الذي ذكر اسم اليبوسيين ودورهم في القدس هو التوراة، التي لا يعوّل عليها ككتاب تأريخي موثوق، وهذا هو السبب الأول. أما الثاني، فهو عدم العثور على أي أثر أو سند أركيولوجي مكتوب أو غير مكتوب يؤكد ما ذهبت إليه التوراة حول اليبوسيين في الوقت الذي وجدت فيه أدلة من هذا النوع تؤكد وجود الكنعانيين وهويتهم (برنامج علمي تلفزيوني بعنوان «عين على القدس» بثه التلفزيون الأردني في 05.10.2015). ويستنتج الباحثان من هذه المقدمات، أنّ الكنعانيين الذين تأكد وجودهم من خلال الآثار المصرية الفرعونية والرافدينية والشامية لذلك العصر هم بناة أورشليم القدس، وهم مَن أطلقوا عليها هذا الاسم. ويستدركان بأن اليبوسيين وملكهم المذكور في التوراة ملكي صادق، ربما كانوا مجرد أسرة أو عشيرة صغيرة من أولئك الكنعانيين الأوائل. بل إن الصريع يذهب أبعد من ذلك، وينفي حصول هجرة كنعانية من الجزيرة العربية إلى منطقة القدس، ويعتبر الكنعانيين قوماً من السكان الفلسطينيين الأصليين هويةً ووجوداً سكانياً، وقد تطوروا ذاتياً بمرور العهود. ويعلّل احتمال عدم حصول هجرة كنعانية من الجزيرة بأسباب بعضها وجيه علمياً. ومن تلك الأسباب قوله إن المناطق التي وجد فيها الكنعانيون، أي في محيط تلال القدس، ليس فيها ما يجذب المهاجرين من مسافات بعيدة، كالمياه الوافرة والزراعة المستقرة وتربية الحيوان. فالمنطقة المقصودة كانت شبه جرداء وصعبة طوبوغرافياً وجافة مناخياً. ويفسّر الصريع تعاظم دور الكنعانيين ووزنهم التاريخي لاحقاً، بما يسميه «التطور الذاتي» للأقوام الفلسطينية التي كانت تعيش ضمن إطار الثقافة الغسولية. أما هاني نور الدين، الذي يتفق كثيراً مع زميله الصريع في ما ذهب إليه، فيسمّي هذا العامل «التراكم الحضاري» لمجموعات السكان الأصلية في تلك المنطقة.
أما الاتجاه الثاني لتلك المراجعات والتعديلات على الأفكار السائدة بخصوص القدس في العصر البرونزي، فهو الذي عبّر عنه الباحث العراقي خزعل الماجدي في كتابه «تاريخ القدس القديم»، الصادر عام 2017. فقد اعتبر الماجدي أن فلسطين كانت في العصر البرونزي المبكر أمورية من حيث سكانها وهويتها الأساسية، وأن الأموريين هم الذين بنوا العديد من المدن في وسط فلسطين، وخصوصاً في تلال القدس، ومنها مدينة أورسالم على جبل أوفل.
ومن الأفكار المهمة والتخمينات التحليلية الجديرة بالتمعن والتمحيص والإسناد الآثاري التي يطرحها الماجدي، اعتقاده «أن الصخرة المقدسة لبيت المقدس، التي بنى فوقها الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان قبة الصخرة، كانت مقدسة عند الكنعانيين بصفة عامة، ثم عند اليبوسيين بصفة خاصة (…) ورغم أن هذه الصخرة كانت خارج مدينة القدس الكنعانية، وعلى مرتفعات موريا، ولكنها كانت مقدسة مثل جبل موريا نفسه. وتروي الأخبار أن ملكي صادق، كاهن وملك القدس الثانية، كان يقدم الأضاحي والقرابين ويقوم بالطقوس الدينية عند هذه الصخرة» (ص 86). وليت الباحث توقف عند تلك الأخبار بشيء من التفصيل والتوثيق؛ إذ كان ذلك مفيداً وذا دلالة. أما بخصوص الجذور الأقدم لهيكل سليمان في الرواية التوراتية، فيسجل الماجدي أن «تقديس الإله شاليم ظل قائماً في القدس اليبوسية، باعتباره إله المدينة وحاميها، ولكننا لا نعرف على وجه الدقة مكان هيكل شاليم وفيما إذا جدد بناؤه أو لا في العصر البرونزي المتأخر» (ص 130). لافتاً الانتباه إلى أنّ علينا «أن نتحاشى اللبس الشائع والخطير الذي يمثله ارتباط «صهيون» باليهود وإسرائيل وغير ذلك، لأن صهيون لا علاقة له مطلقاً في بداياته بهؤلاء الذين لم يكن لهم وجود حين أطلقت هذه التسمية على الجبل، فـ«صهيون» اسم كنعاني أيضاً، ولكن اليهود الذين ما زال على ظهورهم ألف سنة سرقوا هذا الاسم واعتبروه جزءاً من تراثهم في مدينة القدس مثلما سرقوا هيكل شليم واعتبروه هيكل سليمان وأصبح مركز عقيدتهم» (ص133). ثم يوضح الباحث جذور تسمية «صهيون» ويؤثلها إلى صفُن أو صفون، وهو الجبل الذي دفن فيه الإله الكنعاني بعل بعد صراعه المتجدد مع الإله «موت» كل سبع سنوات، حيث تقوم زوجته «عناة» بدفنه هناك. واعتقد أن هذا التفسير جدير بالاعتبار والمزيد من الاهتمام البحثي.
وحين يراجع الماجدي جداول طبقات تربة القدس الأركيولوجية الواحدة والعشرين التي توصلت إلى وضعها البعثات الآثارية الأجنبية خلال القرنين الماضيين، ويتوقف عند طبقات العصر البرونزي، وتحديداً عند الطبقة العشرين، يسجل أن «مدينة القدس قد بنيت في بداية العصر البرونزي المبكر، أي قبل مجيء الكنعانيين واليبوسيين وبنائهم المدينة كما هو شائع، وهذا يشير إلى أن القدس الأولى كانت – موجودة – في العصر البرونزي المبكر، وأنها على الأرجح كانت ذات هوية أمورية» (ص71). يبقى كلام الماجدي إذاً في حدود الترجيح النظري، ولكنه ترجيح ينطوي على منطق قوي. ومن الأدلة الآثارية التي يستشهد بها الباحث لتأكيد وجود القدس في بداية ومنتصف العصر البرونزي؛ الخزفيات والألواح التي عثر عليها في مدينة ومملكة إبلا، المسمارية الكتابة، (تقع اليوم شمال غربي الجمهورية العربية السورية)، ويرد فيها اسم أورسليم.
يلخص الماجدي وجهة نظره في هوية بُناة وسكان أورشليم القدس البرونزية فيسجل أن ما يسمى القدس اليبوسية، قد ظهرت في نهايات العصر البرونزي، وبعد انتهاء وجود القدس الأمورية – الأولى -، ولكنه يضيف مرجحاً أن مدينة القدس في العصر البرونزي الأوسط إنما (بناها عموم الكنعانيين وليس طبقتهم الارستقراطية التي كانت تتزعمها قبيلة «يبوس». أما قدس العصر البرونزي الأوسط فنستطيع أن نطلق عليها اسم «القدس الكنعانية» وبالتحديد «أورسالم» أي «مدينة سالم» الذي كان إله المدينة الحامي والرئيس لها (ص79). ونكرر أن هذا الاعتقاد يبقى مهماً وواعداً، لكنه يحتاج إلى المزيد من التفحص العلمي والأدلة الأركيولوجية وغير الأركيولوجية الساندة.
التفسير الجديد
أما بخصوص التفسير الجديد الذي يقترحه الماجدي لاسم المدينة «أورساليم/ أورشاليم»، بعيداً عن التفسير الشائع والقائل إنه يعني «مدينة السلام» والمؤلف من المفردة السومرية الجذور «أور» تعني مدينة، وهذا صحيح، وشاليم أو ساليم تعني السلام، وهذا غير صحيح كما يعتقد، لأن معنى السلام من المعاني الثانوية لكلمة سالم في اللغات السامية. أما المعنى الأول لها، فهو الكمال والتمام. وقد مرّ بنا التفسير الذي ترجحه كارين آرمسترونغ لهذا الاسم في كتابها «القدس مدينة واحدة، عقائد ثلاث» (ص 28)، حيث قالت إنه «هو نفسه الشمس الغاربة أو كوكب المساء».
والتفسير الجديد الذي يقدمه الماجدي يقوم على اعتبار سلم، شلم، شالم أو سالم اسماً خاصاً بالإله الحامي والخاص بالمدينة منذ تأسيسها على أيدي الأموريين. ويضف الماجدي موضحاً أن سالم «هو ابن الإله إيل، ولكنه لا يأتي عن طريق الاتصال الجنسي، بل عن طريق التقبيل والعناق» (ص99)، مستنداً في تأثيله هذا إلى أسطورة كنعانية تعرف باسم «أسطورة مولد الآلهة الجميلة»، ومقتبساً نصها المترجم إلى العربية الذي ترجمه أنيس فريحة. والواقع، أن تفسير الماجدي هذا لاسم القدس يعبّر عن وجهة نظر مهمة وقابلة للنقاش، رغم أنه يعتمد أساساً على التحليلات والتخريجات اللغوية لمادة أسطورية آتية من مكان بعيد نسبياً عن القدس ومحيطها. فقد عثر على ألواح هذه الأسطورة الكنعانية ضمن أساطير أوغاريت الكنعانية شمال سوريا الحالية قرب اللاذقية، وليس لأثر مادي مباشر، سواء كان مكتوباً أو غير مكتوب، من الميدان الأركيولوجي المقدسي؛ ثم إن هوية الأسطورة الكنعانية يمكن توظيفها ضد وجهة نظر الماجدي ولمصلحة إضفاء الهوية الكنعانية، لا الأمورية على المدينة.
الوجود السكاني البشري في محيط القدس يعود إلى ربع مليون سنة ق.م
وبالعودة إلى الباحثَين الفلسطينيين الصريع ونور الدين، نرى أنهما يؤكدان أن نمط الحياة الغسولي – نسبة إلى تليلات الغسول شمال شرق البحر الميت – الذي وجدت آثاره في مناطق عديدة في فلسطين، منها منطقة القدس، هو الاحتمال الأكثر ترجيحاً لأصول السكان المقصودين، والذين أطلق عليهم اسم الكنعانيين وبضمنهم اليبوسيون. وحتى بهذه الحدود، التي يتكلم فيها وعنها الباحثان الفلسطينيان والباحث العراقي، فهذا لا ينفي أن بناة أورشليم القدس وسكانها الأوائل، لعهود طويلة، هم جزيريون «ساميون» بالمعنى الإثني العام للكلمة التي تطلق على الفَرْشَة الإناسية «الأنثروبولوجية» للمشرق العربي بين دجلة شرقاً وضفاف المتوسط شرقاً، وكانت تضم أقواماً سابقين للهجرة الجزيرية المفترضة، ما لبثوا أن اختلطوا واندمجوا بهم.
إن فكرة وجود أقوام في فلسطين قبل الهجرة الجزيرية «السامية» المفترضة أمر يؤكده باحثون كثيرون، وقد لخص باحث فلسطيني آخر هو يوسف سامي اليوسف هذه الفكرة تلخيصاً ممتازاً بقوله: «ومما هو جدير بالتنويه، أن معظم المدن الفلسطينية التي أصبحت لها أسماء كنعانية في أواخر الألف الثالث ق.م، لم تكن من إنشاء الكنعانيين على الإطلاق. وليس بإمكاننا اليوم أن نحدد هوية الأقوام التي بنت تلك المدن. وعلى أية حال، إن الساميين حين وفدوا إلى فلسطين في أواسط الألف الثالث ق.م، قد وجدوا فيها حضارة متطورة صالحة للدخول في التاريخ. ولكنهم سرعان ما طبعوا الإقليم كله بطابعهم بعدما تمثَّلوا منجزاته الحضارية برمتها» («تاريخ فلسطين عبر العصور»، ص24).
غير أنَّ وجود بقايا آثارية غسولية لا تقول الكثير من المعطيات بخصوص هوية أولئك الأقوام الأصليين وغير الجزيريين لا يحلّ الإشكال القائم تماماً، وقد يدفع إلى طرح المزيد من الأسئلة، بانتظار ما تجود به فؤوس الأركيولوجيا، ولكنه قد يكون مفيداً لمراجعة موضوعة «اليبوسيون بُناة القدس» ووضعها في الإطار الكنعاني الأعمّ الذي كان سائداً في مناطق واسعة بين الفرات وضفاف المتوسط.
في هذا السياق، يلفت الباحث الصريع الانتباه إلى أن هناك إصراراً لدى الباحثين «الإسرائيليين» على عملية «تمرحل» تاريخ القدس في العصر البرونزي وتقسيمه إلى مرحلة يبوسية؛ ثم أخرى كنعانية؛ تمهيداً لاعتبار ما بقي من مراحل مرحلة عبرانية يهودية واحدة وطويلة. بل إن بعض علماء الآثار «الإسرائيليين» حاولوا مصادرة العصر الحديدي اللاحق للبرونزي كله، كما تخبرنا الباحثة الهولندية مارغريت شتاينر في كتابها «القدس في العصر الحديدي» (ص 178)، وأطلقوا عليه اسم «المرحلة الإسرائيلية»، ولكنهم تراجعوا عن ذلك لاحقاً، ربما بسبب فجاجة هذه التسمية اللاعلمية، وهذا أمر مقصود وغير صحيح. ففلسطين، وأورشليم القدس منها بمثابة القلب، بقيت كنعانية طوال تاريخها من الناحية الإناسية «الأنثروبولوجية» والعرقية «الإثنوغرافية» وبشكل غالب ورئيس. وهذا الرأي بدوره لا ينفي تماماً حدوث هجرات أقوامية في تلك العصور، التي وسمتها هذه الظاهرة الشاملة بوسمها.
وبما أن كلمة اليبوسيين، يستكمل الباحث نور الدين كلام زميله الصريع، كلمة غير تاريخية، فيجب ألا يقع المتخصصون العرب في التاريخ والآثار في فخها، بما يجعلهم رهائن للقناعة التوراتية غير التأريخية بدورها. والواقع أن حجج الباحثَين الفلسطينيين، نور الدين والصريع، جديرة بالتأمل العميق، خصوصاً وهي تستند في المقاوم الأول إلى منجزات علم الآثار وما قدمه من الثمار المادية المهمة؛ إضافة إلى كشوفات علم المناخ والبيئة.
ومن المعلومات والكشوفات الأركيولوجية اللافتة التي أعلنها الصريع، تأكيده أن الوجود السكاني البشري في محيط القدس يعود إلى ربع مليون سنة ق.م، بدليل المخلفات التي عُثر عليها في منطقة «سور باهر»، أما في وادي قالونيا – يضيف الصريع – فهناك دلائل ومخلفات تؤكد أن الاستيطان البشري في هذه المنطقة بدأ قبل عشرة آلاف سنة ق.م، واستمر حتى الفترة البرونزية المتأخرة وما بعدها. وكل هذا يعني، أن جغرافية القدس العامة تؤكد أن هذه المنطقة مسكونة بشرياً منذ أقدم العصور، رغم أنها مرت بظروف جفاف وجدب وقلة سكان في فترات مختلفة، لكن الاستيطان البشري فيها لا يمكن أن يختصره مظهر واحد من مظاهره في هذا التل المقدسي أو ذاك فقط، أو يذكره كتاب ديني غير تأريخي، ولا نجد له أي أثر أركيولوجي ملموس.
نختم بالقول، سواء كان بُناة القدس القديمة في العصر البرونزي هم الأموريين الذين بنوا حضارة بابل وعاصمتها شرقاً في العراق القديم، والعديد من الممالك في بلاد الشام الداخلية، أو كانوا يبوسيين أو كنعانيين، فهذا يؤكد هوية أورشليم القدس الجزيرية «السامية» وانعدام أية علاقة لها تأسيساً وتسميةً وهوية إثنية أو دينية بالعبرانيين أو بني إسرائيل القدماء.
*كاتب عراقي
**هذه المقالة جزء من دراسة طويلة في الموضوع ستصدر لاحقاً في كتاب «نقد الجغرافيا التوراتية ودراسات أخرى»، نشر جزء آخر منها في 4 حزيران 2019.
علاء اللامي