«الإمارات تنسحب من اليمن». حتى اللحظة، يجري التعامل مع الحدث الذي أُعلِن قبل أيام بالكثير من التشكيك. لكن المعلومات المستقاة من مصادر واسعة الاطلاع تُظهر قراراً استراتيجياً اتخذه حكام أبو ظبي نتيجة التهديد بوصول الحريق إلى داخل «دارِهم». ولأجل إبعاد هذه الكأس عنهم، استنجدوا بطهران وموسكو
«استراتيجية الخروج» من اليمن: الإمارات تستغيث بإيران
طهران ترفض عرضاً إماراتياً للانسحاب: تخطّيتم الخطوط الحمر
«أنصار الله» لأبو ظبي: سنحيّد منشآتكم الحيوية
إبن راشد لإبن زايد: صاروخ يمني واحد في دبي يدمّر كل ما بنيناه
«الإمارات تنسحب من اليمن». حتى اللحظة، يجري التعامل مع الحدث الذي أُعلِن قبل أيام بالكثير من التشكيك. لكن المعلومات المستقاة من مصادر واسعة الاطلاع تُظهر قراراً استراتيجياً اتخذه حكام أبو ظبي نتيجة التهديد بوصول الحريق إلى داخل «دارِهم». ولأجل إبعاد هذه الكأس عنهم، استنجدوا بطهران وموسكو
الوفد الرفيع (الذي يتردد أنه زار طهران مرتين) حمل معه، وفق مصادر دبلوماسية مطلعة، ما اعتقد الاماراتيون يومها أنه «عرض لا يُقاوم». ثلاثة بنود واضحة: الأول، إعادة العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها. الثاني، تأمين حماية مشتركة من البلدين للممرات البحرية لتأمين تدفق النفط من كل الدول المطلّة على الخليج. الثالث، والأهم: نحن مستعدون لمغادرة اليمن!
لم ييأس الاماراتيون بعد الردّ الايراني الصارم، فتوسّلوا وساطة روسية مع طهران اثناء زيارة وزير الخارجية الاماراتي عبدالله بن زايد لموسكو في 25 حزيران الماضي. لكن الجواب كان واحداً: لا شيء لدينا لنفاوض حوله. كان واضحاً لدى الايرانيين أن أبو ظبي تبحث عن «استراتيجية خروج» من المستنقع اليمني، وتريد بيعها. بضاعة كاسدة كهذه لا تُسوّق في بازار طهران، «ويمكنهم أن يخرجوا كما دخلوا».
ولكن، ما هي خلفيات هذا التحوّل الاماراتي؟
بصرف النظر عمّن يقف خلف هجوم ميناء الفجيرة الواقع على خليج عُمان (جنوب مضيق هرمز)، بدا واضحاً للجميع أن أي حظر على تصدير النفط الايراني يعني ان الدول الخليجية لن تكون قادرة على تصدير نفطها متجاوزة السيطرة الايرانية على المضيق. قُرئ الهجوم على انه تحدّ غير مسبوق واستفزاز افترضت الرياض وأبو ظبي انه سيشعل شرارة الحرب الأميركية المنتظرة على الجار الايراني المزعج. خيّبت واشنطن هذه الآمال، تماماً كما خيّبتها بعد إسقاط قوات الدفاع الجوي التابعة للحرس الثوري طائرة تجسس أميركية في 20 حزيران الماضي. أُريد للحدثين أن يشكّلا زلزال «14 شباط ايراني» على شاكلة زلزال «14 شباط اللبناني» (اغتيال رئيس الحكومة اللبناني رفيق الحريري)، وما تلاه من تغييرات اقليمية ودولية. لكن الأميركي كان في واد آخر.
أدرك الاماراتيون أن الأميركيين إذا لم يهاجموا ايران الآن فقد لا يهاجمونها أبداً. لذا جاءت انعطافة أبو ظبي الأخيرة «بالانتقال من استراتيجية القوة العسكرية أولاً إلى استراتيجية السلام أولاً»، بعد أربع سنوات ونصف سنة من انخراطها في الحرب على الشعب اليمني. إرهاصات القرار بدأت مع زيارة وزير الخارجية الاماراتي لموسكو وإعلانه أن التحقيق في حادث الفجيرة لم يشر بدقة الى الجهة الفاعلة، مشيراً الى أن بلاده غير معنية بأي تصعيد مع طهران.
وفق المصادر المطلعة، فإن «شبه الانسحاب الاماراتي هو، عملياً واستراتيجياً، قرار بالانسحاب يجري تظهيره كخروج ملطّف حتى لا تكون له تبعات الهزيمة». وقد حتمّت هذا القرار جملة اسباب، داخلية وخارجية، أولها وصول «قدرة التحمّل الاماراتية» لتبعات التورط في اليمن الى حدّها الأقصى على صعد عدة:
1) النزيف البشري الذي نجحت الامارات على مدى اربع سنوات ونصف سنة في التغطية عليه، وتمكنت أخيراً من الحد منه عبر الابتعاد عن المواجهات المباشرة واستخدام «أطر بديلة» تتمثل بمجموعات ميليشيوية يمنية جنّبت الجيش الاماراتي مزيداً من الخسائر، ولكن بعدما طالت هذه الخسائر معظم أبناء الطبقات الوسطى والفقيرة، ووصلت الى بعض أبناء العائلة الحاكمة.
2) النزيف الاقتصادي الذي بات يسبّب تململاً ليس في أبوظبي فحسب، وانما في بقية الامارات مع شعور بأن تبعات الحرب بدأت تترك تأثيرات استراتيجية على الاقتصاد القائم اساساً على التجارة والخدمات.
3) النزيف السياسي: مع التيقن بأن سقف الحرب بات مقفلاً على إمكان تحقيق انتصار واضح وناجز، وتخلخل الحلف الذي تقوده السعودية بخروج شركاء منه، شعر الاماراتيون بأنهم قادمون على تحمّل جزء أساسي من تبعات الهزيمة السياسية ويريدون تجنّب دفع جزء معتبر من هذا الثمن.
إلى ذلك، بدا أن وضع الاتحاد الاماراتي بات على المحك مع تصاعد تململ حكام الامارات الست من التماهي الكامل لرجل أبو ظبي القوي محمد بن زايد مع رجل الرياض القوي محمد بن سلمان في توتير العلاقات مع الجيران الخليجيين والجار الايراني، ومن التورط في الحرب اليمنية وأثمانها الاقتصادية. وفي المعلومات أن اجتماعاً عقد قبل أسابيع بين ثلاثي «أولاد زايد» (محمد وهزاع وطحنون) وحاكم دبي محمد بن راشد الذي تمثل إمارته «درّة النموذج الاماراتي»، أبلغهم فيه الأخير، بوضوح، أن هناك ضرورة ملحّة للخروج من هذا المستنقع. ولفت إلى ان «نزول صاروخ يمني واحد في واحد من شوارع دبي كفيل بانهيار الاقتصاد والتضحية بكل ما حققناه». كما سمع «أولاد زايد» كلاماً مماثلاً من حكام الفجيرة، أبدى فيه هؤلاء خشيتهم من ان السياسة الحالية قد تجعل إمارتهم ساحة أي معركة مقبلة، كونها واقعة على بحر عُمان، وخارج مضيق هرمز.
مصادر دبلوماسية: معلومات عن طلب إماراتي من القاهرة التوسط لإعادة تفعيل العلاقة مع دمشق
الأهم من كل ما سبق أن الاماراتيين لمسوا أن الاندفاعة اليمنية النوعية الأخيرة باتت قادرة على قلب الموازين الاستراتيجية للصراع بعد تفعيل أسلحة جديدة واستهداف منشآت حيوية كخط ينبع ومطار أبها وغيرهما، فيما أخفقت كل «الجدران الاستراتيجية» (كالباتريوت) في وجه هذه الهجمة. ووفق معلومات «الأخبار» فإن الامارات تلقّت رسالة واضحة من «أنصار الله»، بعدما لاحت بوادر انعطافتها الأخيرة، مفادها أن منشآتها الحيوية لن تكون هدفاً للقصف «ومعركتنا ستكون حصراً مع السعوديين»، ما يفسر حصر القصف الأخير بالأهداف الحساسة السعودية.
في المحصلة، تؤكد المصادر أن التحول الاماراتي «ليس مناورة. هم أخفقوا أولاً في هجوم خليفة حفتر على طرابلس الغرب. وأخيراً أيقنوا أن واشنطن ليست جاهزة لمواجهة مباشرة مع ايران». لذلك، «ستكمل الامارات استدارتها لتشمل الموقف من سوريا». وتلفت في هذا السياق الى «معلومات عن طلب إماراتي من القاهرة بالتوسط مع دمشق» لإعادة تفعيل العلاقة من حيث توقفت بعدما فرملها الأميركيون مطلع هذه السنة.
هروب الأميرة هيا تم بمساعدة ابن زايد!
كشف أمير سعودي أن عملية هروب الأميرة الهاشمية، هيا بنت الحسين، زوجة حاكم إمارة دبي محمد بن راشد، والأخت غير الشقيقة لملك الأردن عبد الله الثاني، تمّت بمساعدة ولي عهد أبوظبي محمد بن زايد، وبالتنسيق مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، والملك الأردني، وسط خلاف مستعر بين حاكم دبي ورجل أبو ظبي القوي.
ونقل مصدر دبلوماسي لـ«الاخبار» عن الأمير السعودي أنه اطلع على حيثيات سفر الأميرة هيا وأولادها وطلبها الطلاق من ابن راشد، وتقديم طلب اللجوء إلى ألمانيا. وفي التفاصيل، وبعد أن نسّق ابن زايد مع الملك عبد الله عملية الهروب، تولى فريق العمليات الخاص الذي يتبع ابن سلمان تنفيذ العملية». ولفت المصدر الى أن عبد الله الثاني زار الامارات قبل مدة، وعقد اجتماعاً استمر بضع ساعات من ابن زايد «كان استمراراً للقاء جمعهما في ليلة سابقة»، وتضيف: «أثار عدم لقاء الملك الأردني زوج أخته محمد بن راشد، شكوكاً كثيرة وعلامات استفهام يومها».
وبحسب هذه الرواية، فإن لابن زايد بصمات أيضاً في عملية الهروب الفاشلة لابنة محمد بن راشد (الشيخة لطيفة). وتنقل المصادر عن الأمير السعودي أن «مشكلة ابن زايد غير منحصرة بمحمد بن راشد… إذ لديه خلافات خطيرة مع حكّام الإمارات الآخرين. وهو يحيك لهم سيناريوهات متعددة، ما أدى الى خضوع بعضهم له لقاء بقائهم في الحكم بشكل صوري (…) أما محمد بن راشد فقد وقف بوجه طلبات ابن زايد اللامتناهية، ولذلك يعاني مثل هذه المشاكل».
وعدّد الأمير جملة أسباب للخلافات بين ابن زايد وحكام الإمارات الست الأخرى، أهمّها: «الشؤون المالية الداخلية، الحرب اليمنية، تحالف ابن زايد الكامل مع ابن سلمان، ونهج ابن زايد المدمر لجيرانه، خاصة قطر وعمان وحتى إيران… لكن هؤلاء الحكام لا يجرؤون على مواجهة ابن زايد، كما فعل ويفعل محمد بن راشد».