بعدما حاولت السعودية التملّص من ارتكابها مجزرة سوق آل ثابت في محافظة صعدة، بإلقائها المسؤولية عنها على «أنصار الله»، جاءت كشوفات المستشفى الجمهوري في مركز المحافظة، إضافة إلى شهادات الناجين من المجزرة، لتثبّت حقيقة الجاني، وتؤكد أن الصواريخ قدمت من جبل العز السعودي، وليس من مكان آخر
وأعلنت وزارة الصحة في صنعاء، أمس، ارتفاع عدد ضحايا المجزرة إلى 15 قتيلاً، منهم 4 أطفال، و26 جريحاً بينهم 14 طفلاً، معظمهم حالتهم خطرة ومهدّدون بالموت، في ظلّ النقص الحادّ بالأدوية في مستشفيات المحافظة. وأشارت الوزارة، في بيان، إلى أن التحالف استهدف بقصف صاروخي سوق آل ثابت في منطقة منبه، الواقعة في نطاق مديرية قطابر، في ذروة توافد المواطنين إليه، وهو ما يؤكد «تعمّد العدوان قتل العشرات من المدنيين». من جهتها، اعتبرت السلطة المحلية في صعدة استهداف أسواق المحافظة، وآخرها سوق آل ثابت، «جرائم حرب مكتملة الأركان، وجرائم ضد الإنسانية»، واصفة ذلك بأنه تعبير عن «حالة الإفلاس الأخلاقي والسقوط القيمي لتحالف العدوان».
ويتبيّن من خلال نوعية الإصابات التي تعرّض لها الضحايا، والتي أوردتها بيانات صادرة عن المستشفى الجمهوري في مدينة صعدة، أن معظمهم قتلوا بشظايا صاروخية في الكتف والصدر والعنق، فيما تحوّل آخرون إلى أشلاء. كذلك، تثبّت نوعية الإصابات أنّ القوات البرية السعودية، التي توجد على بعد لا يزيد على 20 كيلومتراً من السوق المستهدف، هي التي تقف وراء المجزرة، فالإصابات كانت مباشرة، والقصف الصاروخي الذي استهدف الباعة والمتسوقين كان مركّزاً أيضاً.
شنّت مقاتلات «التحالف»، فجر أمس، سلسلة غارات عنيفة على العاصمة
وتفيد مصادر محلية، «الأخبار»، بأنّ سوق آل ثابت الحدودي في قطابر ظلّ على مدى أربع سنوات ونصف سنة بعيداً عن أي مواجهات عسكرية، ولم يسبق أن تعرض لأيّ استهداف خلافاً لأسواق صعدة الشعبية الأخرى، وتحديداً الحدودية التي استُهدفت بصورة ممنهجة خلال السنوات الماضية وسقط فيها العشرات من الضحايا. ووفقاً للمصادر نفسها، فإن «آل ثابت» كان قبل العدوان مقصوداً من اليمنيين والسعوديين على السواء، لكونه في منطقة حدودية. ولا تبعد أقرب المناطق السعودية من السوق أكثر من 10 كيلومترات عنه، وهي وادي دفا، ونيد العقبة، وقرية قيار خاشر، وآل نخيف، ومنطقة حبس، وكل تلك المناطق تقع على سلسلة جبلية مطلّة على منطقة آل ثابت، وتضمّ ثكنات ومواقع عسكرية سعودية، ولذلك يجري التعامل في السوق بالعملة السعودية، وهو يستقبل المئات من الشباب اليمنيين الذين أجبرتهم الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتدهورة على التسلّل إلى الأراضي السعودية بحثاً عن فرص عمل.
المصادر عينها تبيّن أن قتلى المجزرة التي ارتكبتها السعودية الاثنين الماضي ينحدرون من محافظات يمنية متعددة، وليسوا من أبناء صعدة، وهم كانوا يعملون في السوق في تقديم الوجبات الخفيفة والخدمات الأخرى. وأوضحت أن من بين الضحايا 27 شخصاً ينحدرون من مديرية وشحة في محافظة حجة، وأن أكثر من عشرة مِمّن قُتلوا هم من أسرة واحدة. يضاف إلى ذلك أن أكثر من 12 مدنياً من الضحايا ينحدرون من محافظة ريمة وسط اليمن، فيما أحد الجرحى إثيوبي الجنسية.
المتحدث الرسمي باسم القوات المسلحة التابعة لصنعاء، العميد يحيى سريع، رأى أن «جريمة آل ثابت تثبت فشل النظام السعودي، إذ عمد إلى ارتكاب مجزرة بحق المدنيين في سوق شعبي بعد الاستهداف الدقيق والناجح لصاروخ بدر F، الذي أصاب هدفه مستهدفاً بنحو مباشر تجمعاً عسكرياً لجنود سعوديين ومجاميع من المرتزقة». وأكد أنه «أمام هذه الأعمال الإجرامية، لن تقف القوات المسلحة مكتوفة الأيدي، بل سيزيدنا ذلك قوة وعزيمة للرد على العدوان، وبما يتناسب زماناً ومكاناً».
في المقابل، سارع الجانب السعودي، عقب ارتفاع عدد ضحايا المجزرة، إلى التنصّل عنها، محاوِلاً تشويش الرأي العام المحلي والدولي باتهام «أنصار الله» بالوقوف وراءها. وتكرّرت تلك الاتهامات على ألسنة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، والمتحدث باسم «التحالف» تركي المالكي، ووزير الإعلام في حكومة الرئيس المنتهية ولايته معمر الإرياني، الذي ادعى أن سكان منطقة آل ثابت «موالون للشرعية والتحالف»، وهو ما لا يدعمه أي دليل على أرض الواقع. كذلك، أكد ناجون من الجريمة أن الصواريخ التي سقطت على السوق كانت قادمة من جبل العز السعودي المقابل لمنطقة آل ثابت، الذي لا يفصله عن السوق سوى وادي الضيق الحدودي بين صعدة وجيزان.
وفيما استهدفت قوات صنعاء، في أول ردّ لها على المجزرة، قاعدة الملك خالد الجوية في جيزان ومطار أبها الدولي بعدد من طائرات «قاصف 2K»، توازياً مع شنّها عملية برية في عسير تمكنت من خلالها من «أسر 40 عنصراً من عناصر القوات الموالية للعدوان وقتل عدد آخر» بحسب ما أعلنت، شنّت مقاتلات «التحالف»، فجر أمس، سلسلة غارات عنيفة على العاصمة، استهدفت تسع منها منطقة السواد جنوبي صنعاء، وسبّبت أضراراً واسعة في منازل المواطنين وممتلكاتهم، ودفعت العشرات من الأسر إلى إخلاء منازلها خشية ارتكاب الطيران مجزرة جديدة بحق المدنيين.