بغداد/ وائل نعمة
قصفت الطائرات العراقية، قبل أيام، نفقاً في منطقة وعرة في عمق صحراء الأنبار، كان يتوقع بداخله زعيم ما كان يعرف بالدولة الإسلامية أبو بكر البغدادي.
وبين حين وآخر تتلقى القوات الأمنية هناك معلومات عن احتمال وجود البغدادي، رغم أن القيادة العسكرية في بغداد تؤكد انتقاله إلى سوريا بعد تعرضه لإصابة شديدة بالظهر.
وزادت الشكوك بوجود البغدادي في النفق الذي تمت معالجته مؤخراً، أنه يقع في وادي حوران المنطقة التي تعد معقلا رئيسا للتنظيم.
يمتد الوادي من العراق إلى سوريا والأردن والسعودية، ويبلغ طوله الإجمالي نحو 750 كم، 400 كم منها داخل العراق فقط.
وسمح طول ووعرة الوادي، بأن يتحول إلى منطقة آمنة لـداعش، خصوصا وأن التنظيم عاش فيه لفترات طويلة واستطاع إنشاء أنفاق داخله.
يقول مسؤول أمني في الأنبار طلب عدم نشر اسمه في اتصال هاتفي أمس مع (المدى) إنه “لا يمكن معرفة عدد الأنفاق أو أماكنها بشكل دقيق، لكننا نعتمد على مصادر خاصة تنقل لنا المعلومات من هناك”.
قبل أشهر قررت القيادة العسكرية في الأنبار أن تشن خطة جديدة للحصول على مصادر من الصحراء، حيث لا يمكن مع الجغرافية المعقدة للمنطقة أن تضع قوات دائمة.
الخطة تضمنت تجنيد بعض رعاة الغنم، وتزويدهم بأجهزة اتصال على الأقمار الاصطناعية، وإعطائهم رواتب ثابتة. المفاجأة كانت أن داعش لبس هو الآخر لباس الرعاة “البدو” مستغلا سماح القوات الأمنية لتلك الجماعات بالعيش في الصحراء، فتعقد الأمر أكثر. يقول المسؤول إن “رعاة الغنم في العادة لا يعرفون بعضهم البعض لأنهم من مناطق متفرقة، لكنهم يستطيعون تمييز المسلحين حين يطلبون منهم الأتاوات أو يهددونهم بالقتل”. ويتطلب من المصدر (الراعي) أن يقدم أدلة غير قابلة للشك مقابل الأموال التي يحصل عليها، مثل أن يرافق القوات الأمنية في طلعات جوية استطلاعية لتحديد الموقع بشكل دقيق.
يشير المسؤول إلى أنه قبل 3 أيام، أبلغهم أحد الرعاة بوجود مسلحين في نفق في وادي حوران، معتقدا أنه قد يكون فيه قيادي كبير للتنظيم وربما زعيم “داعش” نفسه “أبو بكر البغدادي”.
عادة لا تتأكد القوات الأمنية بعد ضرب المخابئ أو الأنفاق من موت المسلحين بداخله، لأن بعض الأنفاق تمتد لكيومترات وتصل إلى مناطق غير معروفة، لكن القصف هو الحل الوحيد. ويساور الجميع في الأنبار الشك بوجود البغدادي هناك أو أنه يسافر ويعود إلى “حوران” في كل مرة.
وحوران، هي المنطقة التي قالت تقارير عسكرية إن التنظيم لجأ إليها بعد فراره من الفلوجة في عام 2016، وقبلها كانت قد شهدت بداية انطلاق “داعش” إلى مدن الأنبار.
وفي نهاية 2017، كانت هناك حملة كبيرة لتطهير الوادي بحثا عن البغدادي. وقالت الاستخبارات العراقية في الشهر الماضي، إن الأخير يعاني من شلل في أطرافه بسبب إصابته بشظايا صاروخ في العمود الفقري على إثر غارة عراقية أثناء اجتماعه بمعاونيه في منطقة هجين جنوب شرقي محافظة دير الزور السورية قبل تحريرها عام 2018.
وأكدت الاستخبارات أنه رغم ذلك ما زال زعيم “داعش” يمتلك نفوذا قويا داخل التنظيم وطاعة بين أتباعه من جنسيات أجنبية وعربية، وأجرى تغييرات لتعويض مقاتليه الذين قتلوا خلال عمليات التحرير في سوريا والعراق. وكانت العمليات المشتركة قد نفت الأسبوع الماضي، معلومات عن وجود 3 آلاف مسلح في “حوران”. ويقول المسؤول الأمني في الأنبار إن “داعش يمتلك عدة مجاميع في الوادي، لكنهم لا يزيدون عن الـ100”.
لا يزيد عدد المجموعة عن الخمسة أفراد لسهولة التنقل والتمويه، وأغلبهم فروا من عمليات تحرير غرب الأنبار قبل عامين، لكن المسؤول يؤكد “وجود بعض الأعداد التي جاءت مؤخرا هربا من سجون قوات سوريا الديمقراطية (قسد)”.
وفي الغارة الأخيرة على النفق في وادي حوران، اكتشفت القوات وجود آثار لعجلات قريبة من خزان ماء كبير، وهي إشارة إلى وجود جهات يتواصل معها التنظيم وترسل إليه الماء والطعام. ودمرت الغارة التي شنت في فجر يوم الأحد الماضي، عجلة نوع “كيا حمل” تابعة للمسلحين، كما عثر على عجلة أخرى ودراجة نارية.
بالمقابل يقول قطري العبيدي، وهو قيادي في حشد غرب الأنبار لـ(المدى) إن “العمليات العسكرية في حوران مستمرة بشكل دائم”، مبينا أن “قيادة عمليات الجزيرة والبادية تنسق بشكل جيد مع الحشد المحلي وهو أمر ساهم بالكشف عن عدد من مخابئ المسلحين”.
وأكد القيادي في الحشد أن العمليات هناك لديها صلاحيات واسعة حيث تستطيع معالجة أي هدف بري وجوي “دون أخذ موافقة بغداد ما وفر السرعة في ملاحقة فلول داعش”.
عودة الغنام
بالمقابل يتوقع مجلس محافظة الأنبار أن يساهم تعيين قائد جديد لعمليات الأنبار في السيطرة على الجانب الآخر من الصحراء الرابط مع السعودية.
وقالت وزارة الدفاع في بيان صحفي، أول من أمس، إن “رئيس أركان الجيش الفريق الأول الركن عثمان الغانمي استقبل بمكتبه اللواء الركن ناصر الغنام، بمناسبة تسميته لمنصب قيادة عمليات محافظة الأنبار”، مبينة أن “الغانمي وجه الغنام بضرورة تكثيف الجهود من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في محافظة الأنبار وجميع المحافظات”.
ويأتي تعيين الغانم بعد أسابيع من عزل قائد عمليات الأنبار السابق اللواء محمود الفلاحي على إثر اتهامه بالتخابر مع الاستخبارات الأمريكية، رغم أنها تهمة نفتها الحكومة.
والغنام لاحقته اتهامات واسعة في زمن رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، بانتهاكات لحقوق الإنسان أثناء قيادته لفرق عسكرية في غرب بغداد والموصل.
لكن حميد هاشم، عضو مجلس محافظة الأنبار، قال أمس لـ(المدى) إنه “لا يوجد اعتراض لدى المجلس لاختيار الغانم، خصوصا وأنه معروف عنه مقاتلته للقاعدة والتنظيمات المتطرفة الأخرى”. وقال المسؤول المحلي إن مهام القائد الجديد ليست سهلة حيث سيشرف على منطقة ما زالت تضم أوكارا للتنظيم،