أبدأ بهذه الملاحظات السريعة حول مقالة مطولة نشرها الزميل أسعد أبو خليل بعنوان «الممانعة والانتفاضة على النظام العراقيّ» (بتاريخ 12 تشرين الأول الحالي)، حاول فيها أن يقدّم نصاً متوازناً وموضوعياً حول التظاهرات السلمية العراقية التي أُغرقت بدماء القمع الحكومي؛ معبّراً عن اتفاقي معه في العديد من النقاط التي وردت فيها، وربما أكثر من النقاط التي أختلف معه عليها. ومما أتّفق معه عليه، رؤيته وتحليله لطبيعة النظام الطائفي التابع الرجعي في المنطقة الخضراء ببغداد، وبواعث وظروف التظاهرات، ولكنني أختلف معه في نقاط أخرى أدرجها هنا بشيء من الاختصار:
*ليس دقيقاً القول إن لا أحد في العراق يطالب بإعادة تشكيل النظام – في الحد الأدنى – لإزالة آثار العدوان الأميركي المنتشر في خلايا النظام السياسي، فقد كانت الأهداف الثلاثة الأولى المعلنة لسلسلة التظاهرات والانتفاضات العراقية ومنذ سنة 2011 هي:
1- إخراج الاحتلال وإنهاء الاتفاقية الأمنية مع الاحتلال الأميركي.
2-تعديل الدستور الذي أسّس للمحاصصة الطائفية.
3-محاسبة الفاسدين في الحكم والقضاء على الفساد المنتشر في البلاد.
وقد تحقّق جزء من هذه الأهداف ومنها إخراج جلّ القوات المحتلّة تحت ضغط المقاومة المسلّحة والسلمية، ولكن الاتفاقية الأمنية بقيت سارية والدستور الاحتلالي لم يتم تعديله. أمّا إذا كان المقصود عدم طرح هذا الهدف في بيان أو شعار مركزي في التظاهرات، فيمكن تعليله بالطابع المطلبي والعفوي الطاغي على انطلاقة التظاهرات التي اتّخذت شكلاً سريعاً وانفجارياً، وعدم وجود قيادة موحّدة ومركزية للحراك.
*أما قول الزميل أبو خليل إن «للشعب العراقي ألف سبب وسبب للانتفاض على نظام الحكم القائم. لكن الظنّ بأن واشنطن (أو إسرائيل) بعيدة عن مجريات السياسة في العراق هو جزء من الدعاية السياسيّة»، فلم يقدّم أبو خليل ما يُثبت صحة استنتاجه هذا حول حصول الدخول الأميركي والإسرائيلي على «مجريات الأحداث في العراق»، سوى تصريحات جاسوس ممقوت ومحرّض بائس هو سكرتير أحمد الجلبي، والمنشق عليه لاحقاً، انتفاض قنبر. ويبدو أن أبو خليل لا يعلم كيف ينظر العراقيون إلى قنبر أو غالبيتهم الساحقة. إن التحذير من الاندساس الخارجي والداخلي في التظاهرات السلمية لجماهير الكادحين العراقيين من باب الحرص عليها أمرٌ مفهوم ومبرّر وإيجابي، أما التشكيك المُسبق بها أو التلميح به، استناداً إلى أقوال أمثال انتفاض قنبر، والوقوف على التل والصراخ: هناك اندساس أميركي وإسرائيلي في الحدث العراقي، فهو أمر سلبي بالمقاييس كافة!
*يكتب أبو خليل إن «بيان المتظاهرين الرسمي الذي صدر يوم الجمعة الماضي يطرح خيبة عميقة من نخبة الحكم الاحتلاليّة ويطالب بلجنة وطنيّة لتعديل الدستور بعيداً عن الكتل والأحزاب التي شاركت في إدارة البلد منذ عام 2003. اللافت في الصياغة أن البيان لم يفسّر ما حدث في عام 2003، ولم يصِف الحدث الأكبر في تاريخ العراق المعاصر»!
لقد تأكد وتكرر على ألسنة بعض أعضاء اللجان التنسيقية المتفرقة وكوادر هذه الانتفاضة المعروفين عدم وجود قيادة موحّدة أو شاملة لهذه الانتفاضة، وبالتالي فليس هناك بيان رسمي صدر باسمها حتى هذه اللحظة، بل هناك بيانات وتصريحات كثيرة صدر بعضها باسم مكوّنات تنظيمية جديدة لم يسمع بها أحد من قبل أو لجان تنسيقية لا يعرف أغلب قادتها، ثم هل من الضروري أن يناقش بيان ميداني صدر عن قيادة هنا أو أخرى هناك تاريخ العراق الحديث كلّه أو يتوقف عند ما حدث منذ سنة الاحتلال الأميركي سنة 2003 وحتى الآن؟
*ثمة بيان صغير آخر يتوقف عنده أبو خليل، وكنت قد توقفتُ عنده في نصّ سريع من باب الترحيب والتركيز على نقطة وردت فيه حول مطالبة البيان «بتجميد العمل بدستور الاحتلال الطائفي وإعادة كتابته» وسجلتُ رفضي لدعوة البيان إلى التدخل الخارجي واعتبرتها خطرة. وهذا البيان أصدرته مجموعة لم يسمع بها أحد من قبل هي «شباب ثورة الحسين للجميع»، ولم يصدر عنها بعده بيان آخر. أما أبو خليل فقد اعتبر هذا البيان من وثائق الانتفاضة التي يعوّل عليها وسجل عليه مناداة البيان «بالتدخل الفوري في العراق من قِبل الأمم المتحدة ومن قبل الجامعة العربيّة» وعلّق عليه بالقول: «من المستحيل أن يكون كتّاب البيان جاهلين بواقع النفوذ والسيطرة في الإقليم والعالم». والواقع فإن هناك ما هو أهم من هذا البيان المصوَّر بالماسح الضوئي والركيك لغةً ومعنى، لتأكيد مطالبة البعض بالتدخل الدولي والأميركي تحديداً، وهؤلاء أناس لا علاقة لهم بالانتفاضة ويعيش أغلبهم خارج العراق، وقد أطلقوا حملة جمع تواقيع خارج العراق تدعو علناً واشنطن إلى التدخل في الوضع العراقي، وقد تأكّد لي ولغيري أن وراء هذه الحملة حزب «البعث العراقي» وأنصاره في الخارج، وربما يكون بيان مجموعة «شباب ثورة الحسين للجميع» صدى من أصدائهم وهذا مجرّد تخمين! لقد صدر خلال الأيام الستة الأولى من الانتفاضة عدد كبير من البيانات، ولكن اعتماد أيّ منها كبيان رسمي للمتظاهرين والمنتفضين أمر غير صحيح.
*وفي فقرة أخرى يضيف الكاتب «والأزمة العراقيّة تفجّرت بسبب نصب تمثال له – للجنرال عبد الوهاب الساعدي – وهذا عمل غير مألوف طبعاً في الموصل، ما أغضب الحكومة»، وهذا كلام غير دقيق تماماً، فالأزمة والتظاهرات التي حدثت نتاج لأسباب أخرى كثيرة وعميقة تطرق إلى بعضها الكاتب، أما في الموصل ذاتها فلم تخرج تظاهرة واحدة خلال الانتفاضة، رغم التعاطف الكبير مع المنتفضين وما قيل عن حملة تبرّع بالدم لجرحى الانتفاضة في مدينة الموصل، أما التظاهرات التي خرجت في المحافظات الأخرى فلم تنادِ باسم الجنرال الساعدي أو ترفع له صوراً أو غير ذلك، بل تحدث بعض الأفراد المشاركين في التظاهرات دفاعاً عنه وإشادةً به، وهناك من رفض الدعوات المرتجلة لجعله رئيساً لنظام جديد أو قائداً لانتفاضة لم يقُل هو حرفاً واحداً تأييداً لها.
الغائب الأكبر، وبشكل مؤسف، في مقالة أبو خليل، هو التوقف عند قسوة القمع الدموي الفاشي الذي جوبهت به التظاهرات السلمية من باب توثيق الوقائع وتحليل المشهد، أو من باب إدانة القمع والتضامن مع ضحاياه، ففي حالات كهذه لا يكفي التعليل بوجود التضامن الضمني.
مقالة الأمين
من جهة ثانية، تأتي مقالة رئيس التحرير إبراهيم الأمين ضمن ملف يحمل عنواناً اتّهامياً ومنحازاً، يقول: «العراق: أيام للتآمر والفساد والطفولية الثورية» (بتاريخ 14 تشرين الأول الحالي)، أي أن الملف يصنف التظاهرات السلمية الواسعة للشباب العراقيين في سياق التآمر، ويتّهم مَن يساندهم من إعلاميين ومثقفين عراقيين بـ«الطفولية الثورية»، وما تحتويه المقالة من أخبار عن لقاءات بين رئيس مجلس النواب اللبناني نبيه بري والأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله قبل زيارة الأول إلى العراق؛ تكشف لنا بوضوح أن مشكلة «حزب الله» وحركة «أمل» هي حلُّ مشاكل الأحزاب الشيعية العراقية القائدة للحكم في العراق، وهي الأحزاب الفاسدة ذاتها التي دخلت العراق كحليف للاحتلال الأميركي، والساكتة، بعد الاحتلال، على التبعية السياسية والاقتصادية له وعلى قواعده العسكرية، والتي جبنت حتّى عن تسمية دولة العدو الصهيوني الذي قصف قواعد «الحشد الشعبي» داخل العراق ودمّر وقتل وجرح مقاتلين عراقيين، وليس حلَّ مشكلة الشعب العراقي والتي هي في هذه الأحزاب الفاسدة نفسها. إن مساعيَ من هذا النوع سيكون مصيرها الفشل لأنها تريد تحويل العملاء إلى مقاومين ومناهضين للغرب الإمبريالي وهم في حقيقتهم الفعلية نقيض ذلك.
من ناحية أخرى، يناقش الأمين الوضع العراقي بطريقة مشابهة، أو قل هي نفسها التي يناقش فيها الوضع والنزاعات الطائفية المتأصّلة في لبنان من دون الأخذ في الاعتبار أن الطائفية السياسية في لبنان واقع قائم وراسخ منذ قيام الدولة اللبنانية، أما في العراق فهي حالة طارئة فرضها الاحتلال الأميركي وحلفاؤه المحليون بهدف تدمير العراق وتفتيته طائفياً وقومياً، ويمكن أن تزول – هذه الحالة الطارئة – بمجرًد زوال هيمنة الأحزاب الإسلامية الشيعية ورفع الحماية عنها. وقد وجدتْ إيران في هذه الحالة ضالّتها الاستراتيجية والأيديولوجية، فقامت بدور الحامي لهذا النظام. كانت هناك مناسبات تسابق فيها السفيران الإيراني والأميركي لإفشال أيّ مسعى عراقي استقلالي، كما حدت مثلاً في الاعتصام البرلماني للأغلبية النيابية والذي استهدف إسقاط الرئاسات الثلاث القائمة على أساس المحاصصة الطائفية في نيسان 2014 حتى تم إفشاله فعلاً!
كم من الدماء والشهداء ينبغي على العراقيين أن يقدموا لكي يستحقوا تضامن أقرب الناس إليهم؟
أعتقد أن من الأمور الجوهرية التي ينبغي التوقف عندها في هذا الحدث العراقي الدامي هو علاقة إيران به فقد اتّخذت إيران موقفاً معادياً تجاه الحراك الشعبي ومحرّضاً ضده، ومدافعاً عن النظام، على أعلى المستويات السياسية والدينية. فالمرشد الإيراني علي خامنئي وصف التظاهرات في تغريدة له بـ «التآمر الذي لن يبقى له أثر»! إن الموقف الإيراني الرسمي الحامي لنظام القمع والتبعية سينتهي بخسارة إيران للعراق كشعبٍ وإلى زمن غير منظور، وسيترك جرحاً غائراً في العلاقة بين الشعبين الجارَين وبين الدولتين.
ثم يكرر الأمين ما أُشيع عن دور ما لـ«خصوم إيران والحكم العراقي لا يوفرون استخدام قواعد شعبية واجتماعية تتأثر بقيادات وكوادر من حزب البعث، كأداة للانتقام من الخصوم لا أكثر»، وكل من راقب بإنصاف وحياد وقائع الانتفاضة الشبابية التي أغرقها النظام بالدماء، سيجد أن ما قيل عن دور لحزب «البعث» أو دول أجنبية كأميركا والسعودية وإسرائيل محض افتراءات ودعايات سياسية من قبل بعض أوساط السلطة وخاصة الإعلام الميليشياوي المدافع عنها، والداحض لهذه المزاعم هو أن النظام نفسه تخلّى عنها، وعمَّد ضحايا رصاصه كشهداء يستحقون التعويض وإعلان الحداد لثلاثة أيام. فقد كان رئيس مجلس الوزراء عبد المهدي ورئيس الجمهورية والمرجعية الدينية السيستانية قد برأوا ساحة المتظاهرين من هذه الافتراءات، فقال عبد المهدي في خطابه الذي أعلن فيه الحداد على مقتل وجرح الآلاف من الشباب: «أقولها بصراحة: أننا وفقاً لمعطياتنا الراهنة لا نتّهم أية دولة تربطنا بها علاقات صداقة أو تعاون، ولا أية قوة سياسية معروفة أو أحزاب أو وسائل إعلام، فهذه كلها لها مصلحة باستمرار الهدوء والاستقرار في البلاد والحفاظ على أمننا ونظامنا السياسي». أما رئيس الجمهورية برهم صالح فقد قال قبله بيومين إن «من أطلق النار على المتظاهرين خارجون على القانون وأعداء للعراق»! فهل يجوز بعد كل هذه الأقوال الاستمرار بترديد ما تراجع عنه النظام العراقي وإعلامه وقادته؟
وفي فقرة أخرى يكتب الأمين «لكن الجانب الأكثر سلبية في المشهد العراقي، يتركز على كيفية تعامل الخارج مع الأحداث الجارية. والخارج هنا، فيه تيار قوي ينتمي فعلياً إلى المحور الحليف للولايات المتحدة وسياساتها في المنطقة. ورغم وجود تناقضات داخل هذا الفريق في أماكن كثيرة، إلا أنه يمكن ملاحظة تطابق في المساعي لدفع العراق نحو الفوضى، بين القطريين والأتراك والسعوديين والإماراتيين، إضافة إلى الدور الأمني والتحريضي الكبير الذي تقوده الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في العراق»، والسؤال هنا: ترى ما علاقة، وبالتالي ما مسؤولية المتظاهرين العراقيين ولجانهم التنسيقية عمّا تفعله دول وقوى خارجية؟ وهل يمكن أن يؤكد لنا أيٌّ كان وجود تأثير للقطريين والأتراك والأميركيين والسعوديين والإماراتيين على الحدث العراقي الأخير؟ هل قرأ أحدكم شيئاً في الإعلام العراقي الرسمي وغير الرسمي عن هذا التأثير؟ في الواقع كان الموقف الأميركي واضحاً في انحيازه للنظام، وخصوصاً في تأكيدات وزير الخارجية مايك بومبيو خلال اتصاله الهاتفي بعبد المهدي في اليوم السادس للمذبحة، مؤكداً «قوة وعمق العلاقات الاستراتيجية بين البلدين» ودماء شهداء التظاهرات لمّا تجف بعد! فهل كانت واشنطن ستتأخر أو تتهاون في التحرك ضد النظام العراقي لو كانت لها أدنى علاقة أو تعويل على هذا الحراك الشعبي؟ أليس الأصح القول إنها كانت مرعوبة مثل القيادة الإيرانية من تصاعده واحتمال إطاحته بالنظام القائم؟
ويكتب الأمين أيضاً «على أن السذاجة التي تخفي خبثاً وسوء نوايا لا سوء تقدير فقط، تجدها عند الذين يتعاملون مع الحدث العراقي على أنه مناسبة لتجديد الربيع العربي». فمن تحدث عن «ربيع عربي» أو رفع شعاراته وقدَّم ضيوفه الجوالين كبرنار ليفي وغيره في التظاهرات أو كتابات المدافعين عنها؟ ألم يكن الإعلام الرسمي والمدافعون عن نظام المحاصصة الطائفية هم الذين بادروا إلى تذكير الناس بالربيع العربي وما آل إليه، وكان ذلك على سبيل الإرهاب الفكري والتشنيع بالحراك الجماهيري الشبابي في العراق وتشويهه؟
دونكم ما نشر في الإعلام العراقي خلال أيام الانتفاضة لتتأكدوا أن الأمر هو على نقيض ما جاء في مقالة الأمين، وأن الحدث العراقي لا علاقة له بما سمّي «الربيع العربي» لا من قريب ولا من بعيد. وبعد هذا وذاك، هل أصبح هذا «الربيع العربي» بعبعاً مفيداً يتمّ بواسطته تكميم أفواه الشعوب وتبرير إغراقها بالدماء وقتلها برصاص القنص الحكومي والسكوت على تبعيتها للغرب الإمبريالي؟ ماذا تريد أنظمة التبعية والتخلف أكثر من هذه النعمة، «نعمة بعبع الربيع العربي»؟
يضيف الأمين «الغريب في حسابات هؤلاء، ليس ما يقصدونه في ما يقولون، بل في تجاوزهم لحقائق ووقائع قاسية تخص العراق. هم يتجاهلون عمداً المآسي التي قامت خلال الحكم الاستبدادي لصدام حسين، ويتجاهلون حالة العوز والفقر التي سادت فئات كثيرة من الشعب العراقي خلال مرحلة تثبيت صدام لحكمه في بغداد».
لا أدري كيف يمكن المفاضلة وبأي مقياس علمي بين حالة العوز والفقر التي عانى منها الشعب العراقي خلال فترة الحصار الغربي والعربي على العراق قبل الاحتلال وحالته اليوم في ظل حكم أحزاب الإسلام السياسي الفاسدة! هل يعلم الأمين أن قطاعات واسعة من الرأي العام العراقي حتى في الجنوب العراقي باتت تترحم هذه الأيام على عهد الطاغية صدام حسين رغم أنها من ضحاياه، ورغم معرفتها بأنه حوَّل العراق إلى شبكة من المقابر الجماعية ثم سلمها بعد هزيمته المنكرة كنظام إلى المحتلين وحلفائهم المحليين؟ وعلى من تقع مسؤولية هذا الواقع اليوم، ألا تقع على الحاكمين الفاسدين الحاليين؟
يختم الأمين مقالته بزخة من العبارات المؤسفة فيكتب «ومع كل هذه الوقائع، فإن غالبية الذين يتحدثون ويحرّضون ويكتبون عن الثورة الشعبية، ليس بينهم شخص واحد على صلة حياتية مباشرة بالناس المساكين في العراق… لكن هؤلاء الذين يطلق عليهم وصف «النخب»، لا يزالون ينهلون من عطاءات شيوخ يتحكم فيهم الحقد والأنانية والغرور، وهم يجلسون على عروش تعتاش من مقدرات الجزيرة العربية. وليس هناك اليوم ما يميز قطر عن الإمارات العربية أو الكويت أو السعودية. كلهم في العهر سواء!»! أية لغةٍ في المخاطبة هذه؟ وأية نخب تلك التي يصفها الأمين بهذه المفردات؟ هل المقصود بهم إعلاميو وضيوف الفضائيات الخليجية وغالبيتهم من غير العراقيين، أم هو يقصد ويدمج معهم المثقفين والإعلاميين العراقيين داخل وخارج العراق الذين وقفوا مع شعبهم ضد نظام القمع ورصاص القنص المحمي من العدوتين اللدودتين، الولايات المتحدة وإيران؟ وما مدى نسبة العراقيين في الإعلام المرتزق في الخليج العربي؟
مقالة الأمين غاب عنها أيضاً التعبير عن أي تضامن مع الشباب العراقي السلمي، كما أيّ تعبير في الحد الأدنى عن أسف لسقوط هذا العدد الهائل من القتلى والجرحى خلال ستة أيام! ترى كم من الدماء والشهداء ينبغي على العراقيين أن يقدموا لكي يستحقوا تضامن أقرب الناس إليهم، أو مَن يزعمون أنهم أقرب الناس إليهم؟ أكثر من سبعة آلاف بين قتيل وجريح في ستة أيام بينهم 165 شهيداً؟ هناك دول لم تقدّم أكثر من هذا العدد من الشهداء والجرحى لتحرير بلدانها من الاستعمار!