اخبار العراق الاخبار الاخبار المحلية

المتظاهرون يتناقصون: سيناريو لحصار «الخضراء»؟

بغداد | شبح الأزمة السياسية المفتوحة، المخيّم على العراق منذ مطلع الشهر الماضي، قد يتلاشى خلال الساعات القليلة المقبلة. منسوب «التفاؤل» في ارتفاع مستمر، مع حديث عن إنضاج «حلٍّ» بين مقتدى الصدر، وبين عادل عبد المهدي وهادي العامري، بضمانات إقليميّة تمنح الحكومة الاتحادية «طلاقة يد» لتنفيذ حزم الإصلاحات المنشودة، التي من شأنها تخفيف مناخ ملتهب خسرت من جرّاءه البلاد ـــ حتى الآن ــــ أكثر من 300 قتيل وآلاف الجرحى من المتظاهرين والقوات الأمنية. مسار «الحل» كان له انعكاسٌ ملموسٌ في ساحات التظاهر. أعداد المتظاهرين أخذت نحواً تنازليّاً حادّاً في الساعات الماضية، مع تأكيد مصادر أمنيّة أن الإجمالي أمس بلغ 10 آلاف شخص على أكثر التقديرات. هذا التحوّل، الذي يصبُّ في مصلحة الحكومة وحلفائها، ليس مرحّباً به «أميركيّاً»، خاصّة أن «السفارة» تأمل في استمرار الفوضى، راسمةً لذلك «سيناريوهات» عدّة، أدواتها قوى سياسية وأنصارها، ومجموعاتٌ «ناقمة» تابعة لتيّاراتٍ دينية متشدّدة ترفض كُلّاً من النجف وقم.

«زخم التظاهرات أخف، لكن أسلوبها وهدفها بات في مكانٍ آخر»، بهذه الكلمات يعلّق مصدرٌ أمنيٌّ عراقيٌّ مطّلع على مجريات تظاهرات «تشرين» المستمرة منذ 1 تشرين الأوّل/ أكتوبر الماضي. بات واضحاً، وفق مصدرٍ حكومي، أن عدد المشاركين في التظاهرات وسط العاصمة بغداد (تحديداً في «ساحة التحرير») والمحافظات الجنوبية الأخرى قد اتخذ منحًى تنازليّاً، إذ قدّرت الدوائر الأمنية، طوال الأسابيع الماضية، أقصى حشدٍ جماهيري بـ«70 ألف مواطن… أما أمس، فلم يبلغ عديدهم في عموم البلاد أكثر من 10 آلاف».
رغم التضاؤل التدريجي لعدد المتظاهرين، فإن «اليد الخفيّة» التي تحرّك هذه التجمعات، وفق المصدر الأمني، رسمت سيناريو آخر لإبقاء «الزخم الشعبي» لأطول مدة ممكنة، خصوصاً أن الاتصالات المكثّفة مع «التيّار الصدري»، بزعامة مقتدى الصدر، والحديث عن «حلحلة» سريعة من شأنها «تنفيس» غضب الشارع، انعكست إيجاباً، وأسفرت عن خروج «الصدريين» من ساحات التظاهر، في خطوة تريدها الحكومة الاتحادية ورئيسها عادل عبد المهدي لاستيعاب الشارع الناقم أوّلاً، والتمييز بين المتظاهر السلميّ والمخرّب ثانياً، والعمل مباشرةً على إطلاق العجلة الإصلاحية منعاً لأي مواجهةٍ مماثلةٍ، قريباً، ثالثاً.
السيناريو، وفق المصدر الذي تحدّث إلى «الأخبار»، يقضي بحصار المتظاهرين لـ«المنطقة الخضراء»، واستنزاف القوات الأمنية، ونقل ساحة «المواجهة» إلى أكثر من نقطة حيويّة تربط أجزاء العاصمة بـ«الخضراء». وعليه، إن «الهمّ» ليس حجم المتظاهرين أو عددهم، بل اتساع رقعة انتشارهم، وتحويل جسور السنك والأحرار والشهداء، على شاكلة جسر الجمهورية. مخطّطٌ من شأنه إيقاع المزيد من الإصابات في صفوف الطرفين (المتظاهرين والقوات الأمنية)، ويضمن مساراً مستمرّاً من الفوضى، تريده السفارة الأميركية لدى بغداد (وأخرى خليجية)، وقوى سياسية، للضغط على عبد المهدي الرافض لأي «عملية ابتزازٍ» سياسي أمنّي اقتصادي، كما ينقل عنه زوّاره.

يُخطّط لنقل «المواجهة» إلى أكثر من نقطة حيويّة تربط أجزاء العاصمة بـ«الخضراء»

الحكومة، طبقاً لمصادر أمنية متعدّدة، تدرك حساسيّة الموقف. ثمة «خطوطٌ حمر» ممنوعٌ تجاوزها، بالتوازي مع ضرورة «التحلّي بالصبر» لضبط الشارع، مع الأخذ بالاعتبار ضرورة التزام الأخير بـ«حصر التظاهرات في التحرير فقط». تضيف المصادر أن «الخطوط الحمر» هي المنشآت الحكومية والخاصّة، واعتبار كل تجاوزٍ من شأنه الإضرار بها «عملاً إرهابيّاً يستدعي الردّ السريع والفوري». وتؤكّد المصادر نفسها أن ما جرى أمس، بالقرب من وزارة العدل وغيرها من المرافق، لم يكن عملاً احتجاجيّاً «سلميّاً»، بل كان «تخريبيّاً مشبوهاً» أُريد أن يكون «أمر عملياتٍ» لنهب المنشآت الحكوميّة الأخرى وسرقتها، في خطوةٍ هي جزءٌ من مسار الفوضى المرجوّ أميركيّاً.
سيناريو حصار «الخضراء»، تشرح المصادر، جزء من حراك يطاول معظم المحافظات الجنوبية، ويأخذ مساراً «تعطيليّاً» للحياة العامة، من قطع طرقاتٍ حيويّة وتعطيل المدارس والجامعات. لذلك، تحمّل مصادر حكوميّة أخرى عدداً من «الانتهازيين» مسؤولية ما يجري، خاصّةً أن هؤلاء (بعضهم محسوبٌ على رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي) يسعون إلى تحقيق «نصرٍ» سياسي بأي حال، لإثبات حضورهم وتحسين شروط «تفاوضهم» مع عبد المهدي، عبر ركوب موجة التظاهر والمطالبة بحقوق الشعب. في هذا السياق، وسعياً من الحكومة لضبط شارع قد يفلت في عموم المحافظات الـ15، سيشارك المحافظون اليوم في جلسة مجلس الوزراء برئاسة عبد المهدي. المعلومات تؤكّد أن رئيس الوزراء يسعى إلى استيعاب التظاهرات في المحافظات، لكنّه يرفض أي تدحرجٍ من شأنه «تأزيم» الموقف أكثر، وعليه ستناقش جلسة اليوم آليات استيعاب المتظاهرين وضبط أي تدحرجٍ أمنيّ قد يطرأ نتيجة أعمال «عنف» غير محسوبة.
سياسيّاً، تؤكّد المصادر لـ«الأخبار» أن الاتصالات مستمرة بين الكتل السياسية، وتحديداً «سائرون» المدعومة من الصدر، والحكومة و«تحالف الفتح» بزعامة هادي العامري (تجمّع الكتل النيابيّة المنبثقة عن فصائل «الحشد الشعبي»)، وقد تسفر خلال الساعات القليلة المقبلة عن نتائج إيجابية تسهم في «حلحلة» الأزمة المفتوحة، وتعيد الهدوء. ورغم تأكيد «سائرون» ضرورة استجواب عبد المهدي، أمس، داخل البرلمان، علمت «الأخبار» أن حراكاً نشطاً من شأنه تأجيل هذه الخطوة إفساحاً في المجال أمام رئيس الوزراء لتنفيذ أولى حزمه الإصلاحية، التي «وضع لها برمجةً زمنية». بهذه الخطوة، فإن عبد المهدي، مع عودة الحياة إلى طبيعتها سياسيّاً وأمنيّاً، سيكون أمام تحدٍّ أقسى ممّا سبق، وهو «المصداقيّة»، أمام «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) أوّلاً، والقوى السياسية التي منحته غطاء «البقاء» ثانياً، والشارع الملتهب ثالثاً، الحاضر للعودة إلى الساحات سريعاً إذا لمس «تساهلاً» في تنفيذ مطالبه. عبد المهدي يدرك جيّداً هذا الاستحقاق، وفق مصادره التي تؤكّد أنّه خلال المفاوضات القائمة كان «حاسماً» بضرورة إطلاق يده، ورفض أي وصاية شخصية أو حزبية على عمل حكومته، من شأنها عرقلة إنتاجيّته…«اللهم إلا إذا أتت في سياق تقويميٍّ منهجي محقّ»، كما تعبّر مصادره.

الحكومة تطالب بـ«حصر» التظاهرات: «جبل أُحُد» رمزٌ من رموز «التحرير»

حتى هذه اللحظة، لم ينتج عن الاحتجاجات المستمرة منذ 1 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي تغييرات سياسيّة يطمح إليها المتظاهرون، رغم اعتراف الحكومة الاتحادية، بشخص رئيسها عادل عبد المهدي، بأنها «هزّت السياسيين». المطالب المرفوعة في «ساحة التحرير»، وسط العاصمة بغداد، تختلف كثيراً عن تحركات الحكومة الإصلاحيّة. هناك، من قلب الساحة، ثمة من يطالب بإلغاء البرلمان وتغيير نظام الحكم، بالتزامن مع دعوتين متضاربتين: الأولى حكوميّة أكّدت «حصر التظاهرات في مكانٍ واحد»، أما الثانية فشبابيّة، ودعت إلى توسيع رقعة التظاهرات لتشمل أكثر من جسر حيوي، وصولاً إلى «المنطقة الخضراء».

 

في «التحرير»، اتخذ المتظاهرون مبنى «المطعم التركي» (كان يضم مطعماً تركيّاً قديماً في طوابقه العُليا) مقرّاً لاعتصامهم المفتوح، بعدما منعتهم القوات الأمنيّة، أكثر من مرّة، من عبور «جسر الجمهورية» والوصول إلى «الخضراء»، معقل الوزراء والنوّاب وكبار المسؤولين. المتظاهرون أطلقوا على المبنى تسمياتٍ عديدة أبرزها «جبل أُحُد» لموقعه الاستراتيجي وطوابقه الأربعة عشر. إطلالته «المميّزة» على الضفة الأخرى لنهر دجلة دفعت المحتجين إلى «تأكيد» ارتباطه بأولى معارك المسلمين التي حملت الاسم عينه، خاصّةً أنهم اتخذوه لتحذير رفاقهم من أي تحرّكٍ «نوعي» للقوات الأمنيّة.
الناشطة لميس عبد الكريم أكّدت أن «التحرير شهدت العديد من الأيقونات ستبقى درساً للأجيال القادمة»، معتبرةً في حديثها إلى «الأخبار» أن أهمّها هو تسمية المبنى، وبعد 25 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي بـ«جبل أحُد»، في «إشارةٍ واضحة إلى تصنيف الحق والباطل، وإلى موقف المتظاهرين المعتصمين فيه خوفاً من إحباط القوّات الأمنية لثورتهم». وتضيف: «شباب أُحُد لقنوا السياسيين درساً لن ينسوه، بعدما تمكّنوا من إعادة التيّار الكهربائي إلى المطعم في غضون أيّام. أوصلوا إليه الماء الحار والبارد، ونظّفوه من الأوساخ المتراكمة منذ سنوات، وكل ذلك بإمكانات بسيطة لا تعادل شيئاً أمام ميزانية البلاد الخيالية». ورغم مشاهد القتل والعنف، فإن تكاتفاً كبيراً أظهره المتظاهرون بعضهم تجاه بعض. فالبغداديون اليوم يشبّهون «التحرير» بزيارة أربعينية الإمام الحسين، لإحساسهم بـ«قدسية المكان»، في ظل انتشار كبير لـ«المواكب الحسينية»، التي انتقلت إلى هناك لتقديم الطعام المجانيّ إلى المتظاهرين، فأزالت بذلك فوارق اجتماعية كانت موجودة، ولم يعد يُنظر بعدها لأي فئةٍ على أنها أقل درجة أو مكانة من الأخرى.

سمّى المتظاهرون مبنى «المطعم التركي» «جبل أُحُد»

الحكومة، وفق عددٍ من المتظاهرين، لا تريد أن تدرك حقيقةً تميّز هذه التظاهرات التي أطلق شرارتها متخرّجو الجامعات وحملة الشهادات العليا، لينضم إليهم لاحقاً الشباب المتعطلون من العمل، والنساء والأطفال. في هذا السياق، تقول النائبة السابقة والقيادية في «الاتحاد الوطني الكردستاني» ريزان شيخ دلير، إن «البرلمان لن ينفذ مطالب المتظاهرين لأنّه عجز عن تشريع القوانين التي تخدم المواطن خلال دوراته السابقة»، متسائلةً: «كيف سينفّذ المطالب التي تحتاج إلى تشريع قوانين جديدة وتلغي قوانين سابقة؟». وهي تؤكّد في حديثها إلى «الأخبار» أن «المطالب مشروعة وعلى الحكومة تنفيذها»، آسفةً لـ«تحرّكٍ حكوميّ من شأنه حصر التظاهرات في مكان واحد، بحجّة إعادة الحياة إلى طبيعتها، وممارسة المواطنين أعمالهم اليوميّة».
أمنيّاً، وفي تطوّرٍ خطيرٍ، أقدم عشرات المتظاهرين، أمس، على عبور «جسر الأحرار» وسط العاصمة باتجاه «الخضراء»، ما أدى إلى سقوط عددٍ من القتلى والجرحى. وقال المتحدث باسم القائد العام للقوات المسلحة، اللواء عبد الكريم خلف، في بيان مقتضب، إنه «تم اتخاذ الإجراءات الضرورية من قوات حفظ النظام لإبعاد مجموعات قامت بحرق عمارة مطعم بعلبك، وسط بغداد، وقوات الأمن قامت بتفريقها»، مبيّناً أن «فرق الدفاع المدني تقوم بتأمين المنطقة». وأضاف البيان: «المجموعات التي عبرت جسر الأحرار توجّهت إلى وزارة العدل، حيث تصدّت لها قوات حفظ النظام وتمكنت من تفريقها». كذلك، اتّهم قائد عمليات بغداد، الفريق الركن قيس المحمداوي، «مندسين» بالوقوف خلف حادثة «جسر الأحرار»، واصفاً إيّاها بـ«الإساءة الكبيرة»، في حين أعلن عضو «المفوضية العليا لحقوق الإنسان» علي البياتي سقوط ثلاث ضحايا و150 مصاباً (من المتظاهرين والقوات الأمنية) في تظاهرات وسط بغداد. أما جنوباً، وفي محافظة البصرة، فأفادت مصادر أمنية بوصول قوّةٍ من «الفرقة التاسعة» في الجيش إلى مدينة أم قصر لتتسلم قاطع المسؤولية بدلاً من القوات البحرية، بعد امتناع ضباط الأخيرة وجنودها عن المشاركة في فضّ اعتصام المدينة وتفريق المحتجين. وفي محافظة ذي قار، أصيب أربعة متظاهرين، في حصيلة الاحتجاجات الدائرة في منطقة الشعلة، في قضاء الشطرة شمال المحافظة.

من «يقدّس» الدستور: الحاكم أم المتظاهر؟

كُتب أوّل دستورٍ مدنيّ ديموقراطي في تاريخ العراق السياسي في عام 2005، بعد عامين على احتلال الولايات المتحدة وحلفائها للبلاد، في نيسان/أبريل 2003، وإسقاطهم نظام صدام حسين، الذي حكم بشعارات «حزب البعث العربي الاشتراكي». نظامٌ عُدّ من أقسى الأنظمة الدكتاتورية في العالم، واستخدم كل أنواع القمع والترهيب والعزل الفكري والسياسي للشعب، لأكثر من 30 عاماً. «دستور 2005» كُتبَ على يد «أعداء صدام» من الأحزاب الشيوعية والقومية والإسلامية، بشقّيها «الشيعي» و«السُّنّي»، لذلك، جاء ملغوماً بالخوف والحقد والكراهية. دستورٌ كُتب بكمّ هائل من عقد الماضي، وفوضى الحاضر، والخوف من المستقبل؛ كُتبَ تحت حراب المحتل وخناجر دول الجوار. رغم كل هذه العوامل «غير الطبيعية»، يمكن اعتباره من أفضل الدساتير في الوطن العربي والمنطقة. فالمشكلة الحقيقية لا تكمن في الظروف التي كُتب فيها، أو الجهات التي شاركت في كتابته فقط، إنما المشكلة الحقيقيّة في الآليات التي يطبّق الدستور بها.

فالشخصية السياسية العراقية، المشاركة في كتابته، غلب عليها الخوف من «الدكتاتور» وعودته، وتأثّرت كثيراً بشخصيته في ممارسة السلطة. فعمدت هذا الطبقة، التي حكمت العراق منذ عام 2003 حتى اليوم، والمتمثّلة في الأحزاب الإسلامية «الشيعيّة» و«السُّنّية»، مع الأحزاب القومية في إقليم كردستان، إلى ممارسة كمّ هائل من الدكتاتورية الانتقائية، ظلماً وقمعاً وفساداً، متشبثةً بسلطتها، فتحوّل الدستور إلى جسر تعبره هذه الطبقة فوق مطالب الشعب واحتياجاته.

الجيل الذي لم يشترك في التصويت على «دستور 2005» أكثر تقديساً له ممن كَتَبه

تظاهرات تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، المستمرة حتى اليوم، أثبتت أن جيلاً جديداً نشأ وكبر على «حديث» الديموقراطية والدستور، لكنّه في المقابل لم يلمس سوى الدكتاتورية والظلم والفساد. الرائع في هذا الجيل، رغم عدم مشاركته في الاستفتاء على الدستور عام 2005 (لم يكن حينذاك قد أتمّ السنّ القانونية المحدّدة للمشاركة)، قرّر أن يحارب الطبقة السياسية بسلاحها، أي الدستور الذي يمنح «حقّ التظاهر، وحريّة التعبير، والاعتصام والإضراب». صحيحٌ أنّه لم يصوّت على الدستور، لكنّه التزمه أكثر ممن كتبه ودوّنه. مثلاً، كميّة القمع الممارس من قِبل تلك الطبقة وأحزابها، لم تستطع أن تجبر/تقنع الشباب بالتخلي عن أسلوبهم الدستوري في التظاهر. هذا الجيل بدأ يحاجج الطبقة السياسية بمواد دستورٍ تقول إنها تلتزمه التزاماً تامّاً.
النقاش والجدال يبدآن، دستوريّاً، من إقالة الحكومة وحل البرلمان، وتغيير قانوني الانتخابات والأحزاب، ويصل إلى حدّ الحديث عن ضرورة وضع آليات لتعديل الدستور، والذهاب أكثر إلى وجوب تغيير شكل النظام السياسي في العراق، من جمهوري برلماني إلى جمهوري رئاسي. هذا الجيل يطالب كتبة الدستور بتطبيق بنود القانون المانعة لوجود سلاح خارج إطار الدولة، ويحظر وجود الميليشيات أيضاً المنتشرة على طول الجغرافيا العراقية. هذا الجيل يطالب بالعدالة الاجتماعية، وحريّة الإعلام، واستقلال القضاء، وإنهاء الطائفية السياسية.
مع ذلك، «الكتبة» هم أنفسهم من يخرق الدستور، مع كل نفس يتنفسونه، ويعمدون إلى الأساليب الدكتاتورية للبقاء في السلطة، والاستمرار في سرقة أموال الشعب، بينما الجيل الذي لم يشترك في كتابته والتصويت عليه، أكثر تقديساً له منهم!

إحراق القنصلية الإيرانية في كربلاء: ترامب يتابع!

ليلةٌ دامية شهدتها كربلاء (100 كيلومتر جنوبي بغداد)، أسفرت عن مقتل أربعة أشخاص وإصابة آخرين، بعدما حاول المحتجون حرق مبنى القنصلية الإيرانية، ورفع الأعلام العراقية على جدرانها، حيث كتبوا «كربلاء حرّة حرّة… إيران برّة برّة»، وسط اهتمام أميركي رسمي وإعلاميّ لافت، خصوصاً أن الحادثة التي وقعت فجر أمس تزامنت مع الذكرى السنوية الأربعين لاستيلاء الثوّار الإيرانيين على السفارة الأميركية في طهران.

الرئيس الأميركي دونالد ترامب نشر على حسابه في «تويتر» تغريدةً بالعربية تضمّنت مقطعاً مصوّراً يظهر فيه عراقيون يحرقون جزءاً من جدار القنصلية وهم يرمونها بالحجارة. وهنا، رأى زعيم «عصائب أهل الحق»، قيس الخزعلي، أن تغريدة ترامب وتعاطف وزير الخارجية الإسرائيلي «دليلٌ على ما قلناه عن الدور الإسرائيلي ــــ الأميركي ـــ الخليجي في دعم عناصر محليّين لتخريب الوضع». أما محافظ كربلاء، ناصيف جاسم الخطابي، فذكر أن «المتظاهرين لديهم قنابل وسلاح»، في وقت أكّدت فيه مصادر أمنية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «أتباع الحركة الصرخيّة (بزعامة رجل الدين محمود الصرخي) يتحمّلون المسؤولية».
وأفادت تقارير إعلامية عديدة بأن المحتجّين قطعوا الشوارع المحيطة بالقنصلية، في وقتٍ عمدت فيه القوات الأمنيّة إلى إطلاق الرصاص الحيّ بكثافة في الهواء لتفريق المتظاهرين الذين طالبوا البعثة الدبلوماسية بمغادرة المدينة. وفي هذا الإطار، أوقفت طهران الزيارات الدينية لمواطنيها إلى العراق حتى إشعار آخر. ونقلت وكالة «أنباء فارس» أن جميع الموظفين الإيرانيين في العراق قد عادوا إلى الجمهورية.