تتجرّع الديموقراطية الأميركية الكأس المرّة؛ هناك، حيث يفترض أن تكون الأحوال دائماً على ما يرام، طغى «سوء الطالع» والقلق من انفلاش أزمةٍ لا يزال من المبكر استشراف حدودها ومآلاتها، على دورة سباق رئاسيّ غير عاديّة، نتج منها مظاهر فاقعة لم تألفها البلاد البعيدة. لا يزال أمام الولايات المتحدة معرفة اسم الفائز، ربّما اليوم أو غداً. وإن كانت الوقائع ترجّح كفّة المرشّح الديموقراطي جو بايدن، الذي ينتظر إعلان انتصار «روح أميركا» كما يردد منذ بعض الوقت، فإن عنوان الحدث، لو صدقت التوقّعات، سيكون خسارة دونالد ترامب
مع حلول ساعات الفجر الأولى، قبل إقفال صناديق الاقتراع في آخر يومٍ للتصويت في الانتخابات الرئاسية الأميركية، تعزّزت الإشارات إلى اهتزاز ثقة ترامب بـ»حتميّة فوزه». إذ سارع إلى المطالبة بـ»حقّ الأميركيين» في معرفة اسم الفائز يوم الانتخابات، على رغم أن ذلك يبدو شبه مستحيل في ظلّ لجوء مزيد من الأميركيين إلى التصويت عن طريق البريد. بدا ترامب كمَن يهدِّد بإعلان النصر قبل أوانه، وإحداث حالة ارتباك في شارع منقسم، قبل أن يحاول تهدئة المخاوف مِن لجوئه إلى خطوة من هذا النوع. حذّر الرئيس الأميركي مراراً من أنه «فور انتهاء الانتخابات، سيكون محامونا جاهزين». فالتراكم القياسي للأصوات عبر البريد، والتي قد يستمرّ ورودها في بعض الولايات لعدّة أيام بعد الثلاثاء، ربّما يعقّد عمليات فرز الأصوات أو يؤخّر حتى إعلان الفائز في حال كانت النتائج متقاربة جدّاً. وفي مؤشّر ملموس إلى القلق الناجم عن الاقتراع، حصّنت متاجر عدّة في مدن كبيرة، منها واشنطن ولوس أنجليس ونيويورك، واجهاتها تحسّباً لأعمال عنف قد تلي الانتخابات، بعدما عكست الولايات المتحدة، طوال الحملة الانتخابية، صورة بلد منقسم إلى معسكرين متخاصمَين انقطعت سبل التواصل بينهما. فعلى مدى أشهر، لوّح ترامب بخطر وصول «يسار راديكالي» إلى السلطة عازم على تحويل أكبر اقتصاد في العالم إلى «فنزويلا»، بينما كرّر في حديث إلى محطة «فوكس نيوز»، أمس، أنه «في حال فوزهم سيتغيّر بلدنا إلى غير رجعة».
في الأيام الأخيرة، احتلّ المرشّح الجمهوري المنصّات وكثّف تنقلاته الانتخابية، مراهناً على حماسة أنصاره الذين يشهدون تعبئة قصوى جرّاء حملة انتخابية اتّسمت بحدّة غير مسبوقة، في عامٍ انتخابي موبوء. لكنه أعلن أنه لم يفكر في خطاب الفوز أو الخسارة بعد، على رغم أن شعوراً جيداً جداً يساوره حيال هذه الانتخابات. وفي كلمة له أثناء زيارة مركز للحزب الجمهوري في ولاية فرجينيا، أضاف: «أعتقد أن الفوز شيء سهل، أمّا الخسارة فليست كذلك»، لافتاً إلى أن وضعه جيّد في ولايات أريزونا وتكساس، و»أعتقد أن بنسلفانيا بالغة الأهمية، وكذلك فلوريدا، وسنحقّق فوزاً ساحقاً في تكساس».
سارع ترامب إلى المطالبة بـ»حقّ الأميركيين» في معرفة اسم الفائز يوم الانتخابات
بدأت مراكز الاقتراع في استقبال الناخبين في بعض الولايات الشرقية الساعة السادسة صباحاً، على أن تبدأ النتائج في الظهور بعد السابعة مساءً بتوقيت شرق الولايات المتحدة عندما تغلق مراكز الاقتراع في بعض الولايات، مثل جورجيا. وفي ظلّ كثافة التصويت المبكر، والذي تجاوز 100 مليون صوت من مجموع 230 مليون ناخب، مقارنة بـ 8.2 ملايين في انتخابات عام 2016، يستبعد معرفة النتائج مباشرة بعد إغلاق الصناديق كما في الانتخابات السابقة. في موازاة ذلك، بدت مسارات فوز بايدن واضحة وسهلة، إذ يحتاج هذا الأخير إلى الفوز بولايتَي ميشيغان وويسكونسن حيث يتقدّم بالفعل، بالإضافة إلى فوزه بإحدى هذه الولايات: بنسلفانيا أو فلوريدا أو كارولاينا الشمالية أو أريزونا، ليصبح الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة. حملة المرشّح الديموقراطي بدت مطمئنة إزاء فوزه، حتى وإن لم يتمّ إعلان النتائج بشكل فوري في بعض الولايات الحاسمة. ونقلت صحيفة «واشطن بوست» عن مديرة حملته، جين أومالي، قولها: «من الواضح أننا سنفوز»، لافتة إلى أن كلّ البيانات التي بين أيديهم «تؤكد حقّاً أن هناك مسارات متعدّدة تقودنا إلى الفوز»، وأن أبسط تلك المسارات «الاحتفاظ بالولايات الآمنة (التي تصوّت عادةً للديموقراطيين)، مع إضافة عدة ولايات أخرى «نعتبرها آمنة أيضاً»، وهو ما سيوفّر لبايدن ما مجموعه 232 صوتاً من أصوات الهيئة الناخبة ستكون حاسمة لفوزه. وفي رسالة نشرها عبر موقعه الإلكتروني، وصف بايدن الانتخابات الجارية بأنها «الأكثر مفصليّة» في تاريخ الولايات المتحدة، مستعيراً شعار «حياة السود مهمّة» لمخاطبة الناخبين بالقول: «أصواتكم مهمّة». وقال إن «شخصية الولايات المتحدة على ورقة الاقتراع: الأمانة، والعلم، والديموقراطية… كلّها على ورقة الاقتراع».
في هذا الوقت، تتّجه كلّ الأنظار إلى ولاية فلوريدا التي تُعدُّ حاسمة لجهة تحديد هوية الرئيس. ومن دون الفوز بهذه الولاية التي سبق أن كسبها عام 2016، ستكون المهمّة شبه مستحيلة أمام ترامب للبقاء في البيت الأبيض. في المقابل، في حال كسب فلوريدا حيث المنافسة محتدمة جداً مع بايدن، بحسب ما تظهر استطلاعات الرأي، سينصبّ الاهتمام على بنسلفانيا، مسقط رأس المرشح الديموقراطي، حيث يتقدَّم نائب الرئيس السابق بفارق قريب من هامش الخطأ.
«أمّ الديموقراطيات» تكافح مظاهر من عالم آخر!
ولَّد الانقسام غير المسبوق الذي رافق رئاسة دونالد ترامب الأولى، ومعها دورة الانتخابات الحالية في الولايات المتحدة، مظاهرَ لم تألفها «أمّ الديموقراطيات» في ما مضى. مظاهرُ تجلّت، على مدى الأيام الفائتة، في خروج مواكب سيّارة ضخمة لمناصري ترامب، وافتعال هؤلاء مواجهات مع خصوم لهم، ترافقت مع تهديدات متبادلة برفض نتيجة الانتخابات، وصلت أحياناً إلى حدّ التحذير مِن إطاحة (مَن)؟ يحدث ذلك في موازاة تحذيرات ما فتئت تتصاعد من جرّ البلاد إلى عنفٍ غير محسوب التبعات، ووسط موجةٍ عاصفة من وباءٍ فاقمت تداعياته حدّة الانقسام. ليست هذه، طبعاً، مجرّد «حوادث عابرة» في سياق تنافسي بين حملتين بدتا أشبه بقيادة فتوحات في بعض الولايات الحاسمة التي يحاول كلّ من ترامب و(جو) بايدن انتزاع أصوات هيئتها الناخبة، لتأمين دخولٍ «سهل» إلى البيت الأبيض.
في انتخابات غير عادية كتلك التي اختُتمت في أميركا يوم أمس، بدت كلّ المظاهر استثنائية؛ قوافلُ طويلة من السيارات والشاحنات والدراجات النارية تَرفع أعلاماً مؤيدة لترامب، باتت تمثّل قلقاً بالنسبة إلى المراقبين. إحدى هذه القوافل، المعروفة باسم «قطارات ترامب»، افتعلت، نهاية الأسبوع الماضي، مواجهة على طريق سريع قرب مدينة أوستن في ولاية تكساس، عندما حاصرت حافلةً تابعة لحملة بايدن. وواصلت «القطارات» فعالياتها أمس في المدن الأميركية، في ظلّ خشية خبراء أمن الانتخابات خرقَ القوانين أو افتعال مواجهات عنيفة.
في هذه الأثناء، حرص بعض المتاجر في مدن أميركية رئيسة على تغطية نوافذه بألواح خشبية، كإجراء احترازي تحسّباً لأعمال تخريب ذات دوافع سياسية، وهو مشهد استثنائي في يوم الانتخابات الأميركية، حيث تُجرى عملية الاقتراع في أجواء سلمية عادةً. وفي مدينة نيويورك، كان متجر «ميسيز» الضخم وناطحة السحاب التي يقع فيها مقرّ قناة «فوكس نيوز» من بين المباني التي غطّت نوافذها. وفي شارع روديو درايف، أحد أرقى شوارع التسوّق في منطقة بيفرلي هيلز في ولاية كاليفورنيا، أزال الباعة المجوهرات من نوافذ العرض في متجرَي «تيفاني آند كو» و»فان كليف آند آربلز». وأعلنت شرطة العاصمة إغلاق شوارع في منطقة واسعة جداً في محيط البيت الأبيض يومَي الثالث و الرابع من الشهر الجاري (أمس واليوم)، مخافةَ «نشر الفوضى والإرباك»، وفق ما صرّح به رئيس بلدية واشنطن، مورييل بوسر، موضحاً أنه «ليس لدينا معلومات محدّدة حول هذا الموضوع، لكنّنا جاهزون لضمان أمن المدينة».
فرع «الاتحاد الأميركي للحريات المدنية» في جورجيا نشر، من جهته، حوالى 300 محام في نحو 50 «نقطة ساخنة» محتملة على مستوى الولاية لرصد أيّ مشاكل في عملية التصويت. كما أرسل قسم الحريات المدنية في وزارة العدل الأميركية أفراداً من العاملين فيه إلى 18 ولاية، منها بعض المقاطعات المتأرجحة، خشية أيّ ترويع أو قمع للناخبين. أمّا في بورتلاند/ أوريغون، فحذّر «مكتب التحقيقات الفدرالي» من احتمال اندلاع مواجهات مسلّحة على صلة بالانتخابات الأميركية، في وقتٍ تستعدّ فيه المدينة الواقعة في شمال غرب البلاد، والتي تحوّلت إلى رمز للانقسامات العميقة التي تشهدها الولايات المتحدة، لاضطرابات محتملة. ووضعت الأعمال التجارية في وسط المدينة ألواحاً خشبية على نوافذها، في ظلّ توقعات باندلاع احتجاجات، سواء فاز ترامب أم بايدن، أو حتى إذا كان الوضع غامضاً من جرّاء التأخُّر المتوقّع في فرز الأصوات في أنحاء البلاد، نظراً إلى ارتفاع عدد الأصوات التي تمّ الإدلاء بها عن طريق البريد. في الأثناء، أصدرت حاكمة الولاية، كيت براون، أمراً تنفيذياً يُسلِّم إدارة أمن بورتلاند إلى قوّات الولاية، ووضعت الحرس الوطني في حالة تأهّب، محذّرةً من أن «هذه انتخابات ليست كغيرها في حياتنا». تحذيرات براون مِن المؤمنين بتفوّق العرق الأبيض أثارت غضب محافظين محليّين، بمَن فيهم مقدّم البرامج الإذاعية، لارس لارسون، الذي اتّهمها بالتزام «الصمت المطبق» حيال «عنف أنتيفا وحركة حياة السود مهمّة» على مدى خمسة أشهر من الاحتجاجات. في هذا الوقت، تستعدّ مجموعة «الاشتراكيين الديموقراطيين في الولايات المتحدة»، فرع بورتلاند، للتصدّي لـ»عنف الشوارع الذي قد يثيره يمينيون للتعبير عن غضبهم حيال عدم فوز مرشّحهم»، وفق الرئيسة المشاركة للمجموعة، أوليفيا كاتبي سميث، التي قالت: «مهمّتنا هي الخروج لمواجهتهم». وفي حال جرّب الرئيس الحالي إعلان فوزه بشكلٍ غير مشروع، «سنمضي قُدماً بمطالب محدّدة تتعلّق بالديموقراطية»، بما في ذلك إطاحة ترامب أو إجراء انتخابات جديدة!
عسكرة السياسات الأميركية
على مدى السنوات الأربع الماضية، أظهر الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعاطفاً مع المجموعات المتطرّفة – والعديد منها مسلّح -، وذلك أكثر من أيّ رئيس آخر، في الذاكرة الحديثة. في الوقت ذاته، أفيد بأنّ إدارته ضغطت على وكالات إنفاذ القانون للتقليل من التهديد الذي تمثّله هذه المنظّمات، ما سمح للعنف غير الحكومي بالتسلّل مرة أخرى إلى التيار السياسي السائد، إلى درجة لم نشهدها منذ الستينيات والسبعينيات. خلال الشهر الماضي فقط، أُوقفت مجموعات من المتطرّفين المناهضين للحكومة بسبب التآمر لاختطاف حاكمة ميشيغن، الديموقراطية غريتشين وايتمر، بعدما تحدّت مطالبة ترامب بـ«تحرير ميشيغن» من قيود «كوفيد – 19» (…).
يتناول بحثنا الظروف التي تتدخّل عبرها الجماعات المسلّحة في السياسة الانتخابية، مستفيدين من تجارب الدول الأخرى والفترات السابقة في التاريخ الأميركي. تُظهر مقارناتنا العديد من السبل للمشاركة المسلّحة في السياسة، ولكن، هناك طريقتان مهمّتان: عندما تؤيّد النخب السياسية الجماعات المسلّحة، حتى بشكل ضمني؛ وعندما تفشل الحكومات في حشد استجابة متّسقة وموحّدة تجاه هذه الجماعات. أصبح كلا المساران نشطاً ومثيراً للقلق، بشكل متزايد، خلال رئاسة ترامب. وكلاهما، بمجرّد إطلاقه، قد يكون من الصعب إيقافه مرّة أخرى.
بغض النظر عمّن سيفوز في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر، ستكون رئاسة ترامب قد فتحت الباب أمام المزيد من العنف الانتخابي في المستقبل. إذا بدأ النظام السياسي الأميركي بتطبيع وجود الجماعات المسلّحة، وإذا فشلت وكالات إنفاذ القانون في ردع المشكلة أو معالجتها، فقد يرى الطامحون السياسيون، في المستقبل، فائدة انتخابية من تنمية هذه المنظّمات. أشار بعض الباحثين إلى أن الولايات المتحدة يمكن أن تتّجه إلى طريق الحرب الأهلية، ولكن السيناريو الأكثر احتمالاً هو العنف السياسي المتقطّع والمتكرّر والمنخفض المستوى – بتحريض أو تمكين من القادة السياسيين الرئيسيين -، والذي يؤدي تدريجياً إلى تآكل جودة الديموقراطية الأميركية.
الأحزاب والمجموعات المسلّحة
باتت الجماعات المسلّحة منخرطة في السياسات الانتخابية السائدة بطرق مختلفة، ويعتمد ذلك غالباً على كيفية تقييم السياسيين والجهات المسلّحة لمخاطر التعاون وفوائده. يسعى بعض الجماعات المسلّحة إلى التأثير على نتيجة الانتخابات: على سبيل المثال، من خلال دعم المرشحين صراحةً أو استهداف خصومهم علناً. يمكن للسياسيين، أيضاً، تنمية العلاقات مع الجماعات المسلّحة لتعزيز أجنداتهم وتحسين فرصهم في الفوز.
يمكن أن يكون التعاون خطيراً على كلا الجانبين، بالطبع. قد يواجه السياسيون ردّ فعل علنياً وتبعات قانونية، بسبب التعامل مع أطراف عنفيين غير حكوميين. الجماعات المسلّحة، بدورها، قد يتّهمها أنصارها ببيع نفسها أو بالدخول في الاستقطابات، في حال ألقت بثقلها وراء القوى السياسية السائدة. مع ذلك، لا تزال هناك جماعات مسلّحة أخرى تستخدم العنف، بطرق لا تتوافق بشكل مباشر مع السياسة الانتخابية، أو تخدم أيّ حزب معيّن، كما يفعل الأناركيون في الولايات المتحدة، حالياً. لكنّ المزايا المحتملة للتعاون واضحة: حتى إذا كان العنف ضارّاً بالسكان وبالنظام السياسي ككل، فإنّ نشره يمكن أن يحقّق مكاسب انتخابية كبيرة للأحزاب السياسية، أو للسياسيين كأفراد.
السيناريو الأكثر احتمالاً، هو العنف السياسي المتقطّع والمتكرّر والمنخفض المستوى
لهذا السبب، يُطوّر العديد من الأحزاب السياسية صلات مباشرة مع الجماعات المسلّحة، وفي بعض الأحيان تطوّر هذه الأحزاب أجنحتها المسلّحة التابعة لها بشكل لا لبس فيه. في بنغلاديش، وولاية البنغال الغربية في الهند، على سبيل المثال، تنشر الأحزاب فروعاً مسلّحة لتعزيز مصالحها الانتخابية. وينطبق الأمر ذاته على مدينة كراتشي الباكستانية، منذ الثمانينيات. شهدت أوروبا عسكرة علنية مماثلة للسياسات السائدة بين الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، كما فعل العديد من المدن الأميركية في القرن التاسع عشر، وبالطبع جنوب الولايات المتحدة في السنوات التي أعقبت الحرب الأهلية. في عهد جيم كرو، ارتكبت الجهات التي لها علاقات مباشرة بالحزب الديموقراطي وحكومات الولايات أعمال عنف ضدّ الأميركيين من أصل أفريقي (…).
الجماعات المسلّحة في الولايات المتحدة
الجماعات المسلّحة العاملة في الولايات المتحدة لديها مجموعة واسعة من الأهداف. بعضها مناهض للحكومة بشكل أساسي، ما يجعل من الصعب عليها الانخراط بشكل هادف في السياسة السائدة. مع ذلك، يركّز آخرون، بشكل أساسي، على محاربة ما يرون أنه توسّع سريع لسلطة الدولة، وسلطة اليسار على وجه الخصوص. في عهد ترامب، وجّهت هذه الجماعات غضبها، بشكل متزايد، إلى الحكّام الديموقراطيين والشخصيات السياسية الأخرى، المعارِضة لرؤاهم العنصرية للدولة والأمّة الأميركيّتَين (…).
قبل انتخاب ترامب، في عام 2016، عملت هذه المجموعات بشكل أساسي على الهوامش السياسية، وكان يمكن أن تتوقّع إدانةً من معظم السياسيين الرئيسيين. لكن خطاب الرئيس أضفى الشرعية على أجنداتهم. عبر الطلب من مجموعة «Proud Boys» «الوقوف جانباً»، ورفض التنديد بتظاهرة «توحيد اليمين» في شارلوتسفيل في عام 2017، زرع ترامب غموضاً إيجابياً حول مكانة الجماعات اليمينية المتطرّفة في الساحة السياسية. حتى عندما أدان مثل هذه الجماعات، غالباً ما كانت تعليقاته تتأخّر، أو تأتي مشروطة، أو تتشابك مع انتقاد خصومها.
لكن البيئة الخطابية ليست وحدها التي تغيّرت في السنوات الأربع الماضية؛ فقد ضغطت إدارة ترامب باستمرار على وزارة الأمن الداخلي الأميركية من أجل التقليل من أهمية التهديد الذي يمثّله اليمين المتطرّف، وخلق بيئة أكثر تساهلاً لمثل هذه الجماعات للعمل فيها. وفي نظام إنفاذ القانون الأميركي المجزّأ، والمرِن سياسياً، واللامركزي، غالباً ما تتمتّع السلطات المحلية بالاستقلالية، التي تساعدها على تجاهل أنشطة الجماعات المسلّحة أو التسامح معها إذا أرادت ذلك، بل إن آخرين أقاموا روابط مباشرة: خلال احتجاج مناهض للحكومة، على سبيل المثال، شارك عمدة محلّي في ميشيغن، المنصّة، مع اثنين من أعضاء الميليشيا المتّهمين بالتآمر لاختطاف ويتمير (…).
الطريق إلى الأمام
هناك سؤال مفتوح بشأن إذا ما كان يمكن عكس المكاسب التي حقّقتها الجماعات المسلّحة في الولايات المتحدة. حتى إذا أثبتت الانتخابات أنها حاسمة وخالية من العنف، فإن الاستراتيجيات التي اتّبعها ترامب والبيئة المتساهلة التي أنشأها يمكن أن يحاكيهما سياسيون آخرون. ما لم تكن هناك تكلفة سياسية واضحة لاستراتيجية ترامب، فإن نجاحه الانتخابي النسبي قد يجعل احتضان الجماعات المسلّحة تكتيكاً جذّاباً في المستقبل (…).
إن أفضل فرصة للوقوف ضدّ المزيد من زحف الجماعات المسلّحة على الساحة السياسية الأميركية، هي التنصّل الموحّد من العنف الانتخابي من قِبَل كبار السياسيين المنتمين إلى مختلف الأطياف السياسية، من الديموقراطيين اليساريين، إلى الجمهوريين الذين يدعمون ترامب. ستحتاج وكالات إنفاذ القانون الأميركية، على المستويات الفدرالية والمحلية، إلى استئناف العمليات غير المنحازة ضدّ اليمينيين المتطرّفين، على أَنْ لا تُعاملهم بشكل مختلف عن المتطرّفين الآخرين. يمكن أن تساعد التقارير الإعلامية المقبلة عن الجماعات المسلّحة اليمينية في تكوين الرأي العام بطرق إيجابية (…).
على الرغم من أنه سيكون من الصعب التراجع عن المكاسب التي حقّقتها الجماعات اليمينية المسلّحة خلال سنوات ترامب المتساهلة، فإن الإدارة المقبلة لديها الفرصة والأدوات اللازمة لمكافحتها. يمكن للعمل المنسّق والحزبي أن يُحرِّر الديموقراطية الأميركية من نفوذ هذه الجماعات.
(فورين أفيرز – آيلا ماتانوك
وبول ستانيلاند)