أكد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي بجامعة تل أبيب، أن موت العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، سيمهد الطريق لتوقيع اتفاق التطبيع، مقابل ثمن أكبر من الذي تلقته الإمارات والبحرين، موضحاً أن الثمن هو “سلة مطامع سعودية، منها تحسين الصورة والمكانة الدولية، بما فيها الكونغرس الأمريكي”، بعد تضررها بسبب ممارسات ولي العهد محمد بن سلمان.
وقال المعهد الإسرائيلي، إن إسرائيل تحرص على إبرام اتفاقية تطبيع مع السعودية، نظراً لأهميتها الاقتصادية والدينية والسياسية، ومع ذلك، فإن الرياض لديها قيود داخلية وخارجية مختلفة، فضلاً عن مجموعة من الحساسيات الخاصة، مرجحا أن يكون ثمن التطبيع مع المملكة أعلى منه مع دول الخليج الأخرى، وبالتالي ليس من الواضح متى وتحت أي شروط ستكون السعودية على استعداد لتوقيع اتفاقية على غرار اتفاقيات الإمارات والبحرين والسودان.
ويؤكد المعهد أن دعم السعودية لاتفاقات التطبيع يُظهر مدى انحرافها عن موقفها السابق ويظهر هذا التغير في الإذن الممنوح للطائرات الإسرائيلية بالتحليق في الأجواء السعودية من وإلى الإمارات والبحرين، والتغطية الإعلامية الإيجابية تجاه إسرائيل، وتصريحات كبار المسؤولين الحاليين والسابقين في المملكة.
وأعاد التذكير بأقوال وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان في الآونة الأخيرة: “إن تطبيع العلاقات بين البلدين أمر لا مفر منه” منوها إلى أن السعودية لم تعد تكتم انتقاداتها للقيادة الفلسطينية وهي، مثل إسرائيل، تلوم الفلسطينيين على عدم إحراز تقدم في عملية السلام. لكن ابن فرحان شدد على أن السعودية لا تزال تشترط لعلاقات طبيعية مع إسرائيل حل القضية الفلسطينية على أساس مبادرة السلام العربية.
وأوضح المعهد الإسرائيلي، أن العلاقات بين إسرائيل والسعودية تطورت عبر عدد من القنوات الموازية على مر السنين: القناة الأمنية الاستخباراتية التي لا تزال تشكل أساسًا ثابتًا للعلاقات التي ظلت سرية بالضرورة، والقناة الاقتصادية التجارية، وفي السنوات الأخيرة، فتحت قناة تركز على الحوار بين الأديان.
ويقول إنه مع السرية التي تميزت بها معظم هذه القنوات، تطورت العلاقات العلنية أيضًا بين إسرائيل والسعودية بمرور الوقت، وتشمل الآن اجتماعات بين شخصيات بارزة من كلا الجانبين، وخاصة أولئك الذين شغلوا مناصب رسمية سابقًا.
وعلى غرار جهات إسرائيلية أخرى يضيف: “على الرغم من نفي كبار المسؤولين السعوديين، فمن المحتمل أن تكون المفاوضات والاتفاقيات مع الإمارات والبحرين والسودان قد جرت بعلم ودعم القيادة السعودية. بشكل عام، تخدم الاتفاقات الموقعة مع هذه الدول مصالح السعودية، وتزودها بمقياس يمكنها استخدامه لتقييم الفوائد والمخاطر المحتملة لاتفاق محتمل مع إسرائيل بما في ذلك ردود الفعل العامة”.
وبرأي “المعهد” قد تعكس الرسائل المتناقضة التي ترسلها القيادة السعودية بشأن هذه القضية اهتمام المملكة بالحفاظ على مساحة كافية للمناورة لتمكينها إما من التراجع عن التطبيع أو التقدم نحوه، حسب الظروف.
وبرأيه ستزداد احتمالية التطبيع مع إسرائيل بعد وفاة الملك سلمان وبالتأكيد إذا تم تعيين ابنه ولي العهد محمد ملكًا ويقول إنه من المفترض أن تتأثر مسألة التطبيع مع إسرائيل بفهم ابن سلمان إلى أي مدى يمكن أن يتدخل مثل هذا الإجراء في تعيينه ولعل السؤال هو عن مدى انفتاح المجتمع السعودي المحافظ على اتفاق مع إسرائيل.
ويشير إلى أن المجتمع السعودي أظهر في السنوات الأخيرة، قبولا لتغييرات اجتماعية واقتصادية كبيرة، لكن هذا لا يعني أن اتفاقية سلام مع إسرائيل ستلقى مثل هذا الدعم.
ويتابع: “في الوقت نفسه، فإن التغييرات الهيكلية الأخيرة في السعودية بما في ذلك مجلس الشورى السعودي ومجلس كبار العلماء ستساهم في تمهيد الطريق للتطبيع. ومن المرجح أن تساعد مثل هذه التغييرات العائلة المالكة على التصرف بمزيد من المرونة حيال هذه الإجراءات بعيدة المدى. ولم يُخفِ القصر الملكي السعودي رغبته في تغيير الخطاب الداخلي للبلاد، بما في ذلك الخطاب الديني”.
ويعتبر المعهد الإسرائيلي أن الدين يلعب دورًا رئيسيًا في خطاب السعودية حيث تستخدمه السلطة كوسيلة للتأثير على المشاعر وكسب الدعم الشعبي. ويتوقع أن يواصل ابن سلمان استخدام المؤسسة الدينية ضد المعارضة لتمهيد الطريق لإجراءات سياسية مثيرة للجدل، بما في ذلك التطبيع مع إسرائيل كخطب مواعظ الشيخ السديس لافتا لوجود مؤشرات على تبني موقف أكثر تسامحًا تجاه اليهود واليهودية، من أجل اختبار رد الفعل الشعبي، ولكن أيضًا لتهيئة الرأي العام.
ويلاحظ المعهد الإسرائيلي أن ردود الفعل السلبية على هذا المسعى جاءت بالدرجة الأولى من السعوديين في المنفى، ومعظمهم يعارض النظام، وليس من السكان المحليين، الذين يخشون الملاحقة نتيجة التعبير علانية عن آراء تتعارض مع موقف الحكومة ويعتبر التحدي الآخر أمام المملكة هو الحفاظ على مكانتها في العالم الإسلامي.
ويرى أيضا أن هذا الهدف، الذي هو مصلحة عليا للسعودية، قد يتضرر من انتقادات جهات مثل تركيا وإيران تسعى لتبني القضية الفلسطينية واستخدامها لمهاجمة المملكة، ونظرًا لوضعها في العالم الإسلامي، تعتبر اتفاقية التطبيع ذات قيمة خاصة لإسرائيل، التي تأمل أن تسهل مثل هذه الاتفاقية علاقات أفضل مع العالم الإسلامي بأسره.
وقال إنه في السنوات الأخيرة، أصبحت النخبة السعودية غير متأكدة من موثوقية الدعم الأمريكي عندما تكون مصالحها الأساسية على المحك لافتا إلى أن السعودية تعتبر الاتفاق مع إسرائيل وسيلة لتعزيز علاقاتها مع الولايات المتحدة. ومن المحتمل أن السعودية ستنتظر إلى ما بعد الانتخابات الأمريكية، بحيث يكون لديها ما تقدمه لـ”جو بايدن”، إذا تم انتخابه.
ويتابع: “تعتقد السعودية أنه من المرجح أن يؤدي الاتفاق مع إسرائيل إلى تحسين صورتها ومكانتها الدولية، بما في ذلك في الكونجرس الأمريكي، حيث تضررت في السنوات الأخيرة بسبب تصرفات ابن سلمان وهذا يتطابق مع الجهود السعودية لتسويق “الإسلام المعتدل” كجزء من عملية التحديث المستمرة”.
ورغم مزايا العلاقات السرية بين السعودية وإسرائيل، فإن تطبيع العلاقات سيساعد على الوصول بسهولة إلى التكنولوجيا الإسرائيلية كما يعزز نفوذ السعودية في الأماكن الدينية في القدس.
ومن المرجح أن يكون القلق السعودي المتزايد بشأن إيران عاملاً يحفز المملكة على التحرك نحو التقارب مع إسرائيل، ليس بالضرورة من خلال توقيع اتفاق رسمي، ولكن في المقابل يمكن أن يكون ذلك العامل رادعًا ضد توثيق العلاقات، وبالنسبة للسعودية، تتوقف مسألة العلاقات مع إسرائيل على استقرار المملكة ومكانتها.