ليس من موت مجانيّ في مواجهة الظلم. لكن الموت يصبح مجانياً متى قرّر الطاغية مسح الدماء عن يديه بمنديل قداسة اخترعه لنفسه، وهو الذي يتخيّل أسطورته حيلةً للصعود الى السماء مرفوعاً فوق جماجم الضحايا.
هكذا كنت، ولا تزال. لا تهمّك الوجوه ولا الأسماء ولا بقية الأهل. هكذا هي حالك، منذ أن كتبت أولى قصائد الموت في محيط منزلك وقريتك ومنطقتك وأهلك الذين صلبتهم أحياء، ورميتهم في البحر طعاماً للقرش الساكن في جسمك. فأنت لست سوى نسخة من نار، تعيش على الحطام!
جبلتك تشكّلت من حقد وكره لكل شيء من حولك. لم تعرف يوماً سوى الصراخ في أودية تغزوها الغربان. هؤلاء هم رفاق دربك، وأنت مصدر رزقهم من جثث قتلاك التي تملأ الأمكنة حيث حللت. وفي كل مرة يحاول فيها الناس نسيان أفعالك، تصرّ على تذكيرهم بأصلك وفصلك ومبتغاك.
الصفح الذي أردته يوماً من الناس أخذته عنوةً باسم الحق العام المسلوب دوماً في بلاد الجنون المفتوح. تجاوز أولياء الدم عنك، وعرضوا عن مقابلتك بالعقل القبلي المسيطر على جوارحك. لكنك، في كل مرة، تعيد تذكير الناس بأنك لا تعيش من دون حقد ودماء، وأنك لا تتصور حياة من دون سلطتك القائمة على القهر بالقتل والحرق والتذويب… تفعل ذلك، وتنسب أفعالك الى ربّ لا يعرفه أحد غيرك. ولا تعرف سوى زرع الخوف في قلب كل من يسمع بك لأنك لا تعرف الى الصواب طريقاً، ولا يبدو أنك ستتعرف يوماً الى هذا الطريق.
يوم رفض سعد الحريري تنفيذ أوامر صاحب المنشار بافتعال فتنة دموية، خاصمته وحرّضت عليه الدب الداشر، ودعوت الى التخلص منه لأنه ضعيف لا يجيد القتل. ثم حاولت التطوع لأدوار كبيرة، رسمت الخطط، وعرضت المشاريع، وفي كل مرة كنت تشعر بأنك فاقد للشرعية الأخلاقية، وأن عمادتك لم تكن صالحة لمحو خطيئتك الأصلية، لم تجد سوى أن تعرض اليوم على أولياء الأمر من القتلة والمجانين، أنك الوحيد القادر على رمي النار والبارود وإحراق المكان. حتى عندما فكرت بحيلة الشارع المموّه، في كل تشرين، شعرت بأن البساط قد يُسحب من تحتك لأن الناس الأصليين لا يقبلون بك شريكاً، فصار حقدك يكبر، وصرت تبحث عن ضربة تصيب بها أهدافاً عدة: تعيد تثبيت أوراق اعتمادك لدى السعودية، ومن خلفها الأميركيون والبريطانيون والفرنسيون والألمان وكل مجانين العالم، وتعيد فرض جدول الأعمال الدموي على قسم من الناس يدّعون النطق باسم ربهم الأعلى. وفوق ذلك، تستجدي الدماء من أجل استحضار ما تعتقد أنها جيوش الأرض الزاحفة لنصرتك. وحتى لو اكتشفت أنك واهم، فلن تراجع نفسك، ولن تقبل بأقل من نهر من الدماء قرباناً لآلهة الموت التي تعبدها.
لذلك، كنت يا سمير جعجع أول من يعلم بما حصل أمس. ليس بذكاء لم تُعرف به يوماً، بل لأنك خطّطت وحضّرت ونفّذت جريمة تطابق ما فعلته منذ أن امتشقت السلاح. وهي جريمة كبيرة، وأكبر من كل الجرائم التي يجري استثمارها هنا وهناك، إذ تستهدف شن حرب أهلية واسعة. لكنها لن تحظى برجال ينسبون لأنفسهم صفة الأولياء الصالحين المرسلين من الرب لإنقاذ الناس من أرواحهم الشريرة!
وأنت لم تكن وحدك من يعلم بما حصل أمس.
من المفيد لفت انتباه من يهمه الامر الى انه بعد كل ما حصل، منذ سنوات وحتى جريمة أمس، فان قيادة المقاومة قررت مغادرة مربع الصبر
كل الأجهزة الأمنية والعسكرية، من جيش وقوى أمنية وأجهزة استخبارات على أنواعها، كانت تعلم أيضاً.
قدّمت لهم ليل أول من أمس المعلومات المباشرة عما يجري على الأرض، عرضت لهم المعطيات حول السيارات التي استقدمت مسلحين من زحلة وكسروان ومن عناصر أمنية في معراب أيضاً. وقدّمت لهم المعطيات حول السيارات التي تجوب المنطقة من مار مخايل حتى سباق الخيل وفيها مسلحون تابعون لقواتك اللبنانية، وقدمت لهم المعطيات حول المسلحين المنتشرين عند مداخل الأبنية، وقدّمت لهم المعلومات التي تعرض من يخطط ومن يوزع المهام ومن ينشر العناصر.
الجيش فعل ما تفعله قوات الطوارئ الدولية في الجنوب. بدل أن تنتشر هذه القوات لردع العدو، تراقب المعتدى عليهم في الجنوب. هكذا، تماماً، فعل الجيش. بدل أن ينتشر قامعاً الوجود المسلح في عين الرمانة والمداخل المؤدية الى شارع سامي الصلح، انتشر في المناطق التي سيخرج منها المتظاهرون، وهو الذي كان يعلم مسبقاً بخط سير التظاهرة. وعندما جرى سؤاله قال إنه لم ير شيئاً. وكيف يرى إذا لم يكن قد نشر عناصره هناك أساساً. عندما بدأ إطلاق النار على المتظاهرين، ألم يكن هناك جنود ينتشرون في المكان؟ ألم تكن هناك عيون أمنية في المنطقة التي تضمّ قصر العدل والجامعة اللبنانية ومقار رسمية ومراكز قريبة من سفارات ومكاتب دبلوماسية؟ أليست تلك المنطقة التي ينتشر الجيش أصلاً فيها للفصل بين الشبان الذين يختلفون دائماً؟ وعندما بدأ إطلاق النار، وتحدّث الأمنيون عن قناصين، أين كانت طوافات الجيش، أم أنها مجهزة فقط لنقل الضيوف من عسكر الولايات المتحدة ومسؤولين لا يريدون التنقل بسياراتهم بين المناطق!
حتى فرع المعلومات في قوى الأمن الداخلي، الذي اشتهر بحرفية جعلته يتعرّف على تفاصيل الجرائم الكبيرة والصغيرة بسرعة البرق، والذي يمتلك شبكات من المخبرين والعاملين في تلك المنطقة وغيرها، ويعرف من خلال علاقاته مع أجهزة أمنية داخلية وخارجية ما يحضّر للبنان، وتعرف قيادته جيداً عقل «القوات اللبنانية» وطريقة تصرفها، كما تعرف ما هو المطلوب من جهات خارجية… كيف سيتصرّف اليوم؟ هل سيكون صعباً عليه اكتشاف ما حصل؟ وهل سيكون متعذراً عليه الوصول الى كاميرات أو استخدام داتا الاتصالات لكشف ما حُضّر له بعناية قبل ساعات طويلة، أم سيقف متفرجاً تاركاً الأمر لمخابرات الجيش خشية حسابات تتصل باعتبارات جهات تمون عليه سياسياً؟
وماذا عن أمن الدولة الذي يلاحق كل مخالفة بناء وكل مشكلة بين عاملة منزلية ورب عملها ويمتلك فرقة من المخبرين الذين وُظّفوا لأسباب سياسية أو أمنية، هل غابت عنه الحقيقة أيضاً، وماذا سيفعل؟
هؤلاء أيضا كانوا يعلمون!
وهناك أيضاً من كان يعلم ما يُدبّر في ليل ونهار، من رئيس مجلس القضاء الأعلى سهيل عبود، ومعه أعضاء في المجلس، وقضاة كبار يتقدّمهم المحقق العدلي طارق البيطار، العالم بالقانون والجاهل بالسياسة وعلم الاجتماع، والخبير الروحاني الذي قرر أنه مكلّف من الرب بإنقاذ لبنان وأهله… ألم يكن هؤلاء يعرفون أن ما يقومون به سيؤدي الى ما حدث أمس؟ ألم يُقل لهم بوضوح إن التسييس الفاضح والغلوّ في خدمة الخارج سيقود الى مواجهات في الشارع، فلم يأبهوا، ويصلون الليل بالنهار لحماية مشروع لا نتيجة له سوى توريط البلاد في فتنة من بوابة تفجير المرفأ… نعم هؤلاء أيضاً كانوا يعلمون!
لم يكن جعجع وحده يعلم بما سيحدث بل معه الأجهزة الأمنية وعبود والبيطار وسفراء عرب وأجانب ومن منعوا الحكومة من حل ملف تسييس التحقيق
حتى من منعوا الحكومة من اتخاذ القرار المناسب في شأن المشكلة الأساسية في ملف تفجير المرفأ، والذين يقفون عند حسابات سياسية داخلية أو خارجية، من التيار الوطني الحر الذي يخشى على شعبيته في الشارع المسيحي، الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي التزم أمام فرنسا برئيسها ورئيس استخباراتها الخارجية بعدم الاقتراب من عمل المحقق العدلي، وصولاً الى السعودية التي بعثت إليه برسالة تبدي استعدادها لاستقباله، شرط أن تحدّد هي الموعد والطريقة ومستوى المسؤولين الذين سيلتقيهم، وقالت له سلفاً إنها تفعل ذلك تلبية لطلب الفرنسيين بعدما «طوشهم» برنار إيمييه الذي أبلغه السعوديون بوضوح أن «ميقاتي ليس رجلنا، كما أن الحريري لم يعد رجلنا»، وأنه «لا يوجد في بيروت سوى شخص واحد ينفذ ما نريد ويستحق الدعم هو سمير جعجع»… هؤلاء أيضاً كانوا يعلمون!
لكن، ما الذي يدفع هؤلاء الى التشارك، طوعاً أو غصباً، مجتمعين أو متفرقين، في هذا التجاهل الذي يؤدي الى جريمة بحجم تلك التي حصلت أمس؟ هل هو اعتقادهم بأن صمت المقاومة عما حصل في شويا، وعدم انجرارها للفتنة بعد جريمة خلدة، وصمتها عن كل موبقات إعلام طحنون وتركي آل الشيخ… هو علامة ضعف؟
من يقولون، بزهو ، إن «شراويل ثلاثة» هزت المقاومة في شويا، أو إن شيخاً مع بضعة صبية أذلّوها في خلدة، أو أن صليباً مشطوباً شقّ رقبتها في الطيونة… ألا يعرفون أن قواعد اللعبة ليست من صنعهم، وأنهم ليسوا سوى أدوات لتنفيذ ما تريده أميركا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا والسعودية والإمارات العربية المتحدة وإسرائيل!
وحتى لا يبدو الخارج كأنه مستثنى من المسؤولية المباشرة، هل يعتقد الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون والألمان والسعوديون والإماراتيون، سواء في عواصمهم أو في سفاراتهم في بيروت، أنهم ليسوا شركاء كاملين في هذه الجريمة كما في غيرها، أو أنهم بعيدون عن الأعين التي تراقب ما يعملون عليه من فتن قادمة على شاكلة ما سبق في أكثر من منطقة ومع أكثر من جهة؟ والأهم، هل يعتقدون أنهم فوق المحاسبة وفوق دفع الأثمان؟
ربما من المفيد لفت انتباه من يهمّه الأمر الى أنه بعد كل ما حصل، منذ سنوات وحتى جريمة أمس، فإن قيادة المقاومة قررت مغادرة مربع الصبر، وهي تنتظر الآتي:
أولاً: إقفال ملف الجنون الذي يقوده طارق البيطار.
ثانياً: محاكمة من قرّر وخطّط ووزّع المهام ونفّذ عمليات القتل في الطيونة.
ثالثاً: محاسبة كل من أهمل وقصّر في حماية المتظاهرين العزّل.
أما من يحتاج الى شرح أكثر، فليس من الخطأ أن يقرأ الكتاب بوضوح أكثر أو أن يسمع ما فيه من وصايا: «سكوت صاحب الحق عن حقه، لهو قلّة دين وقصر في التعبّد، وأخذ الحق لا يكون بالتوسل، فإما عبر ما تقرّه الشرائع وإما باليد دون وسيط»!
صحيح أن أميركا، ومعها الغرب والسعودية ومجنون كسمير جعجع يصلّون الليل ليقع حزب الله في المحظور،
وصحيح، أيضاً، أن في لبنان قوى سياسية وعسكرية وأجهزة أمنية تفضّل الجلوس على التلّ والتفرّج علّها تكون المنقذ،
لكن الصحيح أيضاً، هو أن العقل أُعطي لمن يجيد استخدامه، فيعرف، كما في كل مرة، أن يصيب من يجب أن يصيب، من دون تحميل الناس من حوله أيّ مسؤوليّة!
لم تكن رصاصة طائشة
لم يكن ثمة شيء يشبه حزن أمس. الحزن لـ7 شهداء سقطوا بلا حول ولا قوة برصاص أطلقه قناصون عمداً على رؤوسهم. 7 شهداء تركوا خلفهم عائلات مشتتة لموتهم.. وصور، ولا شيء آخر، فيما من نجوا، وهم ما يقرب من 30 جريحاً يحملون ندوباً لا تندمل عن «حرب» عاشوها بلا حول ولا قوة
قُتِلت مريم فرحات داخل البيت الذي كانت تظنّه آمناً. قبل أن تموت في الكمين المسلّح الذي نصبه القناصون عند مستديرة الطيونة للتظاهرة التي كانت متجهة نحو قصر العدل، لم تكن مريم تفكّر في موتها. ربما كانت منشغلة في تحضير وجبة غداءٍ لأطفالها قبل أن تسبح بدمها.
قُتِلت مريم برصاصةٍ لم تكن طائشة، ولا قضاء أو قدراً. كانت رصاصة مقصودة أطلقها قناص على رأسها مباشرة. قتلها بدمٍ بارد، غير آبه بيتم خمسة أطفالٍ، أصغرهم في الثالثة من عمره. بم كانت تفكّر مريم قبل أن تمزّق الرصاصة رأسها؟ هل كانت تفكّر بخوف أطفالها؟ بحياتهم في البلد الواقف على حافة حربٍ أهلية؟ هل فكّرت أصلاً بأنها ستكون واحدة من أولئك الذين سيصيرون شهداء كمين الطيونة المسلّح؟
لم يعد مهماً الآن بماذا كانت تفكّر، فما يهم يُتم الخمسة، ويتم أطفالٍ آخرين فقدوا آباءهم وأمهاتٍ فقدن أبناءهن أمس في الحرب التي دارت على حين غفلة. مريم و6 شبابٍ آخرين هم علي إبراهيم وحسن نعمه وحسن مشيك ومصطفى زبيب ومحمد السيد ورامي زعيتر، فقدوا حياتهم أمس عند «دوّار» الطيونة. لم يكن أمس يوماً عادياً في حياة العائلات التي فقدت أبناءها، فقد استبدل هؤلاء مكان إقامتهم بطوارئ المستشفيات حيث كانوا ينتظرون خبراً عن أبنائهم «يردّ القلب»، كما كان يقول أحد أقارب الضحايا، قبل أن يأتيه الخبر المفجع.
أمام مدخل طوارئ مستشفى الساحل كان الحزن فائضاً. وجوه شاحبة متعبة من البكاء، وأخرى تنتظر خبراً عمّن أدخلوا لتوّهم إلى غرف العمليات. وسط هذا كله، كانت أم الشهيد حسن مشيك تهيم بين الناس وتلوّح بطرف لباسها الأسود صارخة «يا حسن يا إمي». تخرج ثم تعود إلى داخل الطوارئ في محاولة للنجاة بخبرٍ آخر، من دون جدوى، وتستعيد ابنها حسن «يا حسن يا آدمي يا إبني». كان صوتها قاتلاً، وهي التي فقدت للتوّ عزيزاً، فيما آخرون يبكون لبكائها وينتظرون خبراً عن جرحاهم.
غالبية إصابات شهداء وجرحى كمين الطيونة في الصدر والكتف
في صالون طوارئ مستشفى الساحل الذي كان مقصداً لمعظم أهالي الجرحى، لكونه المستشفى الأقرب إلى أرض «المعركة»، كان الصخب كبيراً. عائلات بأكملها وممرضون وأطباء تركوا على الأرجح طوابق المرضى والتحقوا بطاقم الطوارئ لإسعاف الجرحى الذين وصلوا إليها. أما في الخارج، فقد أقفلت الطريق الفرعية التي تمرّ بجانب المستشفى، بعدما امتلأت بالناس. كانت حال الواقفين هناك تشبه غضب البلاد في تلك اللحظة. صراخ وبكاء وقصص تروى بصوتٍ عالٍ عما يحدث عند مستديرة الطيونة وعن حياة الشهداء الذين سقطوا. شاب يروي آسفاً حكاية ابنة مريم التي اضطر «شوفير» باص المدرسة أن يتركها في المدرسة في انتظار أن يأتي أحد من أفراد عائلتها أو أقاربها كي لا تصدم بوفاة أمها، وتلك تخبر عن شعور أبناء الشهداء عندما يعرفون بموت آبائهم. قصص كثيرة كانت تروى هناك، وستروى بعد عن شهداء الكمين المسلّح، إضافة إلى ما سيرويه الناجون أيضاً عما عاشوه عند «الدوار»، حيث «كان الرصاص ينهمر فوقنا كالمطر»، كما يشير أحد الجرحى الذي تلقى رصاصتين، واحدة في كف يده والأخرى في قدمه. لا يزال هذا الأخير تحت تأثير الصدمة، ويقول «كانوا قاصدين يقتلونا، كانوا عم يقوصوا الرصاص علينا مش بالهوا». وأكدت مسؤولة الطوارئ في المستشفى مريم حسن أن «إصابات الشهداء كانت 3 في الرأس وواحدة في القلب مباشرة، وكذلك الحال بالنسبة للجرحى، حيث كانت في معظمها في منطقة الصدر والكتف وبعض الحالات في اليدين».
حتى ليل أمس، وصل عدد الشهداء إلى سبعة وما يقرب من ثلاثين جريحاً، على ما يقول أمين عام الصليب الأحمر اللبناني، جورج كتانة، توزّعوا على مستشفيات الساحل والرسول الأعظم وأوتيل ديو وجبل لبنان والسان جورج والزهراء وبهمن.
أما العدد الأكبر من المصابين، فنقل إلى مستشفى الساحل الذي استقبل 21 إصابة: 4 شهداء هم حسن مشيك ومصطفى زبيب ومحمد السيد ومريم فرحات، و17 جريحاً غادر منهم 14، فيما بقي ثلاثة آخرون استدعت حالاتهم الحرجة خضوعهم لعمليات جراحية. وإلى مستشفى بهمن نقلت 7 إصابات: شهيد هو علي إبراهيم و6 جرحى بقي 4 منهم في المستشفى. وإلى مستشفى الرسول الأعظم نقل الشهيد حسن نعمه و4 جرحى، وإلى الزهراء جريح واحد. فيما نقل إلى مستشفى جبل لبنان جريحان و4 آخرون إلى مستشفى أوتيل ديو، غادر ثلاثة منهم.
أما الجرحى الذين احتاجوا للعلاجات في المستشفى فهم: محمد كركي، علي حمود، علي جزيني، أحمد حسين، حسين عاشور، هاشم المقداد، عباس زعيتر، محمد الريس، علي حجازي، علاء زعيتر، حسن محمود، علي ضاحي، أحمد عواضة، محمد تامر، محمد رميتي، علي عناني، محمد فاضل، علي عقيل، علي جزيني، عماد سكرية، حسن فقيه، محمد زعيتر، علي كمال، إدي عبدالله، إيلي حداد، جورج هاشم، فرانسوا شبلي، سالم منصور.
شبح الحرب الأهلية يخيّم على الشاشات
الحملة الإعلامية الممنهجة التي بدأت بعد إعلان أمين عام «حزب الله»، الارتياب من أداء القاضي طارق بيطار، استكملت أمس مع الحدث الدموي الذي طال منطقة «الطيونة». على الرغم من أنّ الضحايا سقطوا من جهة واحدة، والإجماع على أنّ كميناً نصب لشبان كانوا متوجهين إلى «قصر العدل» في تظاهرة سلمية، إلا أنّ mtv ومعها منصات إعلامية أخرى، راحت تروّج لعملية «اشتباكات» تحصل بين طرفين. هكذا، وضع الإعلام على قدم المساواة، شباناً عزّل، وآخرين مسلّحين انتشروا على أسطح المباني، وراحوا يقنصون على الرؤوس ويوقعون الضحايا في الشارع
الحملة الإعلامية الممنهجة التي بدأت بعد إعلان أمين عام «حزب الله»، الارتياب من أداء القاضي طارق بيطار، لا سيما من قبل قناة «المرّ»، استكملت أمس مع الحدث الدموي الذي طال منطقة «الطيونة». وعلى الرغم من وضوح معالمه الأولى، بأنه كمين نصب لمجموعة شبان كانوا متوجهين إلى «قصر العدل» في تظاهرة سلمية، إلا أنّ القناة ومعها منصات إعلامية أخرى، راحت تروّج لعملية «اشتباكات» تحصل بين طرفين، واضعةً على قدم المساواة، شباناً عزّل وآخرين انتشروا على أسطح المباني، وراحوا يقنصون ويصوبون على الرؤوس ويوقعون ضحايا في الشارع. وقد رصدتهم بالفعل عدسات الكاميرات، كما حال القنّاصة، الذين عُرفت أماكن تواجدهم، ونقلت عمليات القنص وتطاير الرصاص على الهواء مباشرة. هكذا شكلت تغطية mtv الفاقعة حدثاً بذاته، مع ذهابها أبعد من العمل الفتنوي الذي كان يحاك لتلك البقعة الجغرافية، وما يحيط بها من مناطق أخرى، لها دلالاتها الطائفية والسياسية.
لغة بكائية على lbci وحيادية على otv
راحت المحطة تعنون تغطيتها بـ «مواجهات الطيونة»، لتصوير الحادثة الدموية التي أوقعت ما بين ستة ضحايا، وأكثر من عشرين جريحاً، بأنها مجرد عملية تبادل لإطلاق النار، وبأنّ لا مسؤول مباشراً عن اندلاع الحدث الأمني والدموي. ومع تصويب أصابع الاتهام صوب حزب «القوات»، ونشره قنّاصيه ومناصريه في المنطقة، راحت المحطة «تستنهض»، كل قوى الرابع عشر من آذار، سابقاً، لا سيما الوجوه التي تتسم بمواقف متطرفة للتغطية على هذه الجريمة. فقد استضافت المحطة خلال تغطيتها، رئيس «جهاز الأمن والتواصل في القوات» شارل جبور، الذي اتهم «حزب الله»، بأنه أراد إيصال البلد إلى «فتنة»، عبر اللجوء إلى الشارع، وإلى «السلاح»، فيما نفى ضلوع «القوات» في الجريمة. وادعى بأنها تتعامل مع قضية المرفأ، بشكل «سلمي وديموقراطي». وبعد ذلك، راحت تتوالى الاستضافات، من رئيس «حزب التغيير» إيلي محفوض، الذي بدأ يروّج لنظرية «دفاع القوات» وسكان المنطقة المجاورة للطيونة عن مناطقهم تحسباً لوقوع «7 أيار مسيحي جديد»، من قبل «حزب الله»، الذي «سيُكسر مشروعه الانقلابي» على حد تعبيره. بدوره، أطلّ النائب ميشال معوض، ليتهم بنبرة عالية «حزب الله» بتدمير القضاء، وهدد بالنزول إلى الشارع، مقابل الشارع الآخر، ليقاطعه مضيفه فادي شهوان ويسعى إلى تأويل ما قاله معوّض بأنه اتجاه نحو «انتفاضة سياسية جديدة»! في محاولة لشحذ الهمم. وكان اللافت هنا، طرح فادي شهوان مرات عدة، السؤال حول إمكانية تكرار مشهد الأمس الدموي في الأيام المقبلة!
وبعيد الثالثة من بعد ظهر أمس، تسيّد الهدوء شوارع «الطيونة» وجوارها، فخرجت lbci، قبل الجميع من التغطية، فيما استمرّت mtv، لوقت قصير في التغطية، واستكملت «المنار» تغطيتها المفتوحة لغاية ساعات المساء الأولى، مع إفرادها مساحات للحوار والنقاش داخل الاستديو. وفي المساء، سرعان ما عاد مشهد انقسام الشاشات اللبنانية، المنقسمة أصلاً في ملف المرفأ، والموقف من أداء المحقق العدلي طارق بيطار. وعلى الرغم من تسمية الثنائي الشيعي لـ«القوات» واتهامها بالضلوع في هذه الجريمة، لجأت قناة nbn في مقدمة نشرة أخبارها، إلى لغة تسووية عامة، راحت تطرح الأسئلة، حول من يريد افتعال الفتنة الأهلية في لبنان، واستحضار سيناريو «عين الرمانة»، مع إعلانها لاحقاً عن أسماء المتورطين في عمليات القنص… هذا بخلاف «المنار»، التي رفعت الصوت عالياً، وأفردت مقدمة نشرة أخبار نارية، راحت تسمي «القوات» التي «كمنت» في عين الرمانة، و«زرعت» قنّاصيها في وقت سابق، واتّهمت مرافقين مباشرين لسمير جعجع بالتورّط في الجريمة عن «سابق تصوّر وتصميم لاستهداف السلم الأهلي». اللافت في المساحات الإخبارية المسائية، كان أبعد من لغة تسووية هنا، وأخرى عالية النبرة هناك. إذ إنّ الملفت كان ما ساقته بقية القنوات في مقدمات نشرات أخبارها، وكان أخطرها، ما أوردته mtv، من كلام عن «حرب صغيرة أحيت ذكريات أليمة»، و«استسهال اقتحام الناس، في هدأة صباحاتهم، واستباحة كراماتهم وأرزاقهم العزيزة»، في سياق يتصل مباشرة، بتغطية سابقة للمحطة ربطت ما حصل أمس بأحداث «7 أيار». وعلى lbci، لم يكن المشهد أقل وطأة، فقد استذكرت القناة، اندلاع شرارة الحرب الأهلية، و«انتفاضة 6 شباط» عام 1984، و«7 أيار» ، وقالت بأنّ هذه الأحداث ما كانت لتحصل لولا وجود «ثغرة في الدولة اللبنانية». في المقابل، خرجت كل من «الجديد » وotv، عن هذه الجريمة، بشكل مباشر، وراحت تتحدث إما بلغة عاطفية خطابية، كما حصل مع «الجديد» وتحويلها الحدث إلى مجرد بكائيات على الحجر والبشر، أو عبر استخدام لغة تحاول الوقوف على مسافة من الجميع، ورؤية المشهد من خارج العلبة كما حال otv.
سمير جعجع مرّ من هنا
الفطرة هي الفطرة ولا قيد عليها. وسمير جعجع هو سمير جعجع ولا أمل له بالشفاء، لا من أوهامه ولا من غيرها من الأمراض الكثيرة الموروثة أو المكتسبة، والتي تفتك به فتك السرطان بالجسم.
سنوات السجن المستحق لم تغيّره، وتجارب العجز السياسي والفشل العسكري لم تعلّمه. وما زال، رغم الحصائل القاتمة لمجمل السيرة السلبية، ملتصقاً بالزيتي الإسرائيلي الذي لم يتخلّ عنه يوماً، ويعامله بحرص مضاعف على معاملته لجلده الأصلي.
وفاؤه الوحيد والنادر هو لهذه الفطرة القاتلة لصاحبها وللآخرين من رفاق «المسيرة» الذين غدر بهم عن سابق تخطيط وتصميم، وأزاحهم واحداً بعد الآخر. فالمنافسة أو التنافس ليست من هواياته. وهو، فوق ما تقدم، ابن بارّ ومخلص لفطرته الأولى التي نالت من طوني فرنجية وداني شمعون… وكيف لا يكون كذلك وهي الفطرة التي صنعته وصنعها وكوّنته وكوّنها. إنها دليل عقله وعماد كيانه ومحرّك أهوائه. فالرجل الذي أتاح له القتل المباشر فرصة التسلّق الاجتماعي والانقلاب السياسي الدوري بقي وفياً له وفاء العاشق لمعشوقه…
قبل عقود، وحين لاحت فرص إنهاء الحرب، وعرف أن ما ينتظره لا يقل عن انتهاء سيطرته المطلقة وتلاشي أحلامه باستمرار دويلته المسوّرة بالدم والدموع، شهر قنابله ومتفجراته، فكانت «سيدة النجاة» جريمة جديدة تضاف إلى السجلّ المثقل بالفشل والخيبات، لكنها، وبخلاف غيرها من الجرائم، قادته إلى السجن. فصحّ فيه القول إنه الذي صنع السجن بأيديه ودخله بأقدامه. ولأن الطبع يغلب التطبّع، والفطرة تغلب المفطور، فإنه وما أن فُتحت أبواب السجن حتى عاود سيرته الأولى التي يعجز عن تصورّ نفسه إلا ملتصقاً بها. ومن يومها وهو يتحيّن الفرص لاستعادة أمجاد السيطرة والاستئثار برقعة من الأرض التي حكمها طيلة سنوات الحرب. لكنه رغم الدأب الذي مارسه لم يحالفه الحظ. فالعالم كان قد تغير، وما كان ممكناً قبل السجن بات مستحيلاً بعده، لكنه، وعلى سبيل التعويض المؤقت، وإرضاء لشهوة السلطة والتسلط التي لا يملك مقاومتهما، أقام «دويلة» معراب كبديل عن ضائع، وكمحطة تسبق العودة واسترجاع ما كان.
أمام هذا الواقع المحكوم بالفطرة يمكن المجادلة في مسؤولية سمير جعجع عن مجزرة الأمس. فالرجل يتحرك ويفكر ويخطط وينفّذ بوحي من فطرته التي لا يملك أمر مقاومتها فكيف بالطلاق معها. وهل هناك من هو قادر على الطلاق مع فطرته خصوصاً متى كانت من النوع الخاص الذي يحوزه هذا المفطور على قتل كل من يعترض سبيله في استعادة ما يعتبره حقاً من الحقوق التي سُلبت منه؟
اليوم، يعيد هذا البائس عقد الرهانات وتجديد الولاءات التي سبق أن قادته إلى السجن. لكنه هذه المرة أيضاً، وبخلاف ما يسمعه من رعاته في عوكر أو من معتمدي الدفع النقدي في المنارة، سيحصد ما يجعله يترحّم على خيبات الماضي غير البعيد. فالدماء المسفوكة في الطيونة كتبت اسم القاتل وعيّنت عنوانه ورسمت ملامحه المطابقة لملامح هذا القاتل.
المجرم صاحب «الأقدام التهجيرية» الذي سبق له بفعل رهاناته الإجرامية وتبعيته الحمقاء الكاملة أن أفرغ مدن الجنوب والجبل وقراهما من سكانها المسيحيين يهدد باستكمال جريمته والمقامرة بمصير من تبقى منهم. وهو في اختياره المخطط والمدروس لعين الرمانة يؤشر على رغبته ومعه مشغلوه بدفع البلد نحو مجهول، أو معلوم دموي مكلف.
سمير جعجع مر من هنا!
إسرائيل مبتهجة بالحرب
بعيداً عن الإعلام المحلي والإقليمي، اهتمّت «إسرائيل» بقوّة بالحدث البيروتي، وكان لافتاً تغطيتها لما يحصل في «الطيونة» والمناطق المجاورة، واستعانتها بفيديوات حيّة. فعلى سبيل المثال، راحت قناة «i24» الإسرائيلية الناطقة بالفرنسية، تنشر تغطيات متتالية عما يحصل في الشارع، وتتحدث عن حرب أهلية محتومة. فقد استعانت القناة بالصحافي الذي صنّفته على أنه «متخصص في الشأن اللبناني» إيدي كوهين، ليتحدث عن «احتلال حزب الله» للبنان، وتحويله الى «دولة إسلامية» وتدميره الكامل للبلاد. كما ادّعت تحوّل «حزب الله» الى «عدوّ» للبنانيين. وأعاد كوهين السردية عينها التي عادة ما ينطق بها معارضو الحزب في لبنان، بالقول إن الأخير «لم يقتل جندياً واحداً إسرائيلياً» منذ عام 2006، عدا اتهامه بإرساء «رعب في البلاد»، وأخذها كـ«رهينة». كما تطرّق كوهين الى المحقق العدلي طارق بيطار، وأكد أنه إما سيغتال أو يعاقب. وفي تقرير آخر، يمكن مقاطعته مع ما أورده بعض الإعلام اللبناني، حول أحداث «الطيونة»، وتأهب «المسيحيين» للدفاع عن مناطقهم، تحسّباً« لاجتياحها» من قبل «حزب الله»، راحت القناة، تروّج لهذه النظرية، وتؤكد أنّ «المسيحيين اليوم لم يعودوا يخافون من حزب الله»!