لا انسحاب أميركياً من العراق وسوريا. الاحتلال باقٍ إلى إشعار غير معروف، تحت ستار قديم – جديد، هو: محاربة «داعش». ليس صدفةً، والحال هذه، أن التنظيم المنهزم حديثاً بدأ يستعيد نشاطه في وقت يسيل فيه لُعاب الولايات المتحدة على البقاء في هذين البلدَين. الأكيد، في الحدّ الأدنى، أن خلايا «داعش» في منطقة البادية السورية، لا تتغذّى ذاتياً، ولا تعمل من تلقاء نفسها، بل تمتدّ إليها يد العون من قاعدة «التنف» المنتصبة كشوكة على طريق دمشق – بغداد. أمّا في العراق، فقد يكون من السذاجة الفصل بين استعادة التنظيم أنفاسه في غير منطقة، والأزمة المتواصلة بفعل نتائج الانتخابات الأخيرة، والإعلان الأميركي قبل أيام أن الجنود الـ2500 – المُعلَن عنهم – باقون كما هُم، إلى ما بعد 31 كانون الأوّل، التاريخ الذي جرى تصديره سابقاً كموعد للانسحاب. باختصار، تستعدّ الولايات المتحدة لمرحلة جديدة من أهزوجة «العزم الصلب» التي انطلقت عام 2014، فيما سيكون على قوى المقاومة، في المقابل، أن تستعدّ لنوع آخر من العمل بمواجهة الأميركيين، وهو ما تسارعت المؤشّرات إليه أخيراً، سواءً على الساحة العراقية، أو تلك السورية
لا انسحاب أميركياً من العراق: هذه فُرصتنا
أعادت أزمة نتائج الانتخابات العراقية، خلْط حسابات الأطراف كافّة، بمَن فيهم الاحتلال الأميركي الذي قرّر إبقاء جنوده الـ2500 جميعاً في هذا البلد، بعد الموعد المقرَّر للانسحاب في 31 كانون الأوّل المقبل، إمّا مخالفةً لاتفاق الانسحاب الذي أُبرم مع حكومة مصطفى الكاظمي في واشنطن قبل أشهر، وإمّا لأن هذا الاتفاق تضمّن بنوداً غير معلنة لم يبلغ الكاظمي وفريقه الأمني الذي فاوض على الانسحاب، العراقيين بها. التبرير المُعلَن لإبقاء القوات الأميركية هو «مواصلة قصّة النجاح» التي تمثّلت في الحرب على «داعش» الذي تمّ إضعافه بشكل كبير، لكنّ ثمّة تبريراً آخر غير معلَن، وجدته واشنطن في نتائج الانتخابات العراقية، باعتبارها هذه النتائج غطاءً سياسياً يتيح لها إبقاء قواتها في العراق، بما يخدم مصلحتها ومصلحة حلفائها الإقليميين.
وإذ لا يمكن فصل الإعلان المتجدّد للاحتلال بخصوص رغبته في البقاء، عن أزمة نتائج الانتخابات الناجمة من وجود اتهامات بالتزوير، والتي يَظهر أنها ستكون طويلة جدّاً، وسط تمسّك كلّ طرف بموقفه منها، بعد قرار الهيئة القضائية إلغاء نحو عشرة آلاف محطّة اقتراع تُمثّل 18 في المئة من مجمل الأصوات، فلا يبدو من المنطقي أيضاً فصْل الأحداث الأخيرة، بما فيها الخضّات الأمنية التي شهدها البلد على خلفيات انتخابية، وضمنها محاولة اغتيال الكاظمي، عن اقتراب الموعد المفترض لانسحاب الاحتلال الأميركي الذي لم يَعُد يخفي بحثه عن ذرائع للبقاء، بهدف التأثير في التوازات الإقليمية، وخاصة في ما يتعلّق باستهداف إيران، ولا سيما أن احتلال العراق مرتبط ارتباطاً وثيقاً بوجود 900 جندي أميركي يعملون ضمن المهمّة نفسها، أي «العزم الصلب»، مع «قوات سوريا الديمقراطية» شرقي الفرات في سوريا، بما يمنع الجيش السوري من السيطرة على هذه المنطقة، فضلاً عن احتفاظ واشنطن بقاعدة التنف التي تتمثّل وظيفتها في تهدئة مخاوف إسرائيل من وجود قوى محور المقاومة في سوريا. ومن هنا، يُلاحظ أن هجمات «داعش» المتجدّدة صارت تحصل في توقيت مشبوه يخدم هدفاً سياسياً يتعلّق بالاحتلال الأميركي. فالتنظيم نفّذ، قبل يومين، وسط هذا الالتباس بشأن الانسحاب، هجوماً أسفر عن مقتل خمسة من عناصر «البيشمركة» الكردية في ناحية كولجو التابعة لإدارة كرميان في «إقليم كردستان». كما استعاد سابقاً نشاطه في محافظة ديالى التي تقع على الحدود الإيرانية، وعبرها يجري تزويد العراق بالكهرباء الإيرانية التي تمثّل نسبة معتبرة من استهلاكه.
في هذا الوقت، جاء تقرير وزارة الدفاع الأميركية، الصادر قبل أيام قليلة، ليؤكد أن لا تغيير في عدد الجنود الأميركيين الباقين في العراق، وهم 2500 جندي، بعد 31 كانون الأول الذي قدّمه رئيس الوزراء العراقي كموعد لانسحاب كامل للقوات الأميركية، مع تفكيك القواعد ونقلها إلى بلدان مجاورة كالأردن، والإبقاء فقط على قوّة تدريبية استشارية صغيرة. ويتعارض التقرير الصادر عن المفتش العام للوزارة حول عملية «العزم الصلب» التي ينفّذها تحالف تقوده الولايات المتحدة ضدّ تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، مع تأكيدات الكاظمي ومستشاره للأمن القومي قاسم الأعرجي الذي فاوض على اتفاق الانسحاب مع القادة العسكرييين الأميركيين في واشنطن، قبل أن يعلنه رئيس الحكومة العراقية والرئيس جو بايدن من المكان نفسه، حيث أَبلغت حكومة بغداد المعنيّين، بِمَن فيهم طهران، بأن الانسحاب سيكون كاملاً، وسيشمل تفكيك قاعدتَي عين الأسد غرب بغداد، وحرير في شمال العراق. وأشار التقرير الذي يَصدر بصفة ربع سنوية إلى أن «داعش» ضعُف، إلّا أنه ما زال أولوية ضمن اهتمامات الأمن القومي الأميركي في المنطقة، مضيفاً أن «الولايات المتحدة وشركاءها في التحالف يظلّون عنصراً رئيساً لاستمرار نجاح الحملة ضدّ التنظيم، حيث يبقى نشاط داعش في منطقة الحدود السورية – العراقية مثيراً للقلق». وفي تحليله لهذا النشاط، قال التقرير إنه على رغم تراجع عدد الهجمات، إلّا أنه في بعض الحالات قام التنظيم بهجمات معقّدة على نحو غير عادي، وذات مستوى أعلى من النضوج العملياتي. وعلى الجانب السوري من الحدود، لفت إلى أن «الولايات المتحدة تحتفظ بنحو 900 جندي، والمهمّة الأميركية للعمل مع قوات سوريا الديمقراطية لهزيمة داعش لم تتغيّر»، متابعاً أن «التنظيم يعزّز وجوده، كما يبدو، في الصحراء استعداداً لزيادة النشاط، ضمن ما تصفه وكالة استخبارات الدفاع بأنه المرحلة التالية من التمرّد»، وأن نشاط «داعش» يتركّز حول مخيم الهول للاجئين في الحسكة من أجل التجنيد والتوجيه.
إزاء ذلك، أطلقت «كتائب سيد الشهداء» حملة تطوّع لقتال القوات الأميركية بعد 31 كانون الأول المقبل. وأعلن الناطق باسم الكتائب، الشيخ كاظم الفرطوسي، أن فصيله تلقّى 45 ألف اتصال هاتفي من راغبين في التطوّع حتى الآن، وأن من بين هؤلاء مَن شاركوا سابقاً في القتال ضدّ «داعش». والجدير ذكره، هنا، أن «كتائب سيد الشهداء» أُنشئت في عام 2013، بمهمّة أساسية هي القتال إلى جانب الجيش السوري، ولها علاقات وثيقة بـ«كتائب حزب الله».
بالنتيجة، تشي مجمل هذه التطوّرات برغبة الأميركيين في إعادة الوضع في العراق سنوات إلى الوراء، ليكون ساحة تستخدمها الولايات المتحدة وحلفاؤها الإقليميون، ولا سيما السعودية والإمارات، ضدّ إيران، خاصة بعد أن فتحت نتائج الانتخابات، والشرخ العميق الذي أحدثته، داخل «الصفّ الشيعي» تحديداً، الباب واسعاً أمام هؤلاء لتعميق تدخّلهم في الشأن الداخلي العراقي.
مساعدات لوجستية وتعاون استخباراتي: أميركا ترعى انبعاث «داعش» في سوريا
تدأب القوات الجوّية السورية، منذ فترة، على تنفيذ عمليات مكثّفة في المنطقة الممتدّة بين بلدة الرصافة في الريف الجنوبي لمحافظة الرقّة، والمناطق الواقعة في المحيط الشمالي لمنطقة جبل البشري، حيث تنشط خلايا تابعة لتنظيم «داعش» في مهاجمة مواقع الجيش السوري ونقاط أخرى يتمركز فيها رعاة أغنام، بهدف الحصول على المؤن والذخائر. وتفيد مصادر ميدانية، «الأخبار»، بأن التنظيم يعتمد في عملياته في قطاع البادية الواصل بين محافظات الرقة ودير الزور وحمص وحماة «أساليب حرب العصابات» التي يَعسر، على خطورتها، أن تُحدث تغييراً في خريطة السيطرة. إذ يوزّع «داعش» خلاياه في المنطقة بشكل متباعد، الأمر الذي يصعّب عملية تتبّعها، كما يعتمد، خصوصاً في مناطق جنوب دير الزور المتاخمة لريف حمص الشرقي، شكلَين رئيسَين من الهجمات: الأوّل منظّم، ويستهدف قوافل الإمداد الخاصة بالجيش أو القوافل التجارية، من قِبَل 50 إلى 75 عنصراً في كلّ هجمة، يتنقّلون بواسطة السيّارات رباعية الدفع والدرّاجات النارية؛ والثاني يتمثّل في الإشغال بالاعتماد على مجموعات صغيرة لا يزيد تعداد عناصرها على 10 في أحسن الأحوال، يعمدون إلى إطلاق النار من مسافات بعيدة قبل الفرار، بالاستفادة من الطبيعة الجغرافية الخاصة بالبادية والتي تحتوي عدداً كبيراً من الوديان السيلية والطرقات القديمة.
اللافت أن تلك الهجمات المنظّمة تترافق مع موجات تشويش على وسائل الاتصال السورية مصدرها قاعدة التنف، فيما تفيد المعطيات بأن خلايا التنظيم التي تنفّذ مثل هذه العمليات تحصل على معلومات استخبارية متعلّقة بالطرقات المستخدَمة من قِبَل الجيش السوري لنقل الإمداد إلى النقاط الواقعة في عمق البادية، أو تلك التي تسلكها القوافل التجارية، وهذه المعلومات في الغالب مصدرها القوات الأميركية والبريطانية المتمركزة في قاعدة التنف. وبحسب المعطيات التي توافرت لـ«الأخبار»، فإن عداد مقاتلي «داعش» في البادية يقرب من 1500 عنصر، بواقع خلايا تعداد الواحدة منها 50 عنصراً تقريباً، فيما لا يمكن لهؤلاء التمركز في نقطة ثابتة لمدّة طويلة، أو أن يشنّوا هجمات بهدف السيطرة على أيّ نقطة بشكل مستدام، وذلك لكون هذه النقطة ستتحوّل إلى مقتلة لهم بسهولة باستهدافها جوّاً أو حصارها برّاً.
يُعدّ ضبط مساحة شاسعة مثل البادية السورية التي ترتبط جغرافياً بالأراضي العراقية صعباً نسبياً
وتنفّذ القوات السورية عمليات تمشيط دورية للمنطقة، لكن ضبط مساحة شاسعة مثل البادية التي ترتبط جغرافياً بالأراضي العراقية، يُعدّ صعباً نسبياً. ومن هنا، يأتي تأمين الطرق الرئيسة بين المحافظات وطرق الإمداد على رأس قائمة الأهداف السورية، علماً أن أبرز تجمّعات التنظيم يقع في الأطراف الشمالية لمنطقة خفض التصعيد المحيطة ببلدة التنف ومخيم الركبان، والتي تُعرف باسم منطقة «الـ55 كلم»، ومنها يبدأ أي تحرّك لـ«داعش» باتجاه مناطق جنوب دير الزور أو شرق حمص. ويعتمد التنظيم على حماية واشنطن لهذه المنطقة، واعتبار اقتراب القوات السورية منها تهديداً لها بشكل مباشر. وتؤكد المعلومات أن «داعش» يقيم علاقات تجارية مع «جيش مغاوير الثورة» الموالي للقوات الأميركية، والذي ينتشر بمهام حراسة ومراقبة في محيط قاعدة التنف وداخل مخيم الركبان.
البريطانيون مجدداً
مطلع الشهر الحالي، دخل قائد قوّة المهام المشتركة، البريطاني ريتشارد بيل، إلى منطقة التنف، ليَعقد اجتماعاً ثانياً، بعد أوّل جرى في أيار الماضي، مع قيادة فصيل «جيش مغاوير الثورة» ممثّلة بمهند الطلاع، وذلك بهدف الدفع بتجنيد مقاتلين جدد في صفوف الفصائل الموالية لـ«التحالف الدولي»، وزيادة عدد نقاط الحراسة في محيط قاعدة التنف. ويعني تجنيد المزيد من الشبّان مقابل رواتب جيدة، في ظلّ شحّ فرص العمل وتفشّي الفقر في مخيم الركبان، توريط هؤلاء في ملفّات أمنية ستمنع عودتهم إلى كنف الدولة السورية لاحقاً، والحفاظ على المخيّم لمدّة أطول. ولا يبدو أن قوات «التحالف» تمانع أن يكون الطلاع قائداً لـ«الحديقة الخلفية» لتنظيم «داعش»، أو أن يقيم علاقات تجارية مع التنظيم، فالمهمّ هو البقاء لأطول فترة ممكنة في المنطقة، بما يفيد في قطع الطريق الدولية دمشق – بغداد. والجدير ذكره، هنا، أن خلايا «داعش» لم يسبق لها أن هاجمت التنف أو نقاط الفصائل الموالية لـ«التحالف» في عمق البادية، فيما ينصبّ تركيزها على نقاط الجيش السوري وطرقه، ما يؤكد عمق العلاقة بين التنظيم ومَن يعيش في كنفهم ضمن الـ«55 كلم». من جهتهم، يحثّ قادة «فصائل الركبان» على مواصلة عرقلة دخول المساعدات إلى المخيّم الذين يسيطرون عليه، ومنع سكّانه من العودة إلى مناطق الدولة، على اعتبار أن تفكيكه وخلوّه من المدنيين سيعني بالضرورة تحوّله إلى منطقة عسكرية يمكن للحكومة السورية أن تهاجمها في أيّ وقت، ما سيُفقد قوات «التحالف» حجّة البقاء في التنف، ويضع الفصائل أمام معركة لن تقدر على الصمود فيها طويلاً، بسبب الفوارق في العدد والعدّة.
إدارة بايدن تُنهي تردّدها: جاء دورنا في لُعبة الإرهاب
في شهر آذار من عام 2019، وقف الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، أمام مجموعة من الصحافيين، حاملاً خريطة مطبوعة على ورقة، متفاخراً بخُلوّ جميع المناطق الظاهرة فيها من تنظيم «داعش»، مُعلِناً حينها القضاء على «دولة الخلافة»، بعد السيطرة على آخر معاقل التنظيم في بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، إثر عملية مشتركة بين «قوات سوريا الديموقراطية» (قسد) وقوات «التحالف الدولي» الذي تقوده واشنطن. وجاء إعلان ترامب آنذاك ليفتح الباب أمام أسئلة عديدة حول مصير الوجود الأميركي في هذا البلد، والذي كان الرئيس السابق يستعدّ لإنهائه، تاركاً لـ«قسد» مهمّة حماية المناطق النفطية التي بدأت الولايات المتحدة استثمارها. وبالتوازي مع ذلك، خرجت تحذيرات عدّة من وجود خلايا تابعة للتنظيم، بعضها ينتشر في مناطق البادية السورية، الأمر الذي لم تُعِره واشنطن أيّ اهتمام، لتتولّى القوات السورية والروسية وحدها عملية متابعة تلك الخلايا ومحاربتها، فيما أخذت «قسد» على عاتقها ضبط الأمن في مناطق سيطرتها.
خلال العامَين اللاحقَين، نفّذ «داعش» عشرات العمليات التي اعتمد فيها تكتيكات «حرب العصابات»، خصوصاً منها زرع الألغام على بعض الطرق الرئيسة، ومن أبرزها طريق خناصر الرابط بين حلب وحماه، والذي كان يمثّل شريان الحياة لحلب، قبل فتح طريق حلب – دمشق الدولي (M5). وفي مقابل ذلك، نفّذت القوات السورية والروسية عشرات عمليات التمشيط في مناطق البادية للقضاء على الجيوب التي يتحصّن فيها مَن بقي من التنظيم. وخلال هذه الفترة، أثيرت تساؤلات عديدة حول مصادر دعم هؤلاء، وطرق حصولهم على إمدادات من السلاح والطعام، في ظلّ غياب قيادتهم المركزية الموحّدة بعد مقتل زعيمهم أبو بكر البغدادي، في عملية للولايات المتحدة على مقرّ إقامته في منطقة تسيطر عليها تركيا في ريف إدلب. ومذّاك، انفتح الباب على مصراعَيه لتبادل الاتهامات، خصوصاً بعدما أطلّ «داعش» برأسه في أفغانستان إثر الانسحاب الأميركي من هناك، لتستغلّ أنقرة توتّرها مع واشنطن وتتّهم الأخيرة بتحريك التنظيم، ونقل قيادات وعناصر تابعة له إلى أفغانستان، ويردّ عليها الأميركيون باستهداف قياديين للتنظيم يتحصّنون في مواقع سيطرة القوات التركية في الشمال السوري.
منذ خروج القوات الأميركية من أفغانستان نفّذ «داعش» عشرات العمليات الدموية
ومنذ خروج القوات الأميركية من أفغانستان، نفّذ «داعش» عشرات العمليات الدموية، بينها تفجيرات انتحارية طاولت مستشفيات ومساجد، الأمر الذي اعتبرته وزارة الخارجية السورية مؤشّرات متزايدة إلى نموّ التنظيم وسعيه لتأسيس «دولة خلافة جديدة في أفغانستان»، ما يشكّل تهديداً لدول الجوار. وترافق دخول الرئيس الأميركي، جو بايدن، البيت الأبيض، مع ضبابية حول بقاء القوات الأميركية في سوريا، خصوصاً بعد قرار واشنطن سحب قوّاتها من أفغانستان، وتخفيض وجودها العسكري في العراق، واهتمامها المتزايد بحربها الاقتصادية مع الصين، قبل أن تُقرّر أخيراً الإبقاء على وجودها في سوريا، بحجة «منع عودة تنظيم داعش»، الذي ارتفعت وتيرة عملياته، بشكل مفاجئ، خلال فترة التردّد الأميركية تلك.
ارتفاعٌ يُجدّد التساؤلات حول ارتباطات فلول التنظيم، والسبل التي يتّبعها مقاتلوه في تأمين احتياجاتهم اليومية وإمداداتهم من السلاح، خصوصاً أن هذا الصعود استهدف مواقع سيطرة الجيش السوري خصوصاً، الأمر الذي ردّت عليه دمشق وموسكو بتكثيف عملياتهما للقضاء على الجيوب التي يتحصّن فيها مقاتلو «داعش» في البادية، حيث أحصى «المرصد السوري» المعارض 560 غارة جوية نفّذها الطيران الروسي على مواقع في مناطق متفرّقة بين محافظات حماة وحمص ودير الزور والرقة، منذ مطلع تشرين الثاني الحالي، أسفرت عن مقتل العشرات من عناصر التنظيم.
في غضون ذلك، أدخلت الولايات المتحدة تعزيزات جديدة لقوّاتها إلى مناطق انتشارها في الشمال الشرقي من سوريا عبر العراق، كما قامت بتنفيذ عمليات تدريبية مشتركة مع فصيل «مغاوير الثورة» المدعوم أميركياً في منطقة التنف، والذي تعتبره دمشق على صلة وثيقة بتنظيم «داعش». وتأتي التدريبات الأخيرة بعد أن تعرّضت القاعدة التي تقع على المثلث الحدودي بين سوريا والعراق والأردن، وتقطع الطريق السريع الذي يربط بين دمشق وبغداد، لاستهداف بالطائرات المسيّرة من قِبَل «قوات محور المقاومة»، ردّاً على هجوم إسرائيلي انطلق عبر منطقة التنف، واستهدف مركز مبيت في ريف حمص.