استغلّت إسرائيل الفترة الفاصلة عن استئناف الجولة السابعة من مفاوضات فيينا منتصف الأسبوع الحالي، لتَبعث بوفد أمني رفيع منها إلى واشنطن، حيث سيعقد مباحثات مع المسؤولين الأميركيين تستهدف إقناعهم باتّباع مقاربة أكثر تشدّداً في مواجهة إيران، خصوصاً بعدما دلّلت محادثات الأسبوع الفائت، على أن طهران لا تزال متمسّكة بثوابتها على المستويات كافّة. وإذا كان تحوُّل إيران إلى «دولة عتبة نووية»، مع ما يعنيه ذلك من انعكاسات على موازين الردع في الإقليم، يشكّل همّاً شاغلاً للمسؤولين الإسرائيليين السابقين والحاليين، فإن ما لا يقلّ أهمّية وخطورة بالنسبة إليهم هو ملفّ الصواريخ الباليستية والمُسيّرات، والذي سيبحثه الوفد الإسرائيلي في واشنطن أيضاً. وعلى أيّ حال، فإن الصُراخ الإسرائيلي المتواصل توازياً مع تَجدّد المفاوضات النووية، يجلّي، مجدّداً، حالة الانسداد التي واجهتها الخيارات المُفعّلة سابقاً بوجه طهران، وفي الوقت نفسه «ضيق ذات اليد» لدى تل أبيب، خصوصاً على مستوى إقرار خطط عسكرية لا تزال بعيدة المنال
لا خلاف على أن فرْض الوقائع في سياق حركة الصراع بين الأطراف الدوليّين والإقليميّين، يشكّل إنجازاً هامّاً بذاته، خاصة إذا كان من شأنه التأسيس لمعادلات تشكّل تحوّلاً جذرياً في اتّجاهات الصراع. لكن الأهمّ ممّا تَقدّم هو أن يُسلِّم «الأعداء» بتلك الوقائع، بحيث تتحوّل إلى عامل محدِّد في تقديراتهم وسياساتهم العمليّاتيّة. هذا ما ينطبق تماماً على حالة إيران وخصومها؛ إذ نجحت الأولى في فرْض نفسها على الأخيرين كـ«دولة عتبة نووية»، وهو ما يلاقي إقراراً إسرائيلياً صريحاً، يستبطن مخاوف على الأمن القومي والمكانة الاستراتيجية للكيان العبري. ويتّخذ ذلك الإقرار أشكالاً مختلفة، منها ما يتمّ التعبير عنه عبر اتّهام رئيس الوزراء السابق، بنيامين نتنياهو، بأنه «غفا وقت الحراسة»، كما ورد على لسان رئيس الحكومة الحالي، نفتالي بينت؛ أو ما جاء على لسان رئيس الاستخبارات العسكرية السابق، اللواء عاموس يادلين، من أن «إسرائيل غادرت موقع الحراسة»؛ أو ما حذّر منه رئيس الوزراء السابق، إيهود باراك، من أن «الوضع الاستراتيجي لإسرائيل يتغيّر نحو الأسوأ». ويُعدّ التوصيف الأخير غير مسبوق منذ عقود؛ إذ اعتادت التقديرات الاستخبارية العسكرية السنوية التأكيد في كلّ مرة أن المكانة الاستراتيجية لإسرائيل لا تزال في موقع متفوّق. لكن اليوم، يعتقد باراك أن «إيران ستُعزّز أيضاً مكانتها الإقليمية والعالمية، وسيُنظر إليها على أنها حقّقت توازناً استراتيجياً مع إسرائيل، وستستفيد من صورة الدولة التي تحدَّت وفرضت إرادتها على العالم».
الثابت، في كلّ ما تَقدّم، هو تحميل المسؤولية عمّا آلت إليه الأمور للثُنائي نتنياهو – (دونالد) ترامب؛ كونهما وفّرا المبرّر والدافع لإيران لتطوير برنامجها النووي، ردّاً على الانسحاب من الاتفاق، وفرْض عقوبات على طهران لم تنجح في إسقاطها أو إخضاعها، فضلاً عن أن الطرفَين لم يبادرا إلى تبنّي خيار استهداف المنشآت النووية الإيرانية عبر هجوم عسكري جوّي وصاروخي، في ظلّ فشل خيار الحرب الاقتصادية. مع ذلك، فإن شخصنة المسؤولية عن الفشل، كما ورد على ألسنة بينت وباراك ويادلين والكثير من المعلّقين والخبراء، إنّما من شأنه التغطية على حقيقة أخرى، مفادها أن إسرائيل نفسها، بما تملكه من قدرات وخيارات، هي التي فشلت في مواجهة إيران، وهو ما ساهم في تظهير جانب أساسي منه تمسّك الوفد الإيراني في مفاوضات فيينا بثوابت بلاده النووية والصاروخية والإقليمية. وليس هذا الفشل معزولاً، حتماً، عن فعّالية قوّة الردع الإيرانية، باعتبارها أحد أهمّ مداميك استراتيجية الجمهورية الإسلامية العليا، والذي نجح – إلى الآن – في تحييد الخيار العسكري الأميركي والإسرائيلي. ومن هنا، وجدت واشنطن وتل أبيب نفسَيهما أمام ضرورة تبنّي خيارات بديلة، تقوم على أساس شنّ عمليات أمنية وتكنولوجية، توازياً مع حرب اقتصادية وسياسية، تجنّباً لمواجهة واسعة في حال المبادرة إلى أيّ هجوم عسكري. لكن حتى هذه الخيارات لم تُحقّق المُراد منها، لا في منْع إيران من مواصلة تطوير برنامجها النووي، ولا في إخضاعها.
يعكف القادة الإسرائيليون الحاليون والسابقون على مقاربة الخيارات البديلة ومدى جدواها وكلفتها
بناءً على ذلك، يعكف القادة الإسرائيليون، الحاليون والسابقون، على مقاربة الخيارات البديلة ومدى جدواها وكلفتها، توازياً مع استمرارهم في تشريح الواقع المتشكّل والتحذير من خطورته. وفي هذا الإطار، نبّه باراك إلى أن «إعداد خيار عسكري لعرقلة البرنامج النووي الإيراني، يتطلّب عدّة سنوات ومساعدات مكثّفة من الولايات المتحدة»، في الوقت الذي «لا تحتاج فيه إيران سوى إلى عدّة أشهر للتحوّل إلى دولة عتبة نووية، بحيث لا يمكن منعها من الوصول إلى سلاحٍ نووي في التوقيت الذي تختاره». ولعلّ المسألة الأخطر، من وُجهة نظر باراك، هي أنه يمكن بسهولة إخفاء «مجموعة السلاح» (المختصّة بالقنبلة النووية)، بحيث لا يمكن لمفتّشي الأمم المتحدة، بعد عبور طهران «العتبة النووية»، التأكّد من أن إيران لا تتقدّم سرّاً نحو امتلاك قوّة نووية حقيقية. وفي السياق نفسه، قال يادلين بخصوص قدرة الإيرانيين على امتلاك القنبلة: «لقد قُضي الأمر»، معتبراً أن الواجب الآن يتمثّل في التركيز على الصواريخ التي تحمل القنبلة. وعلى المستوى الرسمي، أقرّ بينت، ضمناً، بعدم جهوزية إسرائيل لمواجهة إيران، عندما تحدّث عن «الفارق الكبير» الذي اكتشفه لدى تولّيه منصبه، بين ما كان يصدر على لسان نتنياهو، وبين واقع الجهوزية الإسرائيلية.
ولعلّ التطوّر الأحدث الذي أسهم في مفاقمة القلق الإسرائيلي، هو أن إيران عادت إلى مفاوضات فيينا بعدما شغَّلت أجهزة الطرد المركزي المتطوّرة في «منشأة فوردو»، حيث يجري تخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، وهو ما رأى فيه بينت «خطوة في غاية الخطورة». وعلى هذه الخلفية، أتى تواصله مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، في «محادثة طويلة وصعبة»، وقرارُه إرسال وزير الأمن بني غانتس، ورئيس «الموساد» ديفيد برنياع، إلى واشنطن، لإجراء مباحثات مع المسؤولين الأميركيين، بعد جولة لوزير الخارجية، يائير لابيد، في أوروبا للغاية نفسها. وأوضح بينت الهدف من هذه الزيارة، بالقول: «هدفنا الآن هو استغلال نافذة الوقت التي تشكّلت بين الجولات لنقول لأصدقائنا في الولايات المتحدة إنه حان الوقت المناسب لاستخدام سلّة أدوات مختلفة أمام التقدّم الإيراني فائق السرعة في مجال التخصيب». وأشارت «القناة 12» في التلفزيون الإسرائيلي، بدورها، إلى أن برنياع سيقدّم للأميركيين معلومات جديدة من شأنها التأثير على المفاوضات، محورها أنه بات لدى إيران ما يكفي من اليورانيوم المخصّب (لإنتاج السلاح النووي)، وأنه ينبغي التركيز على مجالَين إضافيَين: تطوير جهاز التفجير (النووي) الذي يمثّل العنصر المركزي في عملية إنتاج القنبلة، وكذلك تطوير الصواريخ الباليستية.
وفي ظلّ تفاقم حالة الإرباك الإسرائيلية، ومحاولة التعمية عليها برفْع مستوى التهديد، جدّد بينت تشديده على أنه «لا بدّ من تكبيد إيران ثمن انتهاكاتها» للاتفاق النووي، وعدم رفْع العقوبات عنها، في موقفٍ يَصعب إحصاء عدد المرّات التي سُجّل فيها منذ أكثر من عقد، حتى تَحوّل تكراره إلى مؤشّر إضافي إلى ارتداع تل أبيب عن تفعيل خياراتها التقليدية في مواجهة هكذا تحدّيات، كما فعلت في العراق عام 1981، وفي سوريا عام 2007. وفي هذا السياق، نبّه باراك إلى أنه «ليست هناك أيّ فرصة لتحويل الولايات المتحدة عن سُلّم أولوياتها (مواجهة الصين)، أو إقناعها بأن تقوم في المدّة القريبة بمهاجمة البرنامج النووي الإيراني بهدف إرجاعه عدّة سنوات إلى الوراء»، مضيفاً أنه «أصلاً، ليس من الواضح إن كان يوجد الآن، لدى الولايات المتحدة أو إسرائيل، خطّة قابلة للتنفيذ لهذا الهدف». أمّا بخصوص خيار العمليات الأمنية والتكنولوجية التخريبية، فقد أثبتت تجارب السنوات الماضية محدودية نتائج هذا الخيار، إضافة إلى الخشية المستجدّة من أن تعمد إيران إلى الردّ على مِثل هذه العمليات، على طريقتها، كما فعلت عندما رفعت التخصيب إلى مستوى 20% ردّاً على اغتيال العالم النووي محسن فخري زادة، وإلى 60% ردّاً على تفجير «منشأة نطنز».
سَيْل الصواريخ والمسيّرات: إسرائيل لا تجد مخرجاً
العسكريون الصهاينة مقتنعون بأنّ التهديد الجدّي هو ذلك المتأتّي عن التطوّر الهائل في منظومات الأسلحة الذكية بينما يصعّد المستوى السياسي في الكيان الصهيوني من حدّة حملته التهويلية ضدّ المشروع النووي الإيراني، بعد جولة المفاوضات الأخيرة في فيينا، صدرت في الكيان مجموعة مواقف لافتة عن مسؤولين عسكريين سابقين، تتناقض في فحواها مع مواقف السياسيين. فقد رأى العسكريون السابقون أن الاتفاق النووي مع إيران، في عام 2015، كان الخيار الأقلّ سوءاً بالنسبة إلى إسرائيل، وأن إلغاءه، بتحريض من الأخيرة، من قِبَل إدارة دونالد ترامب، كان خطأً فادحاً. وزير الدفاع الإسرائيلي الأسبق، موشي يعلون، قال، لـ»هآرتس»، إن «الانسحاب الأميركي من الاتفاق كان سلبياً تماماً بالنسبة لإسرائيل: هو حرّر إيران من التزاماتها، وسمح بتقدّمٍ كبير في برنامجها النووي». أمّا داني سيترينوفيتس، المسؤول السابق عن ملف إيران في الاستخبارات العسكرية الصهيونية، فقد اعتبر في مقابلة مع «تايمز أوف إسرائيل»، أن جهل السياسيين الإسرائيليين المطبق حيال إيران ونظامها، دفعهم إلى «حضّ الطرف الأميركي على الخروج من الاتفاق من دون أن تكون أيّة خيارات أخرى متوافرة»، وما نتج من ذلك بنظره هو «فشل ذريع».
العسكريون الصهاينة، وقسم وازن من أنصار إسرائيل في الغرب والولايات المتحدة، كتوماس فريدمان مثلاً، مقتنعون بأن التهديد الجدي والواقعي، هو ذلك المتأتّي عن التطوّر الهائل والمتسارع في منظومات الأسلحة الذكية. مراجعة لوقائع ومجريات الحروب المستعرة في العالم، في العقد الماضي، تُظهر استخداماً مكثّفاً لهذه المنظومات من قِبَل لاعبين دولتيين وغير دولتيين، وهو ما يضاعف خوف إسرائيل من تراجع قدرتها على تغيير مسارات بعض الحروب المذكورة. الجنرال جاكوب ناجل، وهو مستشار أمن قومي إسرائيلي سابق، أفصح عن تلك الوجهة، في مقال في «جيروزاليم بوست» بعنوان «الذخائر الموجّهة الدقيقة: تهديد إيران الأكبر لإسرائيل بعد البرنامج النووي»، عندما توقّع استعاراً لـ»عمليات ما دون الحرب» الإسرائيلية ضدّ ترسانة الأسلحة الذكية لدى إيران وحلفائها، لأنّ أيّ اتفاق في المستقبل، لن يتطرّق إلى الأسلحة المُشار إليها ويسمح بتدميرها، أو بوقف تطوّرها على الأقل. إدراك العسكريين الإسرائيليين لمفاعيل الأسلحة الذكية على موازين القوى الميدانية في النزاعات الجارية، وأبرزها القدرة المحدودة جدّاً للأطراف المستهدَفة بها على صدّها، هو الذي يفسّر تركيزهم عليها باعتبارها التحدّي المباشر الأخطر.
مختبرات الحروب الذكية
الحروب كانت دوماً ساحات اختبار للتكنولوجيا العسكرية الجديدة التي تحوّلت في العديد من الحالات إلى عامل كاسر للتوازن يتحكّم إلى درجة كبيرة بمآلاتها النهائية. يتّضح من تفحّص منظومات السلاح المستخدمة في الصراعات الدائرة حالياً في بلدان كليبيا واليمن وسوريا، وبين أذربيجان وأرمينيا، لجوء متزايد إلى المسيّرات أساساً، والصواريخ الدقيقة والموجّهة أحياناً، والذخيرة المتسكّعة، وهي مسيّرة انتحارية تتمتّع باستقلالية عن مركز إطلاقها، تقوم بالتسكّع في منطقة الهدف لبعض الوقت بحثاً عنه، وتهاجمه بمجرّد تحديده بقدراتها الذاتية. حدا اللجوء المتعاظم إلى المسيّرات بوزيرة الدفاع الألمانية، آنغري كرامب كارنبوير، إلى التأكيد أن هذه الطائرات ستكون ضمن منظومات سلاح المستقبل لأنها منخفضة الكلفة نسبياً، ويسهل الحصول عليها. أما «البنتاغون»، فقد أعلن في 7 كانون الثاني من هذا العام، عن استراتيجية للتصدّي لتهديد المسيّرات الصغيرة، لأن انتشارها الواسع يشكّل تحدّياً أمنياً مهمّاً، خصوصاً في الشرق الأوسط. المصدر الرئيس لهذا القلق المتنامي، هو عجز منظومات الدفاع الجوي، وتلك المضادة للصواريخ، عن صدّ المسيّرات والصواريخ التي تحلّق على علو منخفض، كما ثبت في ليبيا واليمن وأرمينيا – أذربيجان. في ليبيا مثلاً، لم تتمكّن منظومة «بانتسير» الروسية التي كانت بحوزة قوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، من صدّ هجمات المسيّرات التركية، والذخائر المتسكّعة التركية الصنع أيضاً، التي أوقعت خسائر كبيرة في صفوف قوات حفتر، وكان لها أثرٌ مهمّ على مسار الصراع في هذا البلد. الأمر نفسه انطبق على النزاع الذي اندلع بين أرمينيا وأذربيجان، والذي لجأت خلاله الأخيرة إلى منظومات السلاح نفسها، ما أتاح لها، من بين عوامل أخرى، التفوّق في الميدان. نجحت حركة «أنصار الله»، بدورها، في اختراق منظومات الدفاع الجوي والمضادّة للصواريخ الأميركية المتطوّرة، اعتماداً على المنظومات الذكية إياها، وقصف منشأة «أرامكو» الاستراتيجية في السعودية. وخلال معركة «سيف القدس»، لم تفلح منظومات الدفاع المضادّة للصواريخ الإسرائيلية، «المتعدّدة المستويات»، في اعتراض الكثير من صواريخ المقاومة.
أعلن «البنتاغون» في 7 كانون الثاني من هذا العام عن استراتيجية للتصدّي لتهديد المسيّرات الصغيرة
هذا مجرّد غيض من فيض من الأمثلة عن الفعالية العالية لهذه المنظومات الجديدة. بطبيعة الحال، ستخصّص العديد من الدول ميزانيات ضخمة لتطوير منظوماتها الدفاعية سعياً لمواجهة هكذا تحدٍّ. لكن منتجي المسيّرات، وهم في الكثير من الحالات شركات مرتبطة عضوياً أو ذات صلات قوية مع المجمعات الصناعية – العسكرية في تلك الدول نفسها، أو في غيرها، سيشرعون هم أيضاً في تحديث منتجاتهم لتستطيع بدورها الحفاظ على فعاليتها وقدرتها على اختراق منظومات الدفاع، ما سيُسهم في استعار سباق التسلّح في ذلك المجال العسكري المستقبلي، بمشاركة لاعبين كثر، دولتيين وغير دولتيين، خصوصاً أولئك الذين يجابهون عدوّاً يمتلك قدرات عسكرية متفوّقة في الجو.
فشل استراتيجية «ما دون الحرب»
كشف وزير الدفاع الصهيوني، بني غانتس، الأسبوع الماضي، أن المسيّرة، الإيرانية بحسب زعمه، التي أسقطتها الدفاعات الجوية لجيشه في شباط 2018، كانت تنقل متفجّرات لمجموعات من المقاومة الفلسطينية في الضفّة الغربية. هم نجحوا في إسقاط مسيّرة، لكن مئات الغارات، وآلاف الهجمات، وفقاً لاعتراف بنيامين نتنياهو، ضدّ أهداف في سوريا، لم تمكّن إسرائيل من وقف مراكمة القدرات العسكرية والصاروخية، كمّاً ونوعاً، في هذا البلد، وفي إيران والعراق ولبنان وغزّة واليمن. تتمّ عملية المراكمة في سياق عالمي وإقليمي، تزدهر فيه صناعة المسيّرات والصواريخ والذخائر المتسكّعة، بسبب تضافر الإرادة السياسية والمعارف العلمية والقدرات التقنية والكلفة المادية المحدودة نسبياً لهذه الصناعة. ما الذي تستطيعه إسرائيل في مقابل ذلك التعاظم؟ يراهن ناجل، في مقاله المشار إليه سابقاً، على مواءمة التصعيد في عمليات ما دون الحرب مع ضغوط روسية، وأخرى خليجية مفترضة، على الدولة في سوريا لحملها على الطلب من إيران و»حزب الله» إخراج قدراتهما الصاروخية من أراضيها. لا يتضمّن هذا الكلام أي جديد مقارنة بما دعا إليه مسؤولون إسرائيليون وأميركيون، منذ أكثر من أربع سنوات، من دون أن يجد أيّ ترجمة على أرض الواقع. إسرائيل أمام مأزق استراتيجي فعلي، أي أن تجد نفسها في مقابل عشرات آلاف الصواريخ الدقيقة والمسيّرات المتطوّرة والمتنوّعة في طول الإقليم وعرضه. هو مأزق لن تخرجها منه عودة الولايات المتحدة وإيران للعمل بموجبات الاتفاق النووي في صيغته الأصيلة، والتي لا مجال لتعديلها لتشمل قضايا أخرى، كالبرنامج الصاروخي لطهران ودورها الإقليمي. وفي ظلّ المعطيات الدولية والإقليمية الراهنة، من نافل القول إن قادة الكيان العسكريين، الحاليين والسابقين، لا ينامون نوماً هانئاً.