يتواصل التصعيد العسكري جنوباً، عند الحدود مع فلسطين المحتلة. ولئن حافظت المقاومة، وكذلك العدو الإسرائيلي، على مساحة جغرافية محدودة لتبادل النيران، مع خروقات محدودة، رفع العدوّ في الأيام الأخيرة من حجم ونوع خروقاته، عبر استهداف مقاومين أو مواقع محددة، خارج منطقة القتال في القرى الحدودية. وخلال اليومين الماضيين، أقدم العدو، على استهداف سيارة على طريق البازورية قرب صور، ما أدى إلى استشهاد المقاوم علي حدرج، ابن بلدة البازورية، وصديقه محمد دياب، ابن بلدة الطيبة. ويوم أمس، استهدف العدو سيارتين عند حاجز للجيش اللبناني في بلدة كفرا، ما أسفر عن استشهاد المقاوم فضل سلمان الشعّار من بلدة النبطية الفوقا، واستشهاد المواطنة سمر جميل السيد محمد، من بنت جبيل، حيث صودف مرورها في المحلّة. كما شنّت طائرات العدو غارات عدة على بلدة مركبا. كما استهدفت مدفعيته أطراف بلدات عديدة على امتداد القرى الحدودية من الناقورة إلى شبعا.في المقابل، أعلنت المقاومة أمس، عن استهداف ثكنة برانيت التابعة للجيش الإسرائيلي بالأسلحة الصاروخية، إضافة الى استهداف موقعَي رويسة القرن في مزارع شبعا، وحدب البستان بصاروخ بركان. كما أعلنت المقاومة «استهداف مستوطنة أفيفيم بالأسلحة الصاروخية، ما أدّى إلى إصابة أحد المنازل، وسقوط من كان في داخله بين قتيل وجريح رداً على الاعتداءات الإسرائيلية التي استهدفت القرى والمدنيين اللبنانيين وآخرها الغارة على بلدة كفرا».
وصار واضحاً أن العدو يعمد إلى استعراض قدراته التدميرية في المنطقة الحدودية، عبر شنّ حزمة نارية وغارات عنيفة على القرى والبلدات، وفي قلب الأحياء السكنية التي خرج منها سكانها. لكن، ما بدا مُلاحظاً أيضاً، هو انخفاض عدد شهداء المقاومة في القرى الحدودية، وخلال تنفيذ العمليات ضد العدو، إلى حد بعيد. ومنذ أسبوع كامل، لم يسقط للمقاومة شهداء على طول الجبهة. وهو ما يعني أن العدو بدأ يفقد القدرة الاستخبارية على استحداث أهداف جديدة لضربها في الميدان، وتعطيل حركة المقاومين وقدرتهم على تنفيذ العمليات. وهذا يدلّ على نفاد بنك الأهداف الذي كان قد أعدّه العدو، وهو في غالبه مواقع علنية ومعروفة ومنازل عناصر المقاومة وضباطها.
وكانت المقاومة، اعتمدت إجراءات ميدانية جديدة، وتكيّفت مع سمات المعركة الحالية، وأفقدت العدو القدرة على الاستهداف والقتل والتعطيل في الميدان. وهذا يعتمد بشكل أساسي على البنى التحتية العسكرية التي كانت المقاومة قد أنشأتها وطوّرتها طوال السنوات الماضية. وهذا ما لاحظه العدو أيضاً، إذ نقل المعلّق الإسرائيلي المعروف، ألون بن دافيد، عن مصادر في جيش العدو، قولها إنه «انكشف في الأسابيع الأخيرة حجم البنى التحتية لحزب الله التي تمّ إنشاؤها بالقرب من الحدود (…) وهي عبارة عن خنادق قتالية، ومواقع إطلاق مضادة للدبابات، ومخابئ، وعدد كبير من الصواريخ الثقيلة التي أعدّها حزب الله للمواجهة مع إسرائيل». وفي حين أشار بن دافيد، إلى أن «سلاح الجو لم يقم بتدمير حتى ذرّة واحدة من البنى التحتية لحزب الله»، أكّد أنه «لا يمكن تدمير هذه البنى التحتية إلا من خلال العمل البري».
التهديدات السياسية
بالتزامن، تعالت تهديدات قادة العدو، وخاصة وزير الأمن يوآف غالانت، ورئيس الأركان هرتسي هاليفي، باقتراب انتهاء المهلة الممنوحة للحراك الدبلوماسي لتحقيق الهدوء الذي يعيد المستوطنين إلى المستوطنات الشمالية، ما يعني توجّه إسرائيل إلى التحرك عسكرياً لتغيير الوضع من خلال «إبعاد حزب الله عن الحدود». وأرفق العدو تهديداته، باتخاذ إجراءات أوّلية، تتعلق بالجبهة الداخلية الإسرائيلية بشكل خاص، كتعزيز المستشفيات، وتوزيع حصص غذائية على المستوطنين، وتجهيز القطار في مدينة حيفا لنقل الجرحى، «حيث سيتحوّل إلى سيّارة إسعاف»، بحسب تعبير رئيس بلدية مستوطنة في منطقة حيفا. ولكن، يبدو لافتاً، أن كل الحديث الإسرائيلي حول التصعيد العسكري، وكذلك إجراءات الجبهة الدخلية، يدور حول جنوب لبنان بشكل خاص، في مقابل شمال فلسطين المحتلة، من الحدود مع لبنان، وصولاً إلى مدينة حيفا.
ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أمس، عن ضباط كبار في قيادة المنطقة الشمالية، أنه «ينبغي إنشاء معادلة جديدة مقابل حزب الله»، وهي عبارة عن أن «يعلن الجيش الإسرائيلي أنه سيوقف إطلاق النار لمدة 48 ساعة، لكن بعد أوّل قذيفة ستسقط في أراضينا (فلسطين المحتلة)، وخاصّة إذا أطلِقت باتجاه هدف مدني، سيؤدي ذلك إلى قصف شديد يؤدّي إلى تدمير جنوب لبنان، وبضمن ذلك مهاجمة بيوت مشبوهة في القرى الشيعية عند الحدود». وبحسب المقترح، فإن «الهدوء سيُقابل بهدوء، لكنّ إطلاق النار سيُقابل بإطلاق نار غير تناسبي».
وأضافوا أن «إسرائيل لا تستغلّ أيضاً حقيقة أن لدى حزب الله الكثير مما سيخسره خلال التصعيد في الفترة الحالية». وبحسب هؤلاء الضباط، فإنه «يجب العمل بشكل تدريجي وبتنسيق مع الأميركيين، ومنح فرصة حقيقية لتحقيق هدوء عند الحدود بواسطة مبادرتنا إلى وقف إطلاق نار، وفي موازاة ذلك تحقيق أساس شرعي لهجوم يقود في نهاية الأمر إلى إعادة الأمن إلى بلدات الشمال».
تعبئة شعبية مع الحرب
في موازاة التصعيد العسكري للعدو مقابل لبنان، واحتمالات خروج الأوضاع عن حدودها الحالية، نفّذت قيادة الجبهة الداخلية لدى العدو، مجموعة من الإجراءات الهادفة إلى الاستعداد لتصعيد أكبر، يشمل المنطقة بين حيفا والحدود مع لبنان. وفي هذا السياق، قال موقع «واللا» العبري، إن «وزارة الجيش الإسرائيلي تعمل على خطة لإيواء نحو 100 ألف شخص على الحدود الشمالية قد تضطر الحكومة لإجلائهم في ظلّ تصعيد محتمل مع حزب الله». كما تقرّر تأجيل عودة التلاميذ إلى المدارس في مستوطنات شمال فلسطين المحتلة، بسبب استمرار التصعيد على الحدود مع لبنان. بدورها، نشرت «يسرائيل هيوم»، نتائج دراسة أُجريت بين المستوطنين الذين نزحوا عن المستوطنات الشمالية، حيث تبيّن أن 40% منهم لا يخطّطون للعودة إلى منازلهم بعد انتهاء الحرب. لكن في المقابل، كشف استطلاع أجرته جامعة تل أبيب والجامعة العبرية، ونشرته صحيفة «معاريف»، أن «16% فقط من المستوطنين اليهود في البلاد، يقولون إن سياسة الحكومة توفّر لهم الأمن، بينما لا يتّفق مع هذا التصريح 44%. في الوقت نفسه، يعتقد 65% أنه ينبغي القيام بعمل عسكري ضدّ حزب الله في الشمال حتى زوال التهديد، حتى لو كان هناك احتمال أن يؤدي ذلك إلى حرب شاملة بين إسرائيل ولبنان».