طهران –
رغم ما يتخلّل المحادثات الإيرانية – الأميركية من صعوبات وخلافات، لكن جميع المؤشرات تدلّ على أن حظوظ التوصّل إلى اتفاق، عالية. ولعلّ أهمّ عامل أسهم في بلوغ تلك الخلاصة، حاجة طرفَي النزاع إلى اتفاق، يبدو أن لا بديل ملائماً له، ما دفعهما إلى اختيار التفاوض، حتى في ذروة خلافاتهما. وبعد انعقاد الجولة الخامسة من المحادثات، التي ترعاها مسقط، يجري الحديث عن قرْب عقد جولتها السادسة، فيما تأمل إيران، مقابل موافقتها على تقييد برنامجها النووي، في الحدّ من ضغط العقوبات عليها. من جهتها، تريد الولايات المتحدة، عبر وضع القيود على برنامج طهران النووي، تفادي احتمال تغيير موازين القوى في المنطقة، واحتواء ما تصفه بـ«الخطر الايراني».
ولهذا كلّه، بدا أن التهديدات الأميركية ضدّ إيران، لاسيما التلويح باللجوء إلى الخيار العسكري، انحسرت خلال الأيام الماضية. ويذهب بعض المراقبين إلى القول إن إحدى الأسباب التي ساهمت في إيجاد هذا الواقع، ضغوط الدول الخليجية على واشنطن، وحثّها على استبعاد العمل العسكري، لِما يحمله من تبعات ليست في مصلحة دول المنطقة. ويرى آخرون أن أهمّ سبب يتمثّل في عدم جدوى هكذا هجوم في احتواء البرنامج النووي الإيراني.
وفيما تبدو أميركا عاقدةً العزم على التوصّل إلى اتفاق مع الجمهورية الإسلامية، حتى وإنْ اضطرّت لإبداء بعض المرونة وتقديم تنازلات، قال الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في أحدث تصريحاته، إنه أُبلغ رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، بأن الهجوم على إيران لا يُعدّ «عملاً مناسباً» في الوقت الراهن، بدليل «أنّنا على وشك التوصّل إلى اتفاق»، لافتاً إلى أن البلدين «قد يتوصّلان إلى اتفاق في الأسبوع أو الأسبوعين المقبلَين».
وجاءت تصريحات ترامب في وقت نقل فيه موقع «أكسيوس»، الثلاثاء، عن مسؤول كبير في البيت الأبيض، قوله إن الرئيس الأميركي حذّر رئيس حكومة الاحتلال، في آخر اتصال هاتفي بينهما، الأسبوع الماضي، وطلب منه تجنّب أيّ إجراء عسكري قد يعرّض المحادثات النووية بين طهران وواشنطن للخطر. وأوردت صحيفة «نيويورك تايمز»، أوّل من أمس، ما مفاده بأن السلطات الأميركية متخوّفة من أن تتّخذ إسرائيل قراراً بشنّ هجوم على إيران، من دون التنسيق معها، إذ تشير المعطيات الاستخبارية إلى أن تل أبيب قد لا تضع واشنطن بأجواء قرارها.
وبحسب تقرير الصحيفة الأميركية، فإن إسرائيل حذّرت الأميركيين من أنه حتى في حال التوصّل إلى اتفاق دبلوماسي مع طهران، فإن بنيامين نتنياهو قد يصدر أمراً بمهاجمة إيران. ووفقاً لـ«نيويورك تايمز»، تبدي إسرائيل قلقاً من أن يؤدّي تشوّق الرئيس الأميركي إلى عقد اتفاق مع طهران، إلى السماح للأخيرة بالاحتفاظ بمنشآتها لتخصيب اليورانيوم، وهو ما يُعدّ خطاً أحمر بالنسبة إلى قيادة اليمين الإسرائيلي، التي تتوجّس أيضاً، طبقاً للصحيفة، من إمكانية عقد اتفاق مؤقّت يتيح لإيران الإبقاء على منشآتها النووية لأشهر أو حتى سنوات، قبل التوصّل إلى اتفاق نهائي.
وثمّة مؤشرات كثيرة إلى أن الجانبين الإيراني والأميركي يتحرّكان وفقاً لخطّة اقترحتها سلطنة عمان، في اتجاه تحقيق اتفاق مؤقّت، سيصار بموجبه إلى تقييد البرنامج النووي الإيراني، في مقابل أن تعتمد أميركا سياسة انفتاح اقتصادي تجاه إيران. ويبدو أن الهدف من هكذا اتفاق، هو ألّا تتسبّب القضايا الخلافية بانهيار المفاوضات، وأن تمهّد إلى إرساء اتفاق أوسع، بعد توصّل الطرفين إلى اتفاق مؤقت.
على أنه لا يزال من غير الواضح بعد، مدى استعداد إيران لقبول قيود على برنامجها النووي، وما إذا كانت مستعدّة للموافقة على اقتراح بتجميد قصير الأمد لتخصيب اليورانيوم، مع الاحتفاظ بحقّها في التخصيب في إطار إجراءات لبناء الثقة. وأعلنت إيران، إلى الآن، أن أيّ اتفاق يجب أن يعترف بحقّها في تخصيب اليورانيوم. أيضاً، يبدو أن جانباً مهمّاً من المداولات التي أجراها الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان، مع المسؤولين العُمانيين، خلال زيارته الأخيرة إلى مسقط، تناولت هذا المجال؛ في حين أعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن زمان ومكان إجراء الجولة القادمة من المحادثات، سيتحدّدان في غضون الأيام القليلة المقبلة.
وفي سياق متصل، نقلت شبكة «سي أن أن» الأميركية عن مصادر مطّلعة، قولها إنّ «المحادثات بين واشنطن وطهران تقترب من التوصّل إلى اتّفاق أوّلي يمكن إبرامه خلال الاجتماع المقبل»، مشيرةً إلى أن جولة المفاوضات المقبلة «من المرجّح أن تعقد في الشرق الأوسط».
وحول آخر مستجدات المفاوضات الإيرانية – الأميركية، كتبت صحيفة «إيران» الحكومية، أمس، أن «طهران وواشنطن تلقّتا، في الجولة الخامسة من المداولات غير المباشرة، خطّة جديدة قيل إن سلطنة عمان اضطلعت بدور مميّز في صياغتها وإبرازها، فيما أفادت مصادر إخبارية بأن الخطّة تركّز على فكّ العقد الخلافية القديمة في شأن موضوع التخصيب.
وقد أكدت إيران مراراً أن أيّ اتفاق لا يعترف بحقّ التخصيب، لا يمكن أن يحظى بالقبول. ولهذا السبب، تحدّثت مصادر غربية وإقليمية عن احتمال بلورة كونسورتيوم دولي أو التوصّل إلى اتفاق مؤقت؛ وهي صِيَغ قد تستطيع تمهيد السبيل لإرساء اتفاق مؤقت أو خطوة مقابل خطوة، رغم أن تفاصيل هذه الخطط لم تُنشر بعد».
ومن ناحيته، وصف الناطق باسم الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، التقرير الأخير الذي وزّعته وكالة أنباء «رويترز» حول موافقة إيران على وقف التخصيب لمدة سنة واحدة في إطار اتفاق أوّلي، بأنه «فبركة إعلامية»، فيما أفادت صحيفة «جوان» القريبة من «الحرس الثوري»، أمس، بأنه في الوقت الذي يذهب فيه بعض المراقبين إلى القول إن الولايات المتحدة اعتمدت استراتيجية هجينة مكونة من الدبلوماسية الصلبة والإشارات العسكرية، فمن المستبعد أن تفلح هذه الإستراتيجية في إقناع المسؤولين الإيرانيين بالتخلّي عن تخصيب اليورانيوم، وهو البرنامج الذي استثمروا من أجله لأكثر من عقدين من الزمن.