ليس صدفة ان نجد تلك الاندفاعة التي يقوم بنيامين نتنياهو على مستوى العلاقات الدبلوماسية مع دول عربية واسلامية بشكل غير مسبوق وكأننا امام انهيار واسع للمنظومة التي حكمت الكثير من هذه الدول على مدار سنوات الصراع مع كيان الاحتلال، فهي وان كانت تحافظ على العلاقات مع الصهاينة تحت ستار السرية فإنها لم تكن لتجرؤ على الاجهار بهذه العلاقات خوفا من رد فعل الشارع الذي لا يمكن ان يقبل بعلاقات مع الكيان الغاصب للقدس وفلسطين.
بعض البلدان العربية وخصوصا السعودية ومن يدور في فلكها كانت قد اشترطت اقامة علاقات مع تل ابيب بمدى تجاوب الصهاينة مع المبادرات الدولية والعربية للتسوية مع الفلسطينيين لا سيما المبادرة السعودية التي اطلقت عام الفين واثنين والتي باتت تعرف فيما بعد بالمبادرة العربية للسلام التي تشترط اقامة دولة للفلسطينيين ضمن حدود الاراضي المحتلة عام سبعة وستين، لكن السعودية التي ارتأت في ظل قيادتها الجديدة ان تعيد خلط الاوراق في سياستها ورسمت خطا بيانيا رفع من حظوظ العلاقة مع كيان العدو على حساب حقوق الفلسطينيين وقدمت التحالف مع تل ابيب على اي مصلحة فلسطينية او عربية تقضي باسترجاع الحقوق التي سلبها الاحتلال من اهلها، ولعل تاكيد صحيفة هآرتس قبل ايام بأن كل الخطوات الاسرائيلية تجاه عمان والبحرين جاءت بمباركة ودعم سعودي يمثل حقيقة الدور المحوري للسعودية في الذهاب نحو اقامة علاقات كاملة مع الاحتلال من دون اي شروط مسبقة وان كانت هذه السياسة تجري بشكل متدرج وتنتقل من دولة الى اخرى في اطار عملية تعويد الرأي العام على بناء علاقات دبلوماسية مع تل ابيب تمهيدا لانشاء تحالف معلن او غير معلن معها في مواجهة ايران.
اللافت في هذا الانفتاح والذي طرح في النقاش الصهيوني الداخلي هو هوية الدول التي باتت تخطو نحو التطبيع مع كيان الاحتلال وقد جاءات خلاصة هذا النقاش على الشكل التالي: هذه الدول تحكمها مجموعة من القواسم المشتركة التي تجعلها بحاجة ملحة للعلاقة مع تل ابيب وهذه القواسم هي على الشكل التالي:
– اولا: جميع هذه الدول مثل السعودية والبحرين والسودان وتشاد تحكمها انظمة ديكتاتورية قمعية وبعضها متورط بجرائم حرب او ملاحق بمذكرات جلب دولية او تلاحقه فضائح قتل المعارضين بشكل بشع كما في الحالة السعودية ناهيك عن سجل هذه الدول على مستوى حقوق الانسان والحريات ومستوى القمع الداخلي ضد كل اشكال الاعتراض على السلطة ما يجعلها ضمن اكثر الديكتاوريات الدموية والاجرامية عالميا.
– ثانيا: حاجة هذه الدول لرافعة سياسية على المستوى الدولي وهي تريد الاستفادة من قدرة نتنياهو على مستوى العلاقات العامة في تخفيف وطأة النقمة الدولية على هذه الانظمة خصوصا في ظل اقتناعها بأن الصهاينة يملكون ما لا يمكله غيرهم من التأثير على قرارات الدول الغربية الكبرى وامتلاكهم للكثير من المفاتيح التي تتيح لهذه الانظمة الولوج في علاقات دولية واسعة بحجة اهمية الدور الذي يمكن ان تلعبه في خدمة تل ابيب.
– ثالثا: وهي النقطة الاهم وهي ان تل ابيب تمثل بنظر هذه الانظمة بوابة العبور الاجبارية نحو رضا الولايات المتحدة وهي بالتالي على استعداد لتقديم الكثير من المغريات للصهاينة من اجل ممارسة دور فعال لدى واشنطن للدفاع عن مصالحها، وكان ذلك بارزا في الدور الذي لعبه بنيامين نتنياهو في اقناع الرئيس الاميركي دونالد ترامب بضرورة تحييد محمد بن سلمان عن اي اثار ناجمة عن قتل الصحافي جمال خاشقجي وتبرأة ساحته من هذه الجريمة بحجة ضرورة المحافظة على استقرار السعودية كنقظة ضرورية في مواجهة التحدي الايراني، وقد كان الرئيس الاميركي واضحا عندما تحدث من جهة اخرى عن اهمية الدور الذي يمكن ان تلعبه السعودية للمحافظة على وجود اسرائيل في معرض تبريره لاستبعاد تهمة قتل خاشقجي عن بن سلمان، نقطة اخرى تدل على حجم الخدمات التي يمكن ان تقدمها تل ابيب لهذه الانظمة هي دور المسؤولين الصهاينة في محاولة تخفيف العقوبات الاقتصادية عن السودان وتخفيف القيود على حركة الرئيس السوداني عمر البشير في اطار ملاحقته بتهمة ارتكاب جرائم حرب بعد قطعه للعلاقات مع طهران وانظمامه الفعال الى تحالف العدوان السعودي ضد اليمن.
– رابعا: تطمح هذه الانظمة الى الاستفادة من القدرات العسكرية والاستخباراتية الصهيونية في محاربة الاعداء في الخارج والمعارضين من الداخل، وقد كشف اعلام العدو عن الخدمات التي قدمتها شركات تجسس صهيونية للسعودية والامارات والبحرين في ملاحقة المعارضين في الخارج عبر التجسس على هواتفهم ومراقبة تحركاتهم حتى ان بعض الانباء تحدثت عن دور لشركات تجسس صهيونية في رصد حركة الصحافي السعودي جمال خاشقجي قبل قتله في حين تواردت الكثير من الانباء حول دراسة السعودية كيفية الاستفادة من القدرات الصهيونية في مجال الدفاع الصاروخية للتصدي للصواريخ اليمنية التي تدك الاهداف السعودية المختلفة، في حين تحدثت صحف ونشرات اجنبية عن دور واضح للاستخبارات الصهيونية بتزويد السعودية بمعلومات حول اهداف في اليمن فيما قالت بعض الصحف ان طائرات سلاح الجو الصهيوني شاركت في العديد من الغارات ضد اهداف يمنية.
هذه العوامل تدفع تلك الانظمة الى الارتماء اكثر فاكثر في احضان تل ابيب بعد ان حسمت السعودية وكل الدائرين في فلكها توجيه بوصلة العداء نحو الجمهورية الاسلامية الايرانية كمصدر تهديد اساسي لهذه الانظمة في عملية تزييف لخارطة المصالح في المنطقة، وهي تراهن في ان تمر عملية التحريف هذه بسهولة على الشعوب لا سيما داخل البلدان الخليجية التي لم تشهد سوى مظاهر محدودة من الاعتراض اذا استثنينا المعارضة البحرينية التي يقبع قادتها في السجون او في المنفى، في ظل هذا الواقع المؤلم يبدو ان هذه الانظمة ماضية في سياستها التطبيعية مع كيان الاحتلال ويبدو انها لن تتوانى عن هذه السياسة الا بيقظة من شعوبها لوضع حد لهذا التخاذل والاستسلام وبيع قضية فلسطين المركزية بنظر الامة بأبخس الاثمان.
حسن حجازي
المصدر: موقع المنار