بعد مرور حوالى أربعة أيام على أسر جوليان أسانج، لا يزال من غير الواضح كيف ستقوم بريطانيا بالتعامل مع قضيته. وبانتظار أن تقرّر الوجهة التي سيتم ترحيله إليها، أعلنت محاميته أن لا مشكلة لديه في التعاون مع السلطات السويدية إذا ما طلب تسليمه إلى هناك، فيما تبقى الأولوية لتفادي ترحيله إلى الولايات المتحدة
وكان أسانج قد اتّهم بالاعتداء الجنسي في السويد، الأمر الذي دأب على نفيه، فيما وُضع في خانة التلفيق. وقد سقطت الشكوى بتهمة الاعتداء الجنسي بمرور الزمن عام 2015، ثم أسقطت السويد ملاحقاتها في القضية الثانية، في أيار/مايو 2017، بسبب عدم القدرة على متابعة التحقيق. لكن لدى الإعلان عن أسره، الأسبوع الماضي، طالبت محامية المدعية بإعادة فتح التحقيق.
وقالت جنيفر روبنسون لقناة «سكاي نيوز» البريطانية: «نحن سعداء للغاية للرد على هذه الأسئلة في حال طرحت وفي وقت طرحها»، موضحة أن «المسألة المركزية في هذه المرحلة هي الترحيل إلى الولايات المتحدة». ومن المتوقع أن يدرس القضاء البريطاني طلب الترحيل، في الثاني من أيار/مايو. وفي السياق، قالت وكيلة الدفاع عن أسانج إنه في حال طلبت السويد ترحيله، «فسنطلب حتماً الضمانات عينها التي أعلنّا عنها، وهي ألا يسلّم (جوليان أسانج) للولايات المتحدة»، لافتة إلى أن موكلها لجأ إلى السفارة بسبب عدم توافر هذه الضمانات.
من جهته، دعا والد أسانج الحكومة الأسترالية إلى إعادة ابنه إلى استراليا، مؤكداً أنه صُدم من حالة الضعف الواضحة التي بدا فيها لدى توقيفه في لندن. وكان جون شيبتون، والد جوليان أسانح، سكرتير حزب «ويكيليكس» السياسي الذي أسّسه ابنه خلال انتخابات مجلس الشيوخ في عام 2013، وسجل نتيجة متواضعة.
دعا والد جوليان أسانج الحكومة الأسترالية إلى إعادة ابنه إلى أستراليا
وذكرت وسائل إعلام أن شيبتون كان يقوم بزيارة ابنه في كل عيد ميلاد في سفارة الإكوادور في بريطانيا، التي أقام فيها من عام 2012 حتى توقيفه. وقال شيبتون لصحيفة «صنداي هيرالد صن» الصادرة في ملبورن، إنه «على وزارة الخارجية الأسترالية ورئيس الوزراء القيام بخطوة ما». وأضاف أن «ذلك يمكن أن يُحل بمجرد إرضاء الجميع. أجريت مناقشات بين سناتور ومسؤول كبير في وزارة الخارجية لتسليم أستراليا جوليان أسانج».
ومتحدّثاً عن صحّة ابنه، قال شيبتون: «رأيت كيف كان على رجال الشرطة حمله إلى أسفل الدرج، لم يكن يبدو جيداً، عمري 74 عاماً وأنا أفضل حالاً منه، وهو في الـ47 من العمر. هذا قاسٍ جداً». وأضاف: «لأشهر وأشهر، كان يعيش مثل موقوف في سجن شديد الحراسة، ولم يكن قادراً حتى على الذهاب إلى المرحاض وكان ثمة كاميرات تلاحق كل تحركاته». كلام شيبتون يأتي بعدما كان رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون قد ذكر، يوم الجمعة، أن أسانج لن يتلقى «معاملة خاصة» من كانبيرا.
في غضون ذلك، أعلنت الإكوادور، أول من أمس، أنها تعرّضت لهجمات إلكترونية، موضحة أن هذه الهجمات لم تؤثر على مواقعها الحكومية. وقالت وزيرة داخلية الإكوادور ماريا باولا رومو: «نجحنا في اعتراض رسالة إلكترونية لمؤسسة وعلى صفحة لإحدى البلديات»، بدون أن تذكر المسؤولين عن هذه الهجمات. وأضافت: «على الرغم من هذه الهجمات، في الأيام الأخيرة، لم يتعرّض أي موقع لحكومة مركزية ولا جهات أساسية في القطاع الخاص لاختراق أو لعملية نشر غير لائقة».
ولساعات السبت، احتلّت صورة أسانج صفحة موقع بلدية لامانا (وسط). وتظهر على الصفحة صورة مؤسس موقع «ويكيليكس»، بعد اعتقاله في سفارة الإكوادور في لندن، يوم الخميس.
مواقف مندّدة بأسر مؤسس «ويكيليكس»: جوليان أسانج بين السيئ والأسوأ
في الوقت الذي يقبع فيه مؤسّس «ويكيليكس» في سجن واندسوورث في جنوب لندن، يتم تداول سيناريوات عدة في شأن كيفية التعاطي معه، وخصوصاً إذا ما جرى نقله إلى الولايات المتحدة. وفي هذا الإطار، يحذر خبراء قانونيون من سيناريو إطالة محاكمته في بريطانيا، ما يعني عقوداً من السجن في كل الأحوال
وفيما أعرب الصحافي في «ويكيليكس»، كريستين هرافنسون، عن خشيته من أن توجه الولايات المتحدة تهماً إضافية إليه، ما يعني أنه قد يواجه عقوداً من السجن في الولايات المتحدة، نبّه خبراء قانونيون إلى سيناريو آخر، قد تبقى القضية بموجبه عالقة لسنوات في المحاكم البريطانية، وقد تصل إلى محكمة العدل الأوروبية. لكن أنطوني هانراتي، من شركة «بي دي بي بيتمانز» للمحاماة، رأى، في حديث إلى صحيفة «ذي تايمز»، أنه «سيكون من الصعب جداً مقاومة التسليم، نظراً الى طبيعة الاتفاق حول هذا الموضوع بين الولايات المتحدة وبريطانيا». وأضاف إن عوامل أخرى تؤدي دوراً سلبياً ضد أسانج، وهي تضم «الأهمية الكبرى التي يعطيها القضاء البريطاني للثقة والتعاون بين البلدين، وأيضاً الجهود التي ستبذلها الولايات المتحدة في القضية».
تأتي هذه التحذيرات فيما أفيد بأنه جرى اعتقال متعاون مع أسانج في الإكوادور أثناء محاولته الفرار إلى اليابان، وفق ما أعلنت وزيرة الداخلية الإكوادورية، ماريا باولا رومو. وأشارت الوزيرة إلى أن المتعاون مرتبط بمحاولات مفترضة لزعزعة حكومة الرئيس لينين مورينو، قائلة إنه «تم اعتقاله للتحقيق فحسب»، مضيفة إنه أجرى زيارات خارجية مع وزير الخارجية الإكوادوري السابق، ريكاردو باتينو، الذي منح حق اللجوء لأسانج في عام 2012. ولفتت إلى أن «لدينا أدلة كافية على أنه شارك في محاولات لزعزعة الحكومة». من جهتها، ذكرت قناة «تيلي أمازوناس» أن اسمه أولا بيني، وهو مطوِّر برامج معلوماتية متخصص بالسرية والأمن والشيفرة.
رافاييل كوريّا: توقيف أسانج ينبع من رغبة شخصية بالانتقام لدى مورينو
وفيما توالت ردود الفعل الشاجبة لما قامت به بريطانيا والإكوادور بدفع من الولايات المتحدة، فقد اتهمت موسكو لندن بـ«خنق الحريات»، بينما وصف الرئيس البوليفي إيفو موارليس التوقيف بأنه «انتهاك لحرية التعبير». أما بالنسبة إلى الرئيس السابق للإكوادور، رافاييل كوريّا، فإن توقيف أسانج ينبع من رغبة «شخصية بالانتقام لدى الرئيس لينين مورينو، لأن ويكيليكس نشر قبل أيام حالة فساد خطرة جداً». وبحسب كوريّا، فإن الأمر يتعلق بكشف «ويكيليكس» عن «حساب سري في بنما في مصرف بالبوا باسم عائلة مورينو».
من جهته، طالب زعيم حزب «العمال» البريطاني، جيريمي كوربين، حكومة بلاده بعدم تسليم مؤسس موقع «ويكيليكس» لواشنطن. وفي تغريدة على حسابه على موقع «تويتر»، قال: «يتعيّن على الحكومة البريطانية أن تعارض طلب تسليم جوليان أسانج إلى الولايات المتحدة، لأنه أظهر الأدلة حول الفظائع التي حدثت في العراق وأفغانستان». وأرفق زعيم حزب المعارضة البريطاني تغريدته بشريط فيديو كان قد نشره موقع «ويكيليس» في وقت سابق، يُظهر قيام جنود أميركيين بقتل 10 مدنيين وصحافيين في العراق من دون تمييز.
في هذه الأثناء، ووسط الترحيب الأميركي من مختلف الأطراف السياسية بتنفيذ بريطانيا والإكوادور «أوامر» واشنطن، أطلق الرئيس دونالد ترامب موقفاً حذراً من القضية، قائلاً للصحافة: «لا أعرف شيئاً عن ويكيليكس، هذا ليس شأني»، الأمر الذي أثار حيرة البعض، ودفع بنائب الرئيس، مايك بنس، إلى الدفاع عن مواقف ترامب، مصرّحاً لشبكة «سي أن أن» بأن إشاداته السابقة المتكررة بـ«ويكيليكس» ليست «دعماً» لهذا الموقع. وكان ترامب قد أشاد، خلال حملته الانتخابية في عام 2016، مراراً بموقع «ويكيليكس» الذي تسبب قبل ست سنوات بفضيحة كبيرة بنشره آلاف الوثائق العسكرية والدبلوماسية الأميركية السرية. وقال في إحدى المناسبات: «أنا أحب ويكيليكس»، في الوقت الذي سرّب فيه الموقع رسائل إلكترونية أضرّت بحملة منافسته الديموقراطية هيلاري كلينتون، على رغم الاتهامات لـ«ويكيليكس» بالعمل بالتنسيق الوثيق مع الاستخبارات الروسية. إلا أن بنس وجد نفسه مضطرّاً الى التأكيد لـ«سي أن أن» أن «ترامب كان يدعم كشف المعلومات خلال الانتخابات، وليس منظمة ويكيليكس نفسها». وقال: «أعتقد بأن الرئيس يرحب دائماً، مثلما تفعلون ويفعل الإعلام، بالمعلومات، ولكن ذلك ليس دعماً لمنظمة ندرك الآن أنها متورطة في نشر معلومات أميركية سرية».