عندما صدر قرار قيادة المقاومة بالرد على عدواني سوريا والضاحية، كان العدو أول من تصرف على أن الأمر في طريقه الى التنفيذ. لا يوجد في العالم من يصدق حزب الله كإسرائيل. ولذلك، صدر قرار العدو السريع بحرمان المقاومة من تحقيق هدفها المباشر.
خلال ساعات قليلة، شرع العدو في تنفيذ خطة تدرّب عليها سابقاً، لإخلاء كل مواقعه ومراكزه على طول المساحة التي يعتقد أنها هدف مفترض لعمل المقاومين. وعندما أصدر الأمر بذلك، لم يكن متساهلاً في تنفيذ دقيق. لكنّ قيادة جيش الاحتلال لم تكن معنية بتكثيف الضغط على الجنود والمستوطنين لالتزام الأوامر، كان يكفي سماع هؤلاء كلام السيد حسن نصر الله، حتى يتصرفوا من تلقاء أنفسهم، بما يتناسب عملياً مع قرار قيادتهم بالاختفاء عن الشاشة.
خلال وقت قياسي، عمد العدو الى إخلاء مساحات طويلة مقابل لبنان من كل المظاهر العسكرية. بدا لوهلة أنه يقوم بتجربة على تنفيذ قرار كالذي يصدر عادة من مجلس الامن، ولكنه يخص أعداء إسرائيل. مثل حالة لبنان، حيث يفترض القرار 1701 أن لا يكون المقاومون موجودين على طول الحدود مع فلسطين وبعمق كبير. لكنّ واقع الحال خلال أسبوع، أن العدو هو من قام بعملية الإخلاء، والاختباء خلف المدنيين، واتخاذ سياراتهم ومزارعهم وبيوتهم ومتاجرهم دروعاً لقوات الجيش التي باتت حصانتهم تفرض عليهم خلع البزة العسكرية، تماماً كعناصر ميليشيا ألزمهم القرار الرسمي بإخلاء مواقعهم لمصلحة الدولة، حتى إن العدو تمنى خلال هذا الاسبوع لو أن القوات الدولية كانت موجودة عنده، لكان احتمى بجنودها وسياراتها ودورياتها.
القرار الميداني من قبل قيادة العدو بتصفير الاهداف العسكرية على طول الحدود، وبعمق يتفاوت بين خمسة وسبعة كيلومترات، تحول عملياً الى تصفير لكل أشكال الحياة هناك. المستوطنون الذين تراجع حضورهم بقوة خلال العقد الأخير في تلك المناطق الحدودية، كان ينقصهم أن يهرب الجنود من مواقعهم، حتى شعروا بأنهم متروكون لمصيرهم. ولو أنهم كانوا أكثر اطمئناناً لأن المقاومة في لبنان لا تتجاسر على مدنيين. لكن برنامج الحظر الذي شمل اتصالاتهم ولقاءاتهم وأنشطتهم، حتى لا يثيروا انتباه العدو، جعلهم يفضّلون الابتعاد أصلاً عن تلك المنطقة. وإذا كان في لبنان من يثق، بأن العدو لن يقدم على تفجير كبير رداً على أي عملية عسكرية، فإن تهديدات قادة العدو بالويل والثبور، إنما أصابت هؤلاء المستوطنين، الذين يعرفون أن جيشهم قوي على المدنيين فقط، وأنهم سيدفعون ثمن فعلة الجنود. ولذلك، بادروا الى التماهي مع قرار تصفير الأهداف العسكرية بأن عمدوا الى تصفير الحياة في هذه المنطقة. صار هؤلاء يخشون أن ينكشف أمر الجنود الذين يتحركون بلباس مدني، أو يستخدمون سيارات مدنية للتحرك، وصارت خشيتهم أكبر من أن يكتشف حزب الله هذه الحيلة، وأن يعمد الى ضربهم فيصيب المستوطنين بدلاً من الجنود، ففضّلوا الابتعاد. ومثلما فهموا من إجراءات جيشهم أن حزب الله يستعد لضربة ما، فهموا أيضاً أن حزب الله أنهى عمليته عندما قرر الجنود العودة الى مهامهم الاصلية، مخلّفين أضراراً ستكون على لائحة طلبات رؤساء المجالس المحلية خلال الاسابيع المقبلة.
ان تكون مردوعا يعني ان تفاخرك بعملك الاستباقي صار من ايام الزمن الجميل الذي مضى
هكذا يتصرف من أصابه الردع في صميمه.
أن تكون مردوعاً، يعني أن تكون خائفاً من كل شيء حولك. لا تثق بنفسك ولا بمن يجاورك ولا بمن يفترض به أن يحميك.
أن تكون مردوعاً، يعني أن تكون مدركاً أن هامش الخطأ عندك يضيق يوماً بعد يوم، وأن قدرتك جرى حدّها حتى تتفلت من القواعد والتصرّف من موقع اللامبالاة.
أن تكون مردوعاً، يعني أن قوة الحماية لم تعد تجدي الآن، وأن تفاخرك بعملك الاستباقي صار من أيام الزمن الجميل الذي مضى.
أن تكون مردوعاً، يعني أن تتسمّر أمام الشاشة، منتظراً البلاغ العسكري من عدوّك، ليقول لك متى يحين وقت خروجك الى الشمس.
أن تكون مردوعاً، عندما ترى في الجهة المقابلة دخاناً وناراً، وخلفهما ناس مثلك، يقفون ويصفّقون ويهلّلون، وليسوا بخائفين من شيء.
أن تكون مردوعاً، عندما تلمس أن الارض التي قبالتك، تحمل في بطنها زرعاً مختلفاً، وأشجارها تثمر ما هو أكثر قوة وبأساً من نتاج البساتين.
أن تكون مردوعاً، هو أن تبدأ الآن فصلاً جديداً من حياة ترتبط تفاصيلها بجرس إنذار، يأتيك من خلف الحدود، لا من مركز الجيش أو الشرطة. وأن تبدأ منذ اليوم بالبحث عن وسائل حماية ذاتية لك، ولا تتّكل على جيش ودولة يهرب جنودها بناءً على خطاب!
هذه هي نتيجة مواجهة الأسبوع الماضي، ومع الأيام، سننتظر جميعاً حصاداً من نوع مختلف، حيث القدرة على المناورة أعلى بكثير، إلا في حال قرّر العدو ترك سمائنا لطيورنا فقط!