يقول الرئيس الأمريكي السابق نيكسون في خضم حديثه لأحدى المؤسسات الإعلامية الامريكية عام 1973 واصفا ما يجب ان تكون عليه مكانة الولايات المتحدة في العالم بالقول [ يجب ان تكون الولايات المتحدة جزءا لا يتجزأ من توازن طليق ابدي التقلب لا بوصفه عامل توازن بل عنصرا مكونا ] إعطاء هذا التوصيف الدولي بان الولايات المتحدة بهيكليتها الفكرية ومنهجيتها تعتبر مفهوما عالميا قابلا للتقلب بما معناه ان الولايات المتحدة لا يستطيع العالم الاستغناء عنها في الترتيبات الدولية او الاتفاقيات الدولية في مختلف المراحل التي يمر بها النظام العالمي وذلك لطبيعة الأرضية التي زرعت بها الأيديولوجية الرأسمالية وعلاقته الأساسية بعولمة سيطرة رأس المال . من هذه المقولة نستطيع ان نميز اليوم في القرن الواحد العشرين مكانة الولايات المتحدة وتداعيات عبور العالم ميزان القوى عليها وكيف أنها بدأت -الولايات المتحدة- بالتململ من تراتبية القوى العظمى امام روسيا والصين.
بدأ يتضح جليا بروز خلل في ميزان القوى الذي يتناسب عكسيا والسلام العالمي فبعد ان كانت الولايات المتحدة لفترة من مؤيدي نظرية-كسينجر- وجود اكثر من قوى في ميزان القوى للحفاظ على السلم العالمي أصبحت اليوم هي من يلاحقه شبح الحرب في الشرق الأوسط فلا تدخلها ليس فقط بسبب اعتمادها على الحرب الناعمة أو رعونة الكيان الصهيوني بضربات هنا وهناك وانما لاصطدامها بجدار الهوية والوطنية والعقيدة للدول التي وجهت لها عمليات وخطط التقسيم فادي ذلك إلى انحسار لتقلب الرؤى السياسية الأمريكية التي حاولت إذابة الخطوط الوطنية . اذن هناك تغيير طرا على النظام العالمي ؟ ما هي التغييرات التي اوجدت وضعا حشرت الولايات المتحدة نفسها فيه بحيث أصبحت تبحث عن سياسة الخروج؟
يقول كسينجر في كتابه النظام العالمي [ لا بد لاي نظام عالمي او دولي من التصدي لتاثير توجهين متحدين لتماسكه اما نوع من إعادة تحديد مشروعيته او احداث قدر ذو شأن من التحول الطاريء على توازن القوة اذ يحدث التوجه الأول عندما تتعرض القيم الكامنة في عمق الترتيبات الدولية للتغيير جذريا .يتخلى عنها أولئك المكلفون بصونها او مقلوبة جراء فرض ثوري لمفهوم مشروعية البديل اما التوجه الاخر لازمة النظام الدولي يحصل من ابداؤه العجز عن استيعاب التغيير الرئيسي في علاقات القوة ففي بعض الحالات ينهار لان واحد من اطرافه المكونة يكف عن الاضطلاع بدوره او يتوقف عن الوجود إذن في ظل الدور الأمريكي منذ 1980 -2019 طرات متغيرات في مناطق تمثل المجال الحيوي الامريكي وشهدت بدايات مراحل اضمحلال الهيبة الأمريكية مقابل ترسخ مفهوم التقاء الثقل الأوراسي ترتبت نتائج إخلال توازن القوى إلى الإخلال أيضا بميزان الردع الذي كانت تمثله الولايات المتحدة في الشرق الأوسط والعالم . والجميع على علم بتتابع انهيار الاستراتيجيات الأمريكية الواحد تلو الآخر بدءا من محور الشر ومن ليس معنا فهو ضدنا إلى حرب أفغانستان ومحاولة استقطاب أكبر عدد ممكن من مجاهدي العالم لغرض استيعابه كأحد أسلحة العنف الرادعة لصالح الولايات المتحدة واجنداتها قوس الأزمات وإعادة إنتاج الإسلام السياسي على شاكلة الإخوان المسلمين كحكم إسلامي سلمي يقابله الوهابي السلفي المتزمت كحكم إسلامي عنيف وتمثل بصورة بداعش فشل الاثنان وخاصة الفكر الوهابي العنيف الذي امتص كل رموزه التي نظر لها في كل مراحل تاريخه وتفكيك التمركز الأمريكي في منطقة الخليج من خلال شحة توفر قيادات تقوم بحرب الوكالة فدخلت السعودية والإمارات العربية علنا بحرب فاشلة في اليمن وبالتالي لم يبقى أمام الولايات المتحدة إلا المعيار الأخلاقي ونستطيع اليوم أن نطرح السؤال لهذه الدولة أين تكمن عدالة القضية التي تقاتلين من أجلها ؟؟ أو ما هي قضية الولايات المتحدة العادلة في العالم ؟
وإذا فقدت الإجابة عن المعيار الأخلاقي هل سيكون هذا هو بدايات للبرهنة عن عجز الولايات المتحدة عن تعديل صيغة النظام الدولي وبالتالي فهي غير قادرة على أستيعاب النتائج المتمخضة عن سياساتها الخارجية فانقلبت اليوم على مفهوم الفدراليات والاثنيات لغرض احداث تغيير رئيسي في علاقات القوة داخل الدول التي تعرضت فيه الولايات المتحدة للانكسار والتحدي الصعب بالنسبة لها ، لأنه كما هو معروف عالميا أن الدول تتكون من منظمات سياسية ومنظمات اقتصادية والسياسية محكومة بالحدود ولم ولن يكون بوسع الولايات المتحدة أن تجعل العالم موحدا في الجانب السياسي كما هو في الجانب الاقتصادي فالعالم أصبح شبه موحد خلال المنظمات الاقتصادية .
لهذا نلاحظ نتائج فساد النظام الفدرالي أو الاثني والعرقي” السياسية” فشلت في الصمود أمام شعوبها كما هو الحال في العراق ولبنان فأصبح التعويل من قبل الطرفين سواء الأمريكي الأرضية المعاصرة المحافظة على حركة رأس المال والتي تعمل على خلق نوع من سياسة الخروج من مصطلح الشرق الأوسط الكبير تاركة المهمة للمؤسسات المالية القيام بخلق علاقات القوة بينها وبين المجتمعات التي تعاني من ضغط الجانب الاقتصادي من جانب. وجانب الدولة المستهدفه التي ستكون بمواجهة تيارات مختلفة باحثة عن حقوق مشروعة واصلاحات وتصاعد صيحات الاستثمار كما انه سيكون خيط الربط بين الدول المستهدفة والولايات المتحدة هي طبيعة المطالبين بالحقوق المشروعة والفارق بينهما من يستأثر بقيادة الشارع لغرض الضغط على الدولة للبدا بالاصلاح وبين حكومة باحثة عن حلول آنية وبين أخرى باحثة عن حلول استثمارية فيعول حينها على المنظمات الاقتصادية التي انهكت هذه البلاد نفسها بالديون هذا ما تريد فعله امريكا ، عندها نريد أن نعرف لماذا هي تريد ذلك ؟وما الذي تريد أن تمنع حدوثه ؟
قد يكون بسبب إشكالية من ، من النظام العالمي الجديد قادر على قيادة حركة رأس المال ومسير المنظمات الاقتصادية العالمية مثلما فعلت الولايات المتحدة ؟ وإذا ما استثنينا روسيا والصين ، تاريخيا عبرت هذه المهمة على أكتاف الهولنديين في بدايات عصر الاستكشاف الجغرافية ومن ثم تولت المهمة بريطانيا وفرنسا واليوم الولايات المتحدة التي اصبحت تلاقي معظلات حدود الدم السياسية أمام انكشافها ستراتيجيا أمام العالم . الصورة أصبحت نظام عالمي عاجز عن تحشيد الجبهات المساندة له لاختراق الحدود السياسية
خاصة إذا ما علمنا أن المنظمات العالمية السياسية منها والاقتصادية كانت دوما على خلاف فيما بينهم ضمن ثنائية رأس المال العابر للحدود وبين الإطار القطري والقومي المتمسك إلى حد الاندفاع الثوري بالحدود . وبالتالي لم يكن من بديل أمام منين مراكز الدراسات الأمريكية إلا بنصح حكومتهم بضرورة جلب الرموز التي عملت على وضع الحجر في عجلة تقدم رأس المال واستثمار الوضع الداخلي الذي يعاني من مشاكل جذرية والعمل على توجيه هذا التقصير لهذه الرموز وهكذا في العراق يتم جعل المتهم الحشد وهكذا في لبنان يكون المتهم حزب الله وفي الإطار الأوسع للامتعاض الرأسمالي جلب إيران في المشهد الطائفي ليتم على أثرها معادلة علاقات القوة بمقابل روسيا والصين في النظام الدولي من خلال توتير الخطوط المغذية للتفوق الاستراتيجي الروسي في المنطقة سياسيا والتفوق الصيني في المنطقة اقتصاديا.
د. عامر الربيعي رئيس مركز الدراسات والبحوث الإستراتيجية العربية الاوربية في باريس