طهران | منذ لحظة الإعلان عن الهجوم الإسرائيلي في العاصمة القطرية، الدوحة، بدا ردّ الفعل الإيراني حادّاً وهادفاً؛ فإلى رسالة التضامن والتنديد، سعت طهران إلى استثمار الحدث الإقليمي الحسّاس، في سبيل تعزيز سرديتها حول «التهديد الإسرائيلي، وعدم فاعلية الدرع الأمني الأميركي». فمن الإشارة إلى «العدوان على الدبلوماسية» والتحذير من «خطر توسيع العمليات الإسرائيلية من دون قيد أو شرط»، طالب المسؤولون الإيرانيون ببلورة إجماع إقليمي ودولي لمواجهة الإجراءات الإسرائيلية.
وتُظهر لُغة البيانات، كما مشاركة الوفود الإيرانية في الاجتماعات الإقليمية، بما فيها قمّة الإثنين في الدوحة، وجهة نظر طهران حيال الحادثة، باعتبارها نموذجاً لسلوكيات إسرائيلية سيطول أمدها، أكثر من كونها حدثاً تكتيكيّاً، فضلاً عن مطالبتها، في ضوء موقفها هذا، باتخاذ إجراء فعليّ وجماعيّ للتصدّي لتلك الممارسات. ولربما يمكن تصنيف موقف إيران ضمن عدّة محاور رئيسية:
1- المحور «القانوني والقاعدي»: اعتبرت طهران، الغارات، انتهاكاً صارخاً لسيادة قطر وخرقاً لقواعد القانون الدولي، مطالبةً بمتابعتها قضائيّاً وسياسيّاً لدى الأوساط المعنية.
2- محور «البناء السردي الإقليمي»: قرأت إيران الحدث باعتباره مؤشّراً إلى انهيار الضمانات الأمنية الغربية، وعلامة على ما تسمّيه «طيش إسرائيل وتهوّرها»، في محاولة لإرباك سوق تطبيع العلاقات بين إسرائيل وبعض الدول العربية.
3- محور «ضرورة العمل الجماعي والردعي»: تؤكد إيران أن على دول المنطقة أن تتحرّك في اتجاه إجراء مشترك يردع الممارسات الإسرائيلية الخطيرة والتوسّعية. وفي ما عدا ذلك، ستواصل إسرائيل إجراءاتها مدعومة من أميركا.
في مقابل الموقف الرسمي، لم تبدُ القراءة التحليلية في الأوساط الإعلامية الإيرانية، موحّدة. واعتبرت صحيفة «إيران»، في مقال تحليلي، الهجوم الإسرائيلي، منعطفاً «يعيد تعريف النظرة الإقليمية تجاه اللاعبين، ولا سيما إسرائيل وأميركا»، مؤكدةً أن حكومات الخليج تقف اليوم، وأكثر من أيّ وقت مضى، أمام تساؤل مفاده: «هل الغطاء الأمني الغربي، يستطيع حقاً حماية الدول من هكذا ضربات؟».
وفي صحيفة «جوان» القريبة من «الحرس الثوري»، سلّط محلّل الشؤون الدولية، هادي محمدي، الضوء على الأبعاد المختلفة للهجوم، الذي اعتبر أنه ليس انتهاكاً للسيادة الوطنية لقطر فحسب، بل هو مؤشّر إلى عدم الاكتراث بأبسط المبادئ الأخلاقية والإنسانية. بدوره، ألقى كبير محلّلي قضايا الشرق الأوسط، قاسم مُحب علي، في حوار مع صحيفة «اعتماد»، الضوء على الأبعاد الاستراتيجية للهجوم الإسرائيلي على قطر، قائلاً إنه يمكن أن يمثّل فرصة لإيران لتعزيز دورها في التطورات الإقليمية.
وإذ شدّد على ضرورة التحلّي بالوعي والأخذ بتوجّه متوازن في مواجهة هذه التطورات، دعا محب علي، إيران إلى الاستثمار الدبلوماسي في هذا الحدث، في سبيل تدعيم التضامن بين الدول الإسلامية. ورأى الدبلوماسي السابق أنه «في وسع إيران الإفادة من تلك الفرصة لدعوة الدول العربية إلى اتّخاذ موقف صريح من إسرائيل، وأن تأخذ في الاعتبار أمنها. يتعيّن على إيران القول لهؤلاء إنه يتعيّن عليهم الدفاع عن مصالحهم وأمنهم بأنفسهم». وأضاف: «تغيّر التوجه هذا، يتيح لإيران إمكانية توجيه محور الصراع في الشرق الأوسط من إيران نحو إسرائيل، والمساعدة في تحقيق مطالب الفلسطينيين ونيل أهدافهم».
وفي صحيفة «فرهيختكان»، رأت زهراء طيبي، في مقالة بعنوان «قمة الدوحة، هجوم مضادّ على مشروع إسرائيل الكبرى»، أن «هذا الهجوم، أتاح فرصة سانحة لكي تمسك إيران بزمام المبادرة، وتعزّز التقارب بين الدول الإسلامية»، مشدّدة على ضرورة تقديم مشاريع تطبيقية للردع والحدّ من التطبيع مستقبلاً. وكتبت: «سيكون على إيران التذكير بأن السكوت عن هذه الاعتداءات، سيحوّل سماء الدول المطلّة على الخليج الفارسي إلى أوتوستراد للمقاتلات الأميركية الموضوعة في تصرّف الكيان، لشنّ عدوان عليها متى ما شاء، تحت ذريعة وجود أحد وجوه محور المقاومة فيها. إن السبيل الوحيد لمواجهة هذا المخطّط الصهيوني، يتمثّل في بناء اتحاد كبير للدول الإسلامية».
محمد خواجوئي