طهران | تتوالى فصول الكشف عن الخلايا الإرهابية في إيران؛ عشرات المجموعات
والشبكات من مختلف التوجهات، تحاول جاهدة الوصول إلى طهران لضرب قلب إيران، بما يمثله من بعد سياسي وأمني ومعنوي.
المحاولات السابقة فشلت، بسبب تزامنها مع استحقاقات وطنية كالانتخابات التشريعية، حين جرى الكشف عن المجموعات التي حاولت ضرب بعض المراكز الانتخابية، وبالتالي كان توقيت العملية فاشلاً بسبب الاستنفار الأمني الكبير. لذا، حاولت الجماعات المسلّحة استغلال أوقات الهدوء، خصوصاً في شهر رمضان، ما قد يسمح باستغلال ثغر معيّنة لخرق بعض الإجراءات الأمنية.
إلا أن العمليات الإرهابية لها تاريخ مع الجمهورية الإسلامية، يعود إلى ما قبل ظهور «داعش»، وتعود جذورها إلى منتصف الخمسينيات من القرن الماضي، حين دارت اشتباكات عنيفة وعمليات أمنية ضد إيران من قبل منظمات كردية، كانت تدعو إلى الانفصال خلال حكم الشاه، وتمّ التعامل معها عسكرياً، بمساعدة أميركية، لتستمر هذه التحركات والنزعة الانفصالية المسلّحة حتى ما بعد انتصار الثورة الإسلامية.
اليوم، تتخذ التحركات الكردية لحزب «الحياة» الكردستاني ــ المصنّف إرهابياً على اللوائح الأميركية والعالمية ــ شمال غرب إيران، طابعاً عسكرياً على خلفيات قومية وانفصالية، فيما الجماعات المسلّحة جنوب شرق إيران، وتحديداً في سيستان وبلوشستان تتخذ طابعاً مذهبياً، من خلال الدعم الكبير الذي تحظى به هذه الجماعات من دول خليجية واستخبارات أجنبية، خصوصاً أميركية وبريطانية.
وتحاول المجموعات المتبقية الدخول إلى إيران، وهي مجموعات غير إيرانية مرتبطة بما يسمى «قاعدة الجهاد العالمي»، والذي بات اليوم متجلياً بتنظيمي «داعش» و«القاعدة» المنتشرين في سوريا والعراق.
ووجدت هذه الجماعات التكفيرية في بعض الناشطين والمعارضين للنظام الإيراني ضالّتها، للتحرك ضمن الأراضي الإيرانية وداخلها، فزادت من مستوى الدعاية والاستقطاب، ذلك أن غالبية المنضمين إلى المجموعات المسلّحة على الحدود الإيرانية تعاني من ضعف إمكانات قادتها وعملهم اللوجستي، ما يدفع إلى النظر في الانضمام إلى تيارات أعنف وأقوى تلبّي حاجتهم إلى القتال. ومن هنا كانت محاولات تجنيد هؤلاء الشبان، التي لم تنجح في تحقيق غايتها بفعل العمل المضاد الذي قامت به الاستخبارات الإيرانية، التي راقبت حوالى 1500 شخص تمّ التواصل معهم من قبل جماعات مسلّحة حاولت استقطابهم، وبالتالي جرى منعهم من الذهاب إلى القتال.
وفي مواجهة غياب البيئة الحاضنة في إيران، بشكل عام، واقتصارها على المراكز الحدودية تحت إشراف أمني واستخباري، عملت هذه المجموعات على إنشاء خلايا نائمة في العمق الإيراني، وعلى عدم التحرك إلا بعد استكمال المستلزمات الضرورية لتنفيذ عمليات متتالية تهدف إلى زعزعة الثقة الشعبية بالقوى الأمنية.
وفي هذا المجال، يوضح الإعلان الإيراني عن اكتشاف الخلايا الإرهابية، المتزامن مع ضرب مجموعات إرهابية شمال غرب إيران، حجم الاستهداف والتنسيق بين المجموعات المسلّحة التي حاولت إشغال القوى الأمنية العسكرية في المناطق الحدودية مع العراق، بهدف السماح بإيجاد ثغرة للدخول إلى منطقة أخرى. وتعتقد هذه المجموعات بسهولة تجنيد أشخاص في الداخل الإيراني، ذلك أن سعة الأراضي الإيرانية وتعدّد الأعراق والقوميات فيها والتداخل السكاني، تمنع التعرف السريع على الغرباء. ولكن تبقى مهمة التسليح والتجهيز هي الأصعب، إذ إن تأمين المتفجرات والمواد الأولية والأسلحة في الداخل صعب، إن لم يكن مستحيلاً، ما يدفع إلى تأمينها عبر الحدود ومن خارج البلاد، ونقلها عبر مسافات شاسعة إلى الداخل، الأمر الذي يعرّضها للانكشاف أمام المخبرين المنتشرين داخل الحدود وخارجها.
بناءً على ذلك، أتى إعلان إيران سابقاً عن أن عمق 40 كلم خارج حدودها، يمثل عمقاً استراتيجياً وعملانياً لها، وبالتالي فإن أي تهديد في هذا الإطار ستتعامل معه وكأنه في الداخل، وهو ما يعطي أفضلية لحرب استخبارية استباقية تقوم بها الاستخبارات الإيرانية، وعلى رأسها الوحدة الخاصة المعروفة باسم «الجنود المجهولون لصاحب العصر والزمان»، وهي وحدة استخبارية لا مقرّ لها وتابعة لوزير الأمن مباشرة. وهي تعتبر القوة الضاربة استخبارياً في الداخل والخارج الإيراني. ومن إنجازات هذه الوحدة، إفشال عشرات المخططات الإرهابية لضرب إيران، عبر جمع معلومات بطرق خاصة من الخارج. كذلك فإن من أبرز إنجازاتها الإقليمية عميلة اعتقال عبدالمالك ريغي، أمير تنظيم «جند الله»، بعدما تابعته الاستخبارات الإيرانية عن قرب من باكستان إلى أفغانستان، والتقطت له صوراً في قاعدة أميركية، ومن ثم تبعته إلى الإمارات، حيث كان مسافراً الى قرغيزستان، ليتم إنزال الطائرة المدنية التي كانت تقلّه من دبي إلى العاصمة القرغيزية بيشكك، في مطار بندر عباس، بعدما هدّدتها مقاتلات حربية وأجبرتها على الهبوط. وجرى حينها اعتقال الملاحق الأول إيرانياً في عمليات تفجير.