وفق منطق الصفات المتلازمة، فالراشي سارق أكيد، أما المزوِّر فهو حكماً كذّاب.
هكذا هي الحال مع المحكمة الدولية الخاصة بلبنان. وهكذا ستكون الحال مع وزارة العدل، إن تمسكت بروايتها بشأن كيفية التعامل مع ملف «الأخبار» الذي لا يزال عالقاً أمام محكمة تخريب لبنان.
هناك حكاية طويلة، يبدو أن القيّمين على المحكمة الدولية، من قضاة ونيابة عامة ومحققين ومكتب دفاع ورئيس قلم، لا يريدون للجمهور أن يطّلع على تفاصيلها كاملة. وقد يحصل ذلك وفقاً لما تمليه التطورات في ملف يبدو أنه سيظل مفتوحاً، ما دام يُراد لهذه المحكمة أن تبقى سكيناً مغطّاة بالملح يحرّكها عملاء أميركا وإسرائيل في جسد لبنان، وطبعاً، باسم العدالة وحقوق الإنسان. هي سكين قد تتحول إلى منشار بعد النجاح الهائل الذي أظهره رَبع محمد بن سلمان في مواجهة معارضيه.
لنتوقف عند ما صدر أمس عن المحكمة. على موقعها الإلكتروني، نُشِر بيان رسميّ جاء فيه: «استجاب السيد إبراهيم الأمين للحكم الذي أصدره بحقه القاضي الناظر في قضايا التحقير نيكولا لتييري في 29 آب 2016. فقد تسلّم رئيس قلم المحكمة الخاصة بلبنان، في 14 آب 2018، الغرامة المفروضة عليه والبالغة 20000 يورو. أما الغرامة المفروضة على شركة أخبار بيروت، ش.م.ل. والبالغة 6000، يورو فلم تُدفع بعد. وضمان تنفيذ الحكم بها التزام قائم على عاتق السلطات اللبنانية».
وفي تصريحات منسوبة إلى الناطقة باسم المحكمة وجد رمضان، وردت في موقع «الحوار نيوز»، ورد الآتي:
«طلب القاضي الناظر في قضايا التحقير من السلطات اللبنانية أن تجمع مبلغَي الغرامتَين من خلال تجميد أموال يملكها كلا المتهمَين أو المدانَين أو حجزها أو مصادرتها، باتّخاذ التدابير المتاحة في القانون اللبناني، وأن تُحوّل أي مبالغ تُجمَع إلى قلم المحكمة الخاصّة بلبنان». ثم «أصدر القاضي الناظر في قضايا التحقير مذكرة توقيف بحق السيد الأمين. وطُلب من السلطات اللبنانية تنفيذ مذكرة التوقيف، ولكن إن تم دفع الغرامة خلال هذه المدة عندئذ لا تنفذ السلطات اللبنانية هذه المذكرة». ولاحقاً «دُفعت الغرامة المفروضة على السيد الأمين والبالغة 20000 يورو من خلال السلطات اللبنانية التي حرصت بدورها على أن يتم تسليمها إلى ممثل قلم المحكمة»، وإن «الغرامة سُدّدت إلى قلم المحكمة في 13 آب عبر طريق وزارة العدل، وأبلغ وزير العدل مسؤولاً مفوضاً من قلم المحكمة في مكتب بيروت بأنّ ممثلاً للأمين أودع مكتب وزير العدل مبلغ الغرامة البالغ 20000 يورو».
ليس مهماً من يكذب، المحكمة أو الوزير، لكن «الأخبار» لم ولن تدفع قرشاً لعملاء إسرائيل
قبل أيام نشرت قناة «الجديد» تقريراً للزميل حسان الرفاعي بشأن ما جرى، وهو أورد تفاصيل أجزم من جانبي بأنها صحيحة مئة بالمئة. لكنه نقل عن وزير العدل سليم جريصاتي نفيه أن تكون وزارة العدل قد دفعت الغرامة، لكنه لم يصرح بأن إبراهيم الأمين أو ممثلاً عنه قد دفع المبلغ. علماً أن جريصاتي، بحسب مصادر كثيرة، قال لآخرين إن المبلغ محسوب على إبراهيم الأمين بمعزل عمّن أوصله إلى مكتب النائب العام. والأخير رفض التعليق على الأمر، رغم أن كثيرين سألوه عن تفاصيل ما حصل.
لذلك، ورغم أنه يصعب على أحد تصديق ما يصدر عن المحكمة الدولية أو عن الناطقين باسمها، إلا أن وثائق المحكمة تنسب إلى الوزير جريصاتي قوله إن «ممثلاً للأمين أودع مكتب وزير العدل مبلغ الغرامة».
هذا محض كذب، وعلى الوزير جريصاتي أن يوضح موقفه وحقيقة ما حصل، وأن لا يخجل من قول كل شيء، حتى ولو – كما تناهى إلى مسامعي – أن شخصاً ما سلمه المبلغ المذكور وقال له «اعتبر أنني موفد من إبراهيم الأمين ولنحلّ القصة»!
لماذا عليه التوضيح؟
لأنني ببساطة، لم أدفع المبلغ، ولم أكن يوماً أنوي دفع المبلغ، ولو كنت بصدد ذلك، فهلا سأل القاضي والجلاد و«الوسيط» عن دفعي عشرين ألف يورو عن نفسي، وعدم مبادرتي إلى دفع ستة آلاف يورو عن شركة «أخبار بيروت»؟
على الوزير أن ينفي، لأنني لن أدفع مبلغ الستة آلاف يورو، ولن تفعل شركة «أخبار بيروت» ذلك. وما عليه، هو ومعه النيابة العامة والمحكمة الدولية وكل عصابات لبنان والأرض، أن يخترعوا ما يرونه مناسباً لأجل تحصيل مبلغ الستة آلاف يورو، وبمقدورهم الحضور إلى مكاتب «الأخبار» أو إلى منزلي والقيام بأعمال بلطجة لأجل الحصول على الأموال، ولن يحصلوا، ويمكنهم الاعتداء على حقوق الجريدة لدى الدولة اللبنانية لمصادرة المبلغ. لكنهم إن فعلوا ذلك، فهم يفعلونه بالإكراه والقهر، وسينالون مقاومة تناسب أحجامهم على صغرها. فنحن لن نعترف بهذه «الأداة» مهما ارتفع سقف تهديدات قاضٍ مغرور تعاونه حفنة من عملاء الاستخبارات العالمية في محكمة تعيش على أموال اللبنانيين الفقراء.
أكثر من ذلك، إن محاولات بعض الأصدقاء «إقفال البحث» على قاعدة «خلصنا، ومش مهم الحكي» أو «مشي الحال ولشو الطوشة والأخذ والرد»، هي محاولات مرفوضة، بمعزل عن نيّات القائمين عليها. لأن المسألة لا تتعلق بعناد أو مكابرة، بل بموقف لا مجال للتراجع عنه مهما كان الثمن، ولكي لا يقول البعض إن رفع سقف التحدي سببه الاطمئنان إلى عدم التعرض لسوء، فإننا نوضح أنه لا يوجد في لبنان أو خارجه من هو ملزم بالدفاع عنا، أو تحّمل أي تبعات معنوية أو مادية جراء مناصرتنا، ونحن قادرون وحدنا على تحمّل أي تبعة لقرار لا عودة عنه، مثلما لا عودة لروح إلى ميت.
أما التهديد المبطن بالقول إن ملف «الأخبار» لم يقفل بعد، ومن ثم «التوصية» بعدم التعرض للمحكمة والعاملين فيها ولعملها، «كي لا تكبر القضية أكثر»، فهو كلام مردود أيضاً. وما فعلته المحكمة أمس، قد يكون عنصراً مشجعاً لفضح المزيد من عمليات التزوير التي تقوم بها، ولنشر المزيد من الملفات والوثائق التي يدّعون أنها سرية، وهي ليست كذلك، نظراً إلى وجودها بأيدي عشرات الموظفين والمعنيين. وليكن معلوماً أننا سننشر، حتماً، ملفات ووثائق لا يمكنهم الزعم، كذباًَ، أنها لا تزال سرية، فيما هي تُباع وتُشترى و«تُهدى مجاناً» لكل من يريدها، فضلاً عن أن غالبية أجهزة الاستخبارات الأجنبية «المهتمة» بلبنان باتت تملكها بفضل فساد موظفين ومحققين عملوا (وبعضهم لا يزال يعمل) في المحكمة.
أخيراً، ليس من عبارة تستحقها هذه المحكمة والعاملون فيها والمتعاونون معها، أكثر من كلمة شعبية عربية معبّرة تقول: طز بحضرتك!