مع بداية كل دورة تشريعية، يستفزّ مجلس النواب الشارع العراقي بتخصيص مبالغ كبيرة لأعضائه أو تشريع قوانين تمنحه امتيازات مؤقتة وأخرى دائمة، مثل الرواتب التقاعدية أو جوازات السفر الدبلوماسية للنائب ولكل أفراد عائلته.في ثلاث دورات تشريعية فائتة بلغت نفقات المجلس نحو 7 ترليونات دينار، فيما كانت الرواتب المخصصة لأعضائه من مجموع المبلغ أقل من 10 %، وذهب باقي المبالغ للنثريات والمخصصات التي أُنفق جزء منها في أحد الاعوام لشراء درّاجات هوائية للبرلمان!ويكلف النائب الواحد ميزانية الدولة ملياري دينار سنوياً، (أكثر من 166 مليون دينار شهرياً) بحسب نفقات المجلس الإجمالية، بينما يصل مجموع رواتب البرلماني في الدورة البرلمانية الواحدة (4 سنوات) الى نحو 700 مليون دينار.
وهاجم زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الخميس الماضي، أعضاء البرلمان داعياً إياهم الى الكف عن التصويت لمصالحهم.
وغرّد الصدر على (تويتر) قائلا: “يا أعضاء البرلمان… كفاكم تصويتاً لمصالحكم… كفاكم تصويتاً من أجل مخصصاتكم… فلم ننتخبكم لأجل ذلك… فإن لم تنتهوا عن ذلك سلبناكم دعمنا… وسيسلبكم الشعب صوته… يا أيها النواب صوّتوا من أجل كرامة الفقير”.
وعلّق رئيس البرلمان محمد الحلبوسي بعد 24 ساعة على تغريدة الصدر، نافياً أن يكون البرلمان قد أضاف مخصصات جديدة.
وقال الحلبوسي في تغريدة له على (تويتر) الجمعة الماضية، إن “بناء مؤسسات الدولة وإصلاحها هدف أساس لن نحيد عنه وسنعمل بهذه الدورة النيابية على إنهاء ملف إدارة الدولة بالوكالة ومحاربة الفساد والعوائل المفسدة”.
وأضاف الحلبوسي، إن “هذه الملفات لم ترق للمتضررين الذين بدأوا بمحاولة إيهام الرأي العام وإيصال معلومات مغلوطة الى رجال الدين المحترمين، فالبرلمان لم يضف أي مخصصات لنوابه ولم يتخذ أي قرار لمنح نفسه اميتازات إضافية”. وهو مابدا وكأنه تراجع عن القرار السابق بإضافة بدل إيجار لأعضاء المجلس.
قبل ذلك بيومين قال الحلبوسي إن ما يتم تداوله بشأن مبالغ “بدل الإيجار” لأعضاء المجلس استهداف للسلطة التشريعية. وقال إن راتب النائب عن المحافظات لايكفي لدفع إيجار منزل.
وذكر الحلبوسي، خلال مؤتمر صحفي عقده، الثلاثاء الماضي في كربلاء إن “عضو مجلس النواب كان يمتلك 32 عنصر حماية”، مبيناً أن “العدد قلص الى النصف أو أقل من النصف منذ منتصف الدورة السابقة”.
وأضاف إن “هؤلاء الحمايات هم مواطنون ويعملون على وفق العقود والأجر اليومي، ولو تعرض لحادث ما ليس له أي ضمان أو حقوق لاحقة”، مقترحاً “نقل هؤلاء الاشخاص الى المؤسسات الامنية ليكونوا منتسبين في وزارة الداخلية”.
وفي ما يخص موضوع بدل الإيجارات الذي تم تداوله على نطاق واسع، تساءل الحلبوسي “أين يسكن النائب الذي يأتي من محافظة البصرة لأداء مهامه التشريعية في بغداد؟”.
وتسربت الاسبوع الماضي وثيقة رسمية صادرة عن رئاسة البرلمان تشير الى تخصيص مبالغ “بدل الإيجار” 3 ملايين دينار شهرياً لأعضاء المجلس القادمين من المحافظات، ثم عدلت بأخرى لتشمل حتى نواب بغداد.
ويصل مجموع منحة “بدل الإيجار” لكل النواب خلال الدورة التشريعة الحالية الى الـ5 مليارات دينار.
وفي مرات عديدة أغضبت مخصصات البرلمان الشارع العراقي الذي تصل فيه نسبه البطالة الى 13%، بحسب وزارة التخطيط، والفقر الى 22.5 على وفق آخر تقرير للبنك الدولي، فيما تصل نسبة الفقر في المناطق المحررة من داعش الى 41% من إجمالي السكان بحسب وزارة التخطيط العراقية.
وشنّ العراقيون هجوماً على البرلمان عام 2009، بعد فترة وجيزة من انتهاء العنف الطائفي، حين قرر المجلس تمرير قانون يمنح البرلماني وأعضاء أسرته جوازات سفر دبلوماسية لمدة 8 سنوات.
قفزات نفقات البرلمان
وفي بداية الدورة التشريعة الاولى عام 2006، كانت نفقات البرلمان بحسب الموازنة المنشورة في وزارة المالية 91 مليار دينار، وكان حينها عدد النواب 275 نائبا، فيما درجت الاموال تحت بند “الموازنة التشغلية” للبرلمان بدون إضافات أخرى. لكن بعد عام واحد فقط قفز مبلغ الإنفاق الى 400 مليار دينار، متضمنة مبلغ 7 مليارات دينار فقط لنفقات المشاريع الرأسمالية.
وبقي معدل الإنفاق ثابتا حتى عام 2009، نهاية الدورة التشريعية الاولى حيث ارتفع هذه المرة الى نحو 800 مليار دينار، فيما لم تذكر النسخة المنشورة على موقع وزارة المالية، أبواب الإنفاق هذه المرة واكتفت بذكر المبلغ الإجمالي فقط!
وخلال تلك السنوات أقر البرلمان قانوناً يمنح أعضاءه حق تملك قطعة أرض في أي مكان يرغبون فيه. كما نجحوا في اعتبار مبلغ قرض سابق قدم للنواب لشراء سيارات بقيمة 70 مليون دينار “منحة ” لأنها صرفت على سيارات استهلكت في العمل”.
وقالت مصادر حينها، إن تلك السلف المالية معفية من الضرائب لغرض “تحسين مستواهم المعيشي” ووصل مقدارها الى حدود 90 مليون دينار، على ان تسدد بشكل مريح عن طريق الاستقطاع من الرواتب التقاعدية التي تبلغ 80% من الراتب الاصلي.
وينص الدستور على إصدار قانون يحدد مرتبات وامتيازات الرئاسات الثلاث وبقية المسؤولين الكبار، إلا أن ذلك لم يحصل حتى الآن.
مع بداية الدورة التشريعة الثانية وحتى نهايتها استقرت نفقات البرلمان السنوية على نحو 800 مليار دينار.
وقال نواب سابقون في ذلك الوقت، إن المرتب الاسمي للنائب يصل الى 13 مليون دينار شهرياً، ويتضمن رواتب الحماية ولا يخضع للضرائب.
وأثار تخصيص مجلس النواب العراقي مبلغ خمسين مليون دولار لشراء سيارات مصفحة لنوابه موجة تعليقات وانتقادات في الشارع العراقي ومن قبل قيادات سياسية ودينية رأت أن النواب يسعون إلى تحقيق مصالحهم الشخصية أكثر من مصالح العراقيين.
سيارات مصفّحة وبنادق
وفي الدورة الثانية للبرلمان أثار تخصيصه مبلغ 50 مليون دولار لشراء سيارات مصفحة لنوابه، موجة انتقادات في الشارع ومن قبل قيادات دينية وسياسية.
وصوت البرلمان في 2012 بالغالبية المطلقة على شراء 350 سيارة مصفحة للنواب البالغ عددهم 325 بقيمة 60 مليار دينار “دون أي اعتراضات أو مناقشات”، بحسب ماقاله مسؤولون حينها.
وجاءت عملية التصويت على القرار في اليوم ذاته الذي أقرت فيه الموازنة الاتحادية بقيمة 100 مليار دولار، وتزامن التصويت مع مقتل وإصابة العشرات في سلسلة تفجيرات استهدفت مناطق مختلفة في العراق.
وقال مقتدى الصدر في ذلك الوقت إن “تصويت البرلمانيين على المصفحات وصمة عار في جبين البرلمان العراقي ما لم يتنازلوا (النواب) عن تصويتهم هذا، وهي سرقة لقوت الشعب”.
وفي العام نفسه تسربت وثائق تظهر مخاطبات جرت بين لجنة الأمن والدفاع البرلمانية ولجنة شؤون الأعضاء والتطوير البرلماني حول شراء أسلحة لأعضاء مجلس النواب من مناشئ عالمية، بينها بنادق ومسدسات.
وبلغ حجم الصفقة أربعة ملايين وخمس مئة ألف دولار أي ما يعادل خمسة مليارات دينار، على أن يتم تسديد مبالغها من ميزانية مجلس النواب وتستقطع أثمانها من رواتب النواب.
إيفادات
ولم تقف النفقات عند ذلك الحد، ففي الدورة الثانية تم اكتشاف أموال طائلة خصصت للإيفادات، ففي عام 2011 أوفد رئيس البرلمان في وقتها أسامة النجيفي نفسه الى لندن ومنها إلى سويسرا، بحسب وثائق سربت آنذاك، مع وفد يتألف من 11 شخصاً، بينهم أخواه (أحمد عبد العزيز النجيفي، ومحمد عبد العزيز النجيفي) بصفة مستشارين، وولده (سنان أسامة عبد العزيز النجيفي) بصفة سكرتير شخصي، مع اثنين من مرافقيه الشخصيين ومصوره الخاص وبرلماني وموظفين آخرين. على أن يلتحق بهم من بغداد وفد يتألف من ثمانية برلمانيين وموظفين.
وقدرت لجنة شؤون الأعضاء في البرلمان وقتها كلفة الإيفاد بثلاثة مليارات دينار عراقي وفقاً للوصولات المسلمة، فيما قدرت لجنة النزاهة النيابية حينها كلفة إيفادات رئيس البرلمان المتكررة إلى تركيا التي بلغت 11 إيفاداً بين تشرين الثاني 2010 وتشرين الثاني 2011، بثلاثة مليارات أخرى.
وفي نهاية العام نفسه، انتقد النائب السابق حيدر الملا سفر رئيس البرلمان إلى الهند بصحبة 40 برلمانياً. الملا تساءل حينها عن حجم العلاقات بين العراق والهند التي تستدعي سفر رئيس البرلمان بنفسه، مع هذا العدد من النواب.
عمليّات تجميل
كما أثيرت في الدورة الثانية “النفقات العلاجية والتجميلية” لبعض النواب. وعرض برلمانيون وثيقة أظهرت أن النائب السابق أحمد العلواني (اعتقل نهاية عام 2013 ) حصل على ما يناهز 8 آلاف دولار لتقويم أسنانه العلوية التي كانت غير متناسقة قبل دخوله إلى البرلمان! في المقابل، تسلم حسن السنيد وهو قيادي في حزب الدعوة، 40 ألف دولار لعلاج مشكلة في مفصل ساقه كان يعاني منها قبل دخوله البرلمان أيضا.
واشتهرت عملية “البواسير” التي أجراها النائب السابق ورئيس كتلة دولة القانون حينها خالد العطية في 2013، والتي قال نواب عن كتلة الأحرار وقتها أنها كلفت ميزانية الدولة 59 مليون دينار! كما كشفت “الأحرار” عن تخصيص 77 مليون دينار من ميزانية البرلمان لتجميل وجه النائب السابق وعضو حزب الدعوة كمال الساعدي!
قبل وبعد داعش
في الدورة التشريعة الثالثة (انتهت في تموز الماضي) التي تزامنت مع ظهور داعش وانهيار أسعار النفط، انخفضت نفقات المجلس الى 500 مليار دينار في كل من عامي (2015، 2016)، والى 300 مليار في 2017، وفي السنة الماضية الى 234 مليار دينار.
وبحسب إجراءات تقشفية قام بها رئيس الحكومة السابق حيدر العبادي بخفض راتب البرلماني الى النصف، وكذلك عدد السيارات والحمايات، التي اقتصرت على 16 عنصرا لكل برلماني.
كذلك شهدت تلك الدورة رفض العبادي مصادقة الرئيس السابق فؤاد معصوم على إحالة أعضاء البرلمان السابقين إلى التقاعد، وأعلن تقديم طعن ضد القرار.
وفي عام 2016 كشفت عضو اللجنة المالية النيابية ماجدة التميمي بأن مجموع السيارات في مجلس النواب يبلغ 623 سيارة، منها 236 لهيئة الرئاسة.
وقالت التميمي، النائبة عن كتلة الأحرار، في مؤتمر صحفي إن 123 سيارة مخصصة لمكتب رئيس المجلس، إضافة لسيارات مصفحة وسيارات من وزارتي الدفاع والداخلية!
وأضافت ان 70 سيارة مخصصة للنائب الاول و43 سيارة للنائب الثاني!
وفي 2018، قبل نهاية ولاية البرلمان الاخير وطي صفحة “داعش”، صوّت على قانون مجلس النواب وتشكيلاته. ويفرض القانون زيادة سنوات خدمة النائب الى (15) سنة حكماً وإن كانت أقل من ذلك واقعاً حتى يمنح التقاعد على الرغم من أن قانون التقاعد العام اشترط خدمة فعلية لا تقل عن (15) سنة ولا يقل عمره عن 50 سنة .
كما منح القانون نصف الحقوق التقاعدية لمن لم يبلغ من النواب الـ(50) سنة من العمر، واعتبر التعيين السابق للمستشارين أمراً جائزاً على الرغم من عدم تصويت البرلمان عليهم. وأقر القانون تعيين الأمين العام ونائبيه على الرغم من عدم تصويت البرلمان عليهم.