الاخبار الاخبار السياسية

ألفا مقاتل ينشقّون عن «التحالف»: موسم العودة إلى صنعاء

صنعاء | توازياً مع سقوط العشرات من المواقع العسكرية في جبهات ما وراء الحدود، أعلن العشرات من المنشقين اليمنيين عن جبهات دول التحالف السعودي الإماراتي، الأسبوع الماضي، انضمامهم إلى صفوف الجيش اليمني واللجان الشعبية، مستفيدين من قرار العفو العام عن «المغرّر بهم من قبل العدوان»، كما تصفهم حكومة صنعاء، لتشكل «العودة» إلى صنعاء ظاهرة شملت المئات في الأسابيع الأخيرة.

عاد عشرات المقاتلين في صفوف التحالف السعودي الإماراتي ضد اليمن إلى صفوف قوات صنعاء، من جبهات ما وراء الحدود (السعودية) والساحل الغربي وجبهات أخرى. عودة تزامنت خلال الأيام الماضية مع تمكن القوات اليمنية المشتركة (الجيش واللجان الشعبية) الأسبوع الماضي من إسقاط 37 موقعاً عسكرياً في جبهات الجوف قبالة نجران، في عملية عسكرية حملت اسم «عملية الوفاء للشهداء». ترافق ذلك مع انهيار الروح المعنوية للمقاتلين في صفوف القوات الموالية للرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي، في مأرب والبيضاء، وكذلك الميليشيات الموالية للإمارات في الساحل الغربي، وهو ما أسهم أيضاً في ارتفاع أعداد العائدين والمنضمّين إلى صفوف قوات صنعاء.
وفي ظل الانشقاقات اليومية التي تشهدها جبهات «التحالف» أخيراً، خصّصت وزارة الدفاع في حكومة الإنقاذ في صنعاء غرفة عمليات لاستقبال طلبات العودة ومتابعة وتنسيق وتسهيل عودة الراغبين بسهولة. كما مدّدت السلطات العمل بقانون العفو العام رقم 16 لعام 2016 عدة أشهر حتى تتيح فرصة للراغبين في العودة إلى مناطق سيطرتها، مقدّمة ضمانات بعدم تعرّضهم لأي أذى. وقرار العفو العام هذا تقدّمه حكومة الإنقاذ على أنه مسعى لـ«وقف استمرار العدوان في المتاجرة بدماء اليمنيين».
أعداد المنشقّين عن جبهات «التحالف» يقدّرها المتحدث الرسمي باسم الجيش واللجان الشعبية، العميد يحيى سريع، في حديث إلى «الأخبار»، بأكثر من ألفي منشقّ استقبلتهم صنعاء خلال الأسابيع الماضية، مشيراً إلى أن «قوات الجيش واللجان الشعبية تتولى تأمين كافة الراغبين بالعودة إلى حضن الوطن في مختلف الجبهات». ارتفاع أعداد العائدين إلى صنعاء أثار جدلاً في أوساط الناشطين المناهضين لـ«التحالف»، إذ عبّروا عن خشيتهم من أن يتحوّل العائدون إلى عناصر استخباراتية للعدوان. إلا أن مصدراً أمنياً في صنعاء يؤكد أن عملية العودة لا تتم من دون ضوابط، موضحاً أن هناك محاذير أمنية في هذا الجانب، وأن وزارة الداخلية تشترط أن تضمن أسرة العائد وقبيلته عدم ممارسته أي أعمال مخلّة بالأمن والاستقرار أو العودة للقتال في صفوف العدوان.

استقبلت صنعاء أيضاً العشرات من القيادات العسكرية المنشقة عن الجبهات

عودة المئات من المنشقّين من دون أن يتعرضوا لأي إجراءات قانونية، مثّلت دافعاً لفتح قنوات التواصل بين الأسر وأبنائها المنخرطين في صفوف «التحالف»، وطمأنت الكثير من المقاتلين الذين لم يرتكبوا جرائم جسيمة إلى عدم تعرضهم لأي أذى، وهو ما أدى إلى ارتفاع كبير في أعداد العائدين طواعية. وعلى مدى الشهر الماضي، استقبلت صنعاء أيضاً العشرات من القيادات العسكرية المنشقة عن الجبهات في عسير ونجران وجيزان جنوبي السعودية، وفي الساحل الغربي وجبهات تعز والبيضاء ومأرب. ووفق بعض العائدين، فإن من دوافعهم «تعرّضهم للإهانات والتعامل بدونية من قبل الجانب السعودي الذي يستخدم المقاتلين اليمنيين المنخرطين كدروع بشرية» في جبهات ما وراء الحدود، ويقوم باستهداف المئات منهم «بغارات خاطئة، ومن ثم يرمي جثث القتلى في ساحات المعارك وبلا اهتمام بالجرحى».
وعلى مدى الفترة القليلة الماضية، عاد إلى العاصمة صنعاء العشرات من قوات العميد طارق صالح (نجل شقيق الرئيس السابق علي عبد الله صالح)، الموالية للإمارات، من جبهة الساحل الغربي. والخميس الماضي، أعلن ركن إمداد اللواء الرابع «حراس الجمهورية» التابع لطارق صالح، العقيد قاسم أحمد الخضري، انشقاقه عن القوات الموالية للإمارات في الساحل الغربي وانضمامه إلى صفوف قوات صنعاء. جاء ذلك بعد أسبوعين من عودة القيادي أكرم حجر الذي كان من أبرز المقرّبين من الرئيس السابق علي عبد الله صالح إلى صنعاء، وإلى جانبه القيادي في الساحل الغربي عاطف محمد عاطف، الذي أعلن انضمامه إلى صفوف قوات صنعاء.
جبهة اليتمة، الواقعة في الحد الشمالي لمحافظة الجوف (قرب الحدود السعودية)، احتلّت المرتبة الأولى في إجمالي القيادات والجنود الذين انشقوا عن «التحالف» وانضموا إلى قوات صنعاء. فخلال الأسابيع القليلة الماضية، انشق قائد «الحزام الأمني» في مديرية اليتمة، بعد أيام فقط من إعلان العميد فيصل العفيف، ضابط أمن واستخبارات «اللواء 156»، وصوله إلى صنعاء. وجاء انشقاق عدد من القادة العسكريين بعدما استقبلت صنعاء قبل أسابيع قائد الشرطة العسكرية في اليتمة، العقيد أحمد المجنحي، وتعاملت معه بشكل إيجابي.
وخلال الشهر الماضي، استقبلت السلطة المحلية في محافظة حجة، رسمياً، أكثر من 70 عائداً. وفيما عاد إلى مديرية وصاب في محافظة ذمار (وسط) أكثر من 250 مقاتلاً، استقبلت محافظتا ريمة وتعز العشرات من العائدين. كذلك، عاد الشهر الماضي العشرات من جبهات مأرب والبيضاء، على رأسهم وكيل محافظة صنعاء المعين من قبل هادي، العقيد عبد المجيد أبو حاتم، الذي فاجأ «التحالف» بإعلانه من العاصمة صنعاء انضمامه إلى الجيش واللجان، بعدما تمكّن من الفرار من مأرب الخاضعة لسلطة حزب «الإصلاح».

اغتيال إبراهيم بدر الدين الحوثي

نعت سلطات صنعاء، أمس، القيادي في «أنصار الله»، شقيق زعيم الحركة، إبراهيم بدر الدين الحوثي، مُعلنةً أنه اغتيل على «أيادي الغدر التابعة للعدوان الأميركي الإسرائيلي السعودي». وأكدت وزارة الداخلية في حكومة الإنقاذ، في بيان، أنها «لن تتوانى عن ملاحقة وضبط أدوات العدوان الإجرامية التي نفذت هذه الجريمة»، لافتةً إلى أن الحوثي «كان من خيرة رجال الوطن، مجاهداً جسوراً سخّر حياته في سبيل الله دفاعاً عن العقيدة والوطن». ونعى المكتب السياسي لـ«أنصار الله»، بدوره، الشهيد، جازماً أن «دماءه لن تزيدنا إلا إصراراً وعزيمة وثباتاً». وأشار، في بيان، إلى أن «مسيرة جهاد الشهيد بدأت منذ الحرب الأولى الظالمة على أخيه الشهيد القائد حسين بدر الدين الحوثي»، مضيفاً أنه «تحمّل مسؤوليات جهادية عديدة في مواجهة العدوان». وفيما أصدرت عدة أحزاب يمنية بيانات تنديد بعملية الاغتيال، معتبرة أن «العدوان لجأ إليها بعد فشله في ميادين المواجهة»، وداعية إلى «التعامل الحازم والصارم مع الأيادي الإجرامية المرتبطة به»، بعث «حزب الله» برقية تعزية إلى زعيم «أنصار الله»، عبد الملك الحوثي، جاء فيها أن «سقوط القادة اليمنيين شهداء هو بشارة نصر للشعب اليمني»، وأن «دماء الشهداء ستزيد الشعب اليمني إصراراً على مواصلة الدفاع عن نفسه حتى تحقيق ‏النصر».

معركة عدن: السعودية تُحبط استراتيجية الخروج الإماراتية؟

وجّهت السعودية رسالة تحذير شديدة، وإن غير مباشرة، إلى الجانب الإماراتي، من خلال تبنّيها الكامل لفريق «الشرعية» في اليمن (أي حكومة الرئيس المنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي) ووقوفها الحاسم معه، معلنة أن أي اعتداء على رموز هذه «الشرعية» لن يُسكَت عنه، وأن الأخيرة تحظى بالدعم والغطاء السياسي والعسكري من الرياض، مشددة على أن شكل الحكم في اليمن، سواء الانفصال أو الوحدة، يُقرَّر بالأدوات «الشرعية» والرسمية (جدير بالذكر أن السلطات الدستورية الثلاث في اليمن محسوبة على السعودية). أرادت الرياض، إذاً، القول، للأصدقاء قبل الأعداء، إن تقرير مصير اليمن لن يكون إلا بعد الانتهاء من الحرب، وإن أي قرار في شأن مصير البلد، سواء شكل الحكم أو وحدة الأراضي اليمنية، لن تقرّره مجموعات أو فصائل من خارج «الشرعية»، وإن أي عمل عسكري خارج مظلة الرئيس «الشرعي» يعدّ «تمرّداً». 

تصدّرت الاشتباكات الدائرة في عدن، منذ عصر الأربعاء الماضي، المشهد اليمني والإقليمي. المعلومات المتوافرة تشير إلى أن شرارة المعركة كانت متعمّدة ومفتعلة من جانب «المجلس الانتقالي الجنوبي» المدعوم إماراتياً، بزعم التعاون الاستخباري بين حزب «الإصلاح» (إخوان مسلمون) وحركة «أنصار الله»، وهو ادعاء لم يستطع «الانتقالي» إثباته. أما الجانب الخفي من الصراع الدامي في عدن، فهو أن دولة الإمارات باتت مستعجلة في حسم أمر استمرار مشاركتها في الحرب. تعتبر أبو ظبي أن التحالف حقّق مجموعة من أهدافه الاستراتيجية، على رأسها صدّ محاولات تغيير التوازنات الاستراتيجية في المنطقة، ويبقى أمامه مشروع الاستقرار السياسي واستدامته، وفق تعبير أنور قرقاش، وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، في حين يرى الجانب السعودي أن الحرب لم تحقّق أهدافها، وأن الانسحاب منها يمثّل خطورة على المملكة في الوقت الراهن.
مطّلعون يرون أن أبو ظبي تبالغ في الادعاء بأنها حقّقت مجموعة من الأهداف الاستراتيجية، والحقيقة أن مكاسبها في الإطار السياسي والتكتيكي، مقابل عدم استقرار ووضع ضاغط وغير مريح على المستوى الاستراتيجي. وحتى تتحقّق الأهداف الاستراتيجية، فإن أبو ظبي بحاجة إلى تسييل سياسي للأهداف المذكورة، وتثبيت الوقائع من خلال الفصائل المحلّية المقاتلة العاملة تحت إمرتها، بالإضافة إلى توافقات سياسية مع شركائها في «التحالف»، وعلى رأسهم الرياض. أبو ظبي تدرك أن مسار خروجها من الحرب ليس بالأمر الهيّن، وأن أمامها الكثير من العقبات والتحديات، وأي خطأ في الحسابات سيؤدي إلى خسارة محتّمة، وهذا ما أكده قرقاش نفسه بالقول إن بلاده فهمت التحدّيات في ذلك الوقت (بداية الحرب)، وفهمتها في الوقت الحالي، «فالنصر ليس سهلاً والسلام لن يكون سهلاً».
الجانب السعودي، وإن لم يعلّق على الخطوات الأحادية الإماراتية (الانسحاب الجزئي)، إلا أنه لا ينظر بعين الرضى إليها، وسيعمد إلى وضع العراقيل أمامها. وجدير بالذكر أن الرياض أعدّت العدّة بعد أحداث عدن بداية عام 2018 بين «الانتقالي» و«الشرعية»، والتي أدّت إلى حسم سريع لمصلحة «الانتقالي»، فعمدت إلى تنفيذ خطّة شاملة على الصعد السياسية والعسكرية والإنمائية كافّة في المحافظات الجنوبية، بعدما أوكلت في السابق مهمّة إدارة الجنوب للشريك الثاني في «التحالف»: الإمارات. ولعلّ مسارعة الأخيرة إلى إنشاء كيانات سياسية وعسكرية محلّية استفزت الجانب السعودي، وحفّزته على السير سريعاً في خطّته. فعلى الصعيد الإنمائي، أنشأت الرياض، منتصف العام الماضي، «البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن»، والمخصّص لمشاريع البنى التحتية. وُظّف البرنامج المذكور للاستثمار السياسي واستمالة القبائل وتطويع العديد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والقبلية. وكما أن البرنامج منصة لتواصل الرياض مع أبناء جنوب اليمن، فهو كذلك أداة تنافسية مع «الهلال الأحمر الإماراتي» الذي ينفّذ المهمات نفسها، وحيثما يوجد «الهلال الأحمر» يوجد البرنامج السعودي إلى جانبه.
في الجانب العسكري، منعت السعودية أي تموضع للقوات الإماراتية في محافظة المهرة، فضلاً عن منعها أبو ظبي من إنشاء فصيل عسكري هناك. كذلك، منعت تمدّدها في محافظتي شبوة وحضرموت، وشاركتها في احتلال جزيرة سقطرى، في وقت قامت فيه بإعادة ترتيب القوى العسكرية التابعة لـ«الشرعية»، ولا سيما ألوية «الحماية الرئاسية»، وأشرفت على تدريبها وتزويدها بالسلاح والذخيرة ونشرها في محافظة عدن. وبمجرد أن أعلنت الإمارات الانسحاب الجزئي من اليمن، باشرت المملكة في إرسال أرتال عسكرية سعودية للتموضع في محافظة عدن تحسّباً لأي طارئ. 
وعليه، فإن الجانب الإماراتي، انسجاماً مع خطته الجديدة القاضية بالانتقال من الخيار العسكري إلى السياسة أولاً، وخصوصاً بعد التطورات الإقليمية التي أملت عليه ترتيب أوراقه بما يتناسب مع تحدّيات بالغة الخطورة لأمنه وازدهاره وقوة اقتصاده، ولاستكمال انسحابه بالاتكال على وجود قوى صديقة تابعة له، فإنه ملزم بالعبور من البوابة اليمنية الداخلية (المحلية). ومن هنا، فإن المعارك في عدن هذه الأيام ليست سوى فصل من فصول طويلة ومتعدّدة سيشهدها جنوب اليمن.
في حال أخفق «المجلس الانتقالي» في تحقيق حسم واضح في الساعات والأيام المقبلة (وهو حسم يبدو مستبعداً)، فإن المملكة تكون قد نجحت في إغلاق الباب على خطّة الإمارات القاضية بالانسحاب التدريجي من اليمن، ولا سيما الجنوب، وتكون الرياض قد أبطلت عملياً استراتيجية الخروج الإماراتية، بعدما أعلنت أبو ظبي التهيئة والاستعداد لتولي أدواتها (90 ألف مقاتل) مسؤولية الأمن الداخلي في المحافظات الجنوبية، وخصوصاً الغربية منها: عدن، لحج، الضالع وأبين.