محور المقاومة سيواجه الحرب الإسرائيلية ــــ الأميركية على المنطقة مُوحّداً. هي حرب إسرائيلية ــــ أميركية، لأن عقلاً إسرائيلياً هو الذي خطط لها ويقودها، مستخدماً عضلات أميركية. «حزب الحرب» في الولايات المتحدة، ممثلاً بجون بولتون ومايك بنس ومايك بومبيو، إسرائيليُّ الهوى أيديولوجياً وعقائدياً، ويعتبر أن المصلحة العليا للولايات المتحدة تقتضي الحفاظ على التفوّق النوعي لإسرائيل على جميع دول المنطقة وشعوبها، حتى لو كان ثمن ذلك توريط الولايات المتحدة في مواجهة عسكرية مجهولة التكاليف والمدى الزمني والجغرافي. تحكّم فريق صهيوني عضوي في السياسة الخارجية الأميركية يفضي إلى صدام حتمي، مهما طال الزمن، بين الولايات المتحدة وأطراف محور المقاومة، وفي القلب منه إيران. فأطراف هذا المحور شرعوا، في خضمّ المواجهة المستعرة على مستوى الإقليم، في تطوير قدراتهم العسكرية، بمساعدة ومشاركة إيرانية مباشرة، في عملية ستؤدي إلى تغيير تدريجي، ولكن مستمر، في ميزان القوى الإجمالي لغير مصلحة العدو الصهيوني. هذه العملية كانت ستُعدّ تجاوزاً للخطوط الحمر من قِبَل أيّ إدارة أميركية سابقة، فكيف بالإدارة الحالية؟ ولا شك في أن مهندسي الحرب الحالية، وهي حرب على الصعد كافة، باستثناء العسكري حتى اللحظة، راهنوا على إمكانية استغلال خلافات ماضية بين حركة «حماس» وبقية أطراف المحور، خرجت إلى العلن بعد اندلاع الحرب في سوريا عام 2011. أسباب سياسية وعسكرية ورمزية بديهية تفسر مثل هذا الرهان، قد لا يكون أقلّها أهمية التعمية على الأهداف الفعلية للحرب، المرتبطة بمنع تغيير موازين القوى ضد إسرائيل، وبحجب حقيقة أن فلسطين وقواها المقاومة أول المعنيين بها. فالولايات المتحدة وإسرائيل، وحلفاؤهما من «عرب الردّة»، يدركون المفاعيل الكبرى الناجمة عن وضوح هذه الأهداف بالنسبة إلى موقف جماهير الأمة، وتبعاته على «الاستقرار السياسي» في الإقليم بالنسبة إلى مصالحهم. من غير المبالغة القول إن هذا الرهان تبدّد تماماً بعد اللقاء الذي جمع مرشد الجمهورية الإسلامية، السيد علي خامنئي، وقيادة حركة «حماس» في طهران في 22 تموز/ يوليو الماضي. وكانت قد سبقت هذا اللقاء تصريحات واضحة لقادة «حماس»، أهمها تلك التي أدلى بها يحيى السنوار، وأكد فيها أن إيران وقفت مع فلسطين على رغم تخلّي غالبية الأنظمة العربية عنها، وأن صواريخ المقاومة التي أُطلقت على مدن الكيان الصهيوني وبلداته، بما فيها تلك التي أطلقت خلال سنوات الخلاف حول سوريا، قَدِمت منها، معتبراً أن الحرب على إيران حرب على فلسطين. وكذلك فعل إسماعيل هنية في تصريحات لاحقة. اليوم، وبعد لقاء طهران وما رشح عنه من معطيات، بات من الممكن القول إن أطراف محور المقاومة باتوا يرون أن استهداف أيّ منها هو استهداف للمحور بمجمله.
تفاصيل زيارة «حماس» إلى طهران: معركة المصير الواحد
للمرة الأولى منذ عام 2012، التقى وفدٌ قيادي من «حركة المقاومة الإسلامية» (حماس)، أواخر تموز/ يوليو الماضي، مرشد الثورة الإيرانية، السيد علي خامنئي. اللقاء شكّل بداية مرحلة جديدة ــــ قديمة، وإعلاناً لعودة التحالف بين الطرفين، وإيذاناً بإعادة ترتيب محور المقاومة وفق الصورة التي كان عليها قبيل اندلاع الأزمة السورية عام 2011.
قبل بدء اللقاء المغلق، سلّم الوفد، السيد خامنئي، رسالة من رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، إسماعيل هنية، تضمنت أربعة محاور: أوّلها مخاطر «صفقة القرن» على المنطقة واستراتيجية الحركة في مواجهتها، ثانيها تصوّر الحركة لكيفية وقوف دول المنطقة بوجه هذه الصفقة، ثالثها قراءة «حماس» للتصعيد الإقليمي وآلية التصدّي له، أما رابعها فشكر إيران على دعمها للمقاومة. في الشكل، توقف «الحمساويون» عند تسلّم مرشد الثورة رسالة من هنية، بعد رفضه قبل أيام من لقائه بهم تسلّم رسالة حملها رئيس الحكومة الياباني، شينزو آبي، من الرئيس الأميركي دونالد ترامب، معتبرين ذلك دليلاً على تقديره للحركة وعمق العلاقة معها. بعد قراءة رسالة هنية، عقّب السيد خامنئي عليها بالتشديد على «ضرورة مواجهة صفقة القرن»، حتى إفشالها. وقال خامنئي للحضور إن «النصر حليفكم، وستصلّون أنتم والسيد حسن نصر الله في الأقصى»، فردّ عليه ضيوفه بالقول: «وأنت ستكون معنا».
بعد التقاط الصور وخروج الإعلام، انضمّ قائد «قوة القدس» في الحرس الثوري الإيراني، الجنرال قاسم سليماني، إلى المجتمعين. تحدّث وفد الحركة، هنا، عن التطورات التي شهدتها ذراعها العسكرية، وعمّا تواجهه من عوائق وما تحتاج إليه من سلاح. وشدّد الحاضرون على أهمية وحدة المحور، ورفض كسر أي طرف فيه، وعليه فإنه في حال شُنّت حرب ضد أحد أطرافه، فإن باقي الجبهات ستنضمّ لمساندته ومنع كسره. وفي هذا الإطار، يقول أحد قادة «حماس»، لـ«الأخبار»: «في ما يتعلق بجبهة غزة، إذا شنّ العدو الإسرائيلي عدواناً ضد القطاع، وكان تقديرنا أنه معركة محصورة ولن تتطور إلى حرب لكسرنا، فإننا سنواجه وحدنا». ويضيف: «لكن إذا حاول العدو كسر المقاومة (كما تقضي خطة الفصول الأربعة التي ناور عليها جيش العدو منذ أيام)، فإن باقي أطراف المحور سينضمون إلى المعركة». هذا التوجه كان مطروحاً في السابق؛ فخلال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة عام 2014، لم ينقطع التواصل اليومي بين أطراف المحور وفصائل القطاع، وذلك لمتابعة الوضع ميدانياً. وقد أُبلغ قادة الفصائل، حينذاك، أن أطراف المحور جاهزون لفتح جبهة أخرى، إذا شعرت المقاومة في غزة بأنها ستُكسر. ردّت الفصائل، وقتها، بأنها لا تحتاج إلى المساعدة، وتستطيع الصمود لفترات طويلة مع استمرار إطلاق الصواريخ بالوتيرة اليومية نفسها. في الاجتماع الأخير، أُقرّ مبدأ «توحيد الجبهات» و«وحدة المصير» بشكل رسمي، وأصبح جزءاً من سياسة «محور المقاومة».
سبقت اللقاء رسالة من السعودية إلى «حماس» تطالبها بقطع العلاقات مع إيران
اليوم، أصبحت المقاومة في غزة أقوى مما مضى، وهي تملك صواريخ دقيقة يمكنها إصابة هدفها بهامش خطأ بسيط. فكما قال السيد خامنئي خلال اللقاء، «في الأعوام القليلة الماضية، كان الفلسطينيون يناضلون بالحجارة، لكنهم اليوم مجهّزون بالصواريخ النقطويّة (الدقيقة) بدل الحجارة». تطوّر نوعي أُسِّس له منذ حرب 2014، عندما توجّهت قيادات من «كتائب القسام» إلى طهران، طالبةً صواريخ دقيقة (راجع الأخبار 7 شباط 2015)، لتتعهّد الجمهورية الإسلامية بإيصال تقنية هذه الصواريخ إلى قلب غزة، وهو ما حصل فعلاً. أما عدد الصواريخ الدقيقة الموجودة في القطاع، فهو سرٌّ من أسرار «القسام» سيكتشفه العدو في أي حرب مقبلة.
في ختام لقائه بوفد «حماس»، أكد السيد خامنئي توجه إيران الداعم لفلسطين، قائلاً: «أياً كانت الظروف والتحدّيات، فإن الجمهورية الإسلامية ستكون بكل إمكاناتها إلى جانب الشعب الفلسطيني ومقاومته حتى تحرير فلسطين». ويقول أحد المتابعين لتفاصيل اللقاء، في حديث إلى «الأخبار»، إن «السيد خامنئي كسر البروتوكول المتّبع لمكتبه، فهو عادة يلتقي قيادات الصف الأول للدول والتنظيمات، إلا أن عدم قدرة هنية على الخروج من غزة جعله يتجاوز بروتوكوله بشكل إيجابي للقاء الرجل الثاني في الحركة». أما أكثر ما لفت الحضور فهو وصف خامنئي «حماس» بأنها «تقع في قلب حركة فلسطين، كما أن فلسطين تقع في قلب حركة العالم الإسلامي»، إذ يعتبرون أنه بقوله هذا «ثبّت دور الحركة ضمن محور المقاومة، وأنها جزء أصيل منه، مسقطاً بذلك الصبغة الطائفية للصراع القائم، ومُحدِّداً إياه بأنه صراع بين جبهة تريد التطبيع مع العدو الإسرائيلي، ومحور يقف ضد بيع فلسطين ويقول لا».
الزيارة التي استمرت أياماً والتقى خلالها الوفد قيادات في الجمهورية الإسلامية، كان مجرّد تحققها كافياً لتوجيه رسائل عديدة، إذ، وبحسب مصادر في «حماس»، أرسلت السعودية، قبيل أسبوع من توجّه الوفد إلى إيران، رسالة إلى الحركة تطالبها فيها بقطع علاقاتها مع طهران، وإلا فإن الرياض ستقطع علاقاتها بها. لكنّ «حماس» ردّت على الطلب السعودي بالقول إن «علاقتها مع إيران متينة وستستمر، وإذا أرادت السعودية تنفيذ تهديدها، فهي ستكون الجانب الخاسر وليس الحركة». ومع أن الزيارة كان مُخطَّطاً لها قبل التهديد السعودي، إلا أنها جاءت تجسيداً لعمق علاقة الحركة بطهران، ورداً غير مباشر على مطلب الرياض. وليس السعوديون وحدهم من أرادوا إفشال الزيارة أو منعها، إذ إنّ مصر أيضاً اشترطت عدم توجّه هنية إلى إيران للسماح له بالخروج من القطاع، وهو ما رفضه، معلناً عدم قبوله وضع شروط على برنامج زياراته، مؤكداً نيته التوجه إلى إيران في أيّ رحلة خارجية.
ثمار عملية أبو صلاح
في بداية الشهر الجاري، نفذ الاستشهادي هاني أبو صلاح عملية خلف خطوط العدو على الحدود الشرقية لقطاع غزة، حيث مكث داخل الحدود لمدة ساعتين، قبل اشتباكه مع جنود من وحدة «غولاني». العملية النوعية، التي أسفرت عن جرح 3 جنود إسرائيليين بينهم ضابط، ذهبت تقديرات جيش العدو في حينها إلى أنها «فردية»، وأن منفذها، وهو عنصر في «كتائب القسام» ومن «حماة الثغور»، ترك نقطة المراقبة، وتوجّه إلى الحدود للقيام بمهمّته. تبريرٌ بدا مشابهاً لما قيل ليلة إطلاق صاروخين، الأول على تل أبيب والثاني على عسقلان في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، حيث تم التحجج بأن ضربة برق سبّبت انطلاقهما. لكن عملية أبو صلاح جاءت بعد انتهاء قوات العدو من تدرّبها على خطة «الفصول الأربعة» في توقيت لا يبدو دونما دلالات. كما أن حالة البلبلة التي عاشها جيش الاحتلال على إثر العملية، والمجريات التي شهدها الميدان خلال الاشتباك، كانت كلها مرصودة من قِبَل أعين المقاومة، التي استفادت من ذلك معلوماتياً لمعرفة الإجراءات الإسرائيلية، وفق ما تفيد به معلومات «الأخبار».