اخبار العراق الاخبار الاخبار المحلية

إسرائيل تعتدي على العراق: تحدّي الردع

أخيراً، فضّل «الحشد الشعبي» المواجهة. قبل إعلان أي مواجهة ميدانية، كانت مواجهة الحقيقة، والإقرار بأن حوادث استهداف مقارّه الأربعة طوال الأسابيع الماضية، لم تكن «عرضية». حوادث لا تبعد عن سياق المعركة التي تشهدها المنطقة بين معسكري واشنطن وطهران، بموازاة تلميحات تل أبيب إلى أنها لن تنأى بنفسها عن ميدان عراقي يهدّد أمنها بمراكمة القدرات العسكرية. إعلان «الحشد» تأسيسٌ لمرحلة جديدة من المواجهة.

 قيادته تتحدّث عن بناء جدّي لقوّتها من شأنه تأسيس ردع حقيقي لأي اعتداء كان، ومن أي جهة، أولاً بوجه واشنطن، المسؤولة عن المواجهة، سواء بالأداة الإسرائيلية أو غيرها. وهو تحدٍّ لقدرته على أن يكون عماد منظومة حماية البلاد ومؤسساتها. الحكومة، بدورها، أمام خيارات أحلاها مرّ: لا تريد لـ«الحشد» أن يذهب إلى مواجهة مماثلة حتى لا تُحسَب على المحور الإيراني، بل تعمل على الحؤول دون وقوع مواجهات. فالح الفيّاض، في ساعة متأخرة من ليل أمس، ترجم التوجّه الأخير، معتبراً أن ما صدر عن أبو مهدي المهندس، «لا يمثل الموقف الرسمي للحشد».

وبين تضارب المواقف، يبرز حجم الضغوطات الأميركية على الحكومة الاتحادية ودفعها، إلى جانب «الحشد»، باتجاه الرضوخ لواقع الاستهداف المتكرّر، وفرملة أي اندفاع من شأنه خلق توازن يردع الجموح الأميركي – الإسرائيلي. ثمة من يقول إن ما يجري في «بلاد الرافدين» يهيّئ ظروف «صفقة» إيرانية – أميركية، في وقتٍ يؤكد فيه آخرون أن الأحداث هذه محاولة أميركية جديدة لـ«ضبط» إيران وحلفائها في العراق والمنطقة.
منذ تموز/ يوليو 2019، حتى 20 آب/ أغسطس الجاري، 4 مخازن للسلاح تابعة لـ«الحشد» تُستهدف. الرواية الرسمية «حوادث عرضية»، تقابلها تلميحات تل أبيب، على لسان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، إلى أنها تقف وراء عمليات استهداف المخازن تلك، بوصفها «مواقع إيرانية». يوم أمس، أقرّت قيادة «الحشد»، على لسان نائب رئيس «الهيئة» أبو مهدي المهندس، بأن الحوادث الأربعة لم تكن «عرضية». حمّل البيان الممهور باسمه الولايات المتحدة مسؤولية استهداف مقارّها. اعتبر القوات الأميركية «المسؤول الأوّل والأخير عمّا حدث»، محمّلاً إيّاها «مسؤولية ما يحدث اعتباراً من هذا اليوم»، ليفرض بذلك معادلة من شأنها زجّ «الحشد» في مواجهة مع واشنطن، في ظلّ تأكيده أنّه «ما من خيار سوى الدفاع عن النفس… سنعتبر أي طيران أجنبي سيحلّق فوق مقرّاتنا، دون علم الحكومة، طيراناً معادياً، وسنتعامل معه وفق هذا المنطلق، وسنستخدم كل أساليب الردع للحيلولة دون الاعتداء علينا».
اللافت في بيان المهندس، قوله إن الاستهداف كان «من طريق عملاء أو بعمليات نوعية بطائرات حديثة»، دون أن يحدّد مصدرها، كاشفاً أن «الأميركيين أدخلوا هذا العام أربع طائرات مسيّرة إسرائيلية من طريق أذربيجان، لتعمل على تنفيذ طلعات جوّية، تستهدف مقرّات عسكرية عراقية». حصر المهندس المسؤولية بالجانب الأميركي، الذي رفض طوال الأسابيع الماضية الاعتراف بذلك، جاعلاً من الجانب الإسرائيلي «أداة» ضمن مخطّط لاستهداف «الحشد».

بغداد مُربكة
في تعليقها على حادثة «معسكر الشهداء» (19 تموز/ يوليو الماضي)، وصفت مصادر أمنية رفيعة، الاستهداف بـ«العملية المركّبة والمعقّدة»، مشيرة في حديثها لـ «الأخبار»، إلى أن «جهات، لا جهة، تقف وراء هذه العملية… والرواية الحكومية (مهما كانت) ستكون محرجة لنا». قيادة «الحشد»، طوال الفترة الماضية، التزمت الصمت. تبنّت السردية الرسمية: «الحوادث العرضية»، في ظل تخبّط الموقف العراقي بين داعٍ إلى الاعتراف بالتعرّض لقصف أميركي/ إسرائيلي، ومؤيّد للرواية الرسمية. جملة من الأسباب، وفق مصادر معنيّة، دفعت إلى تبنّي الخيار الثاني.
-أوّلاً، عجز الحكومة الاتحادية عن تحديد الجهة المنفّذة، وعليه كان من الأفضل «غضّ النظر»، حتى بيان نتائج التحقيقات كاملة.
-ثانياً، خشية رئاسة الوزراء منح أي جهة عراقية «الذريعة» لمهاجمة المصالح الأميركية في البلاد، في هذا التوقيت الدقيق الذي تمرّ به المنطقة.
-ثالثاً، حرص طهران على حكومة عادل عبد المهدي، وعدم توريطها في أي مواجهة قد تحوّل الميدان العراقي من ميدان «هادئ» إلى ميدان مشتعل.
عوامل فرضت على قيادة «الحشد» التزام القرار الحكومي، والتروّي قبل أي اتهام، حتى لا تُجرّ إلى ردّ فعل من شأنه إحراجها والحكومة في آن واحد.

لماذا؟
وفق معلومات «الأخبار»، فإن قيادة «الحشد» تواجه مشروعاً خفيّاً يُحاك ضدها، من شأنه كسر شوكة المؤسسة في بادئ الأمر، ومن ثمّ استدراجها وإحراجها، ولاحقاً العمل على حلّها. ثمة جهات سياسية – أمنية عراقية تعمل على ذلك؛ جهات منخرطة/ متورّطة في هذا المشروع الأميركي، علاقتها بـ«الحشد» وطهران تتّسم بـ«الحساسية» المفرطة. مشروعٌ يتداخل فيه العامل المحلّي الضيق، وينتهي عند الهاجس الخليجي – الإسرائيلي – الأميركي من دور «الحشد» في أي مواجهة كبرى قد تشهدها المنطقة.
داخلياً، ثمة قوى سياسية، وأخرى عسكرية (بناها الاحتلال الأميركي وأشرف عليها، وبات ممسكاً بقرارها)، لا تريد لـ«الحشد» أن يكون له قائمة، لا سياسيّاً ولا عسكريّاً. ثمّة، أيضاً، معلومات دقيقة تقول إن «بعض عناصر تلك المؤسسات، وتحديداً جهاز المخابرات العراقي برئاسة مصطفى الكاظمي، منخرط بشكل جدّي في هذا المشروع» الذي يبدأ بـ«كسر شوكة الحشد وإظهار ضعفه في المرحلة الأولى، ومحاولة جرّه إلى مواجهة ميدانية دون موافقة الحكومة في المرحلة الثانية»، تقول مصادر عدّة.

استهداف معسكري «الصقر» ثم «بلد»، فرض على قيادة «الحشد» إعادة حساباتها

ردّ الفعل، في طبيعة الحال، سيكون محرجاً للحكومة، شعبيّاً وإقليمياً ودوليّاً، في ظل ماكينات إعلامية تجهد بضرب صورة «الحشد» أمام الشارع العراقي. وإن جُرّ «الحشد» إلى هذا المقتل، فإن خطوته ستفرض نقاشاً حادّاً إزاء تموضعه السياسي – الميداني: هل ولاؤه للوطن أم لا؟ (خصوصاً بعدما مُنح الشرعية، وبات جزءاً من المؤسسة الأمنية – العسكرية، بعد الأمر الديواني 237) وهل يعمل وفق أجندته الخاصّة، أم وفق أوامر الحكومة؟ وهل يحق له التصرّف و«جرّ» العراق إلى مواجهة لا تريدها القوى السياسية؟
أسئلة كانت حاضرة لدى قيادة «الحشد» لدى مقاربتها لآليات «المواجهة». فالمرحلة الأولى تعتمد على العاملين البشري (العملاء) والتقني (الطائرات المسيّرة)، إلا أنّ المشروع في مراحله اللاحقة سيتحوّل إلى «فتنة» داخلية، وإدخال العراق في دوامة سجال قاسٍ، ترافقه موجات من المواجهات الميدانية، وإعادة البلاد إلى حقبة 2006 – 2011، تلك التي شهدت مواجهة الاحتلال، لكنها تزامنت مع المعارك الطائفية.

الصمت: أفضل الممكن
تؤكّد مصادر رئيس الوزراء، عادل عبد المهدي، أن الأخير آثر الصمت على الخروج بأي موقف، بل فضّل إصدار بيان رافض لأي طلعة جوّية دون موافقته (راجع «الأخبار»، عدد 3833). أرادها رسالة تفهمها الجهات المسؤولة عن عمليات الاستهداف. ثمة من يقول من فصائل المقاومة إن موقف عبد المهدي مردّه رفض طهران إشعال العراق عبر حلفائها. فالاعتراف يرتّب موقفاً ومن ثم ردّ، وإلا فإن إحراجاً كبيراً لـ«الحشد» سيظهر، وستُثبّت صورته كـ«عاجز» عن حماية نفسه. أما الحكومة، فستكون هي الأخرى محرجة أيضاً: عاجزة عن الخروج بموقف مندّد من شأنه حفظ هيبة الدولة.
ولأن الوضع «مربك جدّاً ومحرج جدّاً أيضاً»، بتعبير أكثر من مصدر بارز حليف لطهران، فإن الحل كان «الصمت»، لجملة من الأسباب:
-أوّلاً، الحفاظ على الحكومة ورئيسها، وعدم التفريط به، بالتزامن مع تصاعد الأصوات الداعية إلى إسقاطها، بدءاً من «التيّار الصدري» (أبرز داعمي عبد المهدي)، وصولاً إلى «تيّار الحكمة» أكثر القوى وضوحاً في موقفها المعارض.
-ثانياً، حجم الخسائر التي نزلت بـ«الحشد»، لكونه يمكن تعويضه بالتوازي مع العمل المستمر على تطوير البنية العسكرية للمؤسسة.
-ثالثاً، العمل على «تكديس» الضربات، بوصفها ذرائع لأيّ ردّ قد يُستعمل لاحقاً ضد القوات الأميركية.

إلى المواجهة
استهداف معسكري «الصقر» ثم «بلد»، فرض على قيادة «الحشد» إعادة حساباتها، في ظل استمرار الاستهداف وعجز الحكومة عن الدفاع عنها. موقف المهندس لم يكن مرحباً به حكوميّاً، خاصّة أن تفسيره إعلان لبدء المواجهة. مصادر مقربة منه تؤكّد أن «الحشد» سيطوي الصفحة الماضية، وسيردّ فعلاً على أي استهداف، بمعزل عن موقف الحكومة، وبمعزل أيضاً عن موقف فصائل المقاومة.
قبل بيان المهندس، كان الموقف مغايراً. «الحشد» والفصائل ملتزمون الموقف الحكومي قدر الإمكان. لكن مع استشعار قيادة «الحشد» أن الاستهداف يبدو مستمراً، باتت المواجهة في الحقيقة واجبة، بمعزل عن قرار الحكومة التي تمنّت «التزام ضبط النفس»، وتعهّدها بـ«البحث عن مخارج» من شأنها خفض «التوترات الميدانية». لكن ثمة من يقول إن القوى السياسية ستحاول فرملة أي مواجهة، على أن تعوّضها بحراك برلماني لإصدار قانون ضبط انتشار القوات الأجنبية من جهة، ومحاولة إسناد مهمة الردّ إلى فصائل المقاومة من جهة ثانية.

الفيّاض يخلط الأوراق
اندفاع المهندس في بيانه، ومؤازرة قادة فصائل المقاومة، فرملهما رئيس «الهيئة» فالح الفيّاض. رفض بيان المهندس، على اعتبار أنّه «لا يمثل الموقف الرسمي للحشد». ثمة من فسّر موقف الفياض بأنه ترجمة لحجم الضغوطات الأميركية «الهائلة» على الحكومة، ومحاولة الأخيرة تأكيد رفضها لوقوع أي إضرار بالمصالح الأميركية في البلاد. وإن اتسمت العلاقة بين الرجلين بـ«التوتّر» الدائم، فإن المستغرب تحوّل المواقف إلى «محطة» لتصفية الحسابات بينهما. تقول مصادر الفيّاض إن طهران ترفض توجّه المهندس، فيما تشير مصادر الأخير إلى أنّ الرجل قد نسّق موقفه مسبقاً مع الجانب الإيراني.
وبين الموقفين، يبرز عجز الحكومة الاتحادية ورئيسها، في الخروج بموقف واحد ضد الاستهدافات المتكرّرة التي قد تتحوّل إلى اغتيالات لقيادات «حشدية»، ليعود الحديث مجدّداً عن «ولاء الحشد»، واتهامه برفض التزام قرار الدولة.

بأداة إسرائيلية أو بغيرها… «الحشد» هدف دائم

لم يكن العراق يحتاج إلى سلسلة التفجيرات التي استهدفت مخازن «الحشد الشعبي» أخيراً، حتى يكتشف أنه سيواجه مخططات بديلة تستهدف أمنه وسيادته بعد فشل مخطط «داعش». فاستهداف «الحشد» كان ولا يزال خياراً مطروحاً على جدول أولويات الولايات المتحدة وإسرائيل، ويعود ذلك إلى أنه أحد أهم عناصر قوة العراق، الذي يشكل بدوره مركز ثقل إقليمي، نتيجة موقعه الجغرافي، وإمكاناته البشرية والاقتصادية، وبفعل الظروف السياسية السائدة. في قراءة خاطفة للتطورات التي شهدتها المنطقة، يلاحَظ أن جزءاً أساسياً من الاستراتيجية التي اتبعتها واشنطن وتل أبيب يركّز على استهداف عناصر القوة التي أفشلت مخططاتهما، سواء كانت شخصيات أو أسلحة أو مؤسسات أو تحالفات أو حركات… ولهذه الغاية، عمدتا إلى محاولة تصوير تلك العناصر على أنها مشكلة للبلد المستهدَف، بعدما ظهرت كمُنقِذة له، هادفتين من وراء ذلك إلى قلب الصورة في أذهان الرأي العام، في مقدمة لتغيير المعادلة ولو نسبياً، وبتكتيكات جديدة.

هذا ما حصل مع المقاومة في لبنان عندما أسقطت المخطط الأميركي ــــ الإسرائيلي، فكان التركيز في المرحلة التي تلت على سلاح المقاومة باعتباره مشكلة. المفهوم نفسه ينسحب على المقاومة في غزة. أما في العراق، فقد أدى «الحشد الشعبي» دوراً حاسماً في إسقاط مخطط «داعش»، وتحوّل إلى قوة إقليمية لم يعد بالإمكان تجاهلها في أي ترتيب سياسي أو أمني يتصل بالعراق والمنطقة. من هنا، كان لا بد من التركيز عليه سياسياً وأمنياً وإعلامياً، وأيضاً عسكرياً. قد لا يكون ثمة حاجة إلى لجان تحقيق لاكتشاف أن الاعتداءات التي تعرّضت لها مخازن «الحشد» جزء من مخطط تخريبي يستهدف الأمن القومي العراقي، كذلك لا حاجة أيضاً إلى بذل جهود لمعرفة من يقف خلف ذلك المخطط، وهو الولايات المتحدة. لكن لا بدّ من معرفة الأدوات التي أوكلت إليها مهمة التنفيذ، لتقرير التكتيكات التي يجب اتباعها في مواجهتها. هنا، عادة ما يُستحضَر العدو الإسرائيلي لأكثر من اعتبار، في مقدمها أن العراق كان ولا يزال يحتل مكانة متقدمة جداً في الفكر الاستراتيجي الإسرائيلي، وأنه أيضاً إحدى أهم الساحات التي تلجأ إليها واشنطن في تنفيذ مخططاتها.

من المستبعد أن تلجأ إسرائيل إلى أي خطوة في العراق من دون ضوء أخضر أميركي

لم يشر بيان نائب رئيس «هيئة الحشد الشعبي»، أبو مهدي المهندس، إلى إسرائيل كأداة تنفيذ مباشرة في التفجيرات الأخيرة. كذلك لم يصدر حتى الآن تبنٍّ رسمي إسرائيلي لأيٍّ من تلك الحوادث، ومن غير المتوقع أن يحصل ذلك، خصوصاً أن تل أبيب لم تعلن مسؤوليتها الرسمية عن الغالبية الساحقة من اعتداءاتها على الأراضي السورية، فكيف عندما يدور الحديث عن اعتداءات تستهدف العراق، على افتراض أن لها دوراً عسكرياً مباشراً فيها؟ أما كلام رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، خلال زيارته لأوكرانيا، في هذا الموضوع، فقد كان عاماً جداً وتقليدياً، وينطبق على كافة الساحات المرصودة إسرائيلياً، حيث قال: «(إننا) نعمل بشكل منهجي على منع إيران من التموضع في سوريا. ولا توجد لإيران حصانة في أي مكان، وأنا أقصد ذلك. وسنعمل ضدها أينما يجب».
من الواضح أن تركيز إسرائيل في خطابها الرسمي على التمركز الإيراني في كلّ من العراق وسوريا ولبنان، جزء من خطة سياسية وإعلامية أيضاً، تستهدف التعمية على حقيقة أن إسرائيل تبذل كل جهودها لمنع تلك الدول من التسلّح بعناصر القوة التي تُمكّنها من الدفاع عن سيادتها، انطلاقاً من اعتبارها ذلك تهديداً لأمنها القومي. ومن جهتها، تتبنّى الولايات المتحدة استراتيجية تهدف بالدرجة الأولى إلى حماية الأمن القومي الإسرائيلي على حساب البلاد والشعوب العربية. وفي هذا السياق، لا تُخفي إسرائيل نياتها العدوانية تجاه العراق و«حشده الشعبي» وفصائله المقاوِمة. كذلك لا تخفي إيحاءاتها وتصريحاتها أن العراق يحتلّ مرتبة متقدمة في برنامج اعتداءاتها، على الأقلّ في الخطط الموضوعة في الدُّرج. ومن هنا، يأتي ما أدلى به رئيس الاستخبارات العسكرية، اللواء تامير هايمن، قبل أشهر، من أن العراق يشكل المجال البديل للتمركز الإيراني، وممرّاً إلى تعزيز محور المقاومة في سوريا ولبنان.
مع ذلك، ينبغي التأكيد أنّ من المستبعد جداً أن تلجأ إسرائيل إلى أي خطوة عملانية في الساحة العراقية من دون ضوء أخضر صريح أميركي، بالنظر إلى أن العراق ساحة مباشرة للإدارة الأميركية، وأي خطوات عملياتية فيها، هي أميركية بالدرجة الأولى، وإسرائيلية تنفيذية بالدرجة الثانية. ومن المؤكد أنه قبل انتقالها إلى حيّز التنفيذ، تُدرَس من زاوية مفاعيلها وعواقبها السلبية أو الإيجابية على الاستراتيجية الأميركية في العراق والمنطقة. لكن في الأداء الإعلامي الإسرائيلي، جرى التعامل مع الحوادث الأخيرة في العراق بطريقة توحي بالمسؤولية الإسرائيلية عنها، من دون أن يكون واضحاً ما إن كان ذلك ناتجاً من تلميحات أو تسريبات من الأجهزة الأمنية الإسرائيلية، أو من اجتهادات إعلامية انطلاقاً من المعرفة المسبقة بأن إسرائيل تتربّص بـ«الحشد الشعبي»، وترى فيه أحد عناصر القوة الإقليمية التي ينبغي تفكيكها وإضعافها.
أياً يكن، فإن الحقيقة التي لا لبس فيها، أنه مع أو دون دور إسرائيلي مباشر في الاعتداءات التي شهدها العراق حتى الآن، فإن «الحشد» كان ولا يزال وسيبقى على المهداف الإسرائيلي، وإن العراق كان ولا يزال يحتلّ أولوية متقدمة في العقيدة الأمنية الإسرائيلية.