الاخبار الاخبار السياسية

طريق دمشق ــ بغداد: حصار أميركي بنيران إسرائيلية

أجيل فتح معبر القائم بين سوريا والعراق، الذي كان مقرراً خلال هذا الأسبوع، بسبب الغارات التي نفذتها مسيّرات إسرائيلية ضد مواقع لمجموعات عراقية في منطقة البوكمال السورية، يعني أن هذه الغارات حققت أهدافها. لم يكن سرّاً أن قطع طريق دمشق – بغداد – طهران، «أوتوستراد إيران إلى المتوسط»، بحسب واشنطن وتل أبيب، هو بين أبرز الأولويات الأميركية – الإسرائيلية في سوريا. أنصار بقاء القوات الأميركية في سوريا بعد إعلان ترامب إنجازها لمهمتها الرئيسة، أي المساعدة على الانتصار على «داعش»، برروا موقفهم بالتشديد على أهمية التصدي لما يعدّونه نفوذ إيران المتعاظم في هذا البلد، الذي تمدّد برّاً عبر العراق الذي يشكل معبر القائم إحدى «بواباته»، وفقاً لمزاعمهم. الحدود الممتدة بين سوريا والعراق تسمح طبعاً بوجود العديد من نقاط العبور الأخرى، لكن لإعادة فتح «القائم» أهمية رمزية – سياسية كبيرة، لأنها تظهر نجاح أطراف محور المقاومة في تجديد التواصل الجغرافي فيما بينها، في سياق تصاعد المواجهة مع الولايات المتحدة وإسرائيل اللتين تجهدان للحؤول دون ذلك.

يكتسب، في ضوء هذه المعطيات، توسيع دائرة الاعتداءات الإسرائيلية، التي شملت العراق في الأسابيع الأخيرة، معنىً مختلفاً عن ذلك الذي راج في الكثير من التحليلات. فالغارات، بحسب تلك التحليلات، «أحرجت» واشنطن أمام بعض «حلفائها» العراقيين، الذين باتوا بدورهم في وضع صعب في مواجهة قوات «الحشد الشعبي» المستهدفة. رأت القراءات نفسها أيضاً أن الهجمات الإسرائيلية قد تُعرّض حياة جنود الولايات المتحدة ومصالحها في العراق للخطر، لأن قوات «الحشد»، على لسان أحد أهم قادتها، أبو مهدي المهندس، اتهمها بالمسؤولية عنها.

نحن أمام تقسيم أدوار أميركي – إسرائيلي بكلّ ما للكلمة من معنى

ما اتضح بعد قرار تأجيل فتح معبر القائم، أننا أمام تقسيم أدوار أميركي – إسرائيلي بكلّ ما للكلمة من معنى. الولايات المتحدة تستخدم العصا الغليظة الإسرائيلية لتحقيق أهدافها الحالية، المتطابقة تماماً مع أهداف إسرائيل، والمرتبطة مباشرة بصراعهما مع إيران ومحور المقاومة، وفي مقدمتها قطع التواصل الجغرافي قدر المستطاع بين أطراف هذا المحور، من دون أن تتحمل مباشرة مسؤولية ذلك. إسرائيل تقوم بالمهمات القذرة، كما قال ستيفن كوك في مقال نشره على موقع «فورين بوليسي»، والولايات المتحدة تتكفّل استكمال نتائجها من طريق تصعيد ضغوطها السياسية على قسم من القيادات العراقية النافذة، الأقرب إليها أو تلك الحريصة على مراعاتها وعدم الصدام معها، على رغم العلاقات التاريخية التي تجمعها بإيران.
تفاصيل أخرى تعزّز صحة القراءة التي تعتبر أننا أمام تقسيم أدوار أميركي – إسرائيلي، هي تلك الخاصة بالقواعد التي انطلقت منها المسيّرات التي استهدفت مواقع في العراق وفي سوريا أخيراً. معلومات من مصادر مختلفة، ولكن متقاطعة، تكشف أن بعض العمليات المشار إليها نفّذتها مسيّرات انطلقت من القواعد الأميركية في شرقيّ الفرات. هذه القواعد تحت السيطرة الأميركية الكاملة، ولا يملك أي طرف القدرة على معرفة هوية الطائرات المسيّرة أو غير المسيّرة التي تحطّ فيها أو تنطلق منها. لكن تسرّب المعلومات وانتشارها حول العمليات الأخيرة، أي استخدام الولايات المتحدة لقواعدها في المناطق الخاضعة لـ«قسد»، ستترتب عليه تبعات بالنسبة إلى الأخيرة، لأنها أصبحت متورطة مباشرة عبر سماحها بذلك وعدم اعتراضها عليه. المواجهة في الإقليم بين محور المقاومة والتحالف الأميركي – الإسرائيلي إلى احتدام، ولن يكون بمقدور من يتبع سياسة السعي لإرضاء الطرفين، وهو حال بعض القيادات العراقية، أن يستمر فيها.

استهداف معبر البوكمال ــ القائم: حصار سوريا وحلفائها بالنار

أجّل الجانب العراقي خطوة افتتاح معبر القائم – البوكمال إلى أجل غير مسمّى، بعد قصف جوي استهدف عدة نقاط قريبة من المعبر من الجانب السوري، ما يترك الأسئلة مفتوحة حول مستقبل المعبر الاستراتيجي بين البلدين

بعد أكثر من شهر على إعلان الجانب العراقي قُربَ افتتاح معبر القائم – البوكمال مع سوريا لأغراض اقتصادية، استُهدفت أربعة مواقع تتمركز فيها فصائل مدعومة من إيران قرب الحدود، كما الجانب الأيمن من المعبر، بقصف جوي «مجهول»، لتؤجَّل ترتيبات الافتتاح الذي كان قريباً حتى إشعار آخر، وفق ما ذكرت مصادر أمنية عراقية. القرار العراقي الذي نقلته وسائل إعلام عن مسؤول أمني، ربط التأجيل مباشرةً بـ«العدوان الذي تعرّضت له مدينة البوكمال»، والذي «استهدف فصائل عراقية… وأدى إلى وقوع ضحايا ومصابين».

ولا يمكن قراءة هذا الاستهداف بعيداً من النشاط الإسرائيلي والأميركي داخل سوريا، وفي الإقليم، الذي يهدف إلى «احتواء النفوذ الإيراني»، وحصار دمشق وحلفائها أيضاً. ويمكن عدّه بمثابة تحذير للجانب العراقي بضرورة تأجيل الخطوة، وعدم «التمرّد» على العقوبات الأميركية والغربية المفروضة على إيران وسوريا. وعلى رغم أن الجانب العراقي حاول الالتفاف بعيداً عن أعين الأميركيين المتمركزين على مقربة من القائم، واقترح افتتاح منفذ مؤقت في بلدة الحصيبة، المتاخمة للبوكمال، وهو ما اتُّفق عليه خلال زيارة الوفد العسكري السوري لقضاء القائم مطلع آب المنصرم، إلا أن الافتتاح بقي متعثراً.
وكان يُرجّح أن يُفتتح المعبر بحضور وفود رسمية من البلدين في النصف الأول من الشهر الجاري، بعد عدّة قرارات تأجيل من الجانب العراقي كانت تُعزى إلى عدم الجاهزية اللوجستية للافتتاح. وفي هذا السياق، أكدت مصادر مطلعة لـ«الأخبار» أن «المعبر كان جاهزاً من الجانب العراقي منذ الموعد المقرّر في الأوّل من أيلول، إلا أن الضغوطات الأميركية، ومعها عدم وجود قرار عراقي نهائي، كانت السبب الرئيس للتأجيل». وأضافت المصادر أن «التأجيل المتكرر يعكس عدم وجود قرار حاسم في بغداد حول فتح المنفذ الحدودي الأهم مع سوريا»، لافتة إلى أن «بعض القادة العراقيين يفضلون التريث في الخطوة حتى نضج الظروف السياسية». وأشارت أيضاً إلى «وجود آراء لجهات قيادية عراقية وازنة في افتتاح المعبر بغضّ النظر عن الضغوطات، باعتباره قراراً سيادياً وطنياً».

الجانب السوري كان قد أنهى التحضيرات لافتتاح معبر البوكمال

يأتي ذلك في وقت أكد فيه مصدر حكومي سوري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الجانب السوري أنهى كل التحضيرات اللوجستية والخدمية المتعلّقة بافتتاح المعبر»، مشيراً إلى «تخديم المعبر بالإنترنت والكهرباء، وتجهيز مراكز لوحدات الشرطة والجمارك… وهو في انتظار إخطار من العراق لتحديد موعد رسمي لافتتاحه». وفي هذا السياق، نشرت الصفحة الرسمية لمحافظة دير الزور، نهاية الأسبوع الفائت، صوراً لمحافظ المدينة وقائد الشرطة، خلال تجولهم على الجانب السوري من المعبر، تحضيراً لموعد افتتاحه المفترض.
وتحظى خطوة افتتاح المعبر بأهمية خاصة لدى الجانب السوري، لكونها تُسهم في فتح بوابة اقتصادية مهمة، تساعد في توفير الاحتياجات المهمة من المحروقات وسواها، بالإضافة إلى تنشيط حركة التصدير البري. كذلك من شأن افتتاح المعبر تخفيف آثار الحصار بشكل كبير، وتمكين سوريا من توفير احتياجاتها الطارئة من مستلزمات إعادة الإعمار للمناطق المحررة، بالإضافة إلى المساعدة في دخول كميات من القطع الأجنبي إلى البلاد. لكن هذه الآمال تصطدم بمساعٍ أميركية – إسرائيلية لحصار دمشق وحلفائها، وهو ما أكدته جهات رسمية أميركية مرات عدة، كان آخرها على لسان مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الشرق الأوسط، والمبعوث الخاص إلى سوريا، جويل رايبورن، من مدينة إسطنبول التركية، حيث قال إن بلاده «تعمل على تجفيف موارد الحكومة السورية وحلفائها من خلال العقوبات الاقتصادية»، مشيراً إلى أن الهدف من الضغط على دمشق، إجبارها «على الجلوس إلى طاولة المفاوضات في جنيف، وتطبيق القرار 2254».