أكتب اليوم للشعب العراقي الكريم المعطاء الذي عرفته خلال مشاركتي في مسيرة المشاية لاحياء أربعينية الامام الحسين، وأذهلتني حفاوتهم وضيافتهم، وبخلاف ما يصوره الاعلام المعادي لمحور المقاومة فقد شاهدت الشعب العراقي كيف يستقبل الملايين من الزوار الايرانيين بالاهازيج المرحبة والكرم الحاتمي ويقابلهم الايرانيون الجواب على وفائهم بالاهازيج والتفاعل واحيانا باللغة العربية.
أقول ذلك وقلبي يتفطر على الفتنة التي يزرعها أعداء العراق بين أبناء البلد الواحد وبين جيرانهم الذين بذلوا الغالي والنفيس لانقاذ العراق من جحيم أفخاخ امريكا واتباعها في العراق.
نظام المحاصصة العراقي الذي خرج بضغط وتلاعب امريكي لا يخفى على أحد، فأمريكا تمتلك سجلا قذرا من التدخل في شؤون الدول والعراق خصوصا، والحكومة العراقية التي حاولت مد اليد مؤخرا للتعاون مع الصين والروس ورفضت ان تكون منطلقا للتضييق على ايران ما يعني أنها سعت ان يكون لها قرارا مستقلا بعيدا عن الهيمنة الامريكية واطماعها، وهنا حركت أمريكا عوامل الفتنة واستخدمت رجالها وارهابييها وقناصيها، ومن يعرف الداخل العراقي يعرف ان الامريكيين الذين تظاهروا باقرار قانون اجتثاث البعث هم أنفسهم من استوعب كفاءات وخبرات النظام الصدامي ضمن مهمات عمل محددة، وكثير منهم خلايا نائمة امريكية، تحدث بهم الآن الفوضى، وعبث الأمريكان اليوم يأخذ طابعا ناعما عبر امتدادهم في العراق، وها هم أدوات الامريكيين يستثمرون في عذابات الفقراء بوجه حكومة قيدتها واشنطن بالمصائب التي لا تنتهي منذ الاحتلال الى الارهاب المتنقل بأبطاله السعوديين الذين فجروا المساجد والاسواق والحسينيات وصولا الى تفجير المراقد وصولا الى مأساة سيطرة داعش على ثلث مساحة العراق.
وبحكم تغطيتي الصحفية في لبنان فإن بعض الاساليب اضحت ماركة مسجلة للتدخل الامريكي، كنشر فرق المصورين بين التظاهرات وتقوم هذه الفرق بالتقاط صور لمشاهد من التظاهرات لشباب او شابات، قد يسقط بعضهم جريحا او قتيلا، في حوادث مريبة، وكأنهم ينتظرون استهداف شخص بعينه، وفي مكان محدد مسبقا فيما يبدو انه تنسيق عال بين بين المصور والقاتل الذي قد يكون مخترقا حتى للأجهزة الأمنية ذاتها، حيث يتم نشرها بشكل سريع في انحاء العالم اجمع لتتحول الى “ايقونات” لدفع المزيد من الشباب للنزول الى الشارع ، كما تتم فبركة بعض الأيقونات المزيفة، فقبل يومين ادعت وسائل اعلام مدعومة من السعودية (العربية والحدث) خبر مقتل متظاهرة عراقية تدعى نور رحيم علي، بعد اصابتها بقنبلة مسيلة للدموع برأسها، وزعمت قناة “العربية” السعودية ان القتيلة كانت تعمل مسعفة لمن يصابون في التظاهرات”، وتم تداول صور لفتاة وهي ترفع العلم العراقي على انها القتيلة، وعلى الفور حدثت بلبلة بين المتظاهرين، ولكن من حسن الحظ انكشفت اللعبة الامريكية السعودية على الفور عندما نفى اللواء عبد الكريم خلف المتحدث باسم القائد العام للقوات سقوط اي قتيل بالقرب من جسر الجمهورية، محذرا من ان مندسين يحاولون بث شائعات ومعلومات عن الأوضاع في ساحة التحرير، الملفت ان المواطنة العراقية الشابة والتي تدعى نور رحيم علي والتي “قتلها” الاعلام السعودي عادت الى الحياة! ونفت خبر مقتلها خلال تواجدها في تظاهرات ساحة التحرير.
وضمن الحرب النفسية ذاتها نقلت وكالة رويترز البريطانية عن “مصادر مقربة” من الصدر والعامري أن إيران “تدخلت” لمنع الإطاحة برئيس الوزراء عادل عبد المهدي.
“المصادر” في نقل خبر خطير الاهمية مثل خبر “تدخل ايران”!، هي كالاتي: ” مصادر مقربة من الصدر والعامري” و “خمسة مصادر على علم” و”مسؤول أمني إيراني” و “قائد ميليشيا شيعية موالية للعامري” و ” مصدر آخر مطلع” و”سياسي مقرب من الصدر” و “مسؤولون أمنيون عراقيون” و..، جميعهم “طلبوا عدم الكشف عن اسمائهم“!!..
الانجليز يمارسون ذات المهمة القديمة “فرق تسد” لاثارة النعرات الطائفية والفوضى والحروب الداخلية بين الشعوب، خدمة لمصالحها ومصالح ربيبتها “اسرائيل”، وهي مهمة باتت مكشوفة اليوم لشعوب العالم الواعية.
مع ذلك لا أشك ان التظاهرات التي تشهدها محافظات وسط وجنوب العراق وبغداد، خرجت من رحم الاهمال والمعاناة، التي كان نتيجة طبيعية للنظام السياسي الذي تم تاسيسه لا ليوحد العراقيين، بل ليفرقهم ويحول دون اتفاقهم حتى على ميزانية محافظة، الامر الذي شل اداء العمل الحكومي.
ويكفي نظرة سريعة الى التغطية الاعلامية لما يجري في العراق من قبل قنوات “الحرة” الامريكية و “العربية” و”الحدث” السعوديتين و “اسكاي نيوز العربية” الاماراتية ، والذباب الالكتروني التابع للسفارة الامريكية في بغداد والذباب الالكتروني السعودي والاماراتي، و وسائل الاعلام البعثية والداعشية، للتأكد من هذه الحقيقية، فهذه الجهات بالاضافة الى الاعلام الصهيوني، لا تعترف باي اصلاح وترفض كل الحلول التي يتقدم بها العقلاء من العراقيين وخاصة المرجعية العليا لابعاد العراق عن حافة الهاوية، فتراها تبث الشائعات وتحرض العراقيين على بعضهم البعض وتشكك بكل خطوة اصلاحية مهما كانت مهمة وجادة.
يا اخوتي العراقييين، أنتم في سفينة واحدة مهددة بالغرق وفيها المصلح والمفسد، ولا يعقل لأجل المفسدين ان تغرقوا المركب بمن فيه، لكن يجب أن يأخذ القانون مجراه ولا يعني أن من يحاول انقاذ السفينة كما تفعل المرجعية بأنه يحمي الفاسدين
في المقابل، يبدو ان اخبار التعاطي الايجابي للحكومة والقوى المؤثرة كالمرجعية والحشد الشعبي مع مطالب الشعب لم ترق للجهات التي تدفع بالتظاهرات نحو الفوضى، فها هي مصادر أمنية تؤكد ان فلول داعش تهيء انتحاريين وادخالهم ساحات التظاهر وإحراق أجسادهم بدل تفجيرها لإثارة مشاعر المتظاهرين وتأجيج حماسهم وإثارة عواطفهم..
اذا استمر الاستهتار والتجهيل وقلة البصيرة بهذا النحو فانني احذر اهلي في العراق، فستخسر الأغلبية الشيعية الحكم، وسيحفرون قبورهم بأيديهم بفتنة دامية يقتادهم إليها كالقطيع ألد خصومهم.
ماتسمعوه اليوم من هتاف (إيران بره بره) هو حرب ناعمة يعاد بها برمجة عقول شعب كامل، وبالأخص شيعته للانقلاب على أهم مصادر قوتهم وعزتهم: مرجعيتهم وحشدهم الشعبي، ثم على أنفسهم، بعدما كان ذلك سبب بلوغهم اوج مجدهم بالانتصار على داعش، وتحول العراق الى رقم صعب أقليميا ودوليا.
ولم ينتبه أحد أن مايحدث من تعبئة عنصرية ضد ايران هو تعميم لصفة التبعية، وطعن بالهوية الوطنية للشيعة، وتجريدهم من روح الانتماء للعراق، وتمهيدا لاستباحتهم من قبل قوى جديدة زائفة. فبالامس استبيحت دماء أبنائهم في سبايكر وغيرها بمجازر بشعة بعد تعبئة مماثلة من ساحات الاعتصام بالانبار تصفهم ب(الجيش الصفوي)، لكن الفرق أن ذلك حدث بمناطق سنية، وما سيحدث غدا سيكون بعقر ديارهم، وعلى أيدي أبناء ملتهم، ولن يجدوا نصيرا يغيثهم.
وعندما تروج نفس الجيوش الالكترونية لدعوات تغيير نظام الحكم الى رئاسي، فإن هدفا آخرا سيتجلى اكثر.. إذ بعد أشهر سيصطدم السادسة الشيعة بالجمهور الشيعي المشحون كراهية وعنصرية، ولن يجدوا من أبناء ملتهم او غيرهم من ينتخب أحدا منهم، فكل سياسي شيعي أصبح اليوم متهما بالتبعية، وكل أولئك الذي فروا من بطش البعث الى إيران، ومئات آلاف العوائل التي هجرها صدام هم (ذيولها).. لهذا سيخسر الشيعة الحكم مجددا في أي انتخابات رئاسية قادمة.
الشيعة افقدهم المورفين الالكتروني لمواقع التواصل وعيهم، فلم ينتبهوا الى اعلان السفارة الأمريكية الرسمي بإنشاء جيش إلكتروني، وإلى الاعلام الاسرائيلي والخليجي، وإلى أقوى حراك تنظيمي لحزب البعث في الداخل والخارج لتأجيج الفتنة، والترويج لتبعيتهم الايرانية،، وإعادة التغني (بأمجاد) صدام، وترسيخ القناعة لدى الجمهور بأن الشيعة لاتفقه بالحكم كما السنة.
ان الاوضاع الخطيرة التي يمر بها العراق تحكم على الجميع التعامل بحذر وحكمة وحنكة ، يفوت الفرصة على المتربصين بالعراق واهله الدوائر، ولكن لا يجب ان يحول هذا الحذر من ان يستمر المتظاهرون بالضغط على الحكومة لتحقيق مطالبهم الحقة، كما لا يجب ان يحول دون ان تنفذ الحكومة وعودها بالاصلاح الفوري والعاجل ومكافحة الفساد والفاسدين.
زهراء كركي