المقالات

شكالية النهج التعبوي العراقي

إشكالية النهج التعبوي العراقي

تحت إشكالية النهج التعبوي وطبيعته الفكرية المتوغلة في النشأة التعبوية العراقية ودور المواطن العراقي في إدارة منظومته الفكرية الخاصة ضمن هذه القاعدة.

لتكن البداية قريبة ولا نتوغل أكثر من 40 عاما وليكن هناك ربط بين اليوم والامس نستخدم مصطلح ’’ امساك العملية السياسية العراقية من الوسط او امساك العصا من الوسط التي انبرت حناجر رجالات العملية السياسية العراقية من 2003 الى الان بإمساك العصا من الوسط وخاصة السيد العبادي.

المنهج الفكري لشريحة واسعة من الشعب العراقي منذ الحرب العراقية الإيرانية كان نهجا تعبويا منغلقا يتحرك في داخل الفكر الإسلامي ولا ينتمي له وإذا استطعنا ان نركز أكثر وندقق فيها هي عملية تصدع إسلامية وخسف فكري في ذهنية محركي ساحة التعبئة العراقية التي جندت كل قواها للتصدي للجار الجديد الحامل لمنهج تعبوي ينتمي اليه العراق كل العراق ومعظم دول الجوار.

لكن لماذا حدث هذا التصدع الفكري؟ إشكالية عميقة تمد تشعباتها التي تتصاعد أسبابها ونتائجها لمختلف المجالات ولكننا سنأخذ منحا واحدا فقط وهو أحادية النهج البعثي التعبوي في استنهاض الساحة العراقية ضد إيران.

لم تكن إيران الشاه عامل يدعو الى القلق والتوتر اوالى التعبئة ليتناقض العراق معها ليسعي للإطاحة بنظام الشاه لان نقطة الوصل بين الجانبين هو النهج الفكري الذي يقود البلدين ينتمي الى منبع واحد والاثنان لا يمثلان الفكر الحقيقي الذي ينتمي اليه شعوب المنطقة بأكملها وبالتالي فهم يقدمون للبلاد القائمة على وحدة المصير منظومة تقوم على حتمية منظومة مغايرة ومتناقضة لطبيعتهم ليمارسوا عملية التطويع التجزيئي لشعوب المنطقة كل على حدى وبالطرق التي يرونها مناسبة لاستمرارية انظمتهم المتوافقة في راس الحكم والمتناقضة مع القاعدة التي يرتكزون عليها الا وهو الشعب .

وتباعا ومن دون سابق انذار خلقت الفاصلة والتناقض والتضاد في راس الحكم الواحد الممتد من الخليج الى المحيط باختلاف طبيعة هذا الحكم بالطبع , لتقوم الثورة الإسلامية في ايران وتقلب كل المعادلات والاستراتيجيات التي قامت عليها قواعد الاستكبار والامبريالية ليخلق موازين قوى إقليمي جديد , فكان لا بد لدول الاستكبار من إيجاد ارض تستخدم تعبويا كجدار صد دائم امام هذه الفاصلة التي لو تركت ستتوسع وباضطراد لانتمائها الى النهج الفكري المتوافق مع طبيعة انسان هذه المنطقة الجغرافية من العالم , ولغرض الحد من توسعها يجب ان يخلق بالإضافة الى الأرض التعبوية الوازع القومي المحرك والدافع, فأعلنت الحرب العراقية الإيرانية تحت عنوان حامي البوابة الشرقية من المد الصفوي وهذه التعبئة التي شهدها العراق من خلال حرب استمرت لثماني سنوات اريد لها ان تكون احد مرتكزات الدولة العراقية التي يتم بها قيادة العراق من خلال : البعد القومي الذي تمثل بالحرب العراقية الإيرانية ومن ثم لتتوسع ليشمل البعد الطائفي ليتم توظيف البعد العربي في ظل ساحة التعبئة العراقية ليتحول مشروع التعبئة الى مساحات أوسع وامتدادات مذهبية متشعبة , ومن ثم المحاولة الأخيرة في الحراك العراقي وتبعه الحراك في ايران ليتم خلق البعد العقائدي وسحب تحت عنوانه التنافر ليتم إعادة انتاج تعبئة ارض العراق ضد الجارة ايران. تمخض عن هذه الفاصلة التي رضخت تحتها الدولة العراقي ردحا من الزمن عدة نتائج من أبرزها:

1- تفاعل روح الدولة العراقية الغير منتمية لطبيعة الفكر الإسلامي العراقي وانسجامها مع الامتدادات الاستكبارية وادواتها في المنطقة مما فسح المجال امام هذه الامتدادات من جعل الساحة العراقية ساحة تعبويه ضد نظام الجمهورية الإسلامية في إيران من دون ان يكون هناك صراع فعلي بين

البلدين لان أصل المشكلة الحقيقي غير موجود. ثم يشاع خطأ من ان العملية السياسية بعد 2003 هي من جعلت ارض العراق ساحة صراع لأجندات دولية وانما في الحقيقة ان النظام العراقي السابق ومنذ مراحله الأولى عمل على وضع اطار لاحتواء الدولة العراقية من الانزلاق خارج نظام التعبئة ضد ايران عن طريق تفعيل مصطلحات : القائد الضرورة والتعميق الفكري لانبعاث مفهوم البعث و خلق التصدعات العقائدية لإخلال التوازن في هذه المنطقة وإيجاد عناصر التناقض وإعادة تجديديها فبعد ان كان التناقض بين الراس الحاكم والشعب قبل الثورة الإيرانية وهدد هذا التناقض بهذه الثورة ليتم إعادة إنتاجه في الأرض العراقية في المراحل الانفة الذكر .

2- حرف مسار العراق من خلال تقييد العراق بتفاعله العربي والإقليمي ضمن فاصلة التعبئة والامتدادات الاستكبارية ضد إيران والذي بدوره أنتج عدة مسارات لعل أبرزها عملية نقل التصدع الطائفي والمذهبي وتوظيفه في بعد العراق العربي والاقليمي من خلال توظيف مكانة العراق للاستقطاب والدعاية لهذه الحرب الذي طغى بدوره على إيقاف مسيرة العراق التنموية وتجميد قيادته في الفكر الإسلامي المحمدي الأصيل واختزال دوره وتراثه الحضاري في خدمة نظام بعثي جعل العراق ساحة معبئة ضد إيران لمصالح خارجية.

3- مصطلح امساك العصا من الوسط , هي عملية تجميد زمانية ومكانية لأرض العراق واكبر عملية تشويش لرؤية واضحة لمستقبل العراق وهي وقت ضائع من عملية تصويب اهداف العراق الحقيقة وهي فسحة تحرك من خلالها اجندات استطاعت ان تجد لها موطئ قدم في العملية السياسية لتفتح الثغرات للمحافظة على النهج التعبوي الموجه طائفيا , لأنك عندما تملك جيشا وحشدا حقق انتصارات على اقوى هجمة في التاريخ الحديث من قبل مجاميع إرهابية عرفت بداعش واستطاع العراق بهذا الانتصار دخوله في معادلات المنطقة الإقليمية والدولية ومن منطق القوة والحق في الدفاع عن الأرض التي سلبت واهدر دمها من قبل دوائر الاستكبار العالمية الا انه تحت شعار امساك العصا من الوسط وانت المنتصر يتم بعد عدة شهور إعادة انتاج النهج التعبوي وان كان هزيلا الا انه وصل الى تجميد حركة اليد التي تمسك العصا من الوسط من الساسة العراقيون ليثبت لهم بالدليل من خلوهم من البدائل عند ادنى مشكلة تحت ظل امساك العصا من الوسط .

ومن خلال ما تقدم، ومن خلال ما تشهده الساحة العراقية من حراك لغرض المطالبة بالإصلاحات المشروعة نلاحظ ركوب فلول وطلائع الانسياب والامتدادات الاستكبارية ومن خلال لملمة خيوط التعبئة الفكرية لإعادة انتشار وإعادة انتاج المنهج التعبوي وضد من؟ ضد إيران أيضا ومن قاد هذا التوجه؟ هم بقايا حزب البعث اللذين يمرون بمرحلة التوتر السلبي سواء في العراق او في دول الجوار ورب ضارة نافعة ليقحموا أنفسهم في أكبر عملية انتحار لهم فوق ارض العراق ليتم تحرير العراق من اثار النهج التعبوي ضد الامتداد الفكري والجغرافي والعقائدي الذي يتوافق معه من قيادة مرجعية حكيمة وجيش وحشد متكاتفين لاجل عراق موحد لتكون البداية لزوال وقلع عقبة التعبئة الموجهة وغيومها التي لبدت سماء الشرق.

سحر صادق عبد الحسين

عضو مركز الدراسات الاستراتيجية العربية الأوربية /باريس