اخبار العراق الاخبار الاخبار المحلية

انطلاق رحلة البحث عن رئيس لوزراء العراق

اجتماعات ولقاءات موسّعة وأخرى ضّيقة تشهدها العاصمة العراقية بغداد، تضمّ القوى والأحزاب السياسية وأطرافاً مؤثرين في البلاد، في محاولة للملمة الإرباك الحاصل في البلاد، والحدّ من تبعات استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، وإيجاد مخرج سريع للأزمة بالتوافق على بديل يحظى برضا «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) أولاً، وبإجماع سياسي ثانياً، وبمقبولية الشارع ثالثاً.

الدستور العراقي يفرض على رئيس الوزراء المستقيل أن يُصرِّف الأعمال لمدة 30 يوماً. لكن وفقاً لمعلومات «الأخبار»، فإن عبد المهدي لم يُرد ابتداءً المضيّ في تصريف الأعمال، بل آثَر العودة إلى بيته، وإحالة إدارة البلاد مبكراً إلى رئيس الجمهورية برهم صالح. إلا أن الشبهات المرتسمة حول أداء الأخير في خلال الأزمة، دفعت القوى والأحزاب «الشيعية» إلى الضغط على الرئيس المستقيل لإتمام «المهلة الدستورية»، على قاعدة «رفض التنازل عن المنصب الذي منحه الدستور للمكوّن الشيعي». وبحسب المعلومات، فإن تلك القوى والأحزاب أعربت عن جاهزيتها لخوض نقاشات تفصيلية تسفر عن تكليف شخصية «غير مستفزة» قبل انقضاء مهلة الـ30 يوماً (في الـ30 من كانون الأول/ ديسمبر الجاري)، وسط ترجيحات بأن تُستنفد المهلة كاملةً، وأن تُسند المهمة إلى أحد ما في ربع الساعة الأخير.

طُرح في الساعات الماضية اسم وزير التعليم العالي، قصي السهيل، كمرشحٍ لرئاسة الوزراء

هذه المعطيات تؤكّد – وفق مصادر «الأخبار» – أن الأسماء المتداولة حاليّاً هدفها «شراء الوقت، وتحسين شروط التفاوض على شخص رئيس الوزراء المقبل من جهة، وشكل الحكومة وحقائبها من جهة أخرى». وتذهب المصادر إلى القول إن «مهمة الحكومة المقبلة وعمرها سيحدّدان شكلها». وفي هذا الإطار، تسعى القوى السياسية – في لقاءاتها – إلى الإجابة عن جملة تساؤلات، من بينها إذا ما كانت الحكومة موسّعة أو مصغّرة، وحجم الصلاحيات الممنوحة لها، فضلاً عن توقيت إجراء الانتخابات النيابية المبكرة، وبالتالي حجم التعديلات التي ستطال قانونَي الانتخابات التشريعية و«المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» وموعد تمريرهما في البرلمان.
وفي انتظار الوصول إلى إجابات موحّدة، ثمة من يسعى إلى حرق المرشّحين لمنصب «حاكم بغداد». وفي هذا السياق، طُرح، خلال الساعات الماضية، اسما النائب عن «ائتلاف دولة القانون» محمد شياع السوداني، ووزير النفط الأسبق إبراهيم بحر العلوم، كخيارات بديلة من عبد المهدي. لكن زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، سارع إلى رفضهما، متسلّحاً كعادته بحساب «صالح محمد العراقي» لتوجيه رسائله. إزاء ذلك، تبرز دعوات بعض القوى «الشيعية» إلى ضرورة «إيجاد حلٍّ» بعيداً عن «عرقلات» الصدر ودعواته المخالفة للدستور، بل والركون إلى خيار يكون بمثابة «الأمر الواقع… والخيار الوحيد». إلا أن تلك الدعوات لا يبدو أنها «قابلة للتحقق»، خاصّة أن الصدر يجيد «لعبة الشارع»، التي يبتزّ من خلالها خصومه لإخضاعهم عند رغباته.

كذلك، طُرح في الساعات الماضية اسم وزير التعليم العالي، قصي السهيل، كمرشحٍ لرئاسة الوزراء، غير أن «الجيوش الإلكترونية» لبعض القوى والأحزاب سارعت إلى اتهام طهران بالوقوف وراء اختياره. وإلى جانب السهيل، برز رئيس «مجلس القضاء الأعلى»، فائق زيدان، كمرشح محتمل، بالتوازي مع حراك رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي، للعودة إلى تسنّم المنصب. أما زعيم «تحالف الفتح»، هادي العامري، فيأمل هو الآخر أن يُطرح اسمه كخيار توافقي، لكنه – بحسب المصادر – يُعدّ وجهاً «مستفزّاً» محلياً وإقليمياً ودولياً. وفيما يطرح أيضاً كلّ من النائب السابق علي شكري، ووزير التجارة الأسبق علي عبد الأمير علّاوي، لتبوّء المنصب، يبقى «البازار» مفتوحاً خلال الساعات والأيام المقبلة، مع ترقّب لبيان «المرجعية»، الجمعة المقبل، واحتمال تطرّقه إلى «صفات» رئيس الوزراء ومهام حكومته، ليعبّد طريق التكليف أمام القوى والأحزاب، المربكة منذ الجمعة الماضي.


على رغم المحاولات المستمرة لضبط «حفلة الجنون» التي تعصف بمدينة النجف جنوب العاصمة بغداد، وذلك في مسعًى لـ«الحفاظ على قدسيتها» لاحتوائها مرقد الإمام علي ومقرَّي «الحوزة الدينية» و«المرجعية الدينية العليا»، يسود الحذر المشهد الأمني هناك، في ظلّ مخاوف جدّية من عودة المواجهات إلى الشارع بين القوى الأمنية والمتظاهرين. وأسفر اجتماع ضمّ ممثلين عن المتظاهرين، وقيادة شرطة محافظة النجف، ووجهاءها، و«المعاون الجهادي لسرايا السلام» (الذراع العسكري لـ«التيار الصدري»)، ومدراء الأجهزة الأمنية، عن نزول «السرايا» بالزيّ المدني إلى الشارع للفصل بين المتظاهرين وضريح محمد باقر الحكيم، على أن يُسلَّم أيّ متظاهر يخرج من «ساحة الصدرَين» إلى الأجهزة الأمنية بوصفه «مندسّاً». لكن، ومع بدء تطبيق الاتفاق، انسحبت قوات «جهاز مكافحة الإرهاب» من أمام ضريح الحكيم، إثر احتكاكها مع قوات «السرايا».

ثلاثة سيناريوات لما بعد عبد المهدي

بغداد | لم تنجح استقالة رأس السلطة التنفيذية في العراق في تحجيم رقعة الاحتجاجات الشعبية التي دخلت شهرها الثالث. فبعد تصويت البرلمان مجتمعاً على قبول الاستقالة، رفع المتظاهرون سقف مطالبهم، داعين إلى إقالة رئيسَي الجمهورية برهم صالح، والبرلمان محمد الحلبوسي. في هذا الوقت، يحاول أطراف «البيت الشيعي» إيجاد توافق على بديل مناسب لعادل عبد المهدي، يحظى بقبول «المرجعية الدينية العليا» (آية الله علي السيستاني) أولاً، والمتظاهرين ثانياً. ويقول نائب عن «تحالف الفتح»، رفض الكشف عن اسمه، إنه بعد إعلان عبد المهدي استقالته بيوم واحد، عُقد اجتماعٌ ضمّ «ائتلاف دولة القانون» بزعامة نوري المالكي، و«تيار الحكمة» برئاسة عمار الحكيم، فضلاً عن تحالف الفتح الذي يرأسه هادي العامري، بحث «مواصفات» الرئيس العتيد، مضيفاً في حديثه إلى «الأخبار» أن «المجتمعين اتفقوا على ضرورة إشراك القوى السياسية كافة»، تجنّباً لـ«تكرار سيناريو تكليف عبد المهدي، ورمي فكرة المستقل خلف ظهور قادة القوى والكتل».

ثمة من ينشد ترشيح عبد الوهاب الساعدي لرئاسة الوزراء بوصفه «مرشّحاً شعبياً»

لكن، على الرغم من ذلك الاتفاق، لا يزال سيناريو ترشيح «شخصية استثنائية»، فيها «خليطٌ» من شروط «المرجعية» ومطالب المتظاهرين، مطروحاً. وهو ما يفرض تسمية شخص «حازم وقوي» يستطيع احتواء أزمة التظاهرات، ويعيد ترتيب أوراق الوضع الأمني المربك ويحظى بمقبولية الشارع، شريطة أن يكون «مستقلّاً» ومن التكنوقراط. لكن هذا الخيار سيعيد – بشكل أو بآخر – سيناريو تكليف عبد المهدي، الذي قُدّم إلى الشارع على أنه «مستقلّ»، وهو ما يتعارض أيضاً مع الطرح المُقدّم من قِبَل «سائرون»، والذي يمثل السيناريو الثاني. التحالف المدعوم من زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر أعلن تنازله عن حقّه في ترشيح رئيس الوزراء الجديد ليمنح رئيس الجمهورية، برهم صالح، حرية تكليف البديل، بعد تسمية «الكتلة الأكبر» من قِبَل المتظاهرين. وفي هذا الإطار، تحتمل مصادر سياسية مطلعة، تحدّثت إلى «الأخبار»، قيام «سائرون» بتبنّي مجموعة من المتظاهرين ينشدون ترشيح قائد قوات «جهاز مكافحة الإرهاب» السابق عبد الوهاب الساعدي بوصفه «مرشّحاً شعبياً» يحظى بثقتهم، الأمر الذي يتعارض مع توجهات قوى «شيعية» و«كردية»، رفض قادتها منح رئاسة الحكومة لشخصية لها جذور عسكرية.
أما السيناريو الثالث فيدور حول ترشيح شخصيتين، يصار إلى استفتاء شعبي لـ«اختيار الأفضل» من بينهما. وفي هذا السياق، تكشف مصادر عن توجّه تحالف «البناء» (المالكي والعامري وحلفاؤهما) والقوى «الكردية» وتحالف «القوى العراقية» (أكبر كتلة «سنية» في البرلمان يرأسها الحلبوسي) إلى جمع 177 توقيعاً لترشيح وزير النفط الأسبق، إبراهيم بحر العلوم، في مقابل شخصية ثانية من المحسوبين على المحور الأميركي – الخليجي، أو ذات جذور دينية لا تتناغم مع المحور الإيراني، كما هي حال جعفر الصدر، سفير بغداد الحالي في العاصمة البريطانية لندن.
في خضمّ ذلك الجدل، ثمة من يذهب إلى تبنّي مشروعٍ ظاهره نسف المحاصصة، وباطنه سحب بساط القيادة من تحت أقدام القوى «الشيعية»، والمضيّ في مشروع تكليف رئيس جديد للحكومة من خارج هذا المكوّن، الأمر الذي من شأنه تسعير الأزمة المشتعلة في البلاد، والدفع بها نحو مستويات أكثر خطورة مما هو قائم اليوم.

هل انتهى النظام البرلمانيّ؟

بغداد | ما من خطرٍ أحاق بالعملية السياسية في العراق سابقاً، كالذي نعيشه اليوم من مجهولٍ يُنذر بفوضى لا تُبقي ولا تذر. فبعد قبول البرلمان استقالة رئيس الوزراء عادل عبد المهدي، برزت تحركات الكتل السياسية نحو بديل لا يزال مجهولاً حتى اللحظة، على رغم وجود تسريبات متعمّدة لعدد من الأسماء التي تنتمي إلى أحزاب وكتل وتوجهات مختلفة. يوازي ذلك تصاعدٌ ملحوظ في الحراك الشعبي المستمر منذ 1 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ومطالبته بتغيير شكل نظام الحكم، وعدم اقتصار القضية على تنحّي رئيس الوزراء فحسب.

هذا المطلب ليس وليد التظاهرات القائمة، بل يمكن القول إنه استكمالٌ لمسار من تحذيرات أُطلقت منذ الشهر الأول من عمر حكومة عبد المهدي في تشرين الأول/ أكتوبر من العام الماضي. أوساط مراقبة للعملية السياسية حذّرت، آنذاك، من «عدم إكمال رئيس الوزراء ولايته»، بفعل استقالة مبكرة تسبق إتمام الرجل عامه الثاني في منصبه، ما يعني – وفقها – أن هذه الحكومة ستكون الأخيرة في النظام السياسي البرلماني القائم. اليوم، ومع استقالة عبد المهدي بعد 13 شهراً فقط من تسنّمه لأرفع منصب سياسي في حياته، تَبيّن أن التوجهات والرؤى المسيطرة على القرار داخل البرلمان وخارجه أنتجت أضعف حكومة عراقية «في عراق ما بعد 2003».
وفي ظلّ مطالبة الحركة الاحتجاجية وكتل سياسية نافذة بتعديلات دستورية، لا تزال الضبابية مخيّمة على المشهد بشكل يصعّب التفكير في معالم المرحلة القادمة. وعلى الرغم من أن أي عملية تعديل دستوري تحتاج إلى وقت كافٍ للصياغة والتصويت، إلا أن مداولات تعديل قانونَي الانتخابات التشريعية و«المفوضية العليا المستقلة للانتخابات» تقطع أشواطاً حذرة. ومن الطبيعي، أيضاً، أن يتأثّر أي توجّه إزاء شكل النظام السياسي القائم حالياً بمجموعة من التحديات، أهمها العامل الخارجي. وفي هذا الإطار، لم تبدِ طهران أو واشنطن موقفاً واضحاً، وهو أمرٌ لا يقلّ عنه أهمية صراع المحاصصة بين أركان العملية السياسية في البلاد؛ إذ أن «الأكراد» وأطرافاً من «السنة» و«الشيعة» لن يرضوا بأيّ شكل من الأشكال بنظام رئاسي أو حكم عسكري. والأخير روّج له بعض المحتجين الذين طرحوا اسم عبد الوهاب الساعدي كرئيس مؤقّت، إلى حين إجراء التعديلات الدستورية المفترضة، والتي قد لا تَحدث أساساً.
وفي ضوء معطيات المرحلة الراهنة، تبرز الحاجة إلى حوار وطني شامل للخروج بقاسم مشترك، ربما ينقذ العملية السياسية لنظام أوشك على الانهيار، بما لا ينذر إلا بالفوضى العارمة، التي إن نشبت ستعبّد الطريق أمام حكم العسكر، أو استقواء جهات عسكرية بالأوضاع لفرض أمر واقع، قد ينسف كلّ جهود احتواء الأزمة، ويشعل احتجاجات