الاخبار الاخبار السياسية

خيانة بتوقيت ترامب

ماذا كنتم تتوقعون من مشيخات صاحبة الجلالة؟

عندما يغيب عنصر المفاجأة يكون ردّ الفعل بارداً جداً. هذا الانطباع هو السائد إثر إشهار العدو الاسرائيلي وحكام أبو ظبي علاقتهما القديمة الى العلن، في سياق تشريع الكيان العنصري. سبب غياب المفاجأة أن العلاقات الفعلية بين حكام أبو ظبي والعدو تعود الى سنوات طويلة. فقد عمل البريطانيون، قبل الاميركيين، على فتح القنوات بين الجانبين منذ خمسين سنة على الاقل. وخلال فترة الانسحاب البريطاني من الخليج الفارسي (1968 – 1972)، كان هاجس المشيخات ليس فقط محاولة إقناع بريطانيا بعدم سحب قواتها من الخليج، والاستعداد لدفع كلفة الاحتلال كاملة وزيادة التعاون مع لندن، بل أيضاً بدء علاقات جديدة مع أميركا، الدولة التي يجد الزائرون من العالم العربي فيها لافتة تقول إن الطريق الى واشنطن يجب أن تمر عبر تل أبيب.

وقد زادت هواجس حكام هذه المشيخات ومخاوفهم مع القلق من التوسع الإيراني، ومن سعي آل سعود لحكم كل الجزيرة العربية، ومن صعود نجم عدو لدود اسمه جمال عبد الناصر. والخشية الاكبر كانت من التحركات الداخلية، عندما تعزّز التيار القومي العربي وتمدّد نفوذ الجبهات الاشتراكية واليسارية في جنوب الجزيرة ليصل الى انتفاضة شعبية مسلحة في عُمان، والى اضطرابات وعمليات اغتيال ونشاط سياسي في الامارات والبحرين والكويت، والى بناء دولة حكم شيوعي في جنوب اليمن. آنذاك، وقد استفادت عواصم المشيخات من خدمات أجهزة الامن الاميركية والبريطانية والاسرائيلية لمواجهة «الاختراقات المعادية» الآتية من عواصم مثل بيروت ودمشق والقاهرة وبغداد، في مقابل دفع المتوجبات عليها لحكومات الغرب، ولتمويل كل نشاط أمني ضد خصومها المحليين.
عندما ذهب أنور السادات الى القدس مستسلماً للعدو الاسرائيلي، كان يعرف تماماً أن له داعمين في مشيخات الجزيرة العربية على اختلافها. ومنذ مطلع الثمانينيات، انتقلت كل دول الخليج الى لعب دور المموّل للمحافظة على الانظمة العربية الرسمية، ودعم جبهات التطبيع مع العدو، بما في ذلك التيار اليميني في منظمة التحرير الفلسطينية. وسعت الى «الحياد» مع أعتى الخصوم، تحت عنوان أنها ليست خصماً لأحد، رافضة تبني خيار المواجهة مع العدو، وأي تعديل في شكل تبعيتها الكاملة للغرب الاستعماري.

لم تعرف مشيخات الخليج الاستقلال يوماً، ظل حكامها يستجدون احتلالاً غربياً قادهم سريعاً الى إسرائيل

وما شهدناه في بيروت، مؤخراً، من ظاهرة محترفي الدونية ومطالبتهم بعودة الاحتلال الفرنسي، هو عملة رائجة في كل دول الجزيرة العربية التي لم تخلُ يوماً من الوجود العسكري الغربي على أنواعه. حصل ذلك قبل غزو العراق للكويت، وقبل الحروب الأميركية على العراق وسوريا، على شكل ادارة كاملة ومطلقة لكل المنظومات العسكرية والأمنية والإدارية في هذه الدول، حيث كل تطور علمي مرهون بوجود «المستشار الاجنبي»، مع ترك القليل من الفولكلور لأبناء المنطقة. هذا ما حدث مع احتفاء بعض العرب بإطلاق «صاروخ إماراتي» إلى الفضاء، وهم يعرفون أن مشايخ أبو ظبي دفعوا أموالاً طائلة مقابل طبع علمهم على المركبة الفضائية لا أكثر ولا أقل.
اليوم، يعرف كل قاطني تلك البلاد، من أبنائها الى المقيمين، أنها بلاد محتلة عن بكرة أبيها. وإذا ما قرر الاستعمار تركها لأسبوع واحد، فستتعطل فيها كل مظاهر الحياة لا مظاهر القوة فقط. والأنكى أن هؤلاء الحكام صاروا يتورطون في التعامل مع الاستعمار وإسرائيل بصورة أكبر، وينفقون من كل الاحتياطي الموجود لديهم، وخلال العامين المقبلين، ستصرف هذه المشيخات أكثر من 450 مليار دولار من الصناديق السيادية. وحتى خلافاتهم في ما بينهم، تجري ترجمتها بالسعي الى كسب ودّ الاميركيين والاسرائيليين.
قراصنة الساحل العربي من بحر الخليج أُجبروا، بقوة الاستعمار البريطاني، على التحوّل إلى أطر أكثر تنظيماً قبل أن يجري جمعهم في بلديات على شكل دول، ومن ثم في أطر جغرافية وإدارية أكبر. وفي كل مرة، كان الاستعمار يحفر أسنانه أعمق داخل هذه الارض. وكان المشايخ يزيدون من فعالية تبعيتهم له. خلال العقد الاخير، صار الحديث عن العلاقة مع اسرائيل أمراً عادياً وعاماً ولا خجل فيه. ويوم ذهبت قطر وعمان الى تطبيع علني مع العدو، لم يكن البلدان يخشيان رد فعل أحد مجاور لهما. قادة قطر وعمان يعرفون تمام المعرفة حجم العلاقات التي تربط حكام بقية مشيخات الجزيرة مع إسرائيل. لكن خشية الدوحة ومسقط الكبيرة من جموح حكام الرياض وأبو ظبي، جعلتهما يتجاوزان حتى الجانب الشكلي، وذهبا الى أبعد ما يكون في التطبيع المباشر مع العدو. وهو الخطوة التي صارت مع الوقت تستخدم من قبل واشنطن وتل أبيب حجة على السعودية والبحرين والامارات بدرجة أولى، ومحاولة تمريرها على الكويت أيضاً، رغم أن الاخيرة تشهد وضعاً مختلفاً ومتنوّعاً قد يحول دون تطبيع سريع وقوي مع إسرائيل.
المأساة ليست في ما أعلن عنه، ولن تكون في نوعية التهليل والترحيب من قبل عملاء أميركا وإسرائيل في بلادنا ومنطقتنا، بل في أن هؤلاء الذين يسعون لرضى الغرب وإسرائيل، يستمرون في تدمير بلاد العرب، من اليمن الى سوريا والعراق وفلسطين وشمال أفريقيا. وهنا، سيتبيّن للجميع أن المعركة الحقيقية ستكون أكثر وضوحاً وأكثر فعالية.

بتوقيت ترامب

ليس ثمة ما يبعث على الدهشة، فقد ماتت منذ أمد بعيد، وإن تفاصيل «حبكة التطبيع» مع الكيان الإسرائيلي لم تعد خافية، فما كان يعتقد بكونها ترتيبات تحت الطاولة هي، في حقيقة الأمر، وعينا المغتصب بخضوعه تحت وطأة لعبة ثالوث الحقيقة والخطأ والخداع. فهناك من يحاول صنع خليط زائف من عناصر تلك اللعبة كيما تضيع آثار الخيانة. فإشباع الذاكرة الشعبية، على مدى سنين طوال، بأخبار عن لقاءات ثنائية بين مسؤولين عرب، وبخاصة خليجيين، ونظرائهم الإسرائيليين، ومشاركة شخصيات إسرائيلية في مؤتمرات خليجية، وزيارات لمسؤولين كبار لعواصم العرب، واستضافة وسائل الإعلام الخليجية (الإماراتية والسعودية والبحرينية) لطيف متنوع من الوزراء الإسرائيليين، سياسيين وأمنيين وعسكريين واقتصاديين، إضافة إلى سيل من التصريحات، والتغريدات، والمواقف المصمّمة لصنع رأي عام متصالح مع التطبيع… لم يكن عفوياً أو سقط متاع.

سردية التطبيع بين الإمارات والكيان الإسرائيلي لا تنطوي على بعد استباقي تنبّؤي، ولا تتطلب جهداً استثنائياً لقراءة الخلفيات والنهايات. ولي عهد الإمارات محمد بن زايد كان الأسرع في سباق التطبيع، وفي تنسيق المواقف الخليجية للوصول إلى الحبكة الأخيرة قبل لحظة المجاهرة. من نافلة القول، أنه هو من أسدى نصيحة لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الشهور الأولى من عهد والده (تولى في 23 كانون الثاني/يناير 2015) بأن أقرب الطرق إلى البيت الأبيض تمرّ عبر تل أبيب. أصغى ابن سلمان جيداً للنصيحة، وطبّقها حرفياً، وأخذ على عاتقه تمرير «صفقة القرن» بكل السبل طوعاً أو كرهاً. وما تصريحاته لمجلة «ذي آتلانتيك» في 3 نيسان/أبريل 2018 بأن للإسرائيليين «الحق» في أن تكون لهم أرضهم، وبأنه ليس هناك أي «اعتراض ديني» على وجود دولة إسرائيل، إلا أحد أوراق الاعتماد لدى الأميركي عبر القناة الإسرائيلية. لم تكن زلّة لسان مراهق في السياسة، فقد كان ابن سلمان يدرك تماماً ما كان يعنيه، وما يهدف من وراء ما يعنيه، وكل ذلك يندرج في سياق النصيحة الإماراتية.
ليس في إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن اتفاق إماراتي إسرائيلي لتطبيع العلاقات جديد، فالعمل جار منذ سنوات على تأهيل شروط اللحظة التطبيعية بين الكيان وعدد من الدول العربية. ما ينقص بلوغ «الشياع» هو عامل الوقت ليس إلا، فكان ميقاتاً انتخابياً بامتياز، أريد منه، على نحو دقيق، فعل إنقاذ في الوقت المستقطع للسباق الرئاسي.
أوراق ترامب الانتخابية تحترق تباعاً في سعير كورونا الذي يلتهم وعوده، على وقع الانتشار البرقي للوباء داخل بلاده، في ظل عجز شبه تام عن وقف تمدّد العدوى، وارتفاع أعداد الإصابات والوفيات، إذ تحتل أميركا المرتبة الأولى عالمياً (وتمثل ربع الإصابات على مستوى العالم بأكثر من 5 ملايين نسمة).

هذه العربة سوف تمرّ من المنامة، والدوحة، والخرطوم، وسوف تتزوّد بما يعينها على إرغام بقية المتردّدين

إخفاقات ترامب في الملف الصحي، وتالياً الاقتصادي والمعيشي، أوصلته إلى اقتناع بأن حظوظه في السباق الرئاسي تتناقص على نحو سريع للغاية. وقد أفصح علناً عن احتمالية خسارته في انتخابات تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وهذا يفسّر سلوكه الهستيري في الأيام الأخيرة. وقد بدا انتحارياً، وكان على استعداد لأن يذهب إلى أبعد الحدود في الخصومة مع غريمه الديموقراطي، جو بايدن، فاختار أن يتقمص دور «المكفّراتي»، ولكن بنسخة يمينية رديئة بشيطنة بايدن، متّهماً إياه بأنه «ضد الله وضد الإنجيل». كل مواقيت التطبيع تخضع لاعتبارات أطرافها المباشرين، ولكن هذه المرة فإن التطبيع كان إنقاذياً للراعي، أي لترامب الذي يستبدّ به ذعر الهزيمة الانتخابية وما بعدها.
لناحية الإمارات، فالتطبيع مع الكيان الإسرائيلي ليس عزفاً منفرداً، بل يمثل الصوت المبحوح للرباعية العربية (مصر والسعودية والامارات والبحرين). وسواء قرّرت الرياض أن تكون التالية في مسلسل الدول المطبّعة مع إسرائيل أو اختارت أن تدفع البقيّة إلى الحظيرة (بلغة الشاعر أحمد مطر)، قبل الالتحاق بها في الأخير، فذلك يتوقف على المفعول السياسي والانتخابي. وقد بات دخول البحرين إلى حلبة التطبيع مسألة وقت، ووقت قصير جداً، وسوف نشهد تسارعاً في حركة التطبيع خليجياً وعربياً في سياق «خطة طوارئ» إنقاذية ترفع من الرصيد الانتخابي للرئيس ترامب.
وإذا كان التطبيع الإماراتي الإسرائيلي يأتي في لحظة الموت السريري للنظام الرسمي العربي، ومرحلة تشظي أوطان العرب، والحروب الأهلية المشتعلة في أرجائها، فإن أخطر ما فيه أنه يمثّل الفرصة الاستثنائية لجني أرباح سنوات من التمهيد شاركت فيه دول، ومؤسسات إعلامية، وشخصيات نافذة ثقافية وأدبية (على مستوى الخليج بوجه خاص)، حتى باتت حجج التطبيع أقوى من حجة أصحاب الأرض، وبات التبجّح في وصم المقاومة الفلسطينية علناً ويملأ الفضاء العربي ويبث عبر فضائيات خليجية، فيما ينطق الإسرائيلي على لسان كتّاب وإعلاميين من أهل الدار.
إسرائيلياً، كان التطبيع فرصة لكسر طوق السرّية في العلاقات مع قادة عرب وخليجيين. كان نتنياهو، الغارق في أزماته الداخلية، بحاجة هو الآخر إلى «منقذ». وكان يردد مراراً أن لكيانه علاقات استراتيجية مع قادة عرب، وكأنه يستدرج إعلان العلاقات بدل إبقائها قيد السرّية، فشرعية الكيان الإسرائيلي متوقفة على إزالة موانع التعايش مع خصومه (أصدقائه الجدد)، وحين يتنفس في بحر بلا حدود.
لقد أبدى الخليجيون سخاءً غير معهود مع «أعداء الأمّة»، فيما غابوا، أيّما غياب، عن لبنان بعد فاجعة المرفأ في 4 آب/أغسطس الجاري. تلك هي «لحظة الخليج» التي بشّر بها الأكاديمي الإماراتي عبد الخالق عبد الله، مؤلف الكتاب بالعنوان نفسه. إن التموضعات الجديدة، أو بالأحرى المتجدّدة، لأقطاب خليجية تقودها السعودية والإمارات كفيلة برسم المشهد القادم، خليجياً على الأقل.
السؤال: هل نحن على موعد مع تحوّل تاريخي؟
الإجابة ليست بسيطة، ولكن ما يبطنه المشهد هو الآخر يحملنا على عدم الاطمئنان، في ظل حكومات تآكلت مشروعياتها الشعبية، ولكن في الوقت نفسه أوصلت شعوبها إلى نقطة القنوط واليأس من ولادة أمل جديد يبعث الروح في نفوس من تحطّمت أحلامهم داخل حدود «الأوطان المسروقة».
ما يلزم التأهب له في الأيام القادمة، وبعد الخطوة الإماراتية، هو مراقبة حركة عربة التطبيع التي سوف تحمل معها نذر بؤس العرب، وحصائد خيباتهم، وانقساماتهم. فهذه العربة سوف تمرّ من المنامة، والدوحة، والخرطوم، وسوف تتزوّد بما يعينها على إرغام بقية المتردّدين خوفاً أو المتوارين خجلاً. ليس في فعل التطبيع ما يستوجب الهلع، حين يصبح جماعياً، وكذلك العار، لا يغدو عاراً حين يكون سمة الجميع.
وإذا قلبنا المعادلة، مع الاعتذار للراحل العلاّمة محمد مهدي شمس الدين، بأن للدول ضروراتها وللشعوب خياراتها، فإننا اليوم، يا مولانا، أمام أخزى من الضرورة وأشنع من العار، والمطلوب هو أن تنوّع الشعوب خياراتها، لأن قبول الانزلاق إلى هاوية العار، يعني الفناء التام، ونحن ننتمي إلى أمة أبت إلا أن تتبعثر ولكن فعل مقاومتها باقِ وإن جاوز المطبّعون المدى.

هدية «عيال زايد» لبيبي: «السلام» مقابل لا شيء

يحمل الإعلان عن «اتفاق سلام» بين العدو الإسرائيلي والإمارات أكثر من بعد في المضمون والسياق، مع خصوصية إضافية تتصل بعنصر التوقيت الذي بدا تلبية لمصالح شخصية لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، والرئيس الأميركي دونالد ترامب. يُمثل الاتفاق ارتقاءً طبيعياً في مسار ثنائي، يبدو معه الإشهار كأنه تظهير رسمي لواقع قائم، أكثر من كونه تحوّلاً نوعياً في العلاقات. كذلك، تمثّل هذه الخطوة امتداداً لسياسة تطبيعية تنتهجها أنظمة الخليج مع العدو، بهدف تطويق الشعب الفلسطيني، ومن ثمّ وضعه أمام خيار التكيّف مع استمرار الاحتلال، وإضفاء الشرعية عليه. وفي هذا الإطار، يلاحظ أن النظام الإماراتي كان الأكثر وقاحة في التعبير عن سياسة تطبيعية تنطلق من أن قضية فلسطين تحوّلت إلى عبء ينبغي التخلّص منه بأيّ ثمن.على عكس السياق الطبيعي الذي يُفترض أن تتفوّق فيه دلالة المضمون على التوقيت، بدا التوقيت هذه المرة تلبية لمصالح يمينية إسرائيلية، وتحديداً لشخص نتنياهو، إضافة إلى مصالح ترامب، في ظلّ ما يواجهه كلّ منهما من تحدّيات على المستوى الداخلي. في ما يتعلّق بإسرائيل، تَظهر الخدمة التاريخية التي أسداها نظام الإمارات للكيان الاسرائيلي، بنسخته اليمينية المتطرفة، ذات وجوه متعدّدة، من ضمنها أنها جَسّدت معادلة «السلام مقابل السلام» في مقابل معادلة «الأرض مقابل السلام» التي انطلقت على أساسها عملية التسوية، وهو العنوان الذي تباهى به نتنياهو أمس في مؤتمره الصحافي. وتُمثل المعادلة الجديدة هدفاً رئيساً سعى إليه اليمين منذ عقود، في مقابل الطروحات التي كانت تربط التطبيع مع الأنظمة العربية بالتوصّل إلى تسوية نهائية حول القضية الفلسطينية. إلا أن اليمين الاسرائيلي، وبلسان نتنياهو، عمد إلى عكس طرح السلطة ومعسكر الانبطاح العربي أمام إسرائيل، بدعوته إلى التطبيع كمقدمة للتسوية.
أما الآن، فقد ارتقى الإنجاز اليميني الإسرائيلي إلى مستوى الحصول على «اتفاق سلام»، من دون التعهّد بتقديم أيّ أرض لدولة فلسطينية ولو من الناحية الشكلية، بل إن نتنياهو لم يتخلَّ عن تمسّكه ببسط السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية، فاضحاً بذلك المحاولة الغبية والفاشلة لولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد، لتبرير الاتفاق بأنه يأتي مقابل تعليق (وليس إلغاء) الضمّ. هَدَفَ هذا التسويق إلى تقديم الإمارات كما لو أنها قدّمت «تنازلاً» لمصلحة القضية الفلسطينية، فيما واقع قضية الضمّ يُظهر كذب هذه المقولة، إذ أعلن نتنياهو، قبل أيام، أن «الضمّ لن يتمّ إلا بدعم أميركي، وأن المخطط لم يعد ضمن أولويات الرئيس الأميركي»، وهو ما كرّره أمس في مؤتمره الصحافي.

فضح نتنياهو محاولة الإماراتيين الغبية تصوير الاتفاق ثمناً لتعديل مخطط الضم

كان نتنياهو يراهن على أن يعزّز الضمّ رصيده الشخصي، في مواجهة الضغوط القضائية والشعبية والسياسية التي تهدّد مستقبله السياسي والشخصي، خاصة بعدما تقرّر البدء بمحاكمته بمعدل ثلاث مرات في الأسبوع في كانون الثاني/ يناير المقبل. لكن، بعد فشل مخطّطه، بدا الاتفاق مع الإمارات بمثابة «الإنجاز» البديل لرئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي لم يتعهّد في المقابل بأيّ «تنازلات» للفلسطينيين، بل وحتى بأيّ تغيير في مشروع الضم، الذي تمّ تعليقه مؤقتاً لحسابات أميركية لا علاقة للإمارات بها.
في السياق الإقليمي، يُعدّ الاتفاق الإماراتي – الإسرائيلي جزءاً من مسار أوسع، وترجمة لمخطط تطبيعي يتصدّره النظام السعودي. لكن، ولخصوصية السعودية، يتمّ الدفع بالأنظمة المحيطة بها إلى صدارة القاطرة، ليُمثّل أيّ اتفاق بين تل أبيب والرياض المشهد النهائي في الفيلم التطبيعي.
أيضاً، يأتي الاتفاق بعد فشل رهانات المنظومة الخليجية في العراق وسوريا ولبنان وفلسطين، وفي مواجهة ايران ومحور المقاومة، الأمر الذي فرض على الطرفين، الإسرائيلي والخليجي، تظهير العلاقات بينهما، والتموضع علناً في خندق واحد.
من جهته، يحتاج الرئيس الأميركي إلى مثل هذا الإنجاز، بغض النظر عن مدى مساهمته في تعزيز مكانته المتدهورة على مسافة أسابيع من الانتخابات الأميركية. ومن هنا، يُفهم إعلان الاتفاق من قِبَل ترامب نفسه، الذي وصف الحدث بـ»اتفاقية سلام تاريخية». اللافت، كذلك، أن ترامب شارك في محاولة الترويج للمقولة الكاذبة بأن الاتفاقية تأتي في سياق تأجيل مخطط الضمّ، الذي بات واضحاً أنه لم يعد على جدول الأعمال الأميركي في هذه المرحلة.
أخيراً، ينبغي التذكير بأن ما هو قائم بين إسرائيل والإمارات سرّاً أكبر بكثير مما تمّ الإعلان عنه. ولذا، فإن أهمية الحدث لا تنبع من الاتفاق في حدّ ذاته، بل من الرسائل التي حملها إشهاره. وبحسب «القناة الـ 12» في التلفزيون الإسرائيلي، يمثّل الاتفاق «مأسسة لعلاقات كانت قائمة تحت الطاولة»، فيما أشارت قناة «كان» إلى أن «من دفع الثمن هو محمد بن زايد، الذي كان يحصل على ما يريد من تعاون استخباري وعسكري ضدّ إيران قبل الاتفاق، ولم يكن يتطلّع إلى أكثر من ذلك، بينما إسرائيل هي مَن كانت تريد الاعتراف والشرعية مقابل العالم العربي».

في البدء كان العتيبة

أحسن الإعلام الغربي صناعة صورة دولة «السلام والانفتاح». لكن السؤال الأكثر إلحاحاً، وإن كان مكروراً، يتأتّى عن ضرورة فهم ما فعلته الإمارات طوال سنواتٍ خلت، حتى وصلت، أمس، إلى «النهاية السعيدة»، على طريقة الأفلام الفاقدة أيّ إبداع وخيال. اتفاق تطبيع العلاقات بينها وبين إسرائيل، والمُراد تسويقه (وتعميمه) على أنه آخر إنتاجات الدبلوماسية الحديثة، كان دونه شغلٌ كثير تجسَّد، في النهاية، على صورة «انتصار» لإدارة ترامب.

لكن قبل ترامب وقبل العدوان على اليمن وقبل الاتفاق النووي الإيراني، وطبعاً قبل الحديث عن «الضمّ» (حذّر يوسف العتيبة من أنه «سيوقظ عنف المتطرّفين… وتصل أمواجه إلى المنطقة»)، اشتغلت جماعات الضغط الإماراتيّة (تقودها سفارة أبو ظبي في واشنطن)، صاحبة «القوة الهائلة» والتمويل السخيّ، بنشاط لتسويق رؤاها في السياسة، فضلاً عن مساعيها للتأثير على سياسة واشنطن الخارجيّة. عبر أدواتها و»دبلوماسييها»، ثبّتت الدولة المأزومة راهناً بفعل ما خلّفته تبعات وباء «كورونا»، معطوفةً على تدهور أسعار النفط، دورها كـ»حليفة (لواشنطن) لا يمكن الاستغناء عنه»، مرسّخةً علاقات تعود إلى عقودٍ مضت.
باكراً جداً سطع النجم الإماراتي في العاصمة الأميركية، حيث تمكّنت أبو ظبي من شراء نفوذٍ مدفوع الثمن. وسائل الإعلام الأميركية، التي ما فتئت تغازل الانفتاح الاستثنائي، و»الإرادة» المنقطعة النظير التي دفعت بلداً صغيراً إلى عنان السماء سالكاً رحلته إلى «الكوكب الأحمر»، حملت «الأمانة»، وكانت خيرَ حاملٍ. بدا لافتاً بين نهاية عام 2014 وبداية العام التالي، 2015، ما كُتب عن «شريك أميركا المفضَّل» في الحرب على الإرهاب. العلاقة بين البلدين، يصفها قائد القيادة الأميركية الوسطى، في حينه، الجنرال أنتوني زيني، بأنها «الأقوى من بين العلاقات التي تربط الولايات المتحدة مع باقي دول العالم العربي…». على المنوال نفسه، تضع «الإذاعة الوطنية الأميركية العامة» أبوظبي في مكانة «الشريك الذي لا غنى عنه بالنسبة إلى واشنطن»، فيما تعرض مقالة نُشرت في موقع «بلومبرغ» في كانون الثاني/ يناير 2015، آراء العتيبة، الذي يخلص إلى تكرار متلازمة «الاعتدال والانفتاح والتسامح».

تمكّنت أبو ظبي من شراء نفوذٍ مدفوع الثمن في واشنطن

متلازمةٌ، يقابلها – بالضرورة – موقف إماراتيّ متشدِّد إزاء تعريف «الإرهابي». موقفٌ جذبَ كثيرَ انتباهٍ في واشنطن المهتمّة «بالمعايير الصارمة جدّاً في تحديد التطرُّف»، على حدّ تعبير وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد. تطول «قائمة» الإمارات إلى درجة أنها تكاد تنافس تلك الخاصّة بالولايات المتحدة؛ وإلى «القاعدة» وداعش» و»الإخوان المسلمين»، اعترف العتيبة، أخيراً، بأن بلاده عارضت – على الدوام – أيّ نوعٍ من المقاومة: «لقد عرَّفنا حزب الله بأنه منظمة إرهابية، واستنكرنا تحريض حماس وأدنّا الاستفزازات الإسرائيلية»، وفق ما ورد في مقالته الشهيرة لـ»يديعوت أحرونوت» في حزيران/ يونيو الماضي. في الإطار عينه، نصح «معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى»، ضمن تقرير نشره بداية عام 2015، الولايات المتحدة في إطار تعزيز شراكتها مع الإمارات، بأن «تحاول إيجاد طريقة لتشجيع هذا المنحى على نحو أكثر فعالية»، لأن ذلك «يشكِّل العنصر المكمّل المناسب لتوسيع نطاق العمل المتعلّق بمكافحة الإرهاب مع شريك ملتزم…».
النفوذ الإماراتي، وحسنُ السيرة، لم يكونا خاصّين بالإدارة السابقة كما هو واضح؛ إذ احتضن ترامب أبو ظبي، حتى قبل أن تطأ قدماه البيت الأبيض. وبعيد تتصيبه في 2017، استقبل ولي عهدها، محمد بن زايد، «الشخص المميّز الذي يحبّ بلده ويحب الولايات المتحدة». غاية الإمارات ومُنتهاها كان إرضاء الحليف الأميركي، كما تُبيّن كل السياقات المؤدّيه إلى «الإعلان الكبير». شهدت السنوات القليلة الماضية، ازدياداً على نحو غير مسبوق في التعاون الاقتصادي والأمني بين الجانبين الإسرائيلي والإماراتي، وذلك، كما تقولان، في ظلّ «التهديد المشترك» الذي تمثّله إيران. في الحقيقة، تلفت «فورين بوليسي»، في سياق تقرير لها أعقب مقالة العتيبة، إلى أن «العلاقة المتنامية بين الإمارات وإسرائيل هي نتاج كلّ ما هو غير طبيعي». فمثل نظيراتها في الخليج، «الإمارات دولة بوليسية ملكية؛ أما تحوّلها نحو ثقافة التسامح، فلا يعدو كونه جزءاً من الاستجابة الاستراتيجية للغاية، للتهديدات الجيوسياسية: مواجهة إيران، فضلاً عن الوصول إلى التكنولوجيا الإسرائيلية (ولا سيما الأساليب الرائدة التي طوّرتها الشركات الإسرائيلية الناشئة في الزراعة الصحراوية، وتحلية المياه، والتجسّس الإلكتروني)، والمشاركة في الأبحاث الطبية لمكافحة الوباء». الإمارات كما السعودية والبحرين، «ليست سوى استثمار» في «صفقة القرن»، حتى إن العتيبة نفسه كان واحداً من السفراء العرب الثلاثة الذين حضروا في البيت الأبيض، يومَ أعلن ترامب خطته في كانون الثاني/ يناير الماضي. يقول العتيبة: «لسنوات، أبدت الإمارات دعماً دؤوباً للسلام في الشرق الأوسط. لقد شجعنا التدخلات الهادفة إلى الحدّ من الصراع، وساعدنا في خلق الحوافز بسياسة الجزر بدلاً من العصي»، و«رغبنا في أن نؤمن بأن إسرائيل هي فرصة وليست عدواً»…

من قمة الطاقة إلى «السلام»… أبرز محطّات التطبيع

قد لا يكون مفاجئاً إعلان إسرائيل والإمارات، أمس، اتفاقهما المشترك على التطبيع الكامل للعلاقات بينهما؛ إذ إن الاتفاق الذي قُدّم، أمس، وكأنه قربان تأجيل ضمّ مساحات واسعة من الضفة الغربية والأغوار الأردنية المحتلّتين، لم يكن سوى تتويج لكلّ المراحل السابقة، ووضعها في إطار يُنظّم الحلف بين الجانبين قبيل إشهاره. في خلال السنوات الماضية، خاضت أبو ظبي وتل أبيب جهوداً حثيثة لتطبيع علاقاتهما، والارتقاء بها إلى مكانة الحلف بحجّة العداء المشترك لإيران. وقد كانت لهذه الجهود وجوه عديدة، سياسية وأمنية وعسكرية واجتماعية وصحّية وتكنولوجية وسياحية.

في ما يلي أبرز محطّات التطبيع بين الجانبين:
-منذ العام 2010، بدأت إسرائيل سلسلة من اللقاءات بين مسؤولين عن وزارة خارجيتها، وممثلين رسميين لنظام الحكم في الإمارات، بحسب تقرير لصحيفة «هآرتس» في تاريخ 31/10/2010. وفي العام نفسه، كان وزير البنى التحتية الإسرائيلي، عوزي لانداو، قد شارك في مؤتمر «القمة العالمية لطاقة المستقبل 2010» في أبو ظبي.
– مطلع العام 2014، شاركت بعثة إسرائيلية برئاسة وزير الطاقة، سيلفان شالوم، في مؤتمر الدورة الرابعة للجمعية العامة لـ»المنظّمة الدولية للطاقة المتجدّدة» في أبو ظبي، والذي حضرته 151 دولة من مختلف أنحاء العالم، فيما قاطعته الكويت بعد احتجاجها على مشاركة إسرائيل فيه.
– عام 2015 كان عاماً مفصلياً في العلاقات بين الجانبين؛ إذ افتُتحت فيه أوّل ممثلية دبلوماسية إسرائيلية في الإمارات تحت مظلّة عضوية تل أبيب في «الوكالة الدولية للطاقة المتجدّدة» (IRENA) التابعة للأمم المتحدة. وفي العام نفسه، أحيا الحاخام اليهودي، شالوم ديكشتاين، لأول مرّة، عيد «الحانوكا» (الأنوار) في أبو ظبي.

عام 2019، أعلنت إسرائيل تلقّيها دعوة للمشاركة في «إكسبو دبي 2020» بشكل رسمي

– عام 2016، وصل وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينيتس، إلى أبو ظبي، في زيارة سرّية التقى خلالها مسؤولين في الإمارة، وبحث معهم سبل التصدّي لإيران.
-عام 2017، شاركت الإمارات مرّتين في مناورات جوية مع سلاح الجو الإسرائيلي والأميركي والإيطالي واليوناني.
-عام 2018، زارت وزيرة الثقافة والرياضة الإسرائيلية، ميري ريغيف، الإمارات، على رأس وفد رياضي من تل أبيب، كان يشارك في بطولة الجودو «غراند سلام» في أبو ظبي. وقد سُمح لعناصر الوفد بالدخول بجوازات السفر الإسرائيلية، وإظهار رموزهم وأسمائهم على بطاقات التعريف الخاصة بهم. وفي هذه الزيارة، رُفع العلم الإسرائيلي في البلاد، وأُنشد النشيد الرسمي «هتكفا» (الأمل)، في ما اعتبرته إسرائيل «تأريخاً لمرحلة مهمّة من تطبيع العلاقات بين الجانبين».
– عام 2019، أعلنت إسرائيل تلقّيها دعوة للمشاركة في «إكسبو دبي 2020» بشكل رسمي. وبحسب ما كشفته صحيفة يديعوت أحرونوت في 6/11/2019، فإن رئيس جهاز «الموساد»، يوسي كوهين، هو مَن نَسّق مع الإماراتيين مسألة مشاركة الإسرائيليين في المؤتمر والسياحة في دبي، بعد دخولهم البلاد بجوازات سفرهم الإسرائيلية. وفي العام نفسه، بحثت إسرائيل مع عدد من الدول الخليجية، على رأسها الإمارات، توقيع «اتفاق اللا حرب».
– عام 2020، شارك فريق إسرائيلي لركوب الدرّاجات الهوائية في مسابقة إماراتية تحت اسم «طواف الإمارات 2020»، أقيمت في شهر شباط/ فبراير الماضي. وفي شهر حزيران/ يونيو الفائت، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، توقيع تفاهمات مع الإمارات للتعاون المشترك في مواجهة جائحة كورونا. وقبل ذلك الإعلان، كانت الإمارات قد أرسلت طائرات مساعدات طبّية إلى إسرائيل، وطائرتين اثنتين للسلطة الفلسطينية التي رفضتها بدورها. كما كانت لافتة، في الشهر نفسه، مقالة السفير الإماراتي لدى واشنطن، يوسف العتيبة، في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، والتي خاطب فيها الإسرائيليين، مستجدياً إيّاهم الحفاظ على «الحلف المقدّس» مع دولته. وفي شهر تموز/ يوليو الماضي، وقّعت شركة الصناعات الجوية الإسرائيلية على اتفاق تعاون مع شركة «Group 42» الإماراتية. وأخيراً، في تاريخ 13/8/2020، أعلنت إسرائيل والإمارات التوصّل إلى «اتفاق سلام»، على أن تُوقّعا عليه خلال الأسابيع المقبلة برعاية أميركية.

فصائل المقاومة عن «النكتة السمجة»: ستُكنَس كما سبقها

غزة | أزاحت أبو ظبي، رسمياً، الستار عن علاقاتها السياسية والأمنية والتجارية مع دولة الاحتلال، بعيد الإعلان الرسمي عن الاتفاق بينها وبين الكيان على التطبيع الكامل، برعاية أميركية.

ويأتي هذا الإعلان بعد تكثيف الإمارات استهدافها السياسي والإعلامي للمقاومة الفلسطينية، وتمهيدها لهذه اللحظة بسلسلة خطوات أرادت من خلالها شيطنة الفلسطينيين.
وقوبل الإعلان الإماراتي – الإسرائيلي بموقف منددّ من الفصائل الفلسطينية، التي عدّته نتيجة من نتائج «صفقة القرن»، ووصفته بأنه «طعنة غادرة». حتى السلطة الفلسطينية ندّدت، هي الأخرى، بالاتفاق، الذي اعتبره عضو اللجنة المركزية لحركة «فتح»، عباس زكي، «خيانة ومؤامرة تستوجب طرد أبو ظبي من الجامعة العربية».
من جهته، رأى نائب الأمين العام لـ»الجبهة الشعبية»، عمر شحادة، أن الاتفاق «تعبير عن دور أبو ظبي في تمرير صفقة القرن»، فيما قال ممثل حركة «الجهاد الإسلامي» في بيروت، إحسان عطايا، إن «الاتفاق محاولة لقطع الطريق على إيران من خلال تثبيت الوجود الصهيوني الشرعي في الإمارات».
حركة «حماس»، التي رفضت و»الجهاد» عرضاً إماراتياً العام الماضي بإغداق الأموال على غزة مقابل التخلّي عن العلاقة مع إيران، رأت أن «الاتفاق يشجّع الاحتلال على التنكّر لحقوق الشعب الفلسطيني»، معتبرة أنه «جاء لإنجاح ترامب في الانتخابات ومنح نتنياهو قوة إضافية»، واصفة تبريره بوقف خطة الضم بأنه «نكتة سمجة»، ومشددة على أن «وحدة الشعب الفلسطيني وتعزيز مقاومته هما السبيل الوحيد إلى كنس هذا الاتفاق وغيره». والجدير ذكره، هنا، أن العروض الإماراتية السابقة للفصائل الفلسطينية تلازمت والعروض السعودية في إطار «صفقة القرن»، ونُقلت إلى غزة عبر الوسيط المصري.
أما القيادي «الفتحاوي» السابق، محمد دحلان، الذي آثر وفريقه الصمت، فتولّت قناته «الغد» الترويج للاتفاق بوصفه «مكسباً سياسياً». وكانت علاقة دحلان مع «حماس» توترت أخيراً، بعيد اكتشاف الأخيرة تورّط عناصره في دعم التأليب الإعلامي ضدّ الحركة. كما أن جهود دحلان المرتبطة بما سُمّي «المصالحة المجتمعية» تَجمّدت، شأنها شأن مشاريع «لجنة التكافل»، وذلك على خلفية «الأزمة المالية الإماراتية»، بحسب ما علمت «الأخبار» من مصادر مطلعة، فيما تعزو مصادر أخرى من داخل تيار دحلان الأمر إلى رفض الرجل «أن يكون صرافاً آلياً» من دون دور سياسي.
في غضون ذلك، هاتف رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، إسماعيل هنية، رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. ووفقاً لعضو «مركزية فتح»، جبريل الرجوب، فإن «حماس وضعت نفسها تحت تصرف الرئيس في التعبير عن الموقف الفلسطيني». واستدعت السلطة، من جهتها، بناءً على طلب «أبو مازن»، السفير الفلسطيني من الامارات. ورفضت رام الله، سابقاً، استقبال مساعدات إماراتية لمواجهة كورونا. كما اتهمت أبو ظبي بالوقوف خلف دعم دحلان وحمايته ومحاولة تصديره كبديل من عباس.