سلط موقع “ميدل إيست آي” في تقرير له الضوء على مستقبل الشرق الأوسط في عهد رئيس أمريكا الجديد جو بايدن. بعدما خلف له ترامب تركة ثقيلة بالمنطقة العربية بسبب سياساته الحمقاء.
وقالت الصحيفة في التقرير الذي نشر بعنوان: “دونالد ترامب في الشرق الأوسط: قصة رابحين وخاسرين كبار”، إنه رغم إصرار الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب على التشبث بالمنصب حتى الآن. فإن الرئيس المنتخب جو بايدن سيواجه التحدي الأكبر في سياسته الخارجية في الشرق الأوسط، حيث ترك ترامب إرثا ثقيلا أعاد تشكيل المنطقة المتوترة، فمن ربح ومن خسر؟
وبدأ التقرير الذي أعده أوسكار ريكيت، باستذكار زيارة ترامب للسعودية وإسرائيل، ففي يوم الأحد 21 مايو 2017، بعد أربعة أشهر من تنصيبه رئيساً للولايات المتحدة. دخل دونالد ترامب غرفة مظلمة في المركز العالمي لمكافحة الفكر المتطرف في العاصمة السعودية الرياض. وقف ترامب هناك إلى جانب الملك المضيف سلمان، والرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، ووضع يديه على كرة متوهجة مُثبَّتة فوق قاعدة،
ثُمَّ نظر إلى وسائل الإعلام المجتمعة.
وعند افتتاح المركز أذِن الرئيس الجديد بـ”إعلان واضح بأنَّه يتعين على البلدان ذات الغالبية المسلمة أن تتولى دور القيادة في محاربة التطرف”.
كان هناك موضعا تركيز كامنان وراء هذا التصريح: اعتقاد بأنَّ “الإسلام يكرهنا”، على حد تعبيره في مارس/آذار 2016. وقناعة بأنَّه حان الوقت لتولي حلفاء أمريكا العمل الذي كانوا يعهدون به من قبل للولايات المتحدة.
على الصعيد المحلي، تأكَّدت الطبيعة الإسلاموفوبية (تتسم برُهاب الإسلام) لإدارة ترامب في أسبوعه الأول في المنصب، بتوقيعه القرار التنفيذي رقم 13769، المعروف باسم “حظر المسلمين”. الذي علَّق دخول مواطني مجموعة من الدول ذات الغالبية المسلمة إلى الولايات المتحدة.
ترامب ونتنياهو
بدأ ترامب زياراته الخارجية بالسعودية، ثُمَّ ذهب لاحقاً إلى إسرائيل، حيث نزل من الطائرة ليجد سجادة حمراء ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي عانقه بذراعيه وكرَّر قوله: “مرحباً بك صديقي العزيز”. زار ترامب بعدها الحائط الغربي (حائط البراق). ليصبح أول رئيس لا يزال في المنصب يقوم بذلك. وقال في مؤتمر صحفي إنَّه حان الوقت كي تُوقِف إيران “تمويلها المميت” لـ”الإرهابيين والميليشيات”.
وتبيَّن لاحقاً أنَّ تلك اللحظات كانت مهمة، وهي تستحق أخذها في الاعتبار الآن، وجو بايدن المنافس الديمقراطي يستعد للحلول رئيساً محل ترامب.
في وقت كتابة هذا الموضوع يبدو مستبعداً أن تكون عملية انتقال السلطة سلسة، ومن المنتظر أن يسيطر الديمقراطيون على مجلس النواب. في حين يُرجَّح أن يحافظ الجمهوريون على سيطرتهم على مجلس الشيوخ، وقد لا تجد الإدارة المقبلة مجالاً كبيراً للمناورة.
وربما لا يكون من السهل التراجع عن مواقف السياسة الخارجية التي اتخذها البيت الأبيض خلال السنوات الأربع الماضية. ومن الجدير بالملاحظة أيضاً أنَّ بايدن، المُجسِّد لمؤسسة الديمقراطيين التي نظرت إلى التغيير الممنهج الذي قدَّمه بيرني ساندرز باعتباره خطيراً بنفس قدر ترامب، قد لا يملك رغبة حقيقية للتراجع عن تلك المواقف.
ابن سلمان وخاشقجي
كانت تلك المواقف أكثر ثباتاً حين تعلَّق الأمر بالسعودية وإسرائيل، فخلال ولاية ترامب في المنصب، حصل هذان الحليفان على دعم دبلوماسي وسياسي من الولايات المتحدة أكثر من أي دولة أخرى.
كان هذا الدعم موجوداً جنباً إلى جنب مع التأييد الشخصي لنتنياهو ومحمد بن سلمان، ولي العهد الذي يقول عن نفسه إنَّه مُحدِّث السعودية. والذي ارتبط بصورة مباشرة بعدد من انتهاكات حقوق الإنسان،
بما في ذلك قتل الصحفي جمال خاشقجي.
كان هذا التأييد متبادلاً، وإن كان مِن سمةٍ تُحدِّد السياسة الخارجية التي تبدو غريبة في ظل هذا الرئيس،
فهي وَلَعُ ترامب بالمستبدين الذين يمكنه مزاولة الأعمال معهم، قادة الدول الذين تجعل مصالحهم الشخصية النهمة إبرام الاتفاقات معهم ممكناً.
والأهم من ذلك أنَّ الرئيس كان أقرب إلى دمية أو أحمق مفيد في يد سلسلة من مستشاري السياسة الخارجية، الذين كانت آراؤهم تُعتَبَر متطرفة بمعايير واشنطن. وكان ترامب يسأم من أولئك المستشارين بعد حين (أو هم يسأمون منه). ثُمَّ يغادرون البيت الأبيض كي يكتبوا كتاباً عن كيف كان رئيسهم أحمقَ، ليغسلوا سمعتهم أثناء ذلك عادةً.
فلسطين وإيران
كان العداء تجاه إيران، والدعم القوي لإسرائيل، والاهتمام الانتقائي بالديمقراطية، والولع بالحكام المطلقين هي دوماً ملامح السياسة الخارجية الأمريكية. لكن كما هو الحال مع الكثير من الأمور خلال رئاسة ترامب، شُوِّهَت تلك الملامح بأقصى صورها، وكان الضحايا المعتادون -الفلسطينيون، واليساريون، ومناصرو الديمقراطية، والمسلمون- في موقف أسوأ بكثير عند نهاية ولايته مما كانوا عليه قبل أربع سنوات.
طريق ترامب إلى البيت الأبيض
كان ترامب رجلاً شهيراً قبل عقود من تحوله إلى رئيس. ومن المنصف غالباً القول إنَّ ترامب، وهو نجل لمليونير في قطاع العقارات في نيويورك وكان يقضي وقته أمام الكاميرات قدر الإمكان، لم يسبق قط وأن شغل ذهنه كثيراً بقضية السلام في الشرق الأوسط.
لكن من الصحيح أيضاً أنَّنا أمام رجل كان لديه مشاعر وأحكام مسبقة مميزة للغاية، وكان ينظر إلى الحياة باعتبارها كفاحاً من أجل الهيمنة. وكان يُقدِّر فن إبرام الصفقات أكثر من أي شيءٍ آخر.
وحين يتعلَّق الأمر بالعالم بصفة عامة، كانت إحدى الأفكار المشتركة التي لجأ إليها ترامب خلال عقوده التي قضاها باعتباره أحد مشاهير قطاع العقارات وتلفزيون الواقع هي أنَّ البلدان التي تتمتع بشكل ما من أشكال الحماية العسكرية الأمريكية لا تدفع مقابل ذلك، أنَّها عَلَقات مُستنزِفة لأمريكا. وأنَّ القادة الأمريكيين يُنظَر إليهم باعتبارهم مغفلين. واستمرت هذه الفكرة داخل حملته الانتخابية. وكانت حاضرة بشكل خاص في موقفه تجاه حلف شمال الأطلسي (الناتو).
حلب أموال السعودية
بحلول الوقت الذي بدأ فيه دونالد ترامب حملته الانتخابية الرئاسية عام 2015، بدا أنَّ موقفه بشأن السعودية قد تغيَّر. فقال في واحدٍ من حشوده الانتخابية في 2015: “أنسجم معهم جميعاً في السعودية جيداً، إنَّهم يشترون الشقق مني، وينفقون 40 و50 مليون دولار. هل من المفترض أن أكرههم؟ إنَّني أحبهم كثيراً”.
وتغيَّر هذا النهج تجاه السعودية في جوهره قليلاً بمجرد أن صار ترامب رئيساً، ففي أولى زياراته الخارجية بصفته رئيساً للولايات المتحدة، استمتع هو وعائلته بتنقلهم في عربات جولف ذهبية، وحضور حفل بقيمة 75 مليون دولار أُقِيم على شرفه، اكتمل بعرشٍ أُعِدَّ كي يجلس عليه، شعر ترامب في الخليج وكأنه بمنزله.
وبعدما تصادق صهر ترامب ومستشاره جاريد كوشنر، مع محمد بن سلمان، الذي صار ولياً للعهد في يونيو/حزيران 2017 وأصبح زعيماً بحكم الأمر الواقع للمملكة، أعاد ترامب التأكيد على تحالف كان يضعف ببطء منذ بداية القرن الحادي والعشرين.
في حين أحبَّ ترامب، وبالخصوص كوشنر، بوضوح محمد بن سلمان شخصياً، كان السبب الحقيقي وراء دعمهم له هو المال والنظرة التجارية التي ينظر بها الرئيس إلى العالم، إذ تعهَّد ولي العهد السعودي باستثمارات، وتعهَّد بتقديم المزيد من المال مقابل شراء الأسلحة الأمريكية.
وفي مؤتمر صحفي في اليابان، في يونيو/حزيران 2019، أشار ترامب إلى بن سلمان باعتباره “صديقاً عظيماً لي”، بأنَّه رجل “قام بأمور في السنوات الخمس الأخيرة من حيث فتح السعودية… لاسيما بالنسبة للنساء”. وعند سؤاله أكثر من مرة عن خاشقجي تجنَّب ترامب الأسئلة.
وكان ترامب قد استخدم قبل شهرين من ذلك، في أبريل/نيسان 2019، حق النقض (الفيتو) ضد مشروع قانون من الحزبين لإنهاء المشاركة العسكرية الأمريكية في حرب السعودية باليمن.
كوشنر حامي مؤخرة ابن سلمان
تحددت سياسة ترامب تجاه الشرق الأوسط بصهره جاريد كوشنر. وموظفين سابقين في مؤسسة ترامب: محامي الإفلاس ديفيد فريدمان، ومحامي العقارات جيسون غرينبلات.
كان فريدمان، الذي أصبح سفير الولايات المتحدة لدى إسرائيل، داعماً ومتبرعاً للمستوطنات غير الشرعية على الأراضي الفلسطينية المحتلة. وتولى غرينبلات، المدافع عن المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية، منصب مبعوث الرئيس الخاص لمفاوضات الشرق الأوسط. وأصبح أحد كبار مهندسي ما يُسمَّى “صفقة القرن”. وفي ظل كون كوشنر صديقاً عائلياً لعائلة نتنياهو، كانت الاحتمالات تتراكم بقوة ضد الفلسطينيين.
أسقطت الولايات المتحدة التزامها طويل الأمد بحل الدولتين، بعد لقاء جمع في فبراير/شباط 2017 بين ترامب ونتنياهو. وأعلنت واشنطن في ديسمبر/كانون الأول 2017 أنَّها ستنقل سفارتها لدى إسرائيل إلى القدس.
حين تحققت الخطوة في مايو/أيار 2018، بكى أديلسون من الفرحة، وفي نفس ذلك اليوم قتلت القوات الإسرائيلية أكثر من 60 فلسطينياً في يوم واحد، بعد احتجاجهم دفاعاً عن حقهم في العودة إلى أراضي أجدادهم.
كان ذلك بعد أربعة أشهر من إعلان البيت الأبيض تخفيض تمويله المزمع لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) بمقدار النصف، واقتُطِع باقي التمويل قبل نهاية العام.
الشرق الأوسط في أسوأ حالاته
حين طُرِحَت خطة ترامب للسلام في الشرق الأوسط، في يناير/كانون الثاني 2020، كانت أسوأ حتى مما خشاه الكثير من منتقديه.
وأعقب خطة السلام هذه اتفاقات التطبيع بين إسرائيل والإمارات، ثم بين إسرائيل والبحرين، ثم مع السودان.
ومن الممكن جداً أن تحذو دول عربية أخرى حذو تلك الدول، وسارع كوشنر بالاحتفاء بأنَّه هو وحماه كسرا عقوداً من التضامن بين تلك الدول، فيما يتعلَّق بفلسطين.
ففي الماضي، لم يكن هناك سلام مع إسرائيل من دون بعض العدالة لفلسطين، لكن هذا الاتفاق فُرِض على الأرض بفعل نظام إقليمي جديد، يتزعمه نتنياهو والمملكتان الخليجيتان السعودية والإمارات. التي يتمتع انطلاقاً منها ولي العهد محمد بن زايد بنفوذ كبير على كلٍّ من ترامب ومحمد بن سلمان.
دكتاتور ترامب المفضل
وفي مصر، وصف ترامب الرئيس عبدالفتاح السيسي، وهو مستبد آخر، بـ”القاتل”، ويستخدم الرئيس الأمريكي هذه الكلمة بطريقتين، حرفياً وباعتبارها إشارة إلى الألمعية في مزاولة الأعمال. وكلا المعنيين يناسب السيسي، الذي أشار إليه ترامب أيضاً باعتباره “ديكتاتوره المفضل”.
وفي حين انتهى الأمر بأوباما وهو ينزع ضمنياً الدعم عن حسني مبارك، دعم ترامب السيسي بنشاط، وبينما يجب الاعتراف بأنَّ ترامب قطع بالتأكيد شوطاً ما للوفاء بوعوده بسحب الآلاف من القوات من أفغانستان والعراق وسوريا، لا يزال الآلاف من تلك القوات بالخارج في الميدان.
انتهاء عصر الترامبية
وتزايد القتلى المدنيون بسرعة الصاروخ، وزادت ضربات الطائرات بدون طيار، التي تزايدت في عهد أوباما أكثر من عهد ترامب. وألغى الرئيس الجمهوري في مارس/آذار 2019، سياسة تتطلَّب من مسؤولي الاستخبارات نشر عدد القتلى المدنيين في الغارات، التي تُنفَّذ بالطائرات دون طيار خارج مناطق الحروب.
ينتهي عهد دونالد ترامب بصفته رئيساً وقد تفاقمت بشدة الكثير من أسوأ نزاعات أمريكا كقوة عالمية مهيمنة، وتخلَّت تقريباً عن بعضٍ من أفضلها. ذهب ترامب إلى مسألة إسرائيل وفلسطين بالحماس المُشتَّت، الذي يميز طبيعته كصانع صفقات متباهٍ، مؤدياً في النهاية إلى أحلك الكوابيس الفلسطينية.
لقد أظهر ترامب للعالم كيف تكون أمريكا في أسوأ حالاتها: موطناً للظلم الشديد، تحكمها قلة ثرية، وقد ترك هذا الرئيس وإدارته المنطقة في حالة يُرثى لها.