قد لا تتمكن عشرات الآلاف من الأمهات في أفغانستان من إيصال أطفالهن إلى المدرسة في عام 2022، لأن أطفالهن سيتضوّرون جوعا حتى الموت في أزمة تعد الأشد، بعد قرار الحكومة الأمريكية بتجميد 9.5 مليار دولار من احتياطيات أفغانستان، المودعة في البنوك الأمريكية.
وقال موقع ” monitordeoriente “، في تقرير موسع إن ما فعلته الولايات المتحدة الأمريكية حقيقة مؤلمة، سيخرج من خلالها الاقتصاد الأفغاني عن نطاق السيطرة، كما سَينهار النظام المصرفي الرسمي بسبب عدم وجود سيولة كافية في خزائن البلاد.
حتى أن الخدمات الأساسية ستصاب بالشلل بسبب عدم وجود أموال لدفع الأجور أو شراء الطعام.
وأشار الموقع إلى أن قرار واشنطن بشن حرب قاسية جديدة على أفغانستان سيضر بآلاف الأبرياء في المنطقة.
لا تلومون طالبان
وعلى الرغم من أن المحللين الغربيين من الجناح اليميني، والطبقات الغربية الثرثارة والجاهلة، سوف يلومون طالبان على هذا الوضع المأساوي، إلا أنه لا يساورنَا شك في أن هذا العمل يحمل كل بصمات الحقد والنكاية وحب الانتقام. وفق ما ذكر الموقع.
هذا الانتقام المتعمد يستهدف بشكل مباشر المجتمع الأفغاني في المناطق الريفية، لأنهم أولا غير مقاتلين، ولم يقاوموا حركة طالبان، مما جعل تسييرها سهلا نسبيا، حيث سيطرت بهم طالبان على البلاد. علاوة على ذلك، لم يكن من الممكن تحقيق التقدم السريع للحركة وانتصارها في أغسطس دون إرادة الأفغان العاديين، إلى جانب استسلام الجيش الوطني الأفغاني المحبط، الذي تدربه الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، حسب ترجمة صحيفة “وطن”.
العقوبات الأمريكية على فلسطين
لم تنظر الولايات المتحدة أبدًا بإيجابية إلى حرب الإذلال، التي شنتها المعارضة في الخارج.، حيث يذكر أن العقوبة التي فرضتها على الفلسطينيين، بعد انتخابات 2006 الديمقراطية، تألفت من عقوبات قاسية وعقوبة عزلة دولية.
حيث غضبت الولايات المتحدة عندما رأت حماس تكتسح نصرا مقنعا على حركة فتح العلمانية في الانتخابات البرلمانية الفلسطينية.
وعليه، كان الانتقام الأمريكي سريعًا وفاضحًا ووحشيًا، حيث توقعت إدارة جورج دبليو بوش أن محمود عباس وفتح سيفوزان، لكن عندما انتصرت حماس حاولت إبطال النتائج وعرقلة حكومة الوحدة.
حتى المخططات الأمريكية للإطاحة بحركة حماس ومحاولة إشعال حرب أهلية، اعتُبرت على أنها لم تؤدي إلا إلى سيطرة حماس السياسية والأمنية على غزة.
بعد خمسة عشر عامًا وثلاث حروب إسرائيلية، يواصل الفلسطينيون في غزة العيش تحت حصار قاسي وعُقوبات تفرضها الولايات المتحدة، دمرت الاقتصاد وحطمت سبل العيش وخلقت أزمة إنسانية لسكان القطاع البالغ عددهم مليوني نسمة.
أفغانستان والسياسة الانتقامية للولايات المتحدة
ولا تبشر هذه السياسة بالخير لسكان أفغانستان العاديين، الذين يصلون من أجل أن ترفع الولايات المتحدة عقوباتها القاسية وإلغاء قرار تجميد الأصول في اللحظة الأخيرة.
لكن استنادا إلى التصريحات الأخيرة التي أدلى بها يان ايجلاند، الأمين العام لمجلس اللاجئين النرويجي، الذي زار أفغانستان، فإن المؤشرات ليست جيدة بالمرة.
وشدد قائلا “في الوقت الراهن، علينا ان نتسابق مع الزمن، لإنقاذ الأرواح قبل حلول فصل الشتاء القاسي.
وأوضح ايجلاند أن “الاقتصاد الأفغاني خرج عن السيطرة تماما، ناهيك أنه يمكن أن ينهار النظام المصرفي الرسمي في أي لحظة بسبب نقص السيولة”.
وأكد “لقد تحدثت مع العائلات، التي أخبرتني أنها تعيش على الشاي وقطع صغيرة من الخبز القديم. وإذا انهار الاقتصاد أكثر، ستتوقف أفغانستان عن تقديم الخدمات الأساسية وبذلك سترتفع الاحتياجات الإنسانية بشكل كبير. فضلا عن أن معالجة أزمة السيولة أمر بالغ الأهمية، حيث تسعى منظمات الإغاثة إلى توسيع نطاقها لتلبية الاحتياجات الإنسانية الملحة “.
إن الواقع في أفغانستان، يحتم على مئات الآلاف من الأفغان النازحين، العيش في حاجة ماسة إلى المأوى والملابس الدافئة والطعام مع قدوم موسم الشتاء.
واعترف إيجلاند بأن الوضع سيء للغاية لدرجة أن واحدًا من بين كل ثلاثة أفغان لا يعرف من أين سيأتي بوَجبته التالية. كما أشار إلى أن موظفي مجلس اللاجئين النرويجي، يجدون صعوبة في الحصول على النقود لشراء الطعام أو الوصول إلى مدخراتهم في البنك.
وأكد “لم نتمكن من دفع رواتب الموظفين، كاملة لأنه كان من المستحيل إيصال الأموال إلى البلاد بأمان، تخيل أن هذا الوضع المتأزم أثر أيضا على جميع رواد الأعمال في البلاد”.
وتابع “أخبرني أصدقائي الذين يعيشون في العاصمة الأفغانية كابول، قصصًا مماثلة. حيث اصطف أحدهم لمدة ست ساعات فقط حتى نفد جهاز الصراف الآلي قبل الوصول إليه. بينما وقف آخر في طابور الانتظار من الصباح الباكر حتى حلول الظلام قبل أن يتمكن من سحب بعض النقود، وحتى ذلك الحين، لم يتمكن إلا من الحصول على بعض الأموال، التي ربما لن تكفي حاجته كما ينبغي”.
في سياق متصل، على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، العمل بسرعة والتفاوض بشأن صفقة لتحقيق الاستقرار على المستوى الاقتصادي، وتمويل الخدمات العامة الكافية لدفع رواتب موظفي الحكومة، وإنشاء صناديق ائتمانية تابعة للأمم المتحدة للمنظمات الإنسانية للعمل على أساس مؤقت.
المدن الرئيسية في أفغانستان ستتغلب على الأزمة
في حين أن النخبة المتميزة في المدن الرئيسية في أفغانستان ستتغلب بلا شك على هذه الأزمة الأخيرة، هناك قلق كبير بالنسبة لـ 18 مليون أفغاني يعتمدون بالفعل على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. كما تتزايد المخاوف بشأن المشردين داخليًا، الذين يبلغ عددهم حوالي 3.5 مليون (بما في ذلك 664 ألف نازح، فروا من مساكنهم أثناء القتال منذ يناير).
ووفقًا لأحدَث استطلاعات هاتفية، التي أجراها برنامج الغذاء العالمي، يعاني واحد من كل ثلاثة أفغان بالفعل من الجوع الحاد. ناهيك أن أكثر من 93 بالمئة من الأسر، لم تتمكن من الوصول إلى الوجبات الكافية خلال اليوم في الأسبوع الماضي.
ولسوء الحظ، يبدو أن هذه الأزمة قد أفلتت من معظم وسائل الإعلام الغربية، التي تواصل الإبلاغ عن قرارات طالبان بضرورة ارتداء الحجاب في جامعات كابول والفصل بين الرجل والمرأة، أما في هلمند، يبدو أن طالبان منعت الحلاقين من قص اللحى. ولسَائل أن يسأل الآن، هل هذا حقا خبر ذو أولوية، بالنسبة لوسيلة إعلامية مثل بي بي سي؟ أم أن هذا ما تصر أجندة اليمين على نشره في المحطات الإذاعية الوطنية؟
وفي الواقع، أصوات الجماهير الريفية، التي تمثل 70 بالمئة من الأفغان، لا يلتفت إليها أحد لأنها غير مسموعة. وإذا استمر الأمريكيون ودول الأمم المتحدة الأخرى في معاقبتهم بهذا النحو، فسيتم إسكَاتهم إلى الأبد.
وعندها لن يكون بإمكان الموتى طلب المساعدة. إن الولايات المتحدة تشن حربا جائرة وظالمة، تؤثر أولا وبالأخص على السكان الأفغان الأبرياء.