بدا معسكر مقتدى الصدر، أمس، مستعداً لفعل أي شيء لمنع وصول فالح الفياض إلى وزارة الداخلية. وعلى رغم أن ذلك المعسكر رأى في إحداث الفوضى التي أفشلت التصويت «إنجازاً» له، إلا أن معركته هذه ليست مضمونة النتائج، في ظلّ إصرار المعسكر الآخر على تولّي الفياض الحقيبة المذكورة، وامتلاكه الأوراق اللازمة لتحقيق هدفه
فالح الفيّاض (الداخلية)، وفيصل الجربا (الدفاع)، ودارا نور الدين (العدل). أسماء تمثل العقد الحائلة دون اكتمال «الكابينة» الوزارية. الأول لأن «الإصلاح» يريد الانتقام منه، لكونه سبّب «انفراط عقد التحالف في لحظة حرجة»، والثاني لأنه لا يحظى بدعم كامل من مكونات «البيت السُّني»، فيما الثالث يرجع الاعتراض عليه إلى أن آل طالباني أَملوا أن تكون الحقيبة من حصّتهم. وإلى جانب الأسماء الثلاثة المتقدمة، يُضاف اسم قصي السهيل (التعليم العالي) الذي لا يحظى بقبول من الصدر. ويغلّف «الإصلاح» رفضه تلك الشخصيات بعبارات «رفض الوصاية الخارجية، وحصر القرار داخل الحدود»، وهو ما يرفضه عبد المهدي، على اعتبار أنه هو مَن طرح هذه الأسماء أو وافق عليها.
كذلك، يحاول الصدر، في رفضه الفياض، أن يلقي الكرة في ملعب «المرجعية الدينية العليا (آية الله علي السيستاني)»، قائلاً إنه «ما مشكلة في توزير الفياض، لكنه لا يتوافق مع معايير المرجعية». إلا أن مطلعين على مسار المفاوضات ينقلون عن رئيس «بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق»، يان كوبيش، الذي التقى السيستاني أخيراً، قوله إنه «ما من رفض أو فرض على عبد المهدي في تسمية أحد»، ما يعني أن ليس ثمة «فيتو» من النجف على الفياض، وأن التعذّر بموقف «المرجعية» أقرب إلى «الشماعة». ولعلّ إدراك الصدر أن الإصرار على رفض الفياض بات مكشوفاً، دفعه إلى رفع سقف الخطاب في رسالته الأخيرة إلى عبد المهدي، والتي هدّد فيها باللجوء إلى الشارع، وعدم الاقتصار على المعارضة من قاعة البرلمان.
في توصيف ما حصل أمس، ثمّة وجهتا نظر: الأولى لـ«البناء»، والثانية لـ«الإصلاح». في الوجهة الأولى، يرى «البناء» أنه لا بد من إعادة قراءة المشهد، وإعداد العدة جيداً لتمرير الفياض في حال تعذُّر التوافق عليه، خصوصاً بعدما تبيّن أن المعركة البرلمانية ليست سهلة، وأن تحقيق النصاب بالاتفاق مع كتلة «الحزب الديموقراطي الكردستاني» ليس مضموناً. أما في الوجهة الثانية، فلا تخفي كتل «الإصلاح» ارتياحها لتمكّنها من إفشال التصويت بإحداث الفوضى. عبّر عن ذلك بوضوح القيادي في «سائرون»، صباح الساعدي، الذي قال إن «الإصلاح والإعمار، ومعهم الاتحاد الوطني، أثبتوا أنهم قادرون على إيقاف المشاريع الخارجية التي تحاول فرض الإرادة على العراق، في استيزار أشخاص محدّدين وسلب العراق قراره الوطني»، مضيفاً أن «حكومة الفرصة الأخيرة، إن استمرّ رئيسها في الخضوع للإرادات والإملاءات، فإن العد التنازلي لها مؤشّره بدأ بعد جلسة اليوم»، في تهديد صريح لعبد المهدي، الذي تسري توقعات بأن كتل «الإصلاح» ـــ إن لم تجرِ رياح الحكومة بما تشتهيه سفنها ـــ ستتجه إلى التكتّل في معارضة بوجهه، وهو ما سيهدد بتفجير الحكومة على اعتبار أن الجميع مشارك فيها. على أي حال، وفي انتظار الجلسة المنتظرة غداً الخميس، يواصل الائتلافان تحشيدهما واستعداداتهما للمواجهة، التي تنذر ـــ في حال وقوعها ـــ بانفتاح الأبواب على اشتباك سياسي لا يبدو بعيداً.
اشتباك كلامي تحت قبّة البرلمان
مع عدم تحقّق النصاب القانوني في الجلسة التي أُدرج التصويت على مرشّحي الحقائب الشاغرة على جدول أعمالها، اضطر رئيس البرلمان، محمد الحلبوسي، إلى تأجيل الجلسة نصف ساعة. في الجلسة التالية، حضرت الكتل المقاطِعة (تحالف الإصلاح والاتحاد الوطني الكردستاني)، بعدما دعا الحلبوسي النواب إلى الدخول من أجل احتساب عددهم. ولكن لم يكد ممثلو هذه الكتل يدخلون القاعة، حتى ساد الهرج والمرج، وعلت الهتافات المعارضة للتصويت على المرشّحين المقترحين، وفي مقدمهم فالح الفياض وفيصل الجربا. ومع علوّ موجة الاشتباك الكلامي والاتهامات المتبادلة، غادر رئيس الحكومة عادل عبد المهدي، ومعه مرشّحوه الثمانية، قاعة البرلمان، لِتُلغى الجلسة وتؤجَّل إلى يوم غد الخميس.