بغداد | «اشتدّي يا أزمة تنفرجي… أو تنفجري»؛ بين هذين الخيارَين يقف العراق اليوم، بعد أن بلغت الأزمة ذروتها، وصار الشارع مهدَّداً بالانفجار مع تصاعد التظاهرات والتظاهرات المضادّة، في لعبة بدا أن لا نهاية لها إلّا الصدام، إن استمرّت بلا ضوابط. وعلى رغم أن مقتدى الصدر عمد، مدفوعاً على ما يبدو بتلك المحاذير، إلى تأجيل «المليونية» التي كان قد أعلن تنظيمها السبت المقبل، إلّا أن رفضه المشاركة في الحوار الذي دعا إليه مصطفى الكاظمي أعاد إشاعة أجواء من التشاؤم بإمكانية إيجاد مخرج من الأزمة. وإذ يبدو الكاظمي ساعياً، من خلال دعوته تلك، إلى تعزيز رصيده بوصفه خياراً توافقياً يمكن الالتقاء عنده ولو من أجل تجديد المهمّة التي أتى بها أصلاً للمرّة الأولى، وهي الانتخابات المبكرة، فإن خطوة الصدر أمس، والتي أتت عقب تفادي المحكمة الاتحادية قول كلمتها بخصوص مسألة حلّ البرلمان، من شأنها إبقاء التأزّم على حاله، اللهم إلّا إذا صدقت التوقّعات بلقاء قريب بين الصدر وهادي العامري، يعوَّل عليه في إحداث اختراق في جدار الانسداد
أسقط زعيم «التيار الصدري»، مقتدى الصدر، دعوة الحوار التي أطلقها رئيس الوزراء، مصطفى الكاظمي، بإعلانه بعد بدء اجتماع ممثّلي الكتل السياسية برئاسة الأخير، رفضه المشاركة فيه. إذ أكد التيار، في بيان صادر عن «مكتب الشهيد الصدر» تحت عنوان «عام التغيير»، مقاطعته، بجميع عناوينه وشخصياته السياسية، المباشرة وغير المباشرة، الحوار الذي دعا إليه الكاظمي. وجاء البيان رأْساً بعد تأجيل المحكمة الاتحادية اتّخاذ قرار في شأن دعوى الصدر المطالِبة بحلّ مجلس النواب، إلى 30 آب الجاري، في ما بدا رغبة من المحكمة في إفساح المجال أمام التوصّل إلى تسوية عبر الحوار، وهي التي اعتادت القيام بخطوات مماثلة خلال النزاع على نتائج الانتخابات التي أجريت في تشرين الأول الماضي. وكان مجلس القضاء الأعلى قد أسقط، قبل أيام قليلة، دعوى مماثلة من قِبَل زعيم «الصدري» بداعي عدم الاختصاص. لكن الأخير لا يزال يصرّ على حلّ البرلمان عبر القضاء، نظراً لتجاوُز الأوّل المهل الدستورية لانتخاب رئيس جديد للجمهورية يقوم بدوره بتكليف مرشّح الكتلة البرلمانية الأكبر لرئاسة الحكومة، والدعوة إلى انتخابات مبكرة جديدة تشرف عليها حكومة تصريف الأعمال، فيما يرى «الإطار التنسيقي» أن الدستور، في ظلّ انتهاء ولاية رئيس الجمهورية وانحصار مهامّ الحكومة بتصريف الأعمال، يترك باباً واحداً لحلّ مجلس النواب، هو أن يصوّت المجلس بنفسه على الحلّ بناءً على طلب ثلث الأعضاء، علماً أن الصدر لم يَعُد ممثَّلاً في هذا المجلس بعد استقالة نوّابه الـ73 منه.
وجاء رفض «الصدريين» المشاركة في الحوار في اللحظة الأخيرة، ليطيح تفاؤلاً شاع عقب إرجاء الصدر «التظاهرة المليونية» التي كان قد دعا إلى حشدها من كلّ المحافظات في بغداد، السبت، حيث اعتبر الكثير من المراقبين قراره مؤشّراً إلى إمكانية موافقته على الجلوس إلى الطاولة، على رغم عزْوه إيّاه إلى ما سمّاه «مخطّطاتكم الخبيثة»، و«لكي لا أغذّي فسادكم بدماء العراقيين». وعزّز تلك التقديرات ما قاله الباحث القريب من التيار، نصير الدين الجمالي، لـ«الأخبار»، من أن «هناك أخباراً عن تدخّل طرف ثالث ضامن لحلّ الأزمة، ونأمل من الإطار التنسيقي قراءة رسائل السيد مقتدى الصدر قراءة إيجابيّة، وتحكيم العقل لعدم إضاعة الفرصة الأخيرة»، مع أن الجمالي أرجع، هو الآخر، إرجاء «المليونية» إلى «أخبار عن دسّ بعض العناصر لخلْق فتنة وصدام». لكن الباحث في الشأن السياسي، فاضل الطائي، المقرّب من «الصدري» أيضاً، يردّ رفض الصدر المشاركة في الحوار إلى أنه «لا جدوى من الحوار مع قيادات الإطار التنسيقي التي تريد الإبقاء على مخرجات النظام السياسي الذي يؤدّي إلى إنتاج منظومة فاسدة وانسداد سياسي بعد كلّ انتخابات»، معتبراً أن «قادة الإطار متخوّفون من صياغة نظام سياسي جديد»، عادّاً «الحوار الذي جرى اليوم (أمس) مجرّد تنازلات وتسويات لتشكيل حكومة». ولفت إلى أن «الصدر فقد الثقة تماماً بقيادات الإطار بعد التصريحات والبيانات الأخيرة المتشنّجة، حتى وصل الأمر ببعض القيادات السياسية إلى الضغط على وزير المالية، علي علاوي، من أجل تأخير رواتب الموظفين والمتقاعدين للاشهر المقبلة، والإعلان أن لا رواتب للموظفين في العام المقبل، لتأليب الشارع على الصدر كونه يؤخّر تشكيل الحكومة باعتصام أتباعه في محيط البرلمان، ما أدى إلى استقالة الوزير من منصبه».
في المقابل، يَعتبر «الإطار التنسيقي» دعوة رئيس الوزراء إلى الحوار «نافذة مهمّة جدّاً للخروج بموقف وطني متّفق عليه للحلّ وإنهاء الانسداد السياسي، وأعتقد أنها مكمّلة للمساعي التي يقودها» زعيم تحالف «الفتح»، هادي العامري، وفق ما يقول القيادي في الإطار، عبد الحسين الظالمي، لـ«الأخبار». ويضيف الظالمي، تعليقاً على إرجاء المحكمة الاتحادية قرارها في دعوى حلّ المجلس، أن «المحكمة رأيها واضح ووارد في ردودها السابقة على هكذا طلبات، وهو عدم اختصاصها لكون الدستور حدّد طرق حلّ البرلمان بنص في المادّة 64، وكذلك يُعتبر طلب إعادة الانتخابات من اختصاص السلطة التشريعية لأنه أيضاً محدَّد في الفقرة ثانياً من المادة 64 من الدستور». ويلفت إلى أن «الموقف الرسمي للإطار هو أن جميع قادته يدعون إلى التهدئة، ولا يسمحون بأيّ عملية تصعيد، لا في الإعلام ولا في الواقع ولا في التظاهرات»، نافياً أن يكون قد صدر أيّ بيان عن «كتائب حزب الله» أو غيرها من فصائل المقاومة يتحدّث عن انتشار عسكري. ويرى أن «هناك أطرافاً تحاول أن تستغلّ الساحة»، معتبراً أن «مواعيد التظاهرات المتزامنة بين الإطار والتيار، تعود إلى القادة السياسيين، وقد يرونها ورقة ضغط وما شابه». وكانت الكتائب قد أصدرت بياناً في ضوء الدعوات إلى التظاهر، قالت فيه «إنّنا في كتائب حزب الله سنتّخذ قرارات ميدانية تهدف إلى حماية السلم المجتمعي، عملاً بالتكليف لدفع الشرّ عن شعبنا العزيز». وبالفعل، وقعت حوادث من شأن تطوّرها أن يُدخِل العراق في دوّامة من العنف، مِن مِثل محاولة اغتيال النائب باسم خشان، الذي سبق أن انسحب من كتلة «سائرون» التابعة للصدر، واتّهمت عشيرته، «سرايا السلام»، الجناح العسكري لـ«التيار الصدري»، بالمسؤولية عن استهدافه، توازياً مع استعراض المئات من أفرادها قوّتهم وعددهم، وهم يطلقون النار في الهواء، في ناحية بركات في محافظة المثنى.
والعامري، الذي طرح خلال اجتماعاته الأخيرة في مدينتَي أربيل والسليمانية مقترحات لحلحلة الأزمة السياسية، أبرزها سحب «التنسيقي» مرشّحه لرئاسة الحكومة محمد شياع السوداني، مقابل الاتفاق على إنهاء عمل حكومة الكاظمي، وتسمية مرشّح بديل لتشكيل حكومة جديدة تكون مهمّتها الإعداد للانتخابات التشريعية المبكرة، إلى جانب تسمية رئيس للجمهورية، على أن تتعهّد الأطراف بشكل مسبق بقبول نتائج الانتخابات المبكرة.